دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
اختار الناخبون الأتراك الاستقرار السياسي والاقتصادي في ظل حكم العدالة والتنمية، وتخول النتائج للحزب تشكيل حكومة منفردة.
وستسمح النتائج للرئيس رجب طيب أردوغان بالمحافظة على صلاحيات رئاسية واسعة كأمر واقع.
وتجاوز حزب العدالة والتنمية نكسته السابقة في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي، وبات بإمكانه تشكيل حكومة منفردا من دون الاضطرار إلى أي تحالفات مع أحزاب أخرى، ليواصل حكم تركيا لأربع سنوات مقبلة في مسيرة بدأها منذ عام 2002.
واستطاع العدالة والتنمية حشد أنصاره في شكل أفضل من الانتخابات الماضية، ما أثر في رفع نسبة التصويت إلى قرابة 87 في المئة أي أكثر بنحو ثلاثة في المئة مقارنة بانتخابات يونيو /حزيران، وهو ما أثر إيجابا على حظوظ الحزب فقد حصد حزب العدالة والتنمية قرابة 49.4 في المئة ليستأثر بنحو 316 مقعدا في البرلمان مقارنة بنحو 258 نائبا في انتخابات الصيف الماضي.
وعزز حزب الشعب الجمهوري العلماني مواقعه قليلا وحصد 25.4 في المئة مقارنة بنحو 24.9 في المئة في الانتخابات الماضية ورفع تمثيله بنائبين جديدين ليفوز بـ 134 نائبا في البرلمان الجديد.
لكن الحركة القومية منيت بنكسة كبيرة إثر الانشقاقات الكبيرة والتحاق بعض أعضائها بالحكومة المؤقتة ما تسبب في خسارتها نصف مؤيديها مقارنة بالانتخابات الماضية، فلم تحقق أكثر من 12 في المئة ليهبط عدد نوابها إلى 41 مقارنة بـ 80 في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي، وربما دفع الحزب ثمن رفضه التحالف مع أي طرف لتشكيل حكومة، ولاحقا انحيازه للعدالة والتنمية في اختيار رئيس البرلمان.
حزب الشعوب الديمقراطي الذي شكل الحصان الأسود في الانتخابات الماضية فقد نحو 20 في المئة من أصواته، وتراجع تمثيل الحزب الكردي وبالكاد تجاوز نسبة الحسم بحصوله على 10.5 في المئة، وسوف يمثله 59 نائبا مقارنة بـ 80 نائبا في يونيو/ حزيران.
ورغم الانتكاسة فإن النتيجة تعد طيبة للحزب الذي يخوض ثاني انتخابات في تاريخه، ويعطي إشارات إيجابية فيما يخص مشاركة الأكراد في العملية السياسية.
ويبدو أن حزب العدالة والتنمية استطاع إقناع جزء من جمهور حزب الشعوب بأنه يعد ضمانة لمواصلة الحل السياسي مع حزب العمال الكردستاني، وأنه الوحيد القادر على السير وفق مشروع واضح من أجل وقف دوامة العنف المتواصلة في جنوب شرق البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاما، وأدت إلى حصد أرواح عشرات الآلاف، واستطاع حزب العدالة والتنمية رفع تمثيله في ديار بكر معقل الحزب الكردي بحصوله على نائبين.
أردوغان "سلطان" أمر واقع
وبقراءة أولية فمن الواضح أن النتائج وضعت حدا لطموحات الرئيس رجب طيب أردوغان في تحويل البلاد إلى نظام حكم رئاسي.
فالنتائج لا تتيح للرئيس أردوغان تعديل الدستور من أجل تحويل نظام الحكم إلى نظام رئاسي عوضا عن الرئاسة الشرفية حاليا فتغيير الدستور يحتاج إلى 367 صوتا في البرلمان، أو حتى تمرير مشروع لاستفتاء شعبي على تغيير نظام الحكم وهو ما يحتاج 330 صوتا.
لكن تفرد حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة يسمح بمواصلة التداخل بين مهام الرئاسة ورئاسة الحكومة التي يقودها داوود أوغلو منظِر الحزب وصديق أردوغان الشخصي، ما يعني أن صلاحيات أوردوغان الواسعة وسلطته الرئاسية ستبقى واسعة كأمر واقع، ما يتيح له دورا كبيرا في السياسات الداخلية والخارجية.
ويبدو أن الأتراك اختاروا الاستقرار الاقتصادي بعدما تأثرت أسواق المال التركية، وتراجعت العملة الوطنية كثيرا عقب النكسة المفاجئة لحزب العدالة والتنمية في انتخابات الصيف الماضي.
ويأمل الأتراك في مواصلة النمو الاقتصادي الذي سمح لتركيا بمضاعفة حجم اقتصادها في غضون السنوات العشر الأولى من حكم العدالة والتنمية، ودخولها إلى مصاف أكبر عشرين اقتصاد في العالم.
ولعبت أجواء عدم الاستقرار الأمني، والتفجيرات الإرهابية الكبيرة التي تعرضت لها أنقرة وإسطنبول وسروج في صالح حزب أردوغان خاصة في ظل تكهنات بوقوف أحزاب متنافسة وراء التخطيط لها.
وتقدم النتائج دعما لسياسة الحكومة في مواصلة الحملة ضد تنظيم "داعش" أوأي تنظيم يسعى إلى زعزعة أمن تركيا، وباختيار العدالة والتنمية ينحاز كثير من الأتراك لمواصلة المسيرة السلمية في جنوب شرق البلاد وإنهاء الصراع المسلح الدامي الذي أدى إلى تخريب البنى التحتية وتأخر هذه المناطق.
ورغم أن سياسة أردوغان تتعرض لانتقادات كثيرة في الداخل التركي، ومن بلدان إقليمية ودولية، فإن نتائج التصويت تمنح أردوغان قوة إضافية لمواصلة سياسته الخارجية في الملفات الإقليمية وخاصة في الملف السوري في وقت تشهد فيه المنطقة تغيرات درامية مع دخول روسيا بقوة على خط الأزمة، ونوايا الولايات المتحدة بزيادة عملياتها ودعم أطراف لا تروق لأنقرة.
وأخيرا فإن حزب العدالة والتنمية استطاع تحقيق المفاجأة، وأقنع غالبية الناخبين الأتراك بأنه هو الضامن للأمن وتطوير الاقتصاد، ولكن قيادة تركيا في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية ربما تحتاج إلى تركيا أقوى وليس المحافظة على مكانة رجل تركيا "القوي" أردوغان فحسب.
المصدر :
سامر إلياس
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة