لم تفصل سوى أشهر قليلة بين اعتزاز زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني بأن جماعته تشكّل «رأس حربة جيش الفتح»، وأنه «لا يمكن لأحد أن يطلب منها مغادرته»، وبين القرار الذي صدم أوساط «الجهاديين»، أمس الأول، والقاضي بتعليق «جبهة النصرة» مشاركتها في «جيش الفتح» إلى حين حلّ بعض الخلافات.

 ووجود الخلافات بين الفصائل التي يتكوّن منها «جيش الفتح» ليس بالأمر الجديد، فهي مختلفة بالأصل في ما بينها إيديولوجياً وعقائدياً وسياسياً، كما أن لكل منها ارتباطاته الإقليمية التي تفرض عليه التزامات تتعارض مع التزامات غيره من الفصائل الأخرى.

 وبات معلوماً أنه لولا التقارب السعودي ـ التركي ـ القطري في أعقاب «عاصفة الحزم» ضد اليمن، ومحاولة تصديرها إلى سوريا، لم يكن لهذه الفصائل أن تجتمع مع بعضها ضمن كيان واحد. لكن الجديد هو أن هذه الخلافات بدأت تظهر إلى العلن، وتؤدي إلى تصدّع في بنية «الجيش»، الذي كان أنصاره يعتبرونه أهم إنجاز يتحقق على الساحة السورية منذ بدء الحرب فيها.

فبعد أقلّ من أسبوع على انسحاب «جند الأقصى» من «جيش الفتح»، يأتي قرار «جبهة النصرة» بتعليق مشاركتها فيه ليزيد الشكوك بأن الخلافات التي تعصف بالفصائل المكونة لـ «جيش الفتح» ليست مجرد انعكاس لاختلافاتها، وإنما تمتد لتعكس خلافات بين الدول الداعمة لها، وخاصة بين السعودية وتركيا، وهو ما يضع مصير «جيش الفتح» في مهبّ الريح، كما أنه سيؤثر بشكل أو بآخر على ما أسمته هذه الفصائل، قبل أسبوعين، بـ «غزوة حماه»، التي لم تنطلق حتى الآن بشكل رسمي رغم كل التهويل الإعلامي الذي أحاط بالإعلان عنها.

ولم تكن «جبهة النصرة» في وارد الإعلان عن تعليق مشاركتها في «جيش الفتح»، لأنها كانت تنتظر نهاية المساعي التي انطلقت لحل الخلافات بينها وبين «أحرار الشام» بشكل خاص. إلا أن تسريب تسجيل صوتي لقائد «لواء الإيمان» أبي حمزة الحموي فضح الأمر، حيث تحدث بشكل صريح أن تأخير «غزوة حماه» سببه انسحاب «جند الأقصى» وتعليق «النصرة» مشاركتها. ولم يصدر نفي رسمي لصحة ما ورد في التسريب، وهو ما عزز مصداقيته.

وقد انفجر الخلاف بين «النصرة» و «الأحرار» بسبب الموقف من «غزوة حماه»، حيث بدأت الأخيرة تحت تأثير الضغوط التركية تدفع باتجاه تأجيل المعركة، وتحثّ على ضرورة التوجه نحو محافظة حلب للتصدي للهجوم الذي يشنه الجيش السوري في ريفها الجنوبي، وهو ما رفضته «جبهة النصرة»، معتبرة أن «غزوة حماه» ضرورية، لسببين أولهما تهديد النظام السوري في عقر داره لأن السيطرة على حماه تفتح الأبواب نحو حمص، وثانيهما لمنع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» من انتهاز أي فرصة لتوسيع سيطرته في حماه. واستمر الأمر محل أخذ ورد طوال الأيام التي أعقبت إصدار بيان «غزوة حماه»، وتدخل بعض الوسطاء لحل الخلاف بين الطرفين، إلا أن انسحاب «جند الأقصى» ومبادرة «الأحرار» إلى سحب قسم كبير من قواتها من جبهات حماه باتجاه حلب دفع «النصرة» إلى اتخاذ قرارها بتعليق المشاركة في «جيش الفتح».

لا تحالف بين «النصرة» و»داعش»

وقد أدّى التكتم على هذه الخلافات وتداعياتها إلى حالة من الغموض التي لفّت التحركات في تلك المنطقة، خاصةً بعد أن بادر «داعش» إلى مهاجمة طريق أثريا ـ خناصر، وقامت «جبهة النصرة» بالتزامن معه بهجوم على أحد حواجز الجيش على نفس الطريق، حيث ظهر الأمر وكأن ثمة تنسيق أو تحالف بين الطرفين، في حين أن الأمر كان خلاف ذلك تماماً. والحقيقة أن «جبهة النصرة» كانت تراقب منذ مدة الحشود التي يحشدها خصمها اللدود «داعش» في منطقة عقيربات، وكانت تتوجس من أن تكون معاقلها هي المقصودة من وراء ذلك، فلما هاجم «داعش» طريق أثريا مركّزاً في إعلامه على الجزء الواصل بين أثريا وخناصر، مع تجاهل مقصود لهجماته على الحواجز الواقعة بين سلمية وأثريا، ارتفع مستوى الأدرينالين لدى قيادة «النصرة»، التي لم تستطع السكوت وهي ترى مناطق سيطرتها في ريف إدلب وريف حماه تكاد تصبح بين فكي كماشة «داعش»، فقامت بهجوم وحيد على أحد حواجز الجيش انطلاقاً من تل مراغة، وكان هدفها إنذار «الدولة الإسلامية» بأنها يقظة لتحركاته، وأنه في حال فكّر بمهاجمتها فهي مستعدة لكل الاحتمالات. وما يعزز من صحة ذلك، أن «داعش» استمر في محاولاته لاقتحام مدينة مارع في ريف حلب الشمالي، وشن قبل أيام هجوماً من محور تل مالد، فيما كانت بعض التكهنات تتحدث عن إمكانية عقد هدنة في المنطقة لمواجهة ما أسموه «الغزو الروسي».

والغريب أن ضربة «داعش» أوقعت «جبهة النصرة» فيما اتهمت به «أحرار الشام» لجهة خذلان «غزوة حماه»، حيث اضطرت لإرسال تعزيزات إلى معاقلها في ريف حماه الشرقي خشية وقوع أي غدر مفاجئ من قبل «داعش»، كما أنها كانت قبل ذلك قد اضطرت إلى إرسال تعزيزات باتجاه سهل الغاب بعد تقدم الجيش السوري هناك، وهو ما أثر عملياً على قدرتها في المشاركة في «غزوة حماه» التي يبدو أنها فقدت زخمها بعد هذه التطورات.

ويقود الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، قاضي عام «جيش الفتح»، حالياً، مساعي حثيثة لمحاولة التوصل إلى اتفاق بخصوص الخلافات التي حصلت بين الفصائل. وتشمل هذه المساعي فصيل «جند الأقصى» بغية إقناعه بالعدول عن قرار الانسحاب، وبالعودة إلى «جيش الفتح»، ضمن شروط تضمن موقفه من عدم قتال «داعش».

وبغضّ النظر عن نتيجة هذه المساعي فإن العديد من المراقبين يشككون في قدرة «جيش الفتح» على استعادة لحمته السابقة، ويرون أنه حتى في حال نجاح مهمة المحيسني فإن «جيش الفتح» الذي نعرفه قد انتهى، ليس لأن الخلافات ستبقى مهما جرى التكتم عليها، وإنما لأن الظروف الإقليمية التي استلزمت ولادته قد انتهت بدورها، وجاءت مكانها ظروف مغايرة تهيمن عليها «عاصفة السوخوي» وليس «عاصفة الحزم» و«محادثات فيينا» وليس «مقررات جنيف 1» وشتان ما بين الاثنين.

  • فريق ماسة
  • 2015-10-31
  • 15064
  • من الأرشيف

هل انتهى دور «جيش الفتح»؟...عبد الله سليمان علي

لم تفصل سوى أشهر قليلة بين اعتزاز زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني بأن جماعته تشكّل «رأس حربة جيش الفتح»، وأنه «لا يمكن لأحد أن يطلب منها مغادرته»، وبين القرار الذي صدم أوساط «الجهاديين»، أمس الأول، والقاضي بتعليق «جبهة النصرة» مشاركتها في «جيش الفتح» إلى حين حلّ بعض الخلافات.  ووجود الخلافات بين الفصائل التي يتكوّن منها «جيش الفتح» ليس بالأمر الجديد، فهي مختلفة بالأصل في ما بينها إيديولوجياً وعقائدياً وسياسياً، كما أن لكل منها ارتباطاته الإقليمية التي تفرض عليه التزامات تتعارض مع التزامات غيره من الفصائل الأخرى.  وبات معلوماً أنه لولا التقارب السعودي ـ التركي ـ القطري في أعقاب «عاصفة الحزم» ضد اليمن، ومحاولة تصديرها إلى سوريا، لم يكن لهذه الفصائل أن تجتمع مع بعضها ضمن كيان واحد. لكن الجديد هو أن هذه الخلافات بدأت تظهر إلى العلن، وتؤدي إلى تصدّع في بنية «الجيش»، الذي كان أنصاره يعتبرونه أهم إنجاز يتحقق على الساحة السورية منذ بدء الحرب فيها. فبعد أقلّ من أسبوع على انسحاب «جند الأقصى» من «جيش الفتح»، يأتي قرار «جبهة النصرة» بتعليق مشاركتها فيه ليزيد الشكوك بأن الخلافات التي تعصف بالفصائل المكونة لـ «جيش الفتح» ليست مجرد انعكاس لاختلافاتها، وإنما تمتد لتعكس خلافات بين الدول الداعمة لها، وخاصة بين السعودية وتركيا، وهو ما يضع مصير «جيش الفتح» في مهبّ الريح، كما أنه سيؤثر بشكل أو بآخر على ما أسمته هذه الفصائل، قبل أسبوعين، بـ «غزوة حماه»، التي لم تنطلق حتى الآن بشكل رسمي رغم كل التهويل الإعلامي الذي أحاط بالإعلان عنها. ولم تكن «جبهة النصرة» في وارد الإعلان عن تعليق مشاركتها في «جيش الفتح»، لأنها كانت تنتظر نهاية المساعي التي انطلقت لحل الخلافات بينها وبين «أحرار الشام» بشكل خاص. إلا أن تسريب تسجيل صوتي لقائد «لواء الإيمان» أبي حمزة الحموي فضح الأمر، حيث تحدث بشكل صريح أن تأخير «غزوة حماه» سببه انسحاب «جند الأقصى» وتعليق «النصرة» مشاركتها. ولم يصدر نفي رسمي لصحة ما ورد في التسريب، وهو ما عزز مصداقيته. وقد انفجر الخلاف بين «النصرة» و «الأحرار» بسبب الموقف من «غزوة حماه»، حيث بدأت الأخيرة تحت تأثير الضغوط التركية تدفع باتجاه تأجيل المعركة، وتحثّ على ضرورة التوجه نحو محافظة حلب للتصدي للهجوم الذي يشنه الجيش السوري في ريفها الجنوبي، وهو ما رفضته «جبهة النصرة»، معتبرة أن «غزوة حماه» ضرورية، لسببين أولهما تهديد النظام السوري في عقر داره لأن السيطرة على حماه تفتح الأبواب نحو حمص، وثانيهما لمنع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» من انتهاز أي فرصة لتوسيع سيطرته في حماه. واستمر الأمر محل أخذ ورد طوال الأيام التي أعقبت إصدار بيان «غزوة حماه»، وتدخل بعض الوسطاء لحل الخلاف بين الطرفين، إلا أن انسحاب «جند الأقصى» ومبادرة «الأحرار» إلى سحب قسم كبير من قواتها من جبهات حماه باتجاه حلب دفع «النصرة» إلى اتخاذ قرارها بتعليق المشاركة في «جيش الفتح». لا تحالف بين «النصرة» و»داعش» وقد أدّى التكتم على هذه الخلافات وتداعياتها إلى حالة من الغموض التي لفّت التحركات في تلك المنطقة، خاصةً بعد أن بادر «داعش» إلى مهاجمة طريق أثريا ـ خناصر، وقامت «جبهة النصرة» بالتزامن معه بهجوم على أحد حواجز الجيش على نفس الطريق، حيث ظهر الأمر وكأن ثمة تنسيق أو تحالف بين الطرفين، في حين أن الأمر كان خلاف ذلك تماماً. والحقيقة أن «جبهة النصرة» كانت تراقب منذ مدة الحشود التي يحشدها خصمها اللدود «داعش» في منطقة عقيربات، وكانت تتوجس من أن تكون معاقلها هي المقصودة من وراء ذلك، فلما هاجم «داعش» طريق أثريا مركّزاً في إعلامه على الجزء الواصل بين أثريا وخناصر، مع تجاهل مقصود لهجماته على الحواجز الواقعة بين سلمية وأثريا، ارتفع مستوى الأدرينالين لدى قيادة «النصرة»، التي لم تستطع السكوت وهي ترى مناطق سيطرتها في ريف إدلب وريف حماه تكاد تصبح بين فكي كماشة «داعش»، فقامت بهجوم وحيد على أحد حواجز الجيش انطلاقاً من تل مراغة، وكان هدفها إنذار «الدولة الإسلامية» بأنها يقظة لتحركاته، وأنه في حال فكّر بمهاجمتها فهي مستعدة لكل الاحتمالات. وما يعزز من صحة ذلك، أن «داعش» استمر في محاولاته لاقتحام مدينة مارع في ريف حلب الشمالي، وشن قبل أيام هجوماً من محور تل مالد، فيما كانت بعض التكهنات تتحدث عن إمكانية عقد هدنة في المنطقة لمواجهة ما أسموه «الغزو الروسي». والغريب أن ضربة «داعش» أوقعت «جبهة النصرة» فيما اتهمت به «أحرار الشام» لجهة خذلان «غزوة حماه»، حيث اضطرت لإرسال تعزيزات إلى معاقلها في ريف حماه الشرقي خشية وقوع أي غدر مفاجئ من قبل «داعش»، كما أنها كانت قبل ذلك قد اضطرت إلى إرسال تعزيزات باتجاه سهل الغاب بعد تقدم الجيش السوري هناك، وهو ما أثر عملياً على قدرتها في المشاركة في «غزوة حماه» التي يبدو أنها فقدت زخمها بعد هذه التطورات. ويقود الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، قاضي عام «جيش الفتح»، حالياً، مساعي حثيثة لمحاولة التوصل إلى اتفاق بخصوص الخلافات التي حصلت بين الفصائل. وتشمل هذه المساعي فصيل «جند الأقصى» بغية إقناعه بالعدول عن قرار الانسحاب، وبالعودة إلى «جيش الفتح»، ضمن شروط تضمن موقفه من عدم قتال «داعش». وبغضّ النظر عن نتيجة هذه المساعي فإن العديد من المراقبين يشككون في قدرة «جيش الفتح» على استعادة لحمته السابقة، ويرون أنه حتى في حال نجاح مهمة المحيسني فإن «جيش الفتح» الذي نعرفه قد انتهى، ليس لأن الخلافات ستبقى مهما جرى التكتم عليها، وإنما لأن الظروف الإقليمية التي استلزمت ولادته قد انتهت بدورها، وجاءت مكانها ظروف مغايرة تهيمن عليها «عاصفة السوخوي» وليس «عاصفة الحزم» و«محادثات فيينا» وليس «مقررات جنيف 1» وشتان ما بين الاثنين.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة