دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
احترت في تفسير علاقتي بالجاسوس الاسرائيلي الأشهر عزمي بشارة كما احترت في تشبيهها بأية علاقة .. فكلما قررت التخلص منه ووضعت اسمه في كيس أسود وربطته باحكام وألقيته حيث تلقى الأكياس السوداء في أكوام بيروت أفاجأ أنه يعود الي من حيث لاأدري ويقف أمام عتبة قلمي ودفاتري محدّقا بي ..
ألقيته مرة في البحر فعاد مبللا يقطر الماء من ثيابه ومن شنبيه الكبيرين اللذين كانا يقطران ماء كاسفنجة ضخمة وينظر الي متحديا أو مستجديا أن أعيده الى قواميسي السياسية .. وتبرعت به لغيري كما يتبرع أحدنا بالدمى التي كبر عليها الأطفال ولكنه برز عليّ من صندوق الهدايا التي تصلني من أصدقائي وفاجأني مثل أرنب أبيض يخرج من قبعة الساحر .. والحقيقة أنني ابتليت بهذا الجاسوس أكثر مما ابتلي أبو القاسم الطنبوري بحذائه الذي حاول التخلص منه عشرات المرات ولكنه كان يعود اليه بأعجوبة بعد كل محاولة مستميتة للتخلص منه .. ولاأدري ان كان من اللائق أن أقول بأنني أحس حياله كما أحس أبو القاسم الطنبوري تجاه حذائه و أنني أعيش نفس مشاعر أبي القاسم الطنبوري كلما عاد "حذائي" عزمي اليّ ..
وكنت قررت في غير مرة أن أحزّ عنق عزمي بشارة كما يفعل الثوار السوريون بأسراهم وأن أتخلص منه الى الأبد واريحه مني وأستريح منه .. وأريح الناس من عرضه وعرض شنباته في معرضي ومتحفي .. ولكن هيهات فكلما قطعت له رأسا ظهر له رأسان ..
هدية العيد لي كانت اليوم أن عاد حذاء الطنبوري عزمي بشارة وأطل عليّ ليدلي بدلوه كما اعتاد بالحرب على سورية (وليس على بلده اسرائيل) .. والحقيقة أنني ورغم ضيقي ونزقي من رؤية عزمي بشارة فانني صرت كلما رأيته يضع المراهم على جراح الثورة أتفاءل وأستبشر خيرا .. وكلما غاب يساورني القلق ويصيبني الهم والغم ..
الرجل والجاسوس الأشهر في اسرائيل صار علما من أعلام الربيع ولكنه صار مثل البصّارة التي تقرأ الفناجين .. وهو يفهم في كل الفناجين وكل أنواع البنّ ويرى في ترسبات القهوة مالاتراه عيوننا ويجول بمهارة وذكاء بين خطوط القهوة ويصف المستقبل بشكل تحسده عليه أية قارئة فنجان .. ولاأزال أذكر كل نبوءاته نبوءة نبوءة .. وأذكر أنه دخل في منافسة مع المنجمين في سهرة ليلة رأس السنة عام 2012 ليقول لنا بصوته الأنثوي الناعم الحاد بأن النظام السوري "سيسكط" حتما في أوائل عام 2012 لأنه أفلس اقتصاديا وكل مافي جيبه لايكفي لاطعام الاقتصاد السوري الا لعدة أسابيع .. ولم تمر مناسبة منذ خمس سنوات الا ويبرز حذاء الطنبوري الاسرائيلي لنا بحتمية من حتمياته ونبوءاته التي لايغلفها صاحبها بفلكيات نوستراداموس بل بقوانين المعرفة العلمية للسياسة والاقتصاد والمجتمع والثورات و .. الاسلام..
بالأمس قال حذاء الطنبوري بأن التواجد الروسي في سورية لن يغير الموازين العسكرية بل جاء ليثبت الواقع الحالي ويمنع تقدم الثوار ويمنع سقوط العاصمة والساحل .. وطبعا ثرثر حذاء الطنبوري كثيرا واضاف هذه النبوءة الى سجل نبوءاته التي لم تتحقق واحدة منها منذ خمس سنوات على الأقل .. ويبدو أن الرجل قد دفع به دفعا للادلاء بدلوه عند اشتداد حرارة القلق .. فالرجل مثل ظل نتنياهو .. يتحرك كلما تحرك نتنياهو .. فما ان وصل نتنياهو الى موسكو حتى أوكلت الى حذاء الطنبوري المهمة في ترويج الشائعات وشد الهمم الثورية المتوترة والقلقة والمصدومة من دخول الروس علنا على خط الحرب في سورية ومن تسابق مجموعة زعماء (الأيام المعدودة) من أجل صياغة عبارة ودية تقول (لابد من قبول الأسد ولو في المرحلة الانتقالية) والحمد لله أنهم لم يحددوا الفترة الانتقالية بأيام معدودة .. الحقيقة أن أشرس وأعند المتشنجين ضد الدولة السورية محقون في توترهم وعميق قلقهم من الاندفاعة الروسية ولهذا بدأ الدفع بالاتجاه المعاكس لحقن الثوار ببعض المهدئات وبدأت الأقلام الطنبورية بالنشاط لتصوير الحركة الروسية أنها تكليف أميريكي ينفذه بوتين .. وسيكلف فيصل القاسم بادارة حلقة عنيفة للغاية من برنامجه لاقناع الناس أن الروس بدؤوا باحتلال سورية وتقاسمها مع زهران علوش والجولاني ..
عزمي لايريد منا أن نرى كيف يتغير العالم ويتبدل ولايريد أن يجيب عن سؤال مهم وهو: ان كانت هذه الثقة بأن الروس لم يأتوا لتغيير الواقع بل لتثبيته فلماذا ذهب نتنياهو الى موسكو فورا؟ ولم سيذهب أردوغان أيضا؟؟ ان كان الروس قد جاؤوا لابقاء سورية مقسمة بين البغدادي والجولاني وزهران علوش فان على نتنياهو أن يحس بالطمأنينة والرضى ولايمنح النظام فرصة للشعور أن هذه الحركة مخيفة فتعطيه مددا معنويا .. ولماذا يغامر نتنياهو بكبريائه ليلتقي بوتين الذي يعلم ماهو دور اليهود الصهاينة في أوكرانيا وقبلها في جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا؟؟ .. لأن النظام السوري المهلهل المقسّم كما يزعم حذاء نتنياهو سيبقى في رعاية الروس وتحت سيطرتهم وليس مستقلا في قرار الحرب والسلم وكل همّه ألا يجتاحه البغدادي والجولاني ..
الحقيقة أن حذاء الطنبوري لم يفلح في المناروة هنا ومن الواضح أنه مصاب بالقلق مثل نتنياهو من مشروع روسي سوري ايراني لتدمير مشروع اقامة منطقة فوضى خطرة للغاية لان بقاء داعش في العراق وسورية ليس مثل وجود طالبان والقاعدة في أفغانستان لأن داعش موجودة في منطقة مرور خطوط الغاز وفوق بحيرات نفطية وهي ان عاشت ستنفق هذا المال والموقع في بناء كيان خطر للايجار واستثماره في تدمير روسيا نفسها بالتحريض الاسلامي ضد روسيا .. ولذلك فان روسيا لم تأت للحفاظ على تمزيق خرائط النفط والغاز بل لاعادة داعش والنصرة الى جحريهما .. والتأكد من أن حليفها قوي بخريطته التي يتمدد بها وق كل خطوط الغاز وحقول النفط .. ومبدأ السياسة الروسية الحالي هو أن الحليف القوي أفضل من الحليف الضعيف .. وهذا ماستطبقه روسيا شاء الحذاء أم أبى ..
ولاأريد أن أدخل في مماحكة وجدال مع حذاء نتنياهو وأن أضع نبوءات تبارز النبوءات .. ولكن نوعية السلاح الظاهرة علنا ليست دفاعية بل هجومية .. كما أن حجمه وتنوعه كلها أشياء تطرح أسئلة على كل مراقب من مثل: هل كل هذا السلاح الهجومي للاستعراض والدفاع؟؟ وهل تغامر الدول بتعريض جنودها للمخاطر من أجل الاثارة والتصوير والتشويق السينمائي فقط خاصة أن مثل هذا الوجود العسكري المخصص للمرابطة والحراسة فقط سيعني أن الجنود الروس أهداف للمسلحين لأنهم يمنعون سقوط النظام بعد أن صار سقوطه (عضة كوساية) كما يقول حذاء نتنياهو .. أي الروس يقدمون أبناءهم أهدافا للمسلحين كما فعلوا في أفغانستان .. هل يعقل أنه بعد درس أفغانستان أن يأتي السلاح الروسي ليتفرج ويكون مثل قوات الفصل الدولية بين طرفين متحاربين أحدهما يعتبره عدوا والثاني صديقا؟ أم أنه حسم أمره ووصل في مهمة خاصة ذات طابع هجومي ؟؟..
لاأخفيكم أنه كلما أطل عزمي بشارة ليتصدى لمعضلة ثورية أتذكر نكتة تداولها العراقيون أثناء الحرب العراقية الايرانية عن جندي عراقي اسمه حميدان قال له الضابط العراقي: ياحميدان ..اذا فاجأك العدو بدبابة ماذا تفعل؟ فانبرى حميدان يجيب بحماس ويقول: أقفز وأنبطح ثم أدور ثم أزحف وأمتشق الآر بي جي وأسدد بدقة وأطلق .. فيربت الضابط على كتفيه ويقول: ممتاز ياحميدان .. ولكن ماذا ان كانوا دبابتين ياحميدان؟؟ .. فقال حميدان: بعد أن اضرب الطلقة الأولى اقفز وأنبطح وأدور وأزحف وأمسك آربي جي ثانيا وأسدد وأطلق .. فأثنى الضابط عليه لكنه أضاف: وان كانوا ثلاث دبابات ياحميدان؟؟ فقال حميدان: بعد القذيفة الثانية أقفز وأنبطح وأدور وأزحف وأمسك الآر بي جي الثالث وأسدد وأضرب .. ومن جديد حظي بثناء الضابط الذي أضاف قائلا وهو يمتحن حميدان: وان كانوا أربع دبابات ماذا تفعل ياحميدان؟؟ ..
وهنا نظر حميدان بعينيه من تحت الخوذة الكبيرة ورمق الضابط قليلا وقال له ببرود محتجا: "طز" على هذا الجيش الذي الذي ليس فيه الا حميدان ..
مفكر الربيع العربي تحول الى حميدان حقيقي مثير للسخرية .. ففي كل معضلة يستدعيه الضباط الاسرائيليون ويدفعون به الى الشاشة ليدمر الأعداء .. منذ خمس سنوات وحميدان ذو الشنبات يقفز وينبطح ويدور حول نفسه ويزحف ثم يطلق علينا قذائفه .. يعني فعلا ماهذا الجيش الذي لم يعد فيه الا المفكر العربي حميدان الذي يتصدى لكل المعضلات .. ؟؟ وماهذا الاعلام الثوري الذي لم يعد فيه الا حذاء نتنياهو يختفي ليعود من حيث لاندري .. لقد انتهت اسطورة حذاء الطنبوري .. وحلت محلها أسطورة لاتضاهى وصرنا نملك في تراثنا حكاية لأطفالنا عن حذاء نتنياهو .. انه عزمي بشارة ..
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة