جانبلات شكاي : قلبت الصور المأساوية للسوريين المهاجرين عبر تركيا وأوروبا الشرقية إلى الغرب، المعادلات على الساحتين الدولية والمحلية، وإذ أدخلت صور الغرقى وخصوصاً منهم الأطفال، الأزمة السورية،

 إلى داخل كل بيت في أوروبا، إلا أن انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة داخل البلاد لم تكن بأقل أهمية مما حصل في الاتحاد الأوروبي إن لم تكن أبرز، باتجاه الضغط وبشكل عملي لأول مرة لوضع حد للمواجهات العسكرية على الأرض ولكن لصالح الجيش السوري هذه المرة.

إن الانعطافة الأوروبية وفيضان العطف المفاجئ على «الفاجعة» السورية المترافق مع تسهيلات غير مسبوقة في استقبال اللاجئين بعد مرور أربع سنوات ونصف السنة على بداية الأزمة في البلاد، لم تكن بمثابة استيقاظ للضمير النائم طوال الفترة الماضية لدى الحكومات الأوروبية، وإن كانت كذلك عند شعوب هذه الدول، وإنما كان الهدف من هذه «الحملة» الإنسانية توجيه ضربة قاضية للحكومة السورية والقوات المقاتلة تحت رايتها لصالح المعارضة المسلحة.

إن خطة استقبال اللاجئين السوريين في الغرب الأوروبي كان يراد منها توجيه ضربة قاصمة للجيش السوري والكتائب المقاتلة معه على مختلف الجبهات، باعتبار أن فتح باب استيعاب مئات الآلاف من السوريين وخصوصاً من الجيل الشاب، سيؤدي إلى تجفيف منابع القوة البشرية التي تشكل العماد الأساسي للجيش السوري المنتشر على مستوى البلاد، و«المنهك» بالمعارك على مئات الجبهات منذ نحو ثلاث سنوات متواصلة.

وفعلاً بدا واضحاً أن معظم المهاجرين باتجاه الاتحاد الأوروبي، وتحديدا إلى ألمانيا، كانوا من الجيل الشاب وخصوصاً من المهددين بفرض الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية عليهم، وتعرضت البلاد خلال أشهر قليلة لاستنزاف حاد من هذه الفئة التي تعتبر ليست فقط وقود الحرب، وإنما عماد الإنتاج والحركة الاقتصادية في البلاد.

لكن يبدو أن الخطة الأوروبية لم تتحرك وفق السيناريو المرسوم لها، وإنما انعكست سلبا على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة والمجموعات الإرهابية أكثر مما انعكست على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري، باعتبار أن آليات التحكم بضبط عناصر الجيش السوري هي أكثر تعقيدا وتشددا بمراحل عن تلك الضوابط التي تتحكم بالسيطرة على عناصر كتائب المعارضة المسلحة.

وإضافة لما سبق، فإن معظم الذين خافوا من دعوتهم للخدمة ضمن صفوف الجيش السوري هم أساسا غادروا البلاد منذ فترة طويلة ومعظمهم استقر في دول الجوار أو أبعد، وبالتالي فإن فتح باب الهجرة أمام السوريين لم يشكل باب استنزاف بشري كبير للجيش السوري، على عكس كتائب المعارضة التي وصلت بيئتها الحاضنة إلى الاقتناع بعدم جدوى هذه الحرب العبثية وعدم توفر إمكانيات حسم الحرب لصالحهم وأيضاً لفقدان الأمل من الحلفاء الغربيين بالتدخل العسكري.

لقد ظهرت آثار فتح باب الهجرة بمستوى أقل على المؤسسة العسكرية والكتائب الموالية التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري مثل الدفاع الوطني أو كتائب البعث وغيرها، مما ظهرت فيه على كتائب المعارضة وخصوصاً منها «المعتدلة» أو مما تبقى من كتائب «الجيش الحر» التي تعرضت لاستنزاف كبير، مقارنة بالاستنزاف الذي تعرضت له الكتائب الإرهابية المتشددة أو الجهادية التي تعتمد بشكل كبير على المتطرفين القادمين من خارج البلاد.

وبدأنا نسمع أخيراً عن تسوية أوضاع المئات من المسلحين وإجراء مصالحات في العديد من المناطق وخصوصاً جنوب البلاد أو الإعلان عن وقف معارك والاعتراف بفشل المخططات، كما سمعنا بيانات من كبريات فصائل المعارضة تهدد كل من يترك سلاحه بقصد الهجرة ومغادرة البلاد بإنزال أشد العقوبات به، ففي درعا مثلا سيتم الحكم عليهم بالعمل في حفر الخنادق والأنفاق مدة شهرين قبل إعادتهم لكتائبهم، وفي المناطق المحاذية للحدود التركية وخصوصاً في ريفي محافظتي ادلب وحلب تم التنسيق مع السلطات التركية لعدم السماح بمرور مقاتلي المعارضة عبر بوابات الهجرة إلى أوروبا، والحال ذاته بالنسبة لقوات حماية الشعب الكردية التي تعرضت بدورها لعملية استنزاف حتى اضطرت إلى سحب الكثير من عناصرها من داخل المدن ورفع حواجز لها هناك وإعادة الانتشار في الجبهات الساخنة مع تنظيم داعش، وحتى التنظيمات المتطرفة بدأت الأخبار ترد عن خلافات داخلية بين عناصرها وعن انشقاقات وعمليات هجرة معاكسة بعد أن ظلت سورية مقصدا لتدفق الإرهابيين تحت راية الجهاد من عشرات الدول.

إن هذا الاستنزاف في كتائب المعارضة المترافق مع أخبار، روجتها وسائل إعلام غربية، عن استغلال داعش وتنظيم القاعدة المتمثل بجبهة النصرة، عمليات اللجوء الجماعي من أجل الدفع بتسلل أكثر من 4000 جهادي باتجاه الاتحاد الأوروبي، غيرت من التعاطي السياسي والإعلامي الغربي مع ملف الهجرة سريعا، فبدأت عمليات بناء أسوار عالية من الأسلاك الشائكة، وبدأ التدقيق الأمني الكبير في خلفيات المهاجرين، مع ظهور أخبار عن انتحال أكثر من 80 بالمئة من الواصلين إلى أوروبا الجنسية السورية وهم أساساً من دول أخرى مختلفة.

إن التبدل في المزاج الغربي باتجاه الأزمة السورية انعكس أيضاً في مواقف القادة والسياسيين لتلك الدول والذين كانوا يرفضون إلى وقت قريب إرسال جنودهم لمقاتلة داعش، لكنهم، ليس فقط تجاوزوا هذه النقطة وإنما بدؤوا يروجون لإمكان التحاور مع الحكومة السورية بل تنازلوا عن الشرط المسبق لتخلي الرئيس بشار الأسد عن السلطة لصالح المعارضة، الأمر الذي انعكس أيضاً على تصريحات حتى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد ظهور مواقف مشابهة من إسبانيا والنمسا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

انعكاسات فتح باب الهجرة باتجاه أوروبا على صيرورة الحرب في سورية، لم تتوقف عند النقاط السابقة بل رافقها تحول كبير على مستوى الدعم الذي تتلقاه الحكومة السورية من حلفائها وخصوصاً من روسيا الاتحادية التي تجاوزت الدعم السياسي في المحافل الدولية، إلى الدعم العسكري المباشر بأحدث الأسلحة ما سيحدث تبدلات كبيرة على مستوى الميدان خلال الفترة القريبة المقبلة، وإن ترافق ذلك مع تراجع واضح للتصريحات والمواقف الإيرانية المؤيدة أخيراً، لكن الأمر يمكن تفسيره بأنها حالة مقصودة من تبادل الأدوار بين الحلفاء بهدف التأثير على الأساس المفتعل للحرب والقائم على الشحن الطائفي بين السنة والشيعة، هذا الشحن الذي ظل أحد أبرز العوامل العقائدية الأساسية لتجنيد المقاتلين من مختلف دول العالم ودفعهم باتجاه سورية.

لقد شهدت الأيام الأخيرة ملامح حرب أخرى، وهي إعلامية وعبر الأثير، حاول فيها كل طرف تحميل مسؤولية معاناة اللاجئين للطرف الآخر، لكن الوقائع في الميدان بدأت تميل لصالح الحكومة وخصوصاً في المنطقة الجنوبية، أي في محافظة درعا، وبينما يتواصل استنزاف كتائب المعارضة من القوى البشرية التي ملت الحرب، يعوض الجيش السوري والكتائب المقاتلة إلى جانبه هذا الاستنزاف، بمزيد من الدعم التقني المتطور من الحلفاء وليس فقط من روسيا وإيران وإنما ربما من الصين أيضا، في وقت تنقلب فيه الدول المؤيدة للمعارضة عليها وتتجه للاقتراب أكثر فأكثر من مواقف الحكومة السورية بعد أن بدأ الإرهاب يضرب في قلب مدنهم.

  • فريق ماسة
  • 2015-09-22
  • 9417
  • من الأرشيف

فتح باب اللجوء إلى أوروبا.. بداية النهاية

جانبلات شكاي : قلبت الصور المأساوية للسوريين المهاجرين عبر تركيا وأوروبا الشرقية إلى الغرب، المعادلات على الساحتين الدولية والمحلية، وإذ أدخلت صور الغرقى وخصوصاً منهم الأطفال، الأزمة السورية،  إلى داخل كل بيت في أوروبا، إلا أن انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة داخل البلاد لم تكن بأقل أهمية مما حصل في الاتحاد الأوروبي إن لم تكن أبرز، باتجاه الضغط وبشكل عملي لأول مرة لوضع حد للمواجهات العسكرية على الأرض ولكن لصالح الجيش السوري هذه المرة. إن الانعطافة الأوروبية وفيضان العطف المفاجئ على «الفاجعة» السورية المترافق مع تسهيلات غير مسبوقة في استقبال اللاجئين بعد مرور أربع سنوات ونصف السنة على بداية الأزمة في البلاد، لم تكن بمثابة استيقاظ للضمير النائم طوال الفترة الماضية لدى الحكومات الأوروبية، وإن كانت كذلك عند شعوب هذه الدول، وإنما كان الهدف من هذه «الحملة» الإنسانية توجيه ضربة قاضية للحكومة السورية والقوات المقاتلة تحت رايتها لصالح المعارضة المسلحة. إن خطة استقبال اللاجئين السوريين في الغرب الأوروبي كان يراد منها توجيه ضربة قاصمة للجيش السوري والكتائب المقاتلة معه على مختلف الجبهات، باعتبار أن فتح باب استيعاب مئات الآلاف من السوريين وخصوصاً من الجيل الشاب، سيؤدي إلى تجفيف منابع القوة البشرية التي تشكل العماد الأساسي للجيش السوري المنتشر على مستوى البلاد، و«المنهك» بالمعارك على مئات الجبهات منذ نحو ثلاث سنوات متواصلة. وفعلاً بدا واضحاً أن معظم المهاجرين باتجاه الاتحاد الأوروبي، وتحديدا إلى ألمانيا، كانوا من الجيل الشاب وخصوصاً من المهددين بفرض الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية عليهم، وتعرضت البلاد خلال أشهر قليلة لاستنزاف حاد من هذه الفئة التي تعتبر ليست فقط وقود الحرب، وإنما عماد الإنتاج والحركة الاقتصادية في البلاد. لكن يبدو أن الخطة الأوروبية لم تتحرك وفق السيناريو المرسوم لها، وإنما انعكست سلبا على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة والمجموعات الإرهابية أكثر مما انعكست على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري، باعتبار أن آليات التحكم بضبط عناصر الجيش السوري هي أكثر تعقيدا وتشددا بمراحل عن تلك الضوابط التي تتحكم بالسيطرة على عناصر كتائب المعارضة المسلحة. وإضافة لما سبق، فإن معظم الذين خافوا من دعوتهم للخدمة ضمن صفوف الجيش السوري هم أساسا غادروا البلاد منذ فترة طويلة ومعظمهم استقر في دول الجوار أو أبعد، وبالتالي فإن فتح باب الهجرة أمام السوريين لم يشكل باب استنزاف بشري كبير للجيش السوري، على عكس كتائب المعارضة التي وصلت بيئتها الحاضنة إلى الاقتناع بعدم جدوى هذه الحرب العبثية وعدم توفر إمكانيات حسم الحرب لصالحهم وأيضاً لفقدان الأمل من الحلفاء الغربيين بالتدخل العسكري. لقد ظهرت آثار فتح باب الهجرة بمستوى أقل على المؤسسة العسكرية والكتائب الموالية التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري مثل الدفاع الوطني أو كتائب البعث وغيرها، مما ظهرت فيه على كتائب المعارضة وخصوصاً منها «المعتدلة» أو مما تبقى من كتائب «الجيش الحر» التي تعرضت لاستنزاف كبير، مقارنة بالاستنزاف الذي تعرضت له الكتائب الإرهابية المتشددة أو الجهادية التي تعتمد بشكل كبير على المتطرفين القادمين من خارج البلاد. وبدأنا نسمع أخيراً عن تسوية أوضاع المئات من المسلحين وإجراء مصالحات في العديد من المناطق وخصوصاً جنوب البلاد أو الإعلان عن وقف معارك والاعتراف بفشل المخططات، كما سمعنا بيانات من كبريات فصائل المعارضة تهدد كل من يترك سلاحه بقصد الهجرة ومغادرة البلاد بإنزال أشد العقوبات به، ففي درعا مثلا سيتم الحكم عليهم بالعمل في حفر الخنادق والأنفاق مدة شهرين قبل إعادتهم لكتائبهم، وفي المناطق المحاذية للحدود التركية وخصوصاً في ريفي محافظتي ادلب وحلب تم التنسيق مع السلطات التركية لعدم السماح بمرور مقاتلي المعارضة عبر بوابات الهجرة إلى أوروبا، والحال ذاته بالنسبة لقوات حماية الشعب الكردية التي تعرضت بدورها لعملية استنزاف حتى اضطرت إلى سحب الكثير من عناصرها من داخل المدن ورفع حواجز لها هناك وإعادة الانتشار في الجبهات الساخنة مع تنظيم داعش، وحتى التنظيمات المتطرفة بدأت الأخبار ترد عن خلافات داخلية بين عناصرها وعن انشقاقات وعمليات هجرة معاكسة بعد أن ظلت سورية مقصدا لتدفق الإرهابيين تحت راية الجهاد من عشرات الدول. إن هذا الاستنزاف في كتائب المعارضة المترافق مع أخبار، روجتها وسائل إعلام غربية، عن استغلال داعش وتنظيم القاعدة المتمثل بجبهة النصرة، عمليات اللجوء الجماعي من أجل الدفع بتسلل أكثر من 4000 جهادي باتجاه الاتحاد الأوروبي، غيرت من التعاطي السياسي والإعلامي الغربي مع ملف الهجرة سريعا، فبدأت عمليات بناء أسوار عالية من الأسلاك الشائكة، وبدأ التدقيق الأمني الكبير في خلفيات المهاجرين، مع ظهور أخبار عن انتحال أكثر من 80 بالمئة من الواصلين إلى أوروبا الجنسية السورية وهم أساساً من دول أخرى مختلفة. إن التبدل في المزاج الغربي باتجاه الأزمة السورية انعكس أيضاً في مواقف القادة والسياسيين لتلك الدول والذين كانوا يرفضون إلى وقت قريب إرسال جنودهم لمقاتلة داعش، لكنهم، ليس فقط تجاوزوا هذه النقطة وإنما بدؤوا يروجون لإمكان التحاور مع الحكومة السورية بل تنازلوا عن الشرط المسبق لتخلي الرئيس بشار الأسد عن السلطة لصالح المعارضة، الأمر الذي انعكس أيضاً على تصريحات حتى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد ظهور مواقف مشابهة من إسبانيا والنمسا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا. انعكاسات فتح باب الهجرة باتجاه أوروبا على صيرورة الحرب في سورية، لم تتوقف عند النقاط السابقة بل رافقها تحول كبير على مستوى الدعم الذي تتلقاه الحكومة السورية من حلفائها وخصوصاً من روسيا الاتحادية التي تجاوزت الدعم السياسي في المحافل الدولية، إلى الدعم العسكري المباشر بأحدث الأسلحة ما سيحدث تبدلات كبيرة على مستوى الميدان خلال الفترة القريبة المقبلة، وإن ترافق ذلك مع تراجع واضح للتصريحات والمواقف الإيرانية المؤيدة أخيراً، لكن الأمر يمكن تفسيره بأنها حالة مقصودة من تبادل الأدوار بين الحلفاء بهدف التأثير على الأساس المفتعل للحرب والقائم على الشحن الطائفي بين السنة والشيعة، هذا الشحن الذي ظل أحد أبرز العوامل العقائدية الأساسية لتجنيد المقاتلين من مختلف دول العالم ودفعهم باتجاه سورية. لقد شهدت الأيام الأخيرة ملامح حرب أخرى، وهي إعلامية وعبر الأثير، حاول فيها كل طرف تحميل مسؤولية معاناة اللاجئين للطرف الآخر، لكن الوقائع في الميدان بدأت تميل لصالح الحكومة وخصوصاً في المنطقة الجنوبية، أي في محافظة درعا، وبينما يتواصل استنزاف كتائب المعارضة من القوى البشرية التي ملت الحرب، يعوض الجيش السوري والكتائب المقاتلة إلى جانبه هذا الاستنزاف، بمزيد من الدعم التقني المتطور من الحلفاء وليس فقط من روسيا وإيران وإنما ربما من الصين أيضا، في وقت تنقلب فيه الدول المؤيدة للمعارضة عليها وتتجه للاقتراب أكثر فأكثر من مواقف الحكومة السورية بعد أن بدأ الإرهاب يضرب في قلب مدنهم.

المصدر : الماسة السورية/الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة