ليس مستغرباً أن تتعرض هدنة الزبداني ـ الفوعة وكفريا للعرقلة والتأخر في التنفيذ. فإلى جانب حرص بعض الفصائل المسلحة والأطراف الإقليمية على إنجاحها، هناك العديد من الجهات المحلية والإقليمية التي تتربص بها وترغب في إفشالها.

ويكشف انقسام مواقف الفصائل والنشطاء وبعض الشخصيات المعارضة حول هدنة الزبداني، أن عقد هذه الهدنة كان فعلاً بمثابة «ضربة معلم» من قبل الجيش السوري و «حزب الله»، حيث بدأت بعض الأصوات تعلو محذّرة من أن تكون الهدنة فتنة جديدة تؤدي إلى شق الصف في عقر دار «إمارة النصرة» في إدلب.

واستمرت الجهود لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ شروط الهدنة المتفق عليها من قبل الطرفين، حيث استكملت التجهيزات اللوجستية من تأمين مراكز الإيواء وتجهيز الفرق الطبية وذلك في المناطق التي ستستقبل أهالي قريتي الفوعة وكفريا في حماه وحمص واللاذقية ودمشق. وفيما وصل الفريق الطبي إلى مدينة الزبداني حيث استلم أسماء المسلحين والأهالي الذين يريدون الخروج منها، و «تم إجلاء أول جريحين من الزبداني من قبل الأمم المتحدة استثناء بسبب سوء حالتهما الصحية»، إلا أن الفريق الطبي الخاص ببلدتي الفوعة وكفريا لم يتمكن من الوصول، الأمر الذي يعني تأجيل خروج الجرحى والمصابين إلى صباح الاثنين. وشملت التحضيرات في الزبداني أيضاً فتح الطرق وتنظيفها من قبل ورشات تابعة للمسلحين، لا سيما الطريق إلى ‏دوار السيلان، من آثار الدمار لتسهيل مرور القوافل وسيارات الإسعاف إلى داخل المدينة.

وكانت الهدنة قد تعرضت مساء أمس الأول لاختبار جدي، بعدما أدت عرقلة تنفيذ الخطوة الأولى منها المتمثلة بإخراج دفعة من الجرحى والمصابين من كل من الزبداني والفوعة وكفريا، إلى تبادل قصف من قبل الجيش السوري و «أحرار الشام»، الأمر الذي هدد بانهيار الهدنة كسابقتيها. وقد فشل إخراج الدفعة الأولى من جرحى ومصابي الفوعة وكفريا بسبب قيام بعض عناصر الفصائل المسلحة المعارضة للهدنة، بقطع طريق سراقب الذي كان يفترض أن تمر عبره قافلة الصليب الأحمر التي تقل هؤلاء الجرحى والمصابين نحو ريف حماه، حيث يفترض أن يستلمهم الجيش السوري في مدينة مورك. كما شهدت مدينة كفرنبل، أمس، تظاهرة منددة بالهدنة ومطالبة بإلغائها. وكانت مدينة بنّش قد شهدت تظاهرة حاشدة ضد الهدنة بعد ساعات فقط من توقيعها.

وقال «جيش الفتح»، في بيان السبت، إنه قام بقصف بلدتي الفوعة وكفريا رداً على قصف الطيران السوري مدينة سراقب وبلدة تفتناز وسقوط عدة قتلى، من بينهم إعلامي. وقد انتشرت في أعقاب القصف شائعات واسعة حول انهيار الهدنة وفشلها، قبل أن يؤكد إعلامي «أحرار الشام» أبو يزيد التفتناز عدم صحة ذلك، مشدداً على أن الهدنة مستمرة. إلا أن هذا التأكيد لا يلغي إمكانية تعرض الهدنة لمزيد من العرقلة، بسبب تزايد الأصوات المناهضة لها من داخل بعض الفصائل الفاعلة على الأرض.

وأصدر «حزب الجمهورية السوري» المعارض بياناً، أمس الأول، حذّر فيه من التداعيات السلبية المستقبلية التي يمكن أن تطال البنية الوطنية بكاملها جراء هدنة الزبداني ـ الفوعة وكفريا. وشدد رئيس الحزب محمد صبرة على أن الذي أعلن الهدنة هو شخص غير سوري ينتمي إلى تنظيم عالمي لا علاقة له بـ «الثورة السورية»، وذلك في إشارة إلى الشيخ السعودي عبدالله المحيسني.

وتشهد أوساط المسلحين في محافظة إدلب، على اختلاف انتماءاتهم الفصائيلية والعقائدية، انقساماً شديداً حول الموقف من الهدنة وشروطها. ففريق رحّب بالهدنة ورأى فيها «نصراً تاريخياً» كما وصفها المحيسني، في مقابلته مع مراسل «مركز دعاة الجهاد» قبل أيام، وإجباراً لإيران على الجلوس حول طاولة المفاوضات، وفريق رأى فيها لعبة ومؤامرة، وفي أحسن الأحوال خضوعاً لشروط الخصوم «الجيش السوري» و «حزب الله» وعجزاً عن مقارعتهم عسكرياً وسياسياً. وقد تسبب هذا الانقسام في الموقف بحدوث حالة من الفوضى في صفوف الفصائل والمسلحين التابعين لها، لدرجة أن بعض الناشطين الإعلاميين بدأ بالتحذير من «فتنة» جديدة يمكن أن تشق الصفوف، وتؤدي إلى نتائج وتداعيات لا تحمد عقباها.

وأكثر نقاط الهدنة إثارة للخلاف بين الفصائل هي تلك المتعلقة بتحديد المناطق المشمولة بوقف إطلاق النار، وهي بحسب الاتفاق تشمل مدينة إدلب وتفتناز وبنش ومعرتمصرين وزردنا وشلخ، حيث اعتبرت الفصائل في المناطق غير المشمولة بوقف إطلاق النار أن الهدنة، التي وافقت عليها «أحرار الشام»، ستؤدي إلى ارتفاع وتيرة القصف الذي يستهدف مناطقها نتيجة تفرغ الطيران الحربي السوري لها بعد زوال المناطق السابقة من قائمة عمله. وأهم هذه المناطق هي جبل الزاوية ومعرة النعمان وسلقين وسراقب وحارم، أي معاقل «جبهة النصرة» وحلفائها.

ولا يخفي بعض أنصار «جبهة النصرة» تخوفهم من نقطة قلما يجري التعرض لها، وهي موضوع دخول مسلحي «أحرار الشام» إلى محافظة إدلب بعد خروجهم من الزبداني، لأن ذلك يعني ارتفاع أعداد مسلحي «أحرار الشام» وازدياد قدراتهم القتالية على حساب الفصائل الأخرى، وهو ما من شأنه أن يخل بتوازن القوى في إدلب، خاصةً أن هذه الزيادة العددية تأتي في ظل تصاعد الخلاف بين «أحرار الشام» و «جبهة النصرة» حول العديد من القضايا، أهمها الموقف من «المنطقة الآمنة» التي تريدها تركيا والموقف من العملية السياسية، وأخيراً الموقف من موضوع الهدن مع النظام السوري. وما يعزز ذلك أن المتحدث الرسمي السابق باسم «جبهة النصرة» أبو فراس السوري كرر تهجمه على «أحرار الشام» واتهمها صراحة «بالتعاون مع دول الكفر وأنظمة الردة»، وذلك في مقالة نشرها على صفحته على موقع «فايسبوك» بعنوان «المفلسون». وتأتي هذه المقالة بعد مقالة اخرى حملت عنوان «أنا النذير العريان فالنجاء النجاء» وصف فيه «أحرار الشام» بأنهم «رسل المرتدين».

وفي توصيف دقيق لما يجري في إدلب حول الهدنة، ذكرت «شبكة شام» المعارضة في افتتاحيتها، أمس، أن «تطبيق الهدنة على الأرض أقرب إلى الفتنة منه إلى الحل». ومما لا شك فيه أن من شأن بوادر الفتنة التي تكاد تتسبب بها الهدنة بين الفصائل بعضها بعضاً، إضافة إلى المماحكات التي أشارت إليها «السفير» في عدد سابق بين السعودية وتركيا، عبر أدواتهما، حول موضوع الهدنة ومحاولة إفشالها، أن تؤدي إلى خلخلة صفوف المسلحين وإضعاف ثقتهم بعضهم ببعض، وهو ما يؤكد أن إدارة ملف المفاوضات واتخاذ القرار بالموافقة على عقد الهدنة من قبل الجيش السوري و «حزب الله» كان «ضربة معلم» قد تفوق في السياسة ما حققته معركة الزبداني عسكرياً.

  • فريق ماسة
  • 2015-09-27
  • 12438
  • من الأرشيف

هدنة الزبداني.. ضربة معلّم خلافات تعصف بالفصائل المسلحة

ليس مستغرباً أن تتعرض هدنة الزبداني ـ الفوعة وكفريا للعرقلة والتأخر في التنفيذ. فإلى جانب حرص بعض الفصائل المسلحة والأطراف الإقليمية على إنجاحها، هناك العديد من الجهات المحلية والإقليمية التي تتربص بها وترغب في إفشالها. ويكشف انقسام مواقف الفصائل والنشطاء وبعض الشخصيات المعارضة حول هدنة الزبداني، أن عقد هذه الهدنة كان فعلاً بمثابة «ضربة معلم» من قبل الجيش السوري و «حزب الله»، حيث بدأت بعض الأصوات تعلو محذّرة من أن تكون الهدنة فتنة جديدة تؤدي إلى شق الصف في عقر دار «إمارة النصرة» في إدلب. واستمرت الجهود لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ شروط الهدنة المتفق عليها من قبل الطرفين، حيث استكملت التجهيزات اللوجستية من تأمين مراكز الإيواء وتجهيز الفرق الطبية وذلك في المناطق التي ستستقبل أهالي قريتي الفوعة وكفريا في حماه وحمص واللاذقية ودمشق. وفيما وصل الفريق الطبي إلى مدينة الزبداني حيث استلم أسماء المسلحين والأهالي الذين يريدون الخروج منها، و «تم إجلاء أول جريحين من الزبداني من قبل الأمم المتحدة استثناء بسبب سوء حالتهما الصحية»، إلا أن الفريق الطبي الخاص ببلدتي الفوعة وكفريا لم يتمكن من الوصول، الأمر الذي يعني تأجيل خروج الجرحى والمصابين إلى صباح الاثنين. وشملت التحضيرات في الزبداني أيضاً فتح الطرق وتنظيفها من قبل ورشات تابعة للمسلحين، لا سيما الطريق إلى ‏دوار السيلان، من آثار الدمار لتسهيل مرور القوافل وسيارات الإسعاف إلى داخل المدينة. وكانت الهدنة قد تعرضت مساء أمس الأول لاختبار جدي، بعدما أدت عرقلة تنفيذ الخطوة الأولى منها المتمثلة بإخراج دفعة من الجرحى والمصابين من كل من الزبداني والفوعة وكفريا، إلى تبادل قصف من قبل الجيش السوري و «أحرار الشام»، الأمر الذي هدد بانهيار الهدنة كسابقتيها. وقد فشل إخراج الدفعة الأولى من جرحى ومصابي الفوعة وكفريا بسبب قيام بعض عناصر الفصائل المسلحة المعارضة للهدنة، بقطع طريق سراقب الذي كان يفترض أن تمر عبره قافلة الصليب الأحمر التي تقل هؤلاء الجرحى والمصابين نحو ريف حماه، حيث يفترض أن يستلمهم الجيش السوري في مدينة مورك. كما شهدت مدينة كفرنبل، أمس، تظاهرة منددة بالهدنة ومطالبة بإلغائها. وكانت مدينة بنّش قد شهدت تظاهرة حاشدة ضد الهدنة بعد ساعات فقط من توقيعها. وقال «جيش الفتح»، في بيان السبت، إنه قام بقصف بلدتي الفوعة وكفريا رداً على قصف الطيران السوري مدينة سراقب وبلدة تفتناز وسقوط عدة قتلى، من بينهم إعلامي. وقد انتشرت في أعقاب القصف شائعات واسعة حول انهيار الهدنة وفشلها، قبل أن يؤكد إعلامي «أحرار الشام» أبو يزيد التفتناز عدم صحة ذلك، مشدداً على أن الهدنة مستمرة. إلا أن هذا التأكيد لا يلغي إمكانية تعرض الهدنة لمزيد من العرقلة، بسبب تزايد الأصوات المناهضة لها من داخل بعض الفصائل الفاعلة على الأرض. وأصدر «حزب الجمهورية السوري» المعارض بياناً، أمس الأول، حذّر فيه من التداعيات السلبية المستقبلية التي يمكن أن تطال البنية الوطنية بكاملها جراء هدنة الزبداني ـ الفوعة وكفريا. وشدد رئيس الحزب محمد صبرة على أن الذي أعلن الهدنة هو شخص غير سوري ينتمي إلى تنظيم عالمي لا علاقة له بـ «الثورة السورية»، وذلك في إشارة إلى الشيخ السعودي عبدالله المحيسني. وتشهد أوساط المسلحين في محافظة إدلب، على اختلاف انتماءاتهم الفصائيلية والعقائدية، انقساماً شديداً حول الموقف من الهدنة وشروطها. ففريق رحّب بالهدنة ورأى فيها «نصراً تاريخياً» كما وصفها المحيسني، في مقابلته مع مراسل «مركز دعاة الجهاد» قبل أيام، وإجباراً لإيران على الجلوس حول طاولة المفاوضات، وفريق رأى فيها لعبة ومؤامرة، وفي أحسن الأحوال خضوعاً لشروط الخصوم «الجيش السوري» و «حزب الله» وعجزاً عن مقارعتهم عسكرياً وسياسياً. وقد تسبب هذا الانقسام في الموقف بحدوث حالة من الفوضى في صفوف الفصائل والمسلحين التابعين لها، لدرجة أن بعض الناشطين الإعلاميين بدأ بالتحذير من «فتنة» جديدة يمكن أن تشق الصفوف، وتؤدي إلى نتائج وتداعيات لا تحمد عقباها. وأكثر نقاط الهدنة إثارة للخلاف بين الفصائل هي تلك المتعلقة بتحديد المناطق المشمولة بوقف إطلاق النار، وهي بحسب الاتفاق تشمل مدينة إدلب وتفتناز وبنش ومعرتمصرين وزردنا وشلخ، حيث اعتبرت الفصائل في المناطق غير المشمولة بوقف إطلاق النار أن الهدنة، التي وافقت عليها «أحرار الشام»، ستؤدي إلى ارتفاع وتيرة القصف الذي يستهدف مناطقها نتيجة تفرغ الطيران الحربي السوري لها بعد زوال المناطق السابقة من قائمة عمله. وأهم هذه المناطق هي جبل الزاوية ومعرة النعمان وسلقين وسراقب وحارم، أي معاقل «جبهة النصرة» وحلفائها. ولا يخفي بعض أنصار «جبهة النصرة» تخوفهم من نقطة قلما يجري التعرض لها، وهي موضوع دخول مسلحي «أحرار الشام» إلى محافظة إدلب بعد خروجهم من الزبداني، لأن ذلك يعني ارتفاع أعداد مسلحي «أحرار الشام» وازدياد قدراتهم القتالية على حساب الفصائل الأخرى، وهو ما من شأنه أن يخل بتوازن القوى في إدلب، خاصةً أن هذه الزيادة العددية تأتي في ظل تصاعد الخلاف بين «أحرار الشام» و «جبهة النصرة» حول العديد من القضايا، أهمها الموقف من «المنطقة الآمنة» التي تريدها تركيا والموقف من العملية السياسية، وأخيراً الموقف من موضوع الهدن مع النظام السوري. وما يعزز ذلك أن المتحدث الرسمي السابق باسم «جبهة النصرة» أبو فراس السوري كرر تهجمه على «أحرار الشام» واتهمها صراحة «بالتعاون مع دول الكفر وأنظمة الردة»، وذلك في مقالة نشرها على صفحته على موقع «فايسبوك» بعنوان «المفلسون». وتأتي هذه المقالة بعد مقالة اخرى حملت عنوان «أنا النذير العريان فالنجاء النجاء» وصف فيه «أحرار الشام» بأنهم «رسل المرتدين». وفي توصيف دقيق لما يجري في إدلب حول الهدنة، ذكرت «شبكة شام» المعارضة في افتتاحيتها، أمس، أن «تطبيق الهدنة على الأرض أقرب إلى الفتنة منه إلى الحل». ومما لا شك فيه أن من شأن بوادر الفتنة التي تكاد تتسبب بها الهدنة بين الفصائل بعضها بعضاً، إضافة إلى المماحكات التي أشارت إليها «السفير» في عدد سابق بين السعودية وتركيا، عبر أدواتهما، حول موضوع الهدنة ومحاولة إفشالها، أن تؤدي إلى خلخلة صفوف المسلحين وإضعاف ثقتهم بعضهم ببعض، وهو ما يؤكد أن إدارة ملف المفاوضات واتخاذ القرار بالموافقة على عقد الهدنة من قبل الجيش السوري و «حزب الله» كان «ضربة معلم» قد تفوق في السياسة ما حققته معركة الزبداني عسكرياً.

المصدر : السفير /عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة