دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدأت اليوم في العاصمة السعودية الرياض أعمال مؤتمر توحيد المعارضة السورية على وثيقة سياسية مشتركة لمفاوضة وفد الحكومة في مباحثات "جنيف 3" المقرر عقدها الشهر المقبل.
ومن المفترض أن يشكل المؤتمر استحقاقا مهما على صعيد حل أزمة المعارضة المستمرة منذ سنوات، والتي تحولت إلى معارضات كثيرة بحيث يصعب على المراقب تصنيفها وتحديد هويتها.
وأزمة المعارضة السورية تتجاوز مسألة التباينات الإقليمية والدولية، رغم تأثيرها، إلى طبيعة وتكوين المعارضات نفسها، وقد كشفت الأيام السابقة الحجم الكبير للأزمة التي لا يبدو أن مؤتمر الرياض قادر على حلها.
ويمكن تحديد أزمة المعارضة السورية في ثلاث مسائل:
1ـ الخلاف على التمثيل خصوصا بين الائتلاف وهيئة التنسيق، وفيما يرفض الأول أي منافسة لها في تمثيل المعارضة أمام المحافل الدولية، يرفض الثاني استئثار الائتلاف بهذه المهمة، لأنه لا يمثل إلا جزءا من الشعب السوري أولا، ولأنه مرتبط بعواصم إقليمية معروفة ثانيا، وبسبب فشله في توحيد نفسه وتوسيع دائرة تمثيله ثالثا.
وقد بدت هذه المشكلة واضحة في مطالبة الائتلاف بالحصول على الحصة الأكبر في مؤتمر الرياض، في وقت طالبت فيه الهيئة بالحصول على تمثيل مساو لحصة الائتلاف.
والواقع أن هذه المسألة حالت وتحول دون توافق الفصيلين الأكبر في المعارضة السورية، ومن المرجح أن تكون سببا رئيسيا في عدم توحيد المعارضة مستقبلا على الرغم من جلوس الائتلاف وهيئة التنسيق لأول مرة على طاولة واحدة.
2ـ خلافات داخل المكونات نفسها أدت إلى انقسامات وانشقاقات كما حدث مع هيئة التنسيق حين انشق منها هيثم مناع وشكل تيارا جديدا، وما يجري الآن مع الائتلاف نفسه، حيث الانقسامات والاصطفافات الداخلية واضحة، وتجلى ذلك خلال الأيام الماضية، مع الفضيحة الكبيرة التي طرحت أسئلة حول مصداقية الائتلاف: خالد خوجة يقدم لائحة أسماء للرياض ممن هم قريبون منه، في وقت تقدم الهيئة السياسية لائحة أخرى، ولم تحل المشكلة إلا بتدخل سعودي عبر رفع حصص التمثيل لكل المشاركين.
3ـ الحل السياسي، وهي المشكلة الثالثة التي تحول دون توافق الفصيلين على صيغة واحدة، بالرغم من التوافق الكبير في وثائقهما، فوثيقة المبادئ الأساسية للائتلاف تتطابق إلى حد كبير مع خارطة الطريق التي خرج بها "إعلان القاهرة"، والتي كانت هيئة التنسيق أحد مكوناته الرئيسية.
غير أن الثقل الروسي السياسي ـ العسكري الذي بدا واضحا في الأزمة السورية هذا العام (منتديا موسكو 1 و 2، العملية العسكرية داخل سوريا)، قد أثمر عن نتائج سياسية مهمة، فبعيدا عن القوى السياسية المقربة من الحكومة السورية وتحاول موضعة نفسها في المعارضة، بدأت هيئة التنسيق تميل إلى الطرح الروسي، على صعيد إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب، وعلى صعيد عقدة الأسد والقبول به في المرحلة الانتقالية، فضلا عن تأييدها لمخرجات "فيينا 2" الذي رفضه الائتلاف وأصر على اعتماد القرار الدولي 2118 كأساس للحل.
والمسودة التي قدمها الائتلاف لمؤتمر الرياض واضحة، "مرجعية العملية السياسية في سوريا هي بيان جنيف 30 حزيران 2012 الذي صادق عليها مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2118 الذي نَصّ بصراحة على أن هذه العملية تبدأ بتشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية كاملة الصلاحيات".
وهذه النقطة ستشكل خلافا حادا بين الجانبين في ظل إصرار الائتلاف على مواقفه في ضرورة أن لا يكون للأسد دورا في المرحلة الانتقالية، وهو الموقف الذي يتطابق مع السعودية وتركيا وقطر.
بناء على ذلك من الصعوبة الحديث عن نجاح عملية توحيد المعارضة السورية، حتى ولو خرجت الرياض بوثيقة تفاهم، فمثل هذه الوثيقة سرعان ما ستنهار أمام أي منعطف، فالمسألة ليست متعلقة بإنشاء وفد معارض موحد لمفاوضة النظام بحيث إذا ما انهارت المفاوضات انهار معها هذا الوفد، المسألة مرتبطة بمواقف واضحة للحل السياسي بعيدا عن المصالح الجانبية لجميع الأطراف لا سيما الفصيلين السياسيين الأكبر.
ويبدو واضحا من سياق الأمور أن المؤتمر لن يحظى بقبول دولي مع استبعاد الرياض لقوى سياسية تعتبر نفسها من مكونات المعارضة (الاتحاد الديمقراطي الكردي، الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير، المنبر الديمقراطي، حركة المجتمع التعددي)، الأمر الذي سيدفع هذه القوى الإقليمية والدولية إلى إعادة العمل على ترتيب صفوف المعارضة، خصوصا فيما يتعلق بالأكراد الذين يشكلون رأس حربة في محاربة "داعش".
وأغلب الظن أن المجتمع الدولي بتأثير من روسيا وقبول من الولايات المتحدة سيعتمد وفدا للمعارضة أكثر تمثيلا مما سينتجه مؤتمر الرياض، الأمر الذي سيعيد الاصطفافات الإقليمية والدولية في عملية توحيد وفد للمعارضة.
المصدر :
روسيا اليوم / حسين محمد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة