قبل الدخول في مؤتمر (فيينا 2) الذي عُقِد قبل أيام بشأن الأزمة السورية، لا بد من العودة الى (فيينا 1)، لنستعرض باقتضاب، الدخول الإستعراضي لوزير الخارجية السعودية عادل الجُبير الى ذلك المؤتمر، حاملاً ورقة قرارات مُسبقة وكأنها "أمر ملكي سعودي"، يسري داخل المملكة وقد ترحِّب به دولٌ لها مصالح واستثمارات مع المملكة تُلزمها بالمسايرة، لكن الإملاءات السعودية بتحديد توقيت رحيل الرئيس الأسد وانسحاب إيران من سوريا، لا تُلزم إيران بشيء، لا بل رفض وزير خارجيتها الدكتور محمد جواد ظريف مجرَّد المناقشة فيها وسمِع الجُبير درساً إيرانياً قاسياً في الأصول الديبلوماسية.

 

 

أجواء (فيينا 2) بشأن سوريا، طَغَت عليها مأساة التفجيرات الباريسية، تماماً كما طَغَت على مؤتمر الدول العشرين الإقتصادي في أنطاليا بتركيا، الذي أُطلِقت عليه تسمية "مؤتمر باريس" تضامناً مع فرنسا رغم غياب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في ما بدا وكأن الغرب الذي يأتمر في فيينا لبحث القضية السورية وفي أنطاليا لبحث أمور إقتصادية مشتركة، قد حوَّلت الهجمات الإرهابية في باريس بوصلة اهتماماته ليبحث بموضوع أمنه ومكافحة الإرهاب ليس كرمى لعيون سوريا بل لأن داعش باتت في عقر كل دارٍ أوروبية.

 

البيان الختامي لمؤتمر فيينا جاء مخالفاً لكل الأمنيات السعودية، وغرَّد الجُبير بعد المؤتمر منفرداً وأصرَّ بمكابرة على تحديد موعد إسقاط الأسد، لكن المؤتمرين بدوا وكأنهم ليسوا مُلزمين بعد اليوم بمسايرة السعودية على حساب همومهم المصيرية في مواجهة الإرهاب، واتفقوا على العمل الجاد لإنهاء الحرب في سوريا، وعلى عقد لقاء جديد "خلال نحو شهر" لإجراء تقييم للتقدم بشأن التوصل لوقف لإطلاق النار وبدء عملية سياسية في البلد المضطرب، بحسب ما جاء في البيان الختامي يوم السبت الفائت، وتضمَّن هذا البيان أن ممثلي الدول الـ17 إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، اتفقوا خلال لقاء فيينا على جدول زمني محدد لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا خلال ستة أشهر وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا رغم استمرار خلافهم على مصير الرئيس بشار الأسد.

 

تصريحات المؤتمرين في فيينا عكست إنقلاب طاولة المحادثات على رؤوس البعض، والإرباك الذي ساد الرؤى الأوروبية والأميركية نتيجة الزلزال الفرنسي، الذي ذكَّر العالم بتصريحات للرئيس بشار الأسد عام 2011، عندما حذَّر العالم من أن إدخال الإرهاب الى سوريا سوف يحدث زلازلاً على مستوى الإقليم والعالم، والزلازل قد بدأت، وتحاول الدول الأوروبية استدراك نفسها، ليس لمنع الزلازل بل لبحث كيفية مواجهتها، لأن "الشروخ البركانية" باتت تحت كل أرضٍ من القارة العجوز!

 

وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير، أعلن أن الدول المشاركة في مؤتمر فيينا قررت بدء محادثات فورية مع جماعات المعارضة السورية، مع الإدراك المسبق بصعوبة المهمة، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فريديريكا موغيريني أشادت بـ"الاجتماع الجيد جدا"، والمحادثات التي تهدف للتوصل الى أرضية مشتركة بهدف حل النزاع، وأن هذه العملية يمكن أن تبدأ بكل تأكيد، رغم أن اجتماع فيينا يأخذ معنى آخر بعد اعتداءات باريس، وأضافت موغيريني أن "الدول المجتمعة حول الطاولة عانت جميعها من الألم نفسه والرعب نفسه والصدمة نفسها خلال الأسابيع الأخيرة"، مشيرة على سبيل المثال إلى "لبنان وروسيا ومصر وتركيا".

 

تحوُّل مؤتمر فيينا عن الهمّ السوري ومحاربة الإرهاب عن بُعد، الى الهمّ الأوروبي ومواجهته عن قرب، تجلَّى في ما صرح به وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لدى وصوله إلى فيينا: "إن أحد أهداف اجتماع اليوم في فيينا هو تحديدا أن نرى بشكل ملموس كيف يمكننا تعزيز التنسيق الدولي في مجال مكافحة داعش".

 

على هامش هذا المؤتمر، ووسط الشوارع الباريسية المُقفرة، يرى المُتابعون للأحداث أنها غيَّرت مسارات السياسات الدولية نتيجة المخاطر التي تُهدِّد الغرب من ارتدادات إرهابٍ صَنَعه هذا الغرب ودَعَمه، وسيعاني من عدم القدرة على مواجهته في مجتمعات أوروبية تعيش بسلام منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وشعوبها غير معتادة على نمط العيش وسط أجواء رُعبٍ دائم.

 

الباحث قاسم عز الدين شبَّه وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس بالديك الفرنسي الذي يصيح ولا يُقدم على الهجوم، وذكَّر بأحداث عام 2005 عندما أحرق المهاجرون من شمال إفريقيا 5000 سيارة في ضواحي باريس ولم تجرؤ الشرطة على مواجهتهم.

 

الدكتور بسام طحَّان أستاذ الجيوستراتيجيا في المدارس الفرنسية العليا قال: لا يُمكن لفرنسا أن تضبط "إستيراد" الإرهابيين طالما أن قضاءها يعتبر الإرهابي الفرنسي العائد من سوريا أو العراق أنه ارتكب جنحةً ولا تتعامل معه كقاتل قد يُترجم ثقافته الإرهابية على أراضيها.

 

وقد يكون استنتاج الباحث في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين، هو الأكثر ملامسة للواقع الذي ينتظر أوروبا نتيجة السياسات الخاطئة لقادتها، وقدَّم مثالاً عن عدم إدراكها كيفية مواجهة الإرهاب وتحدَّث عن أخطاء الرئيس فرانسوا هولاند وقال:

كل الأحزاب الفرنسية سواء من أقصى اليسار الى أقصى اليمين المتطرِّف تنتقد السياسة المتردِّدة للرئيس في موضوع الحرب على الإرهاب وتتساءل : كيف ينظر الرئيس الى داعش كمنظمة إرهابية ويُشارك في دعم جبهة النُصرة؟

 

فرنسا ستشهد انتخابات محلِّية في مطلع ديسمبر/ كانون الأول القادم والرئيس الفرنسي سيكون أكبر الخاسرين، والزعيمة اليمينية ماري لوبان التي تُطالب بالتعاون مع الرئيس الأسد للقضاء على الإرهاب ستكون من أوائل المنتصرين، والشعب الفرنسي يُساندها في هذا التوجُّه، وأية انتخابات على مستوى أكبر في فرنسا تلي الإنتخابات المحلِّية ستُعيد الأمور الى نصابها عبر محاسبة هولاند الذي كانت شعبيته 18.7 /% قبل انفجارات باريس، وما يحصل من انتفاضة لدى الشعب الفرنسي ضد الإرهاب يبدو وكأنه ربيعٌ أوروبي من الوعي، ينسحب بسرعة على بلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد وبريطانيا، وأن الإرهاب لا بدّ سيرتدّ على من سار خلف أميركا في مشروع شرق أوسطٍ جديد تُرسم حدوده بدماء أبرياء العرب برعاية عربية وتمويل خليجي وإخراجٍ أميركي أوروبي مشترك والتنفيذ لشياطين "إدارة التوحُّش" بمباركة وهَّابية حاقدة... 

  • فريق ماسة
  • 2015-11-16
  • 8657
  • من الأرشيف

فيينا -2، من المأزق السوري الى المآزق الغربية!

 قبل الدخول في مؤتمر (فيينا 2) الذي عُقِد قبل أيام بشأن الأزمة السورية، لا بد من العودة الى (فيينا 1)، لنستعرض باقتضاب، الدخول الإستعراضي لوزير الخارجية السعودية عادل الجُبير الى ذلك المؤتمر، حاملاً ورقة قرارات مُسبقة وكأنها "أمر ملكي سعودي"، يسري داخل المملكة وقد ترحِّب به دولٌ لها مصالح واستثمارات مع المملكة تُلزمها بالمسايرة، لكن الإملاءات السعودية بتحديد توقيت رحيل الرئيس الأسد وانسحاب إيران من سوريا، لا تُلزم إيران بشيء، لا بل رفض وزير خارجيتها الدكتور محمد جواد ظريف مجرَّد المناقشة فيها وسمِع الجُبير درساً إيرانياً قاسياً في الأصول الديبلوماسية.     أجواء (فيينا 2) بشأن سوريا، طَغَت عليها مأساة التفجيرات الباريسية، تماماً كما طَغَت على مؤتمر الدول العشرين الإقتصادي في أنطاليا بتركيا، الذي أُطلِقت عليه تسمية "مؤتمر باريس" تضامناً مع فرنسا رغم غياب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في ما بدا وكأن الغرب الذي يأتمر في فيينا لبحث القضية السورية وفي أنطاليا لبحث أمور إقتصادية مشتركة، قد حوَّلت الهجمات الإرهابية في باريس بوصلة اهتماماته ليبحث بموضوع أمنه ومكافحة الإرهاب ليس كرمى لعيون سوريا بل لأن داعش باتت في عقر كل دارٍ أوروبية.   البيان الختامي لمؤتمر فيينا جاء مخالفاً لكل الأمنيات السعودية، وغرَّد الجُبير بعد المؤتمر منفرداً وأصرَّ بمكابرة على تحديد موعد إسقاط الأسد، لكن المؤتمرين بدوا وكأنهم ليسوا مُلزمين بعد اليوم بمسايرة السعودية على حساب همومهم المصيرية في مواجهة الإرهاب، واتفقوا على العمل الجاد لإنهاء الحرب في سوريا، وعلى عقد لقاء جديد "خلال نحو شهر" لإجراء تقييم للتقدم بشأن التوصل لوقف لإطلاق النار وبدء عملية سياسية في البلد المضطرب، بحسب ما جاء في البيان الختامي يوم السبت الفائت، وتضمَّن هذا البيان أن ممثلي الدول الـ17 إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، اتفقوا خلال لقاء فيينا على جدول زمني محدد لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا خلال ستة أشهر وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا رغم استمرار خلافهم على مصير الرئيس بشار الأسد.   تصريحات المؤتمرين في فيينا عكست إنقلاب طاولة المحادثات على رؤوس البعض، والإرباك الذي ساد الرؤى الأوروبية والأميركية نتيجة الزلزال الفرنسي، الذي ذكَّر العالم بتصريحات للرئيس بشار الأسد عام 2011، عندما حذَّر العالم من أن إدخال الإرهاب الى سوريا سوف يحدث زلازلاً على مستوى الإقليم والعالم، والزلازل قد بدأت، وتحاول الدول الأوروبية استدراك نفسها، ليس لمنع الزلازل بل لبحث كيفية مواجهتها، لأن "الشروخ البركانية" باتت تحت كل أرضٍ من القارة العجوز!   وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير، أعلن أن الدول المشاركة في مؤتمر فيينا قررت بدء محادثات فورية مع جماعات المعارضة السورية، مع الإدراك المسبق بصعوبة المهمة، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فريديريكا موغيريني أشادت بـ"الاجتماع الجيد جدا"، والمحادثات التي تهدف للتوصل الى أرضية مشتركة بهدف حل النزاع، وأن هذه العملية يمكن أن تبدأ بكل تأكيد، رغم أن اجتماع فيينا يأخذ معنى آخر بعد اعتداءات باريس، وأضافت موغيريني أن "الدول المجتمعة حول الطاولة عانت جميعها من الألم نفسه والرعب نفسه والصدمة نفسها خلال الأسابيع الأخيرة"، مشيرة على سبيل المثال إلى "لبنان وروسيا ومصر وتركيا".   تحوُّل مؤتمر فيينا عن الهمّ السوري ومحاربة الإرهاب عن بُعد، الى الهمّ الأوروبي ومواجهته عن قرب، تجلَّى في ما صرح به وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لدى وصوله إلى فيينا: "إن أحد أهداف اجتماع اليوم في فيينا هو تحديدا أن نرى بشكل ملموس كيف يمكننا تعزيز التنسيق الدولي في مجال مكافحة داعش".   على هامش هذا المؤتمر، ووسط الشوارع الباريسية المُقفرة، يرى المُتابعون للأحداث أنها غيَّرت مسارات السياسات الدولية نتيجة المخاطر التي تُهدِّد الغرب من ارتدادات إرهابٍ صَنَعه هذا الغرب ودَعَمه، وسيعاني من عدم القدرة على مواجهته في مجتمعات أوروبية تعيش بسلام منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وشعوبها غير معتادة على نمط العيش وسط أجواء رُعبٍ دائم.   الباحث قاسم عز الدين شبَّه وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس بالديك الفرنسي الذي يصيح ولا يُقدم على الهجوم، وذكَّر بأحداث عام 2005 عندما أحرق المهاجرون من شمال إفريقيا 5000 سيارة في ضواحي باريس ولم تجرؤ الشرطة على مواجهتهم.   الدكتور بسام طحَّان أستاذ الجيوستراتيجيا في المدارس الفرنسية العليا قال: لا يُمكن لفرنسا أن تضبط "إستيراد" الإرهابيين طالما أن قضاءها يعتبر الإرهابي الفرنسي العائد من سوريا أو العراق أنه ارتكب جنحةً ولا تتعامل معه كقاتل قد يُترجم ثقافته الإرهابية على أراضيها.   وقد يكون استنتاج الباحث في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين، هو الأكثر ملامسة للواقع الذي ينتظر أوروبا نتيجة السياسات الخاطئة لقادتها، وقدَّم مثالاً عن عدم إدراكها كيفية مواجهة الإرهاب وتحدَّث عن أخطاء الرئيس فرانسوا هولاند وقال: كل الأحزاب الفرنسية سواء من أقصى اليسار الى أقصى اليمين المتطرِّف تنتقد السياسة المتردِّدة للرئيس في موضوع الحرب على الإرهاب وتتساءل : كيف ينظر الرئيس الى داعش كمنظمة إرهابية ويُشارك في دعم جبهة النُصرة؟   فرنسا ستشهد انتخابات محلِّية في مطلع ديسمبر/ كانون الأول القادم والرئيس الفرنسي سيكون أكبر الخاسرين، والزعيمة اليمينية ماري لوبان التي تُطالب بالتعاون مع الرئيس الأسد للقضاء على الإرهاب ستكون من أوائل المنتصرين، والشعب الفرنسي يُساندها في هذا التوجُّه، وأية انتخابات على مستوى أكبر في فرنسا تلي الإنتخابات المحلِّية ستُعيد الأمور الى نصابها عبر محاسبة هولاند الذي كانت شعبيته 18.7 /% قبل انفجارات باريس، وما يحصل من انتفاضة لدى الشعب الفرنسي ضد الإرهاب يبدو وكأنه ربيعٌ أوروبي من الوعي، ينسحب بسرعة على بلجيكا وهولندا والدانمارك والسويد وبريطانيا، وأن الإرهاب لا بدّ سيرتدّ على من سار خلف أميركا في مشروع شرق أوسطٍ جديد تُرسم حدوده بدماء أبرياء العرب برعاية عربية وتمويل خليجي وإخراجٍ أميركي أوروبي مشترك والتنفيذ لشياطين "إدارة التوحُّش" بمباركة وهَّابية حاقدة... 

المصدر : أمين أبوراشد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة