دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يحاكي الجيش السوري بعملياته المعقدة والمتشابكة، طبيعة الأرض التي يقاتل عليها في ريف اللاذقية الشمالي.فهناك حيث المكان عبارة عن غابات متداخلة من الجبال والتلال والوديان، وكل جبل أو تلة أو واد هو غابة وحده بأشجاره الكثيفة وتضاريسه الوعرة وممراته الضيقة المخفية، نجح الجيش السوري، مدعوماً بغطاء جوي روسي، في نسج شبكة عنكبوتية من العمليات والهجمات المتداخلة، كانت كفيلة بتشتيت الخصم وإصابته بحيرة قاتلة حول الهدف المقبل الذي يسعى إليه، فإذا توقع قدومه من محور فاجأه الجيش من محور آخر، أو قد يبتدع محوراً جديداً غير متوقع، وأحياناً، كما حدث، أمس، يفتح المحاور بعضها على بعض دفعة واحدة، ليحقق ضربة قاضية سيكون لها تأثيرها على كامل ريف اللاذقية في القريب العاجل.
هذه المرة تؤكد المصادر الميدانية أن سيطرة الجيش السوري على كتف الغنمة الاستراتيجي نهائية، ولا انسحاب منه كما حدث مرات عديدة في السابق. وإذ يتيح هذا الإنجاز للجيش أن يثبّت أقدامه في تلال رشوان وزيتونة اللتين سبق له اقتحامهما قبل أسبوع، لكنه اضطر للانسحاب بسبب عدم نجاحه في اعتلاء قمة كتف الغنمة حيث جوبه آنذاك بمقاومة شرسة من قبل الفصائل المسلحة، فإن اعتلاءه قمة كتف الغنمة سيجعل من السهل عليه أن يتقدم نحو الكتف الآخر المجاور، والذي لا يقل أهمية وهو كتف الغدر.
والعارفون بتضاريس غابة الجبال في ريف اللاذقية يدركون أن السيطرة على هاتين التلتين تعني سقوط نصف المنطقة بيد الجيش السوري. وهو ما أثبتته التداعيات السريعة التي شهدها ريف اللاذقية في أعقاب ذلك، حيث سيطر الجيش بسرعة قياسية على عدة مناطق هي المروج، جبل بيت أحمد، جبل القريمة، جورة المي، بيت معروف وبيت نجيب بشار، فيما استمرت الاشتباكات ضد «جبهة النصرة» و«المقاتلين الشيشان» و«الفرقة الساحلية الأولى» في محيط قريتي الجلطة وجب الأحمر.
ويقع كتف الغنمة إلى الغرب من تلال رشوان وزيتونة. وبما أن الممرات بينهما غير آمنة من دون السيطرة على كتف الغنمة فقد انقسمت وحدات الدفاع الوطني، التي كانت رأس الحربة في هذه العملية، إلى قسمين، القسم الأول وهو مؤلف من وحدات الدفاع الوطني في اللاذقية، انطلق نحو رشوان وزيتونة، والقسم الثاني، من وحدات الدفاع الوطني في دمشق انطلق نحو كتف الغنمة. وإثر هذا التقدم أصبحت تلة رويسة الملوحة، الكائنة في أسفل كتف الغنمة، مكشوفة لوحدات الجيش السوري التي سرعان ما بسطت سيطرتها عليها، كما سيطرت على قرية عين سامور في الجهة المقابلة. وأهمية السيطرة على عين سامور أن من شأنها تضييق الخناق على معقل المسلحين في قرية سلمى، لأنها تعتبر جزءاً من مجموعة التلال المشرفة عليها.
وتعتبر عملية كتف الغنمة المحاولة الرقم عشرين التي يحاول فيها الجيش السوري بسط سيطرته على هذه التلال الإستراتيجية، وكانت آخر محاولة غير ناجحة قبل أسبوع تقريباً. وأحد أسباب نجاح العملية هو أن الجيش فتح حوالي ستة محاور في الوقت ذاته في كل من تلال السرمانية وتلال كباني وتلة الرشوان ورويسة الملوحة وكتف الغدر والغنمة، الأمر الذي شتت قدرات الفصائل المسلحة ومنعها من مؤازرة بعضها البعض.
وبالتزامن مع اعتلاء وحدات من الجيش السوري قمة كتف الغنمة، كانت وحدات أخرى تعتلي التلة الخامسة والأخيرة من تلال جب الأحمر، وهي تلة خندق خامو المحاذية لسهل الغاب في ريف حماه الشمالي، والتي لم يكن يحول بين الجيش السوري والتثبيت عليها سوى الكثافة النارية التي كانت في كل مرة تستهدفه من كتف الغنمة وتمنعه من التثبيت، وهو ما نجح أخيراً في كسر معادلته المعقدة بفضل التكتيكات الجديدة التي اتبعها في هجومه الأخير.
وبعد كتف الغنمة، من البديهي أن الجيش سيسعى للسيطرة على تلة كتف الغدر المجاورة التي من المتوقع أنها باتت مسألة وقت لا أكثر. كما أنه بعد التثبيت في خندق خامو يكون من الطبيعي أن يكمل طريقه نحو جبل كباني المشرف على مدينة جسر الشغور والذي سيكون لسقوطه ارتدادات كبيرة في سهل الغاب وريف إدلب. وفي هذا السياق، سيطر الجيش السوري، صباح أمس، على النقطة 1154.5 الواقعة جنوب قرية كباني بمسافة لا تزيد عن كيلومتر واحد، والتي جعلت من قرية كباني تحت السيطرة النارية للجيش السوري.
ومن المتوقع أن تستمر عملية الجيش السوري خلال الأيام المقبلة من دون توقف، حتى تحقيق كل الأهداف المرحلية لها، وهي الإمساك بجميع قمم الجبال الحاكمة في المنطقة تمهيداً للإطباق على ما تبقى منها. ويشكل برج القصب أحد أهم هذه الأهداف، لأنه يؤدي إلى الفصل بين جبلي الأكراد والتركمان وقطع خطوط الإمداد بين ربيعة وسلمى، لذلك فإن التركيز على هذا المحور سيكون أولوية للجيش السوري في خطوته التالية.
وكانت الفصائل المسلحة قد استشعرت خطورة الوضع في ريف اللاذقية الشمالي قبل أيام عدة، عندما سيطر الجيش على جبل الزويك وزاهية ومناطق عدة أخرى. ودعت هذه الفصائل إلى النفير العام، بل إن قاضي عام «جيش الفتح» الشيخ السعودي عبدالله المحيسني أعلن بسبب هذه التطورات عن إيقاف «غزوة حماه» والاتجاه نحو الساحل. وقد أرسلت بعض هذه الفصائل مثل «جيش الشام» و«أحرار الشام» و«أجناد الشام» مؤازرات عاجلة من ريف حماه ومن ريف إدلب، إلا أن قسماً من هذه المؤازرات لم يصل، بسبب استهداف الجيش السوري والطائرات الروسية خطوط الإمداد وتدميرها أرتالاً عدة على الطريق قبل وصولها إلى ريف اللاذقية. كما أن القسم الذي وصل لم يستطع ـ بحسب ما أكدته الوقائع ـ أن يغير من معادلة القوى لا أن يوقف تقدم الجيش السوري.
المصدر :
عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة