على لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو غداً، يتوقف مصير المسار السياسي السوري، وعملية فيينا.

 

ويوحي تسريب أنباء روسية احتمال ألا يلتقي كيري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما كان معلنا قبل أيام، بتصلب روسي متزايد بعد انفراد السعودية بتشكيل وفد تفاوضي مع الحكومة السورية، واستنكاف عن الذهاب إلى لقاء نيويورك الذي دعا إليه الأميركيون، لاستئناف البحث في آليات تطبيق فيينا.

 

وكان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال إن قرار بوتين لقاء كيري يمكن أن ينتظر حتى انتهاء محادثاته مع لافروف، وأن «جون كيري قادم إلى هنا بدعوة من وزارة الخارجية الروسية وشريكه في المحادثات سيكون وزير خارجية روسيا».

ويبدي الروس عصبية متزايدة تجاه السعوديين والأميركيين معاً. ولم يحصل الروس على ما يهدئ غضبهم من الأميركيين، ومما اعتبروه تجاوزاً سعودياً للتفويض الدولي لهم بتنسيق اجتماعات المعارضة في الرياض، إلى تشكيل وفد المعارضة بل ودعوة «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» إلى الاجتماع وشرعنتهما سياسياً، وهي مجموعات تريد موسكو أن تمثل على لوائح الإرهاب، وليس في قاعات التفاوض.

وكان رد كيري، على الاحتجاج الروسي غامضاً، باكتفائه بالقول: «هناك نقطتان، ونواقص في مؤتمر الرياض». وهو موقف من لا يريد أن يقدم أوراقه وتنازلات قبل لقاء موسكو، ولكنه لا يساعد ربما على إعادة الهدوء روسياً.

وباء بالفشل اجتماع جنيف بين نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف ومساعدة وزير الخارجية الأميركي آن باترسون. وكان إرسال غاتيلوف بحد ذاته للقاء باترسون مؤشراً على أن الروس لا يرغبون بالمساومة، فالمرونة ليست الخصلة الحميدة التي قد يتميز بها هذا الديبلوماسي الروسي. وكل ما جرى هو أن غاتيلوف اكتفى بتبليغ الديبلوماسية الأميركية أن بلاده لن تقبل بكل ما صدر من الرياض، سواء ذلك البيان السياسي الذي يخرج عن سياق فيينا ووضعه مسألة الرئاسة السورية خارج نطاق البحث، وفي عهدة انتخابات لاحقة، إلى ترحيله في بداية مرحلة انتقالية، أو في ذلك الوفد التفاوضي الذي أقصيت عنه كل الاتجاهات والأسماء التي كانت قد تقدمت بها موسكو، كقدري جميل، وهيثم مناع وصالح مسلم محمد، ورندا قسيس، وشخصيات من المعارضة الداخلية التي شاركت في مؤتمر موسكو.

وقال غاتيلوف لباترسون، في جنيف، إن بلاده تطلب من الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا إعادة تشكيل الوفد التفاوضي أولاً، وعدم البحث بأي عملية سياسية، قبل التفاهم على لائحة الإرهاب ومن يمثل فيها من المجموعات المسلحة، لا سيما «أحرار الشام» و «جيش الإسلام».

وتبدو حظوظ التوصل إلى تسوية مع الوزير الأميركي ضئيلة، خصوصاً أن الروس استبقوا وصوله بالإعلان رسمياً، في بيان عن الخارجية، أن لقاء الرياض ليس سوى جزء من منصات مختلفة للمعارضة السورية في الأستانة وموسكو والقاهرة، وأن «المطلوب الآن من دي ميستورا أن يجمع في القريب العاجل نتائج عمل كل هذه المنصات، وتقديم تركيبة متوازنة تمثل حقاً وفداً من المعارضة لقيام مفاوضات مستقرة مع ممثلي الحكومة السورية».

ونفت موسكو أي حق للرياض بتشكيل وفد المعارضة، وأنها لا تملك تفويضاً بذلك. وقالت إن «هذه المهمة أوكلت للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، ولذلك فإننا لا نستطيع الموافقة على محاولة فريق المعارضة الذي اجتمع في الرياض أن يمنح نفسه الحق في التحدث باسم جميع فصائل المعارضة السورية».

وَعَدَّ الروس وجود ممثلين عن «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» تحدياً لهم. وقال بيانهم: «حضر اجتماع الرياض أشخاص لديهم سمعة سيئة، من شاكلة ممثلين عن مجموعات مثل جيش الإسلام وأحرار الشام. وهذه تقييمات حتى بعض المشاركين في الاجتماع، وهؤلاء في جيش الإسلام قاموا، من ضمن أمور أخرى، بشن سلسلة من هجمات على السفارة الروسية في دمشق، في حين أن عناصر أحرار الشام يقاتلون جنباً إلى جنب مع إرهابيي جبهة النصرة، حيث يعملون معها في الجسد الإرهابي المشترك مع حركة جيش الفتح. ونحن ما زلنا مقتنعين بأن العملية السياسية في سوريا ينبغي أن تستبعد الإرهابيين».

ورأى الروس في الرياض مساومة بين السعودية وتركيا على تقاسم المعارضة السورية، إذ قالوا إن أنقرة لم «تسمح للائتلاف الوطني المعارض، الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له، بالتوجه إلى الرياض، قبل أن توافق الرياض على استبعاد حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي من المؤتمر».

ويبدو أن موسكو لن تقبل بأي شراكة في العملية السياسية في سوريا تخرج عن فيينا، فشمل هجومها أيضاً باريس والدعوة الفرنسية إلى «عقد اجتماع عاجل لمجموعة أصدقاء سوريا اليوم في باريس، وهي التي يعرف عنها التمسك بخط استنفد حظوظه، يقوم على الدعوة لإسقاط الحكومة الشرعية في دمشق».

وفي خلفية اللقاء الأميركي - الروسي غداً، تدور حرب خنادق ديبلوماسية روسية - سعودية، تحاول فيها الرياض لي ساعد موسكو سياسياً، بعد تصعيدها تسليح مجموعاتها المسلحة بصواريخ «تاو» المضادة الدبابات لإفشال العمليات البرية السورية التي يساندها الروس جواً، إذ يبدو واضحاً أن السعوديين لا يهدفون إلى تنظيم أي مفاوضات أو تسوية في سوريا، فلا الوفد الذي جرى تشكيله قادر على مفاوضات جدية، سواء عبر مساحة تمثيله التي لا تعبر عن التوازنات الحقيقية للمعارضة، ولا في برنامج الحد الأقصى الذي تبنته والذي يعطل أي حديث جدي مع أي وفد حكومي سوري، لمباشرته التفاوض من نقطة(رحيل) الرئيس بشار الأسد غير الواقعية. كما أن الأب الروحي لعملية فيينا لن يقبل بخلوتهم منفردين مع المعارضة السورية، «ائتلافية» أو مسلحة وقيادة مسارها بشروطهم.

والراجح أن السعوديين يعملون على الضغط على الروس، عبر وضع المعارضة السورية وهيئاتها الأوسع في الخارج في سلتهم، وضم «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» إلى العملية السياسية، وحرمان الروس من تحقيق أي تقدم سياسي، يعكس حجم انخراطهم العسكري في سوريا، بقلب الطاولة على تفاهمات فيينا وإعادة المسار السياسي إلى الموت السريري.

ويعكس الهجوم السعودي، في الرياض، اعتراضاً ابعد من مجرد مواجهة الهجوم الروسي في سوريا، إلى محاولة احتواء التقدم الإيراني في سوريا، تحت الغطاء الجوي الروسي، الذي يعزز تحته الحرس الثوري الإيراني وقوات عراقية و «حزب الله» عملياتهم العسكرية، ونفوذهم السياسي، الذي تستهدفه الرياض أكثر مما تستهدف العملية الروسية نفسها.

وكان لقاء بوتين بمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، في طهران في 23 تشرين الثاني الماضي، كشف وهم الرهان على أن يؤدي الانخراط الروسي في سوريا، إلى دفع الإيرانيين خارجاً، أو احتوائهم، خصوصاً عندما جرى تعميد ذلك التحالف بتعهد بوتين «عدم خيانة الأصدقاء». ثم بدأت موسكو تزويد طهران بمنظومة صواريخ «أس 300» التي كانت الجزء الأخير الذي تحتاجه الترسانة الإيرانية، لتعزيز تفوقها العسكري في الخليج.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-13
  • 11921
  • من الأرشيف

هجوم روسي لإجهاض مناورة الرياض

على لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو غداً، يتوقف مصير المسار السياسي السوري، وعملية فيينا.   ويوحي تسريب أنباء روسية احتمال ألا يلتقي كيري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما كان معلنا قبل أيام، بتصلب روسي متزايد بعد انفراد السعودية بتشكيل وفد تفاوضي مع الحكومة السورية، واستنكاف عن الذهاب إلى لقاء نيويورك الذي دعا إليه الأميركيون، لاستئناف البحث في آليات تطبيق فيينا.   وكان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال إن قرار بوتين لقاء كيري يمكن أن ينتظر حتى انتهاء محادثاته مع لافروف، وأن «جون كيري قادم إلى هنا بدعوة من وزارة الخارجية الروسية وشريكه في المحادثات سيكون وزير خارجية روسيا». ويبدي الروس عصبية متزايدة تجاه السعوديين والأميركيين معاً. ولم يحصل الروس على ما يهدئ غضبهم من الأميركيين، ومما اعتبروه تجاوزاً سعودياً للتفويض الدولي لهم بتنسيق اجتماعات المعارضة في الرياض، إلى تشكيل وفد المعارضة بل ودعوة «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» إلى الاجتماع وشرعنتهما سياسياً، وهي مجموعات تريد موسكو أن تمثل على لوائح الإرهاب، وليس في قاعات التفاوض. وكان رد كيري، على الاحتجاج الروسي غامضاً، باكتفائه بالقول: «هناك نقطتان، ونواقص في مؤتمر الرياض». وهو موقف من لا يريد أن يقدم أوراقه وتنازلات قبل لقاء موسكو، ولكنه لا يساعد ربما على إعادة الهدوء روسياً. وباء بالفشل اجتماع جنيف بين نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف ومساعدة وزير الخارجية الأميركي آن باترسون. وكان إرسال غاتيلوف بحد ذاته للقاء باترسون مؤشراً على أن الروس لا يرغبون بالمساومة، فالمرونة ليست الخصلة الحميدة التي قد يتميز بها هذا الديبلوماسي الروسي. وكل ما جرى هو أن غاتيلوف اكتفى بتبليغ الديبلوماسية الأميركية أن بلاده لن تقبل بكل ما صدر من الرياض، سواء ذلك البيان السياسي الذي يخرج عن سياق فيينا ووضعه مسألة الرئاسة السورية خارج نطاق البحث، وفي عهدة انتخابات لاحقة، إلى ترحيله في بداية مرحلة انتقالية، أو في ذلك الوفد التفاوضي الذي أقصيت عنه كل الاتجاهات والأسماء التي كانت قد تقدمت بها موسكو، كقدري جميل، وهيثم مناع وصالح مسلم محمد، ورندا قسيس، وشخصيات من المعارضة الداخلية التي شاركت في مؤتمر موسكو. وقال غاتيلوف لباترسون، في جنيف، إن بلاده تطلب من الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا إعادة تشكيل الوفد التفاوضي أولاً، وعدم البحث بأي عملية سياسية، قبل التفاهم على لائحة الإرهاب ومن يمثل فيها من المجموعات المسلحة، لا سيما «أحرار الشام» و «جيش الإسلام». وتبدو حظوظ التوصل إلى تسوية مع الوزير الأميركي ضئيلة، خصوصاً أن الروس استبقوا وصوله بالإعلان رسمياً، في بيان عن الخارجية، أن لقاء الرياض ليس سوى جزء من منصات مختلفة للمعارضة السورية في الأستانة وموسكو والقاهرة، وأن «المطلوب الآن من دي ميستورا أن يجمع في القريب العاجل نتائج عمل كل هذه المنصات، وتقديم تركيبة متوازنة تمثل حقاً وفداً من المعارضة لقيام مفاوضات مستقرة مع ممثلي الحكومة السورية». ونفت موسكو أي حق للرياض بتشكيل وفد المعارضة، وأنها لا تملك تفويضاً بذلك. وقالت إن «هذه المهمة أوكلت للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، ولذلك فإننا لا نستطيع الموافقة على محاولة فريق المعارضة الذي اجتمع في الرياض أن يمنح نفسه الحق في التحدث باسم جميع فصائل المعارضة السورية». وَعَدَّ الروس وجود ممثلين عن «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» تحدياً لهم. وقال بيانهم: «حضر اجتماع الرياض أشخاص لديهم سمعة سيئة، من شاكلة ممثلين عن مجموعات مثل جيش الإسلام وأحرار الشام. وهذه تقييمات حتى بعض المشاركين في الاجتماع، وهؤلاء في جيش الإسلام قاموا، من ضمن أمور أخرى، بشن سلسلة من هجمات على السفارة الروسية في دمشق، في حين أن عناصر أحرار الشام يقاتلون جنباً إلى جنب مع إرهابيي جبهة النصرة، حيث يعملون معها في الجسد الإرهابي المشترك مع حركة جيش الفتح. ونحن ما زلنا مقتنعين بأن العملية السياسية في سوريا ينبغي أن تستبعد الإرهابيين». ورأى الروس في الرياض مساومة بين السعودية وتركيا على تقاسم المعارضة السورية، إذ قالوا إن أنقرة لم «تسمح للائتلاف الوطني المعارض، الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له، بالتوجه إلى الرياض، قبل أن توافق الرياض على استبعاد حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي من المؤتمر». ويبدو أن موسكو لن تقبل بأي شراكة في العملية السياسية في سوريا تخرج عن فيينا، فشمل هجومها أيضاً باريس والدعوة الفرنسية إلى «عقد اجتماع عاجل لمجموعة أصدقاء سوريا اليوم في باريس، وهي التي يعرف عنها التمسك بخط استنفد حظوظه، يقوم على الدعوة لإسقاط الحكومة الشرعية في دمشق». وفي خلفية اللقاء الأميركي - الروسي غداً، تدور حرب خنادق ديبلوماسية روسية - سعودية، تحاول فيها الرياض لي ساعد موسكو سياسياً، بعد تصعيدها تسليح مجموعاتها المسلحة بصواريخ «تاو» المضادة الدبابات لإفشال العمليات البرية السورية التي يساندها الروس جواً، إذ يبدو واضحاً أن السعوديين لا يهدفون إلى تنظيم أي مفاوضات أو تسوية في سوريا، فلا الوفد الذي جرى تشكيله قادر على مفاوضات جدية، سواء عبر مساحة تمثيله التي لا تعبر عن التوازنات الحقيقية للمعارضة، ولا في برنامج الحد الأقصى الذي تبنته والذي يعطل أي حديث جدي مع أي وفد حكومي سوري، لمباشرته التفاوض من نقطة(رحيل) الرئيس بشار الأسد غير الواقعية. كما أن الأب الروحي لعملية فيينا لن يقبل بخلوتهم منفردين مع المعارضة السورية، «ائتلافية» أو مسلحة وقيادة مسارها بشروطهم. والراجح أن السعوديين يعملون على الضغط على الروس، عبر وضع المعارضة السورية وهيئاتها الأوسع في الخارج في سلتهم، وضم «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» إلى العملية السياسية، وحرمان الروس من تحقيق أي تقدم سياسي، يعكس حجم انخراطهم العسكري في سوريا، بقلب الطاولة على تفاهمات فيينا وإعادة المسار السياسي إلى الموت السريري. ويعكس الهجوم السعودي، في الرياض، اعتراضاً ابعد من مجرد مواجهة الهجوم الروسي في سوريا، إلى محاولة احتواء التقدم الإيراني في سوريا، تحت الغطاء الجوي الروسي، الذي يعزز تحته الحرس الثوري الإيراني وقوات عراقية و «حزب الله» عملياتهم العسكرية، ونفوذهم السياسي، الذي تستهدفه الرياض أكثر مما تستهدف العملية الروسية نفسها. وكان لقاء بوتين بمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، في طهران في 23 تشرين الثاني الماضي، كشف وهم الرهان على أن يؤدي الانخراط الروسي في سوريا، إلى دفع الإيرانيين خارجاً، أو احتوائهم، خصوصاً عندما جرى تعميد ذلك التحالف بتعهد بوتين «عدم خيانة الأصدقاء». ثم بدأت موسكو تزويد طهران بمنظومة صواريخ «أس 300» التي كانت الجزء الأخير الذي تحتاجه الترسانة الإيرانية، لتعزيز تفوقها العسكري في الخليج.

المصدر : محمد بلوط – السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة