دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من سوء حظ محور واشنطن الذي يسعى لفرض حل سياسي «للأزمة» في سورية يلائم أهدافه، أن اجتماع فيينا2 استُبق بمشهد سياسي وميداني من شأنه ترجيح كفة «النظام السوري» وحلفائه في التسوية المرتقبة.
فالتنظيمات الإرهابية أعادت خلط الأوراق من جديد، واللعب الأميركي على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» بات في خبر كان، إذ إن تمكن الإرهابيين من قتل عشرات الأشخاص بأماكن متعددة وفي وقت واحد وبأساليب غير متوقعة – كما حدث في اعتداءات باريس وضاحية بيروت وحادثة الطائرة الروسية المنكوبة في مصر- من شأنه أن يفرض حلاً على قاعدة «غالب ومغلوب» طرفاه موسكو وشركاؤها من جهة وواشنطن وحلفاؤها من جهة أخرى!
وفي الحقيقة، أن ما جرى ويجري على يد الإرهابيين حول العالم وضع الجميع أمام الاستحقاق الأهم:التوحد حيال الإرهاب بوصفه العدو رقم واحد، وخصوصاً أن قوانين الطوارئ وحبس المدنيين داخل بيوتهم لم تعد مجدية لمواجهة شراسة هذا العدو ووحشيته، بل تستدعي بالضرورة العمل بطرق عملية ومباشرة لضربها واجتثاثها.
ويُعد التحالف مع محور موسكو أحد الطرق العملية والسريعة والمتاحة لضرب الإرهاب والأسراب «الجهادية» المنتشرة في أوروبا والعالم كافة متعددة الجنسيات وعابرة للحدود والقارات، ففي هذا التحالف ثمة حضور روسي فعّال وتعاون إقليمي وثيق مع دول المنطقة، وللجيش العربي السوري إنجازات ميدانية مذهلة، ودمشق عمود الصمود الرئيسي والحاضنة الأولى للإسلام المعتدل والأكثر قدرة على مواجهة الفكر الظلامي والإيديولوجيات المتطرفة التي تصدرها الأنظمة الحليفة للغرب كقطر والسعودية.
وفي الوقت الراهن، من المهم الانتباه لمؤشرين بارزين يؤكدان أن زمن محاباة الأنظمة الراعية للإرهاب قد ولّى وهذا ما يتضح من خلال:
1- الإدانات الدولية والعربية الواسعة لهجمات الضاحية الجنوبية معقل حزب اللـه اللبناني وهذا الأمر غير عادي، «فالمجتمع الدولي» حين كان متحمساً للحرب على سورية بين عامي 2011- 2013 لم يعر أدنى اهتمام للهجمات السابقة التي تعرضت لها الضاحية.
2- اللهجة الجديدة لوزراء خارجية بريطانيا والولايات المتحدة عشية فيينا2، ففيليب هاموند هدّد السعودية بوقف مدها بالأسلحة إن: «أثبتت التحقيقات أن الرياض خرقت القانون الدولي الإنساني في حرب اليمن»، وواقعية جون كيري قبيل توجهه إلى فيينا، حيث ظهرت هذه الواقعية حين تحدث عن «الأيام المعدودة لداعش» وحدد بوضوح طبيعة التسوية «بروز أي اتفاق محتمل سيعتمد على تطورات القتال على الأرض»، وظهرت أيضاً في نصائحه للأطراف المشاركة (والأرجح أنه يقصد الطرف السعودي): «بعدم التشبث بمواقفها والقيام بخطوة إلى الأمام حتى يمكن وقف نزف الدماء»، وبضرورة «إظهار المرونة من أجل التوصل إلى حل سياسي».
إذاً في (نهاية المطاف) صار الحديث عن «الأيام المعدودة» عنواناً لتنظيم البغدادي وليس للرئيس الأسد و«نظامه»، فالغرب بعد خمس سنوات من عمر الحرب على سورية اعترف – تحت وطأة الحاجة إلى الدور السوري ومتطلبات الأمن القومي ومحاولات الحفاظ على الاستقرار العالمي- أن «داعش» و«النظام» ليسا في كفة واحدة، واقتنع أنه كلما طال أمد «الأزمة السورية» كانت فرصة انتقال الإرهاب أكبر إلى مجتمعاته (العمل الإرهابي الأخير في فرنسا مثلاً)، وبناءً عليه سيلجأ مضطراً لجملة من التحولات المهمة من بينها التخلي عن دعمه لما سمته صحيفة /الغارديان/ البريطانية «للديكتاتوريات العربية التي لعبت دوراً خبيثاً في صعود الإرهاب الأصولي الإسلامي»، وقبول ما كان يرفضه سابقاً:أي الشراكة مع سورية واستثمار إنجازاتها الميدانية عبر حل سياسي ينهي الفوضى السائدة فيها ويحفظ طابعها العلماني.
المصدر :
باسمة حامد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة