قبل 72 عاماً، في أواخر تشرين الثاني من عام 1943، حطّ «قادة العالم» جوزف ستالين وفرانكلين روزفلت ووينستون تشرشل، رحالهم في طهران لعقد محادثات استمرت ثلاثة أيام حول مجريات الحرب العالمية الثانية. كانت إيران في حينه، تخضع لاحتلال سوفياتي بريطاني مشترك منذ عام 1941، بذريعة تعاطف الشاه رضا بهلوي مع أدولف هتلر. وعلى حين غرة، جاءهم ضيف غير مرغوب فيه، يرجو خمس دقائق من وقتهم، بلا جدوى. بعد إلحاح وتوسل، منّ عليه تشرشل بلحظات استماع، استغلها في استجداء معاملة أفضل لوالده المنفي إلى جزيرة موريشيوس في مومباي الهندية. لم يكن الضيف سوى شاه إيران الجديد، محمد رضا بهلوي، ابن رضا شاه.

 

قبل أقل من أسبوعين، في أواخر تشرين الثاني 2015، وطئت قدما فلاديمير بوتين، قيصر روسيا، وريث ستالين، أرض طهران. كانت الساعة قد لامست الثانية من بعد الظهر، موعد افتتاح قمة الدول المصدرة للغاز المنعقدة في ايران. طلب مرافقوه تسريع الخطى للحاق موعد الافتتاح، فرفض. تمنوا عليه إجراء مراسم الاستقبال الرسمي، فتمنع. كان قد حدد وجهته مسبقاً: آية الله علي خامنئي. أراد «الاستفادة من مستوى الفهم والحزم اللذين يتميز بهما»، على ما عبر في وقت لاحق من زيارته. ساعتان أمضاهما الرئيس الروسي في ضيافة مرشد الجمهوريّة، حاول خلالهما الفريق المرافق تذكيره، أكثر من مرة، بأنه تأخر كثيراً على القمة. كان جوابه واحداً فيها كلها: لا يهم.

لقاء تقرر في خلاله نقل العلاقة الثنائية إلى المستوى الاستراتيجي. كان بوتين واضحاً في ذلك. قالها صراحة: «كنّا نعتبر علاقتنا تكتيكية، ونعرف أن في إيران من يعتبر أننا يمكن أن نبيعكم للغرب. إن روسيا لن تتخلى عن حليفتها الاستراتيجية إيران»، على ما نقل مسؤول إيراني رفيع المستوى. بوتين شدد على أنه يريد العلاقة بهذا السقف في كل المجالات، السياسية والعسكرية والتجارية. وجرى التفاهم بين الرجلين على توجيه جميع الوزارات في البلدين لترجمة هذا التفاهم الاستراتيجي في كل تفاصيل العلاقات الثنائية. ظهر ذلك سريعاً في الاتفاقات أو التفاهمات التي وقعت خلال الزيارة في مجالات التبادل العلمي والتكنولوجي، وفي الميدان النووي (الاتفاق مع موسكو على بناء 12 مفاعلاً في إيران)، والتجاري (قرار بوتين فتح خط تمويل بقيمة 5 مليارات دولار، قابل للرفع إلى عشرة مليارات، لتغطية التبادلات التجارية، فيما تعهدت طهران بفتح الباب واسعاً أمام مشاركة روسيا في الصناعة النفطية في الجمهورية الإسلامية). هذا طبعاً في ظل تعهد بوتين بتصدير كل ما تريده إيران من اسلحة، كمّاً ونوعاً، على ما أفادت مصادر عسكرية إيرانية واسعة الإطلاع.

 

 

تحالف استراتيجي سياسي وعسكري واقتصادي وتوافق على رفض أي حل يفرض على السوريين

 

 

في المقابل، أعرب خامنئي عن تقديره وتثمينه للسياسة الروسية في مقاومة الغرب في أوكرانيا. كذلك أعرب لبوتين عن «قناعته بأن موقف موسكو في سوريا عزز موقع روسيا في النظام الدولي، وفي موقع بوتين وسمعته على المستوى العالمي».

يضيف المسؤول الإيراني الرفيع، أن ملف سوريا كان رئيسياً على طاولة المباحثات، قدم بوتين «تعهداً بألّا يقبل، مثله مثل الجمهورية الإسلامية، بأي حل لا يقبله الشعب السوري». كذلك تعهد الطرفان «بالعمل للحؤول دون فرض أي طرف خارجي أي حل» على دمشق. وهي العبارة التي يترجمها المتابعون بأنها تعني «لا مساومة على الرئيس بشار الأسد، ومصيره يقرره الشعب السوري». وهي كانت العنوان الأول في الرسالة التي نقلها مستشار المرشد، علي أكبر ولايتي، إلى الرئيس الأسد خلال زيارته قبل أيام للعاصمة السوريّة.

حرص بوتين على استعراض معلومات حكومته حول الدعم الذي تقدمه تركيا للمجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا، وخصوصاً «داعش». شرح بالتفصيل جهود أنقرة في تجارة النفط مع هذا التنظيم، وقدم معلومات من نوع أنه في أسبوع واحد، عبر الحدود التركية باتجاه سوريا نحو 2000 إرهابي مسلح ونحو 20 طناً من السلاح.

يقول المسؤول الإيراني نفسه إن الجمهورية الإسلامية تعهدت لروسيا بالعمل ما في وسعها لحماية حدودها الجنوبية من أي تقدم «أطلسي» يحاكي ذاك الذي حصل على الجبهة الغربية (في شرق أوروبا)، في مقابل التزام روسي بتقديم غطاء كامل لإيران في مواجهة عدوان أميركي أو «أطلسي» من أي نوع كان. واتفق الطرفان على إعادة إحياء «أوبك الغاز»، في محاولة لتشكيل جبهة اقتصادية لتقوية الفريق الدولي المعادي للغرب، وتنسيق سياسات الطاقة بشكل كامل لتقوية جبهتهم. تنسيق سارعت الجمهورية الإسلامية إلى ترجمته بوقف إمداداتها لأوروبا بالغاز كي لا تضر روسيا.

لكن الأهم، من منظور آني، هو الاتفاق بين الطرفين على تشكيل تحالف عالمي ضد الإرهاب، على غرار التحالف العالمي الذي شكل منتصف القرن الماضي ضد النازية، نواته الدول الإسلامية، على قاعدة القناعة بأن الغرب لا يصلح لتشكيل تحالف كهذا ولن يفعل.

الأكثر طرافة في الزيارة كلها، سؤال وجهه الرئيس حسن روحاني إلى ضيفه: «هل نستطيع أن نتوافق سيادة الرئيس على تعريف الإرهابي؟». كان جواب القيصر سريعاً: «هذا أمر سهل جداً سيادة الرئيس. كل من هو ضدنا إرهابي، وكل من هو معنا ليس إرهابياً».

جملة خلطت الجد بالمزاح، لكنها تختصر معادلة فرضت نفسها في الميدان، وتعززت مع إسقاط تركيا للـ «سوخوي» الروسية، غداة «تفاهمات طهران» التي وضعت دعائم تحالف إقليمي دولي جديد، تداعياته لن يمضي الكثير من الوقت قبل أن تظهر جلية على أرض الواقع.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-04
  • 13610
  • من الأرشيف

خامئني وبوتين: مع الأسد... كل من يقف ضدنا إرهابي

 قبل 72 عاماً، في أواخر تشرين الثاني من عام 1943، حطّ «قادة العالم» جوزف ستالين وفرانكلين روزفلت ووينستون تشرشل، رحالهم في طهران لعقد محادثات استمرت ثلاثة أيام حول مجريات الحرب العالمية الثانية. كانت إيران في حينه، تخضع لاحتلال سوفياتي بريطاني مشترك منذ عام 1941، بذريعة تعاطف الشاه رضا بهلوي مع أدولف هتلر. وعلى حين غرة، جاءهم ضيف غير مرغوب فيه، يرجو خمس دقائق من وقتهم، بلا جدوى. بعد إلحاح وتوسل، منّ عليه تشرشل بلحظات استماع، استغلها في استجداء معاملة أفضل لوالده المنفي إلى جزيرة موريشيوس في مومباي الهندية. لم يكن الضيف سوى شاه إيران الجديد، محمد رضا بهلوي، ابن رضا شاه.   قبل أقل من أسبوعين، في أواخر تشرين الثاني 2015، وطئت قدما فلاديمير بوتين، قيصر روسيا، وريث ستالين، أرض طهران. كانت الساعة قد لامست الثانية من بعد الظهر، موعد افتتاح قمة الدول المصدرة للغاز المنعقدة في ايران. طلب مرافقوه تسريع الخطى للحاق موعد الافتتاح، فرفض. تمنوا عليه إجراء مراسم الاستقبال الرسمي، فتمنع. كان قد حدد وجهته مسبقاً: آية الله علي خامنئي. أراد «الاستفادة من مستوى الفهم والحزم اللذين يتميز بهما»، على ما عبر في وقت لاحق من زيارته. ساعتان أمضاهما الرئيس الروسي في ضيافة مرشد الجمهوريّة، حاول خلالهما الفريق المرافق تذكيره، أكثر من مرة، بأنه تأخر كثيراً على القمة. كان جوابه واحداً فيها كلها: لا يهم. لقاء تقرر في خلاله نقل العلاقة الثنائية إلى المستوى الاستراتيجي. كان بوتين واضحاً في ذلك. قالها صراحة: «كنّا نعتبر علاقتنا تكتيكية، ونعرف أن في إيران من يعتبر أننا يمكن أن نبيعكم للغرب. إن روسيا لن تتخلى عن حليفتها الاستراتيجية إيران»، على ما نقل مسؤول إيراني رفيع المستوى. بوتين شدد على أنه يريد العلاقة بهذا السقف في كل المجالات، السياسية والعسكرية والتجارية. وجرى التفاهم بين الرجلين على توجيه جميع الوزارات في البلدين لترجمة هذا التفاهم الاستراتيجي في كل تفاصيل العلاقات الثنائية. ظهر ذلك سريعاً في الاتفاقات أو التفاهمات التي وقعت خلال الزيارة في مجالات التبادل العلمي والتكنولوجي، وفي الميدان النووي (الاتفاق مع موسكو على بناء 12 مفاعلاً في إيران)، والتجاري (قرار بوتين فتح خط تمويل بقيمة 5 مليارات دولار، قابل للرفع إلى عشرة مليارات، لتغطية التبادلات التجارية، فيما تعهدت طهران بفتح الباب واسعاً أمام مشاركة روسيا في الصناعة النفطية في الجمهورية الإسلامية). هذا طبعاً في ظل تعهد بوتين بتصدير كل ما تريده إيران من اسلحة، كمّاً ونوعاً، على ما أفادت مصادر عسكرية إيرانية واسعة الإطلاع.     تحالف استراتيجي سياسي وعسكري واقتصادي وتوافق على رفض أي حل يفرض على السوريين     في المقابل، أعرب خامنئي عن تقديره وتثمينه للسياسة الروسية في مقاومة الغرب في أوكرانيا. كذلك أعرب لبوتين عن «قناعته بأن موقف موسكو في سوريا عزز موقع روسيا في النظام الدولي، وفي موقع بوتين وسمعته على المستوى العالمي». يضيف المسؤول الإيراني الرفيع، أن ملف سوريا كان رئيسياً على طاولة المباحثات، قدم بوتين «تعهداً بألّا يقبل، مثله مثل الجمهورية الإسلامية، بأي حل لا يقبله الشعب السوري». كذلك تعهد الطرفان «بالعمل للحؤول دون فرض أي طرف خارجي أي حل» على دمشق. وهي العبارة التي يترجمها المتابعون بأنها تعني «لا مساومة على الرئيس بشار الأسد، ومصيره يقرره الشعب السوري». وهي كانت العنوان الأول في الرسالة التي نقلها مستشار المرشد، علي أكبر ولايتي، إلى الرئيس الأسد خلال زيارته قبل أيام للعاصمة السوريّة. حرص بوتين على استعراض معلومات حكومته حول الدعم الذي تقدمه تركيا للمجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا، وخصوصاً «داعش». شرح بالتفصيل جهود أنقرة في تجارة النفط مع هذا التنظيم، وقدم معلومات من نوع أنه في أسبوع واحد، عبر الحدود التركية باتجاه سوريا نحو 2000 إرهابي مسلح ونحو 20 طناً من السلاح. يقول المسؤول الإيراني نفسه إن الجمهورية الإسلامية تعهدت لروسيا بالعمل ما في وسعها لحماية حدودها الجنوبية من أي تقدم «أطلسي» يحاكي ذاك الذي حصل على الجبهة الغربية (في شرق أوروبا)، في مقابل التزام روسي بتقديم غطاء كامل لإيران في مواجهة عدوان أميركي أو «أطلسي» من أي نوع كان. واتفق الطرفان على إعادة إحياء «أوبك الغاز»، في محاولة لتشكيل جبهة اقتصادية لتقوية الفريق الدولي المعادي للغرب، وتنسيق سياسات الطاقة بشكل كامل لتقوية جبهتهم. تنسيق سارعت الجمهورية الإسلامية إلى ترجمته بوقف إمداداتها لأوروبا بالغاز كي لا تضر روسيا. لكن الأهم، من منظور آني، هو الاتفاق بين الطرفين على تشكيل تحالف عالمي ضد الإرهاب، على غرار التحالف العالمي الذي شكل منتصف القرن الماضي ضد النازية، نواته الدول الإسلامية، على قاعدة القناعة بأن الغرب لا يصلح لتشكيل تحالف كهذا ولن يفعل. الأكثر طرافة في الزيارة كلها، سؤال وجهه الرئيس حسن روحاني إلى ضيفه: «هل نستطيع أن نتوافق سيادة الرئيس على تعريف الإرهابي؟». كان جواب القيصر سريعاً: «هذا أمر سهل جداً سيادة الرئيس. كل من هو ضدنا إرهابي، وكل من هو معنا ليس إرهابياً». جملة خلطت الجد بالمزاح، لكنها تختصر معادلة فرضت نفسها في الميدان، وتعززت مع إسقاط تركيا للـ «سوخوي» الروسية، غداة «تفاهمات طهران» التي وضعت دعائم تحالف إقليمي دولي جديد، تداعياته لن يمضي الكثير من الوقت قبل أن تظهر جلية على أرض الواقع.

المصدر : إيلي شلهوب – الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة