حتى الان لم يقل لجلالة الملكة ان تخلع قبعتها لان ساعة الرحيل قد حانت. لا، لا. جيريمي كورين راديكالي، وشرس، ولا يخفي افكاره بين اسنانه او بين قدميه، لكنه يعتقد ان سقوط الملكية في بلاد الانكليز يعني التفكك التدريجي للمملكة المتحدة. يبقى التاج، وتبقى العربة المطهمة، ويبقى قصر بكنغهام مستودعا للكآبة. الكآبة فقط ولا شيء آخر…

الزعيم الجديد لحزب العمال لا يرتدي القبعة ولا يدخن السيكار، كما ونستون تشرشل، ولا يعتقد ان الامبراطورية لا تزال هناك رغم كل ذلك الغروب، كما انطوني ايدن، ولا يتجنب مصافحة سائقي القطارات الا بالقفازات كما مارغريت تاتشر…

في نظره ان بريطانيا هي للّوردات كما هي للحفاة، وهي لكتاب «الفايننشال تايمز» مثلما هي للآتين من التراجيديا الاسيوية ولا يفقهون من الانكليزي سوى O.K.SIR . قال « بادىء بدء ينبغي ان نرفع مستوى الغضب».

لم يكن كارل ماركس يتصور ان الشيوعية يمكن ان تطبق في روسيا. وكان يعتبر ان الفلاحين اعتادوا على ان يحنوا ظهورهم، ورؤوسهم، وهم يعملون في الارض، ولم يكونوا مثل عمال المدن يعيشون بين الجرذان ولا يحصلون احيانا على الخبز، ولم تكن حياتهم اقل شأنا من حياة القطط…

لهذا توقع ان تطبق الشيوعية في انكلترا. الجدلية التاريخية التي قال بها ماركس بدت وكأنها تمشي، ضد التاريخ. المسيحية التي ولدت في الشرق لا توجد، مبدئيا، الا في الغرب. والبوذية التي ولدت في الهند وجدت ملاذا في الصين، اما الاسلام الذي قام على لغة القرآن فقد انتهى على لغة السواطير..

ها ان انكليزيا يدعى جيريمي كورين لا ينفي شغفه بصاحب «رأس المال» قد يكتسح ذات يوم 10 داوننغ ستريت. ولكن هل باستطاعته ان يعيد للماركسية بهاءها في زمن الديانات المجنونة؟

للتو قال الاميركيون انه رجل «مضاد لطبيعة الاشياء»، ويمكن ان يكون احدى شخصيات تشارلز ديكنز، كما انه «يعتبر ان الخيال حصان يستطيع ان يمتطيه حينما يشاء». في زمننا من يمتطي الخيال لا بد ان يرتطم بالحائط ويتحطم…

المشكلة ليست في كونه ماركسيا، ولا في قتاله ضد التقشف، ولا في صراخة المدوي ضد النظرية النقدوية في الاقتصاد التي اطلقها ميلتون فريد مان في الولايات المتحدة وتبناها رونالد ريغان ومن بعده مارغريت تاتشر، بل لكونه الرجل الذي يقول «علينا ان نمد ايدينا، ودون قفازات، الى اصدقائنا في «حزب الله» و«حماس».

العرب والمسلمون في بريطانيا يقولون انه الرجل الذي داس على قبر آرثر بلفور ولويد جورج. من هناك ولدت اسرائيل، هل من هناك تولد فلسطين؟ ليس بالامر العادي ان يظهر في 10 داوننغ ستريت رجل يقول ان للفلسطينيين الحق في الحياة. تاليا الحق في الدولة..

يسخر كثيرا من المفهوم الاميركي للارهاب. وصف فرنسيس فوكوياما، صاحب» الانسان الاخير و نهاية التاريخ»، وصمويل هانتنغتون، صاحب «صدام الحضارات» بأنهما وراء الارهاب الفلسفي والارهاب الايديولوجي..

البعض يعتبره «المهاتما الانكليزي». لا يأكل اللحوم، ويقطن في منزل متواضع، ويستعمل الدراجة الهوائية «كيف لنا ان نغطي وجه القمر بثاني اوكسيد الكربون؟». خصومه يقولون «اذا فاز في الانتخابات المقبلة، فلا شك انه سيعيد بريطانيا الى العصر الحجري».

منذ اللحظة الاولى بدأت اللعبة الشكسبيرية تأخذ مداها. المؤسسة اليهودية راحت تنشط من اجل حمل عدد من قادة حزب العمل على الانشقاق وتشكيل حزب جديد بدل الانضواء تحت مظلة «ذلك المتشرد».

احد اللوردات يعترض «هل يمكن ان يدخل الى قصر بكنفهام بسروال الجينز؟»، لا بل انه يذهب الى ابعد من ذلك حين يقول»…وقد يدعو الملكة لارتداء القبعة التي يستعملها عمال المناجم».

حرب لاهوادة فيها ضد جيريمي كوربن. غوردون براون لا يتصور رجلا صديقا لـ«حزب الله» و«حماس» ويقول بالتفاوض معهما يمكن ان يكون بريطانياً وليس فقط زعيم حزب او رئيسا للوزراء. لم يقل، وبتلك الغطرسة التي لم تعد تليق بامبراطورية غابت عنها الشمس، ومادت بها الارض، كيف يمكن لسياسي يفكر هكذا ان يكون انسانا…

ريجيس دوبريه يرى ان اختيار كوربن شاهد اثبات على ان القارة العجوز، العجوز جدا، لم تعد بحاجة الى احمر الشفاه ولا الى سراويل نينا ريتشي. هي بحاجة الى من يعيد ترتيب الخيال «كي لا يكون الكلب الذي يجره الواقع على ارصفة المدن».

 

  • فريق ماسة
  • 2015-09-15
  • 9964
  • من الأرشيف

المهاتما الإنكليزي صديق حزب الله !!

حتى الان لم يقل لجلالة الملكة ان تخلع قبعتها لان ساعة الرحيل قد حانت. لا، لا. جيريمي كورين راديكالي، وشرس، ولا يخفي افكاره بين اسنانه او بين قدميه، لكنه يعتقد ان سقوط الملكية في بلاد الانكليز يعني التفكك التدريجي للمملكة المتحدة. يبقى التاج، وتبقى العربة المطهمة، ويبقى قصر بكنغهام مستودعا للكآبة. الكآبة فقط ولا شيء آخر… الزعيم الجديد لحزب العمال لا يرتدي القبعة ولا يدخن السيكار، كما ونستون تشرشل، ولا يعتقد ان الامبراطورية لا تزال هناك رغم كل ذلك الغروب، كما انطوني ايدن، ولا يتجنب مصافحة سائقي القطارات الا بالقفازات كما مارغريت تاتشر… في نظره ان بريطانيا هي للّوردات كما هي للحفاة، وهي لكتاب «الفايننشال تايمز» مثلما هي للآتين من التراجيديا الاسيوية ولا يفقهون من الانكليزي سوى O.K.SIR . قال « بادىء بدء ينبغي ان نرفع مستوى الغضب». لم يكن كارل ماركس يتصور ان الشيوعية يمكن ان تطبق في روسيا. وكان يعتبر ان الفلاحين اعتادوا على ان يحنوا ظهورهم، ورؤوسهم، وهم يعملون في الارض، ولم يكونوا مثل عمال المدن يعيشون بين الجرذان ولا يحصلون احيانا على الخبز، ولم تكن حياتهم اقل شأنا من حياة القطط… لهذا توقع ان تطبق الشيوعية في انكلترا. الجدلية التاريخية التي قال بها ماركس بدت وكأنها تمشي، ضد التاريخ. المسيحية التي ولدت في الشرق لا توجد، مبدئيا، الا في الغرب. والبوذية التي ولدت في الهند وجدت ملاذا في الصين، اما الاسلام الذي قام على لغة القرآن فقد انتهى على لغة السواطير.. ها ان انكليزيا يدعى جيريمي كورين لا ينفي شغفه بصاحب «رأس المال» قد يكتسح ذات يوم 10 داوننغ ستريت. ولكن هل باستطاعته ان يعيد للماركسية بهاءها في زمن الديانات المجنونة؟ للتو قال الاميركيون انه رجل «مضاد لطبيعة الاشياء»، ويمكن ان يكون احدى شخصيات تشارلز ديكنز، كما انه «يعتبر ان الخيال حصان يستطيع ان يمتطيه حينما يشاء». في زمننا من يمتطي الخيال لا بد ان يرتطم بالحائط ويتحطم… المشكلة ليست في كونه ماركسيا، ولا في قتاله ضد التقشف، ولا في صراخة المدوي ضد النظرية النقدوية في الاقتصاد التي اطلقها ميلتون فريد مان في الولايات المتحدة وتبناها رونالد ريغان ومن بعده مارغريت تاتشر، بل لكونه الرجل الذي يقول «علينا ان نمد ايدينا، ودون قفازات، الى اصدقائنا في «حزب الله» و«حماس». العرب والمسلمون في بريطانيا يقولون انه الرجل الذي داس على قبر آرثر بلفور ولويد جورج. من هناك ولدت اسرائيل، هل من هناك تولد فلسطين؟ ليس بالامر العادي ان يظهر في 10 داوننغ ستريت رجل يقول ان للفلسطينيين الحق في الحياة. تاليا الحق في الدولة.. يسخر كثيرا من المفهوم الاميركي للارهاب. وصف فرنسيس فوكوياما، صاحب» الانسان الاخير و نهاية التاريخ»، وصمويل هانتنغتون، صاحب «صدام الحضارات» بأنهما وراء الارهاب الفلسفي والارهاب الايديولوجي.. البعض يعتبره «المهاتما الانكليزي». لا يأكل اللحوم، ويقطن في منزل متواضع، ويستعمل الدراجة الهوائية «كيف لنا ان نغطي وجه القمر بثاني اوكسيد الكربون؟». خصومه يقولون «اذا فاز في الانتخابات المقبلة، فلا شك انه سيعيد بريطانيا الى العصر الحجري». منذ اللحظة الاولى بدأت اللعبة الشكسبيرية تأخذ مداها. المؤسسة اليهودية راحت تنشط من اجل حمل عدد من قادة حزب العمل على الانشقاق وتشكيل حزب جديد بدل الانضواء تحت مظلة «ذلك المتشرد». احد اللوردات يعترض «هل يمكن ان يدخل الى قصر بكنفهام بسروال الجينز؟»، لا بل انه يذهب الى ابعد من ذلك حين يقول»…وقد يدعو الملكة لارتداء القبعة التي يستعملها عمال المناجم». حرب لاهوادة فيها ضد جيريمي كوربن. غوردون براون لا يتصور رجلا صديقا لـ«حزب الله» و«حماس» ويقول بالتفاوض معهما يمكن ان يكون بريطانياً وليس فقط زعيم حزب او رئيسا للوزراء. لم يقل، وبتلك الغطرسة التي لم تعد تليق بامبراطورية غابت عنها الشمس، ومادت بها الارض، كيف يمكن لسياسي يفكر هكذا ان يكون انسانا… ريجيس دوبريه يرى ان اختيار كوربن شاهد اثبات على ان القارة العجوز، العجوز جدا، لم تعد بحاجة الى احمر الشفاه ولا الى سراويل نينا ريتشي. هي بحاجة الى من يعيد ترتيب الخيال «كي لا يكون الكلب الذي يجره الواقع على ارصفة المدن».  

المصدر : نبيه البرجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة