في وقت تكثر التحرّكات الشعبية ضدّ الفساد وضد الظلم، نجد أنّ الوقت آن كي يتحرّك الممثلون، نعني الممثلين الحقيقيين والممثلات الحقيقيات، ودقّت الساعة كي يرفع النقّاد الصوت أمام كلّ منتج ومخرج وكلّ محطة لا تبحث، لاختيار أبطال المسلسلات والأفلام، إلّا عن مواصفات عارضة أزياء بدلاً من مواصفات الممثل.

 هذه الموجة التي اجتاحت بقوّة محطاتنا وشاشاتنا أواخر التسعينات، فتحت الأبواب على مصراعيها لكلّ جميلةٍ أو مثيرةٍ كي تظهر على الشاشة في أحد الأدوار التمثيلية. كثيرات خرجن من اللعبة، وعدد قليل منهن استطعن نيل فرصة ثانية، فثالثة، فبدأ أداؤهن يتحسّن من مرّة إلى أخرى، ثمّ يصل إلى درجةٍ معيّنة هي حدود موهبتهن ومعرفتهن بالتقنيات التمثيلية.

الأمر لم يقتصر فقط على الجميلات، بل شمل أيضاً فئة الرجال، وصار كلّ وسيمٍ مشروع ممثل. وعلى الشبّان انطبق المبدأ نفسه، وتشابه المصير.

لكن كما كلّ موجة، لا بدّ لها من الانحسار، وكما كلّ موضة لا بدّ له من التبدّل. إلّا أنّ موضة استبدال الممثلات بصاحبات القدّ الممشوق والسيقان المكشوفة والصدور العارمة والشفاه الممطوطة والخدود المنفوخة لم تتبدّل والموجة لم تنحسر! بل على العكس، دخل على الخطّ المغنّون والمغنيات وصار كلّ مَن يغني مشروع ممثل أو ممثلة.

إذا وضعنا أنفسنا مكان المتخرّجين في قسم المسرح في الجامعات، نكتشف كم أنّ الأمر ظالم ومؤلم. "لماذا أضعت أربعة أعوام من عمري في الدراسة؟ هل يجوز أن أملك أنا الموهبة وتقنيات استثمارها وأن أبقى في البيت أتفرّج على مَن يسرق أدواري منّي ليقدّمها بشكلٍ سخيف؟ هل يُعقل أن أحمل شهادة في التمثيل والإخراج كي يقتصر عملي على الاهتمام بملابس وماكياج فنانة تلعب دور بطولة في فيلم أو مسلسل؟" أسئلة كثيرة تدور في أذهان المتخصصين بالتمثيل، وفي أذهان الذين ما زالوا في الجامعة يدرسون التمثيل، وفي رؤوس كلّ مَن يفكّر في التخصص بالتمثيل!

ولكي نرى الأمور من أكثر من منظار، توجّهنا ببعض الأسئلة إلى اثنين من أهم المخرجين اللبنانيين ومن بين أكثرهم نشاطاً في الدراما، وحتّى في السينما: سمير حبشي وإيلي حبيب.

سمير حبشي رفض مقولة "بلبنان ما في ممثلين وممثلات"، وهي الحجّة الأكثر شيوعاً للإستعانة بالجميلات، لكنّه من ناحية أخرى أكّد أنّ الشكل الخارجي عنصر أساسي ضمن العناصر المعتمدة لاختيار الممثلين. "الجمال ليس الأساس، لكنّه أمر أساسي". الأمر نفسه أكّد عليه إيلي حبيب الذي قال إنّ الكاميرا لا تتقبّل الشكل القبيح، وبالتالي فلن يتقبّله المشاهدون؛ فاصلاً بين المواصفات المطلوبة للدور الأول وتلك المطلوبة للأدوار الثانية.

حبيب وحبشي اجتمعا أيضاً على فكرة أنهما يختاران الممثلة بحسب ما يقتضيه الدور. "إذا كان الدور بيتطلّب بنت حلوة رح إختار بنت حلوة، وإذا مفروض تكون عَورا أو وزنا زايد رح إختار بنت عورا أو وزنا زايد". حبشي رأى أنّ الممثلين المحترفين يشكّلون 80% أو حتّى 90% من المُشاركين في المسلسلات اللبنانية. حين استغربنا هذه الأرقام، قال إنّ الأمر ينطبق على الأقل على مسلسلاته.

إستغرابنا ظهر أيضاً حين قالا إنّ المنتجين لا يفرضون عليهما أسماء معيّنة، ونحن لطالما رأينا وسمعنا وشاهدنا وجوهاً تلعب أدوار بطولة بقرارٍ صارم من المنتج! حبيب قال: "إذا ما اتفقنا على أسماء الممثلين، يعني نحنا مش متّفقين، وبالتالي بترك العمل". حبشي أكّد: "إذا ممثلة ما بتعرف تمثّل وأنا مش موافق عليها، منبعتها على بيتها ومنفتش على حدا تاني".

غالباً ما نسمع عبارات على وزن: "الجمال هو مفتاحٌ أوليٌّ، فإن لم تُثبت صاحبة الشكل الجميل موهبتها في التمثيل فلن تحظى بفرصة ثانية"! لكن ما يفوت أصحاب العبارات المماثلة أنّ الأهم، وما ينتظره الجميع، هو الفرصة الأولى! فلماذا التفتيش بين الجميلات لتوزيع الفرص الأولى؟ وماذا عن التفتيش في الجامعات التي تعلّم التمثيل؟ وماذا عن إعطاء فرصٍ أولى لأشخاص تعبوا وتخصصوا بالتمثيل؟ سمير حبشي قال: "ما إن أقرأ النصّ حتّى أبدأ بتخيّل شكل الممثل والممثلة، ثمّ أبحث عن وجهٍ يتماشى مع الصورة التي أتخيّلها. ما يفوت البعض هو أنّ الشكل يجب أن يتناسب مع الدور، وإلّا فلن يقتنع المشاهدون بالأداء. أضف إلى أنّ عليك أيضاً أن تنسّق بين شكل البطل وشكل البطلة، لازم يكونو لابقين لَ بعض. إذا ما لقيت الشكل اللي أنا عايزو عند المتخصصين، رح فتّش عليه بالشارع ووين ما كان".

إيلي حبيب أكّد أنه ينشر خبر حاجته إلى ممثلين قبل كل عملٍ، في كل الجامعات التي تعلّم التمثيل، مشيراً إلى أنه، أكثر من مرة، اختار طلاباً في اختصاص المسرح وساعدهم لتحقيق أحلامهم. "ولكن إذا تقدّم إلى تجارب الأداء أشخاص يملكون المواصفات المطلوبة من أجل دور ما، ولم يكونوا قد درسوا التمثيل، فلن أدعهم يرحلون ببساطة، بل سأختارهم وسأخضعهم لدورات سريعة في التمثيل قبل أن يقفوا أمام الكاميرا".

مهما يكن من أمرٍ، نجد أن الكثير من المواهب تُظلم، والكثير من صاحبات وأصحاب الشكل الجميل يحظون بفرص لا يستحقونها. لن ندخل الآن في متاهة التنازلات التي يقدّمها البعض، رجالاً ونساء، من أجل دور بطولة، وسنكتفي بالظنّ أنّ الحضور الطاغي للجميلات سببه الجمال فحسب! آن للموهبة أن تطغى على المقاييس الأخرى متذكّرين شكل شوشو بشاربيه الطويلين ووجهه الضعيف، وآماليا أبي صالح بوزنها الزائد، وإيلي صنيفر بلثغته، وغيرهم من الذين دخلوا قلوب المشاهدين وسكنوا فيها طوال سنوات طويلة، حتّى إلى ما بعد غيابهم عن الشاشة، ثمّ عن الحياة. ألا يوجد اليوم أشخاص مثل هؤلاء، منتظرين في بيوتهم؟ بالطبع يوجد!

آن للنقّاد أيضاً أن يسلّطوا الأضواء على الأداء غير المقنع للكثير من الجميلات، بدلاً من إكثار الثناء والمديح لمجرّد أنّ البطلة هي فنانة معروفة أو مذيعة محبوبة، والبطل هو مطرب مرهف الإحساس. "بدنا نحاسب" كي توضع النقاط على الحروف ويعود كلّ شخص إلى اختصاصه، ويحظى بالفرصة مَن يستحقّها فعلاً!

  • فريق ماسة
  • 2015-10-14
  • 4759
  • من الأرشيف

التمثيل مهنة الجميلات؟ كفى!

في وقت تكثر التحرّكات الشعبية ضدّ الفساد وضد الظلم، نجد أنّ الوقت آن كي يتحرّك الممثلون، نعني الممثلين الحقيقيين والممثلات الحقيقيات، ودقّت الساعة كي يرفع النقّاد الصوت أمام كلّ منتج ومخرج وكلّ محطة لا تبحث، لاختيار أبطال المسلسلات والأفلام، إلّا عن مواصفات عارضة أزياء بدلاً من مواصفات الممثل.  هذه الموجة التي اجتاحت بقوّة محطاتنا وشاشاتنا أواخر التسعينات، فتحت الأبواب على مصراعيها لكلّ جميلةٍ أو مثيرةٍ كي تظهر على الشاشة في أحد الأدوار التمثيلية. كثيرات خرجن من اللعبة، وعدد قليل منهن استطعن نيل فرصة ثانية، فثالثة، فبدأ أداؤهن يتحسّن من مرّة إلى أخرى، ثمّ يصل إلى درجةٍ معيّنة هي حدود موهبتهن ومعرفتهن بالتقنيات التمثيلية. الأمر لم يقتصر فقط على الجميلات، بل شمل أيضاً فئة الرجال، وصار كلّ وسيمٍ مشروع ممثل. وعلى الشبّان انطبق المبدأ نفسه، وتشابه المصير. لكن كما كلّ موجة، لا بدّ لها من الانحسار، وكما كلّ موضة لا بدّ له من التبدّل. إلّا أنّ موضة استبدال الممثلات بصاحبات القدّ الممشوق والسيقان المكشوفة والصدور العارمة والشفاه الممطوطة والخدود المنفوخة لم تتبدّل والموجة لم تنحسر! بل على العكس، دخل على الخطّ المغنّون والمغنيات وصار كلّ مَن يغني مشروع ممثل أو ممثلة. إذا وضعنا أنفسنا مكان المتخرّجين في قسم المسرح في الجامعات، نكتشف كم أنّ الأمر ظالم ومؤلم. "لماذا أضعت أربعة أعوام من عمري في الدراسة؟ هل يجوز أن أملك أنا الموهبة وتقنيات استثمارها وأن أبقى في البيت أتفرّج على مَن يسرق أدواري منّي ليقدّمها بشكلٍ سخيف؟ هل يُعقل أن أحمل شهادة في التمثيل والإخراج كي يقتصر عملي على الاهتمام بملابس وماكياج فنانة تلعب دور بطولة في فيلم أو مسلسل؟" أسئلة كثيرة تدور في أذهان المتخصصين بالتمثيل، وفي أذهان الذين ما زالوا في الجامعة يدرسون التمثيل، وفي رؤوس كلّ مَن يفكّر في التخصص بالتمثيل! ولكي نرى الأمور من أكثر من منظار، توجّهنا ببعض الأسئلة إلى اثنين من أهم المخرجين اللبنانيين ومن بين أكثرهم نشاطاً في الدراما، وحتّى في السينما: سمير حبشي وإيلي حبيب. سمير حبشي رفض مقولة "بلبنان ما في ممثلين وممثلات"، وهي الحجّة الأكثر شيوعاً للإستعانة بالجميلات، لكنّه من ناحية أخرى أكّد أنّ الشكل الخارجي عنصر أساسي ضمن العناصر المعتمدة لاختيار الممثلين. "الجمال ليس الأساس، لكنّه أمر أساسي". الأمر نفسه أكّد عليه إيلي حبيب الذي قال إنّ الكاميرا لا تتقبّل الشكل القبيح، وبالتالي فلن يتقبّله المشاهدون؛ فاصلاً بين المواصفات المطلوبة للدور الأول وتلك المطلوبة للأدوار الثانية. حبيب وحبشي اجتمعا أيضاً على فكرة أنهما يختاران الممثلة بحسب ما يقتضيه الدور. "إذا كان الدور بيتطلّب بنت حلوة رح إختار بنت حلوة، وإذا مفروض تكون عَورا أو وزنا زايد رح إختار بنت عورا أو وزنا زايد". حبشي رأى أنّ الممثلين المحترفين يشكّلون 80% أو حتّى 90% من المُشاركين في المسلسلات اللبنانية. حين استغربنا هذه الأرقام، قال إنّ الأمر ينطبق على الأقل على مسلسلاته. إستغرابنا ظهر أيضاً حين قالا إنّ المنتجين لا يفرضون عليهما أسماء معيّنة، ونحن لطالما رأينا وسمعنا وشاهدنا وجوهاً تلعب أدوار بطولة بقرارٍ صارم من المنتج! حبيب قال: "إذا ما اتفقنا على أسماء الممثلين، يعني نحنا مش متّفقين، وبالتالي بترك العمل". حبشي أكّد: "إذا ممثلة ما بتعرف تمثّل وأنا مش موافق عليها، منبعتها على بيتها ومنفتش على حدا تاني". غالباً ما نسمع عبارات على وزن: "الجمال هو مفتاحٌ أوليٌّ، فإن لم تُثبت صاحبة الشكل الجميل موهبتها في التمثيل فلن تحظى بفرصة ثانية"! لكن ما يفوت أصحاب العبارات المماثلة أنّ الأهم، وما ينتظره الجميع، هو الفرصة الأولى! فلماذا التفتيش بين الجميلات لتوزيع الفرص الأولى؟ وماذا عن التفتيش في الجامعات التي تعلّم التمثيل؟ وماذا عن إعطاء فرصٍ أولى لأشخاص تعبوا وتخصصوا بالتمثيل؟ سمير حبشي قال: "ما إن أقرأ النصّ حتّى أبدأ بتخيّل شكل الممثل والممثلة، ثمّ أبحث عن وجهٍ يتماشى مع الصورة التي أتخيّلها. ما يفوت البعض هو أنّ الشكل يجب أن يتناسب مع الدور، وإلّا فلن يقتنع المشاهدون بالأداء. أضف إلى أنّ عليك أيضاً أن تنسّق بين شكل البطل وشكل البطلة، لازم يكونو لابقين لَ بعض. إذا ما لقيت الشكل اللي أنا عايزو عند المتخصصين، رح فتّش عليه بالشارع ووين ما كان". إيلي حبيب أكّد أنه ينشر خبر حاجته إلى ممثلين قبل كل عملٍ، في كل الجامعات التي تعلّم التمثيل، مشيراً إلى أنه، أكثر من مرة، اختار طلاباً في اختصاص المسرح وساعدهم لتحقيق أحلامهم. "ولكن إذا تقدّم إلى تجارب الأداء أشخاص يملكون المواصفات المطلوبة من أجل دور ما، ولم يكونوا قد درسوا التمثيل، فلن أدعهم يرحلون ببساطة، بل سأختارهم وسأخضعهم لدورات سريعة في التمثيل قبل أن يقفوا أمام الكاميرا". مهما يكن من أمرٍ، نجد أن الكثير من المواهب تُظلم، والكثير من صاحبات وأصحاب الشكل الجميل يحظون بفرص لا يستحقونها. لن ندخل الآن في متاهة التنازلات التي يقدّمها البعض، رجالاً ونساء، من أجل دور بطولة، وسنكتفي بالظنّ أنّ الحضور الطاغي للجميلات سببه الجمال فحسب! آن للموهبة أن تطغى على المقاييس الأخرى متذكّرين شكل شوشو بشاربيه الطويلين ووجهه الضعيف، وآماليا أبي صالح بوزنها الزائد، وإيلي صنيفر بلثغته، وغيرهم من الذين دخلوا قلوب المشاهدين وسكنوا فيها طوال سنوات طويلة، حتّى إلى ما بعد غيابهم عن الشاشة، ثمّ عن الحياة. ألا يوجد اليوم أشخاص مثل هؤلاء، منتظرين في بيوتهم؟ بالطبع يوجد! آن للنقّاد أيضاً أن يسلّطوا الأضواء على الأداء غير المقنع للكثير من الجميلات، بدلاً من إكثار الثناء والمديح لمجرّد أنّ البطلة هي فنانة معروفة أو مذيعة محبوبة، والبطل هو مطرب مرهف الإحساس. "بدنا نحاسب" كي توضع النقاط على الحروف ويعود كلّ شخص إلى اختصاصه، ويحظى بالفرصة مَن يستحقّها فعلاً!

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة