في الدول الغربية، حيث يتمّ تداول السلطة بين الأحزاب السائدة عن طريق صناديق الاقتراع، جرت العادة أنّ أيّ رئيس أو زعيم للحزب ينتخب عشية الانتخابات البرلمانية لقيادة الحزب في هذه الانتخابات ويفشل في تحقيق الفوز،

 

 يقدّم استقالته ويفسح المجال إلى شخص آخر لتولي المسؤولية وقيادة الحزب في الفترة الفاصلة بين الانتخابات التي جرت والانتخابات التي ستجري في المستقبل.

 

 

في تركيا، لم يتمّ احترام هذا المبدأ، الأمر الذي يؤكد أنّ زحف التقاليد الديكتاتورية يتجه الآن إلى حزب العدالة والتنمية الذي تزعّمه رجب طيب أردوغان طيلة أكثر من 12 عاماً وآلت زعامة الحزب، بتدبير من أردوغان، إلى أحمد داوود أوغلو الذي قاد الحزب في انتخابات 7 حزيران وفشل في تحقيق الفوز.

 

لو أنّ حزب العدالة والتنمية حزباً يؤمن فعلاً بالديمقراطية لكان المفروض أن يقدّم أحمد داوود أوغلو استقالته من رئاسة الحزب فور إعلان نتائج الانتخابات، أو على الأقلّ بعد فشله في تشكيل حكومة ائتلافية مع واحد من الأحزاب الثلاثة التي دخلت البرلمان.

 

لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق، فقد انتظر ثنائي أردوغان وداوود أوغلو استنفاد الفترة الانتقالية التي حدّدها الدستور للدعوة إلى انتخابات مبكرة في سابقة نادرة الحصول في الدول الديمقراطية، إذ جرت العادة أن تتمّ الدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد فترة طويلة نسبياً وليس فوراً، بعد مرور أقلّ من خمسة أشهر على آخر انتخابات، لكن في تركيا يستطيع أردوغان وبطانته تركيب إذن الجرة كيفما شاؤوا طالما أنهم نجحوا في ترويض مواقف المؤسسة العسكرية ومؤسسة الشرطة، وطالما أنهم نجحوا في تطهير القضاء من كلّ الرموز التي تعارض سياسة التفرّد والديكتاتورية، فأردوغان لـه أيضاً مفهومه الخاص للديمقراطية، وبديهي أنّ هذا المفهوم لا يخرج عن نطاق مفاهيم الديمقراطية التي سادت ولا تزال في الكثير من العالم النامي، أيّ أنها ديكتاتورية مطلية بغلاف رقيق من الادّعاءات الديمقراطية، ذلك أن ليس كلّ ذهاب إلى صناديق الاقتراع يعني الديمقراطية وإلا كان يتوجب على الكثيرين التسليم بديمقراطية الكثير من الأنظمة التي أجرت انتخابات، ولكن يتمّ وصفها من قبل الحكومات الغربية، بأنها أنظمة ديكتاتورية.

 

حزب العدالة والتنمية في تركيا، لم يخرج فقط عن التقاليد الديمقراطية من خلال التمسك بداوود أوغلو برئاسة الحزب وخوضه غمار انتخابات جديدة رغم فشله، بل أنّ الحزب بات أداة بيد ثنائي أردوغان وداوود أوغلو، حيث جرى إبعاد أو تهميش كلّ الزعامات الكبيرة في الحزب التي لعبت دوراً هاماً في وصوله إلى السلطة، وعلى رأس هؤلاء عبدالله غل، الذي كان ينافس أردوغان شخصياً على زعامة الحزب.

  • فريق ماسة
  • 2015-09-15
  • 10356
  • من الأرشيف

أردوغان وداود أوغلو والديمقراطية

 في الدول الغربية، حيث يتمّ تداول السلطة بين الأحزاب السائدة عن طريق صناديق الاقتراع، جرت العادة أنّ أيّ رئيس أو زعيم للحزب ينتخب عشية الانتخابات البرلمانية لقيادة الحزب في هذه الانتخابات ويفشل في تحقيق الفوز،    يقدّم استقالته ويفسح المجال إلى شخص آخر لتولي المسؤولية وقيادة الحزب في الفترة الفاصلة بين الانتخابات التي جرت والانتخابات التي ستجري في المستقبل.     في تركيا، لم يتمّ احترام هذا المبدأ، الأمر الذي يؤكد أنّ زحف التقاليد الديكتاتورية يتجه الآن إلى حزب العدالة والتنمية الذي تزعّمه رجب طيب أردوغان طيلة أكثر من 12 عاماً وآلت زعامة الحزب، بتدبير من أردوغان، إلى أحمد داوود أوغلو الذي قاد الحزب في انتخابات 7 حزيران وفشل في تحقيق الفوز.   لو أنّ حزب العدالة والتنمية حزباً يؤمن فعلاً بالديمقراطية لكان المفروض أن يقدّم أحمد داوود أوغلو استقالته من رئاسة الحزب فور إعلان نتائج الانتخابات، أو على الأقلّ بعد فشله في تشكيل حكومة ائتلافية مع واحد من الأحزاب الثلاثة التي دخلت البرلمان.   لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق، فقد انتظر ثنائي أردوغان وداوود أوغلو استنفاد الفترة الانتقالية التي حدّدها الدستور للدعوة إلى انتخابات مبكرة في سابقة نادرة الحصول في الدول الديمقراطية، إذ جرت العادة أن تتمّ الدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد فترة طويلة نسبياً وليس فوراً، بعد مرور أقلّ من خمسة أشهر على آخر انتخابات، لكن في تركيا يستطيع أردوغان وبطانته تركيب إذن الجرة كيفما شاؤوا طالما أنهم نجحوا في ترويض مواقف المؤسسة العسكرية ومؤسسة الشرطة، وطالما أنهم نجحوا في تطهير القضاء من كلّ الرموز التي تعارض سياسة التفرّد والديكتاتورية، فأردوغان لـه أيضاً مفهومه الخاص للديمقراطية، وبديهي أنّ هذا المفهوم لا يخرج عن نطاق مفاهيم الديمقراطية التي سادت ولا تزال في الكثير من العالم النامي، أيّ أنها ديكتاتورية مطلية بغلاف رقيق من الادّعاءات الديمقراطية، ذلك أن ليس كلّ ذهاب إلى صناديق الاقتراع يعني الديمقراطية وإلا كان يتوجب على الكثيرين التسليم بديمقراطية الكثير من الأنظمة التي أجرت انتخابات، ولكن يتمّ وصفها من قبل الحكومات الغربية، بأنها أنظمة ديكتاتورية.   حزب العدالة والتنمية في تركيا، لم يخرج فقط عن التقاليد الديمقراطية من خلال التمسك بداوود أوغلو برئاسة الحزب وخوضه غمار انتخابات جديدة رغم فشله، بل أنّ الحزب بات أداة بيد ثنائي أردوغان وداوود أوغلو، حيث جرى إبعاد أو تهميش كلّ الزعامات الكبيرة في الحزب التي لعبت دوراً هاماً في وصوله إلى السلطة، وعلى رأس هؤلاء عبدالله غل، الذي كان ينافس أردوغان شخصياً على زعامة الحزب.

المصدر : حميدي العبدالله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة