دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
اعتقدنا ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يختلف عن نظرائه في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا في تقييمه لتطورات الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط،
وسورية على وجه الخصوص، لانه ابن المنطقة اولا، ووريث امبراطورية عثمانية حكمتها لاكثر من 500 عام ثانيا، وسياسي محنك حقق معجزة التزاوج بين الاسلام والديمقراطية على ارضية التنمية الاقتصادية ثالثا، ولكن اعتقادنا هذا لم يكن في محله بعد ان جاءت تطورات الاوضاع في سورية، وبعد اربع سنوات من تبني الرئيس التركي سياسة “متشددة”، وصلت الى درجة الخروج عن المألوف في العلاقات الدولية في الهجوم على الرئيس السوري، والاصرار على رحيله في اي تسوية سياسية، وترجيح الحل العسكري لاسقاط النظام.
لا نختلف مطلقا في طبيعة الانتقادات الموجهة الى النظام السوري ، ولكننا في هذه الصحيفة حرصنا دائما على التأكيد بان سورية ليست مثل لبيبا او تونس او العراق او اليمن، وانما لها نسيج سياسي واجتماعي وطائفي خاص بها، كما ان هناك دولا تدعمها مثل روسيا والصين وايران لن تسمح بتغيير النظام فيها، وقلنا من اليوم الاول ان الحلول العسكرية سواء تبناها النظام او المعارضة لن تنجح في الحسم لهذا الطرف او ذاك، ولا بديل عن الحل السياسي.
لم يفاجئنا الرئيس التركي اردوغان الذي احتضن المعارضة السورية المسلحة، وسهل مرور الاموال والاسلحة والمقاتلين اليها، بالتراجع عن موقفه في سورية، وتأكيده هذا التراجع بشكل واضح، عندما قال “بشار الاسد يمكن ان يشكل جزءا من مرحلة انتقالية في اطار حل سياسي للازمة في بلاده”، وهو الذي قال انه رئيس غير شرعي وايامه معدودة، ولا مكان له في حاضر سورية او مستقبلها.
نقول لم يفاجئنا لاننا كنا نتوقع هذا التراجع بعد الانقلاب الذي وقع في موقف الولايات المتحدة ودول اوروبية اخرى، وبات يسقط “الفيتو” عن اي تفاوض مع الرئيس السوري، او الاعتراف بدور له في عملية انتقالية، وهو اعتراف يعكس تراجع تدريجي ومبطن.
السيدة انجيلا ميركل كانت الاكثر صراحة في اعلانها اليوم الذي دعت فيه الى اشراك الرئيس الاسد في الحوار لحل الازمة السورية، بعد يوم واحد فقط من تصريح مماثل لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.
الرئيس اردوغان يختلف عن حلفائه العرب في المملكة العربية السعودية ودولة قطر في كونه يتمتع بدرجة عالية من “البراغماتية”، حيث يقدم مصلحة بلاده فوق اي اعتبارات “ثارية”، او “شخصية” اخرى، ولا يرى اي ضير في التراجع عن مواقفه السابقة في سورية، او غيرها، اذا كان هذا التراجع يصب في مصلحة تركيا، وهذا ما يفسر قبوله بدور للرئيس السوري في عملية انتقالية ترتكز على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم شخصيات من السلطة والمعارضة.
الامر المؤكد ان تراجع الرئيس اردوغان هذا سيشكل صدمة لحلفائه العرب، سواء في قمة السلطة، او في اوساط المعارضة السورية، التي تتخذ من انقرة قاعدة لانطلاقها وتراهن بقوة على دعم النظام لها، ولكن هذه هي السياسة، وسياسة الشرق الاوسط ورمالها المتحركة، وخرائطها وتحالفاتها المتغيرة.
الخطوة التالية المتوقعة، ان يتوجه الرئيس اردوغان الى دمشق، او يوفد رئيس وزرائه احمد داوود اوغلو، هذا اذا بقي الاخير في منصبه بعد شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث الانتخابات البرلمانية الثانية في اقل من عام، وتشير استطلاعات الرأي ان حظوظ حزب العدالة والتنمية الحاكم للفوز فيها باغلبية مطلقة محدودة.
لا شيء مستبعد على الاطلاق، ومن تابع تصريحات الرئيس اردوغان في بداية الازمة السورية حول الرئيس الاسد وحكومته، لا يمكن ان يتوقع تراجعه الذي عبر عنه اليوم (الخميس) وبعد عودته من موسكو مباشرة.
المصدر :
رأي اليوم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة