سعارٌ بكل ما للكلمة من معنى يضرب الإعلام الخليجي ومعه الإعلام الغربي الناطق بالعربية منذ يومين أي تاريخ بدء الغارات العسكرية الروسية في سوريا. هستيريا تجتاح الصحف والتقارير المتلفزة التي دانت هذا التدخل العسكري، مشيعةً أنّ الغارات الجوية استهدفت مدنيين سوريين من أطفال ونساء، مع تأكيد موسكو أن تدخلها جاء بطلب من الحكومة السورية وباتفاق معها على خريطة الأهداف التي تستهدف تنظيم «داعش» في الدرجة الأولى.

دخول الروس عسكرياً الى الأراضي السورية قلب المعادلة، فخرجت الأصوات الخليجية تحديداً تهوّل بهذا التدخل وتدّعي أنه سيسهم في تأجيج «الصراع المذهبي داخل سوريا». على الضفة الأخرى، وتحديداً لدى حلفاء موسكو بدت الصورة مختلفة وواضحة في دعم روسيا إعلامياً وتظهير خطتها العسكرية من خلال الصور والفيديوات الملتقطة من الطائرات الروسية، والتركيز في الهدف الأساسي ألا وهو محاربة «الإرهاب» المتجلي بتنظيم «داعش»، مع الترويج لفشل خطة «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن في القضاء على التنظيم الإرهابي.

لعلّ أبرز هذه الأصوات الإعلامية، تجلّت في تقرير قناة «الجزيرة» القطرية (فاطمة التريكي) أمس بعنوان: «الحروب الروسية... تاريخ حافل بالهزائم والجرائم». تقرير طُعِّم بنفس ثأري، وصفت فيه المعدّة التدخل الروسي العسكري بـ «لطخة الدم السوري الأولى على ثوب روسيا المزركش بأوهام القيصرية التي يزهو بها بوتين». التقرير حذّر روسيا «التي تتدخل عسكرياً في الشرق الأوسط في حلّة غير مسبوقة» من مغبات هذا العمل الذي قد يقود الى «توّرط في صراع ذي طبيعة خطرة في منطقة مشتعلة» سياسياً وعسكرياً. تقرير القناة القطرية عاد الى الوراء تاريخياً، ليتحدث عن «هزائم» الروس قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وعن حرب البلقان والصراع مع الشيشان. وفي نهايته، خلصَ الى لوم الغرب على صمته إزاء ضمّ «جزيرة القرم» الى روسيا وربط هذا الأمر بعجزه عن إيقاف الزحف الروسي الجوي في سوريا الذي يسير تبعاً لشعار «اضرب احرق دمّر» وفق ما أنهت المعدة تقريرها.

الصحف الخليجية لم تُخفِ غضبها من دخول الروس الى سوريا عسكرياً، وربطت هذا الأمر بما أسمته «تفجير الحروب الدينية» داخل الأراضي السورية. تحت عنوان «الجهاد الروسي»، علّق الكاتب السعودي مشاري الذايدي في صحيفة «الشرق الأوسط» على التدخل الروسي ووصفه بـ «العنجهي والصلف»، وربطه بـ «إثارة المذهبية والاصطفاف الصارخ بجانب الأسد المرتهن للنظام الخميني». الكاتب السعودي كان قلبه على «داعش» واخوته عندما قال إنّ المعركة «بمواجهة داعش (..) وخصوم الأسد» ستؤدي الى تفجير «الحروب الدينية». واقترح أن الحل يكمن في القضاء على «نظام الأسد جوهر الشر ومغناطيس الفتنة مهما حاول الروس تعويمه».

سعودياً أيضاً، كانت رواية أن الطائرات الروسية تقتل مدنيين في سوريا هي الأبرز. قناة «العربية» وزعت نشرتها في هذا المجال، وادّعت أن الروس ارتكبوا «مجزرة» في مدينة تلبيسة (حمص) وفي باقي مدن الريف الشمالي وراح ضحيتها 36 مدنياً بين أطفال ونساء. وأوردت أنّ «فصائل المعارضة السورية ردّت على هذه المجزرة في أحياء مدينة حمص التي تقع تحت سيطرة الأسد». وأكدت على لسان مَن أسمتهم «ناشطين» حصول هذه المذبحة التي تبعها استهداف من الطيران السوري النظامي لريفيّ دمشق الغربي والشرقي «بالبراميل المتفجرة». هذه الرواية سرعان ما عمّمت على باقي القنوات الخليجية التي تدور في فلكها، وبالمناسبة لم تكن جديدة، فهي حاضرة دوماً في هذا الإعلام وتبين زيّفها مراراً مع اختراع كلمة: «ناشطون».

على خط الإعلام الغربي والناطق بالعربية تحديداً، لم يكن الموقف بعيداً عن الروايات الخليجية. قناة «bbc عربي» أعدّت تقريراً قبيل الدخول الروسي العسكري الى سوريا وتحديداً يوم الثلاثاء الماضي، تحت عنوان «من الذي ستقصفه روسيا في سوريا؟». ربط هذا التقرير التدخل الروسي بفكّ «عزلة» موسكو دبلوماسياً، خصوصاً بعد أزمة «جزيرة القرم».

المنابر الخليجية والعربية التابعة لها روّجت لسردية «تفجير الحروب الدينية» داخل الأراضي السورية

انتقد التقرير الأداء الأميركي في حربه ضد «داعش» وتقصيره في «تسليح المعارضة السورية» التي تحولّت الى «مسرحية هزلية» برأي معدّ هذا التقرير جوناثان ماركوس (المراسل الدبلوماسي للقناة). في نهاية هذا التقرير وبعد التنبؤ بأن «فرحة بوتين لن تكتمل»، حذر من مغبة هذا التدخل بوصفه «مخاطرة تجرّ روسيا الى معركة معقدة (...) ستثير المزيد من العداء» تجاه روسيا وفي داخلها.

من جهتها، ظهّرت قناة «فرانس 24» ــ بالتعاون مع «وكالة الصحافة الفرنسية» ـــ رواية «المعارضة السورية» في ارتكاب روسيا مجزرة في حمص، ونقلت تصريح رئيس الائتلاف السوري خالد خوجا أول من أمس من دون أن تجري توازناً في خبرها الذي جاء منحازاً في القول بأن روسيا شنت غارات داخل سوريا لاستهداف «داعش»، لكن الولايات المتحدة وفرنسا شككتا في هذه النوايا.

وإزاء كل هذا الضخ الإعلامي المستنفر على كل الجبهات، كانت قناة «روسيا اليوم» توضح الأهداف الرئيسية التي دخل من أجلها الروس الى سوريا وتتمثل في ضرب تنظيم «داعش» تحت غطاء رسمي سوري «شرعي»، مع الترويج لأن أميركا لم تفلح في حربها ضد هذا التنظيم طيلة الفترة الماضية، بل على العكس، تمدد «داعش» أكثر وازداد عتاده وعناصره في سوريا والعراق. وفي تقرير إخباري لها أول من امس، أكدت القناة الروسية الناطقة بالعربية أن روسيا لم «تستخدم أسلحة لضرب أهداف مدنية» على الأراضي السورية. قناة «الميادين» أيضاً أعلنت دعمها الخطوة الروسية المتمثلة في ضرب «اجهزة اتصال وأعتدة عسكرية ووقود لتنظيم داعش مع فتح سؤال: «هل يستفيد الأميركي من أخطاء تعاطيه مع الملف السوري؟».

وفيما الجبهات الإعلامية مشتعلة في الفضاء، كانت القنوات المحلية اللبنانية تنخرط أيضاً في هذا الصراع وتنقسم تبعاً لسياسات كل منها. قنوات otv ،nbn «الجديد» «المنار» ذهبت دعماً للتدخل الروسي العسكري، فيما انضمّ كل من «المستقبل» وmtv و lbci الى الجوقة الخليجية.

تزوير الصور

بينما السعار متفشّ على الجبهات الإعلامية الخليجية بشأن التعاطي مع التدخل الروسي الجوّي على الأراضي السورية، وفبركة الأخبار والفيديوات للقول بأن روسيا ترتكب المجازر بحق الأطفال والنساء، انتشرت في الساعات الأخيرة تغريدة للمعارض السوري بسّام جعارة على حسابه على تويتر تتضمن صورة لوالد يقبّل طفلته المدماة وعلق عليها بالقول «المجرم بوتين ومرتزقته سيدفعون الثمن غالياً... حذاء هذه الشهيدة يساوي بشار الأسد». طبعاً، سرعان ما تبين زيف الصورة المأخوذة من العدوان الصهيوني على غزة في تموز (يوليو) الماضي. هذه الحادثة ليست بالجديدة، وتذكّرنا بالفبركات التي صنعتها الشاشات الخليجية طيلة أعوام الأزمة السورية المنصرمة.

  • فريق ماسة
  • 2015-10-01
  • 12119
  • من الأرشيف

سوخوي بوتين «يهستر» الإعلام «الحرّ»

سعارٌ بكل ما للكلمة من معنى يضرب الإعلام الخليجي ومعه الإعلام الغربي الناطق بالعربية منذ يومين أي تاريخ بدء الغارات العسكرية الروسية في سوريا. هستيريا تجتاح الصحف والتقارير المتلفزة التي دانت هذا التدخل العسكري، مشيعةً أنّ الغارات الجوية استهدفت مدنيين سوريين من أطفال ونساء، مع تأكيد موسكو أن تدخلها جاء بطلب من الحكومة السورية وباتفاق معها على خريطة الأهداف التي تستهدف تنظيم «داعش» في الدرجة الأولى. دخول الروس عسكرياً الى الأراضي السورية قلب المعادلة، فخرجت الأصوات الخليجية تحديداً تهوّل بهذا التدخل وتدّعي أنه سيسهم في تأجيج «الصراع المذهبي داخل سوريا». على الضفة الأخرى، وتحديداً لدى حلفاء موسكو بدت الصورة مختلفة وواضحة في دعم روسيا إعلامياً وتظهير خطتها العسكرية من خلال الصور والفيديوات الملتقطة من الطائرات الروسية، والتركيز في الهدف الأساسي ألا وهو محاربة «الإرهاب» المتجلي بتنظيم «داعش»، مع الترويج لفشل خطة «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن في القضاء على التنظيم الإرهابي. لعلّ أبرز هذه الأصوات الإعلامية، تجلّت في تقرير قناة «الجزيرة» القطرية (فاطمة التريكي) أمس بعنوان: «الحروب الروسية... تاريخ حافل بالهزائم والجرائم». تقرير طُعِّم بنفس ثأري، وصفت فيه المعدّة التدخل الروسي العسكري بـ «لطخة الدم السوري الأولى على ثوب روسيا المزركش بأوهام القيصرية التي يزهو بها بوتين». التقرير حذّر روسيا «التي تتدخل عسكرياً في الشرق الأوسط في حلّة غير مسبوقة» من مغبات هذا العمل الذي قد يقود الى «توّرط في صراع ذي طبيعة خطرة في منطقة مشتعلة» سياسياً وعسكرياً. تقرير القناة القطرية عاد الى الوراء تاريخياً، ليتحدث عن «هزائم» الروس قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وعن حرب البلقان والصراع مع الشيشان. وفي نهايته، خلصَ الى لوم الغرب على صمته إزاء ضمّ «جزيرة القرم» الى روسيا وربط هذا الأمر بعجزه عن إيقاف الزحف الروسي الجوي في سوريا الذي يسير تبعاً لشعار «اضرب احرق دمّر» وفق ما أنهت المعدة تقريرها. الصحف الخليجية لم تُخفِ غضبها من دخول الروس الى سوريا عسكرياً، وربطت هذا الأمر بما أسمته «تفجير الحروب الدينية» داخل الأراضي السورية. تحت عنوان «الجهاد الروسي»، علّق الكاتب السعودي مشاري الذايدي في صحيفة «الشرق الأوسط» على التدخل الروسي ووصفه بـ «العنجهي والصلف»، وربطه بـ «إثارة المذهبية والاصطفاف الصارخ بجانب الأسد المرتهن للنظام الخميني». الكاتب السعودي كان قلبه على «داعش» واخوته عندما قال إنّ المعركة «بمواجهة داعش (..) وخصوم الأسد» ستؤدي الى تفجير «الحروب الدينية». واقترح أن الحل يكمن في القضاء على «نظام الأسد جوهر الشر ومغناطيس الفتنة مهما حاول الروس تعويمه». سعودياً أيضاً، كانت رواية أن الطائرات الروسية تقتل مدنيين في سوريا هي الأبرز. قناة «العربية» وزعت نشرتها في هذا المجال، وادّعت أن الروس ارتكبوا «مجزرة» في مدينة تلبيسة (حمص) وفي باقي مدن الريف الشمالي وراح ضحيتها 36 مدنياً بين أطفال ونساء. وأوردت أنّ «فصائل المعارضة السورية ردّت على هذه المجزرة في أحياء مدينة حمص التي تقع تحت سيطرة الأسد». وأكدت على لسان مَن أسمتهم «ناشطين» حصول هذه المذبحة التي تبعها استهداف من الطيران السوري النظامي لريفيّ دمشق الغربي والشرقي «بالبراميل المتفجرة». هذه الرواية سرعان ما عمّمت على باقي القنوات الخليجية التي تدور في فلكها، وبالمناسبة لم تكن جديدة، فهي حاضرة دوماً في هذا الإعلام وتبين زيّفها مراراً مع اختراع كلمة: «ناشطون». على خط الإعلام الغربي والناطق بالعربية تحديداً، لم يكن الموقف بعيداً عن الروايات الخليجية. قناة «bbc عربي» أعدّت تقريراً قبيل الدخول الروسي العسكري الى سوريا وتحديداً يوم الثلاثاء الماضي، تحت عنوان «من الذي ستقصفه روسيا في سوريا؟». ربط هذا التقرير التدخل الروسي بفكّ «عزلة» موسكو دبلوماسياً، خصوصاً بعد أزمة «جزيرة القرم». المنابر الخليجية والعربية التابعة لها روّجت لسردية «تفجير الحروب الدينية» داخل الأراضي السورية انتقد التقرير الأداء الأميركي في حربه ضد «داعش» وتقصيره في «تسليح المعارضة السورية» التي تحولّت الى «مسرحية هزلية» برأي معدّ هذا التقرير جوناثان ماركوس (المراسل الدبلوماسي للقناة). في نهاية هذا التقرير وبعد التنبؤ بأن «فرحة بوتين لن تكتمل»، حذر من مغبة هذا التدخل بوصفه «مخاطرة تجرّ روسيا الى معركة معقدة (...) ستثير المزيد من العداء» تجاه روسيا وفي داخلها. من جهتها، ظهّرت قناة «فرانس 24» ــ بالتعاون مع «وكالة الصحافة الفرنسية» ـــ رواية «المعارضة السورية» في ارتكاب روسيا مجزرة في حمص، ونقلت تصريح رئيس الائتلاف السوري خالد خوجا أول من أمس من دون أن تجري توازناً في خبرها الذي جاء منحازاً في القول بأن روسيا شنت غارات داخل سوريا لاستهداف «داعش»، لكن الولايات المتحدة وفرنسا شككتا في هذه النوايا. وإزاء كل هذا الضخ الإعلامي المستنفر على كل الجبهات، كانت قناة «روسيا اليوم» توضح الأهداف الرئيسية التي دخل من أجلها الروس الى سوريا وتتمثل في ضرب تنظيم «داعش» تحت غطاء رسمي سوري «شرعي»، مع الترويج لأن أميركا لم تفلح في حربها ضد هذا التنظيم طيلة الفترة الماضية، بل على العكس، تمدد «داعش» أكثر وازداد عتاده وعناصره في سوريا والعراق. وفي تقرير إخباري لها أول من امس، أكدت القناة الروسية الناطقة بالعربية أن روسيا لم «تستخدم أسلحة لضرب أهداف مدنية» على الأراضي السورية. قناة «الميادين» أيضاً أعلنت دعمها الخطوة الروسية المتمثلة في ضرب «اجهزة اتصال وأعتدة عسكرية ووقود لتنظيم داعش مع فتح سؤال: «هل يستفيد الأميركي من أخطاء تعاطيه مع الملف السوري؟». وفيما الجبهات الإعلامية مشتعلة في الفضاء، كانت القنوات المحلية اللبنانية تنخرط أيضاً في هذا الصراع وتنقسم تبعاً لسياسات كل منها. قنوات otv ،nbn «الجديد» «المنار» ذهبت دعماً للتدخل الروسي العسكري، فيما انضمّ كل من «المستقبل» وmtv و lbci الى الجوقة الخليجية. تزوير الصور بينما السعار متفشّ على الجبهات الإعلامية الخليجية بشأن التعاطي مع التدخل الروسي الجوّي على الأراضي السورية، وفبركة الأخبار والفيديوات للقول بأن روسيا ترتكب المجازر بحق الأطفال والنساء، انتشرت في الساعات الأخيرة تغريدة للمعارض السوري بسّام جعارة على حسابه على تويتر تتضمن صورة لوالد يقبّل طفلته المدماة وعلق عليها بالقول «المجرم بوتين ومرتزقته سيدفعون الثمن غالياً... حذاء هذه الشهيدة يساوي بشار الأسد». طبعاً، سرعان ما تبين زيف الصورة المأخوذة من العدوان الصهيوني على غزة في تموز (يوليو) الماضي. هذه الحادثة ليست بالجديدة، وتذكّرنا بالفبركات التي صنعتها الشاشات الخليجية طيلة أعوام الأزمة السورية المنصرمة.

المصدر : الاخبار/ زينب حاوي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة