قد لا يكون اسم يوسف العتيبة معروفاً في بلاد العرب، ولكنّه، بحسب قصة مطوّلة عنه في «الهافينغتون بوست»، يتّجه لأن يصير «ملك» واشنطن العاصمة ومناسباتها وحفلاتها، وكواليس السياسة فيها. صورة الدبلوماسي الخليجي الذي يقتحم عالم واشنطن بماله ونفوذه، فيصير جزءاً من المدينة وقريباً الى السياسيين، أسس لها بندر بن سلطان في الثمانينيات: اقتنى قصراً على ضفاف نهر «بوتوماك»، واكتسب عادات أميركية (حتى انّه صار من المشجعين المتحمسين لفريق «دالاس كاوبويز»، يرسم شعاره على طائرته الخاصة ويساهم في رأسماله)، وبنى علاقات وثيقة مع محترفي السياسة في العاصمة و، بخاصة، نخبتها الجمهورية.

يوسف العتيبة كان بندر يتعامل مع الأميركيين ضمن «شروطهم» ــــ حتى في ما يتعلق بالموقف من اسرائيل ــــ بشكلٍ صادمٍ للعرب، بل أن اجتماعاً دورياً كان يُعقد للسفراء العرب في واشنطن، تحت راية التنسيق والعمل المشترك، لم يكن بندر يهتمّ حتى لحضوره.

يوسف العتيبة، الذي درس في «جورجتاون» وجامعة الدفاع الوطني (التي تسعى اميركا، بحسب وثائق خارجيتها، أن يمرّ بها أكبر عدد ممكن من طواقم وزارة الدفاع الاماراتية) قد يتفوّق على بندر. له قصرٌ منيف، ايضاً، في ضواحي العاصمة، يقيم أبذخ الحفلات في المدينة، وينثر المال على السياسيين وشركات اللوبي والمصالح الخاصة (تبرّع واحد لمستشفى الأطفال في واشنطن بلغت قيمته أكثر من 150 مليون دولار). كما تؤكد وثائق الخارجية ــــ ويبدو أن هذا هو الانطباع الذي يجهد لبثّه ــــ انّه «أميركي المظهر والسلوك» و»منسجم الى حد بعيد مع الثقافة والسياسة الأميركيتين».

أمّا سياسياً، فحدّث ولا حرج. في التحقيق الصحافي، يقول ريتشارد بور الجمهوري، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أنه يقضي مع العتيبة وقتاً أكثر من أي شخصٍ آخر؛ كما نتعلّم أن السفير الاماراتي «قريب جداً» من نظيره الاسرائيلي وهما، يقول مسؤول أميركي رفيع المستوى، «يتفقان على كل شيء تقريباً».

تحرّك سياسة العتيبي في واشنطن رغبتان أساسيتان: محاربة ايران، ومنع التغيير في الشرق الأوسط (خاصة عبر حركات اسلامية)؛ فكان أوّل مسؤولٍ خليجي دعا، صراحة وعلناً، الى ضرب ايران، وعمل سوية مع اللوبي الاسرائيلي ــــ تقول «هافنغتون بوست» ــــ لدعم حكم السيسي وحض الحكومة الأميركية على تسليمه أسلحة متطورة. أما في وثائق «ويكيليكس»، فنجد اسمه وهو يحثّ حكام الامارات على تفعيل الحظر الاقتصادي على ايران، أو حين يطمئن حلفاءه الى أن دولته ستمنح تأشيرات للاعبين اسرائيليين سيشاركون في دورة لكرة المضرب.

الجيل السابق من الحكام العرب، كالشيخ زايد والملك فيصل، حرص على بناء صورةٍ «عربية»، «محلية»، للقائد، مع الترويج لمزاعم حول مشاعرهم القومية وحرصهم على فلسطين (وان كانت سياساتهم الفعلية في مكان آخر). أشخاصٌ كيوسف العتيبة وأنور عشقي هم نذيرٌ لجيلٍ جديد لا تثقله مثل هذه الادعاءات، ولا يشعرون بتناقض داخلي حين يتآمرون مع الأميركان أو يعملون مع الصهاينة، بل هم يتماشون، ببساطة، مع ثقافتهم وقناعاتهم و»تربيتهم».

بدلاً من أن يستعمرنا الغرب مباشرة، صار يصدّر لنا حكاماً من انتاجه، اسماؤهم عربية، ولكنهم يمارسون عملهم كأي ضابط استعماري قديم. امتدح دبلوماسي اسرائيلي رفيع، حين سئل عن العتيبة، «وقوف اسرائيل والدول العربية سوية… فالنتيجة تكون قوية». في ظلّ هذا الجيل الجديد من صانعي السياسة، لا يجب أن تكون هناك أوهامٌ حول مكان الخليج ودوره، ومعنى الرهان على أنظمته بالنسبة الى فلسطين وقضايا التحرر وصراعنا مع الغرب؛ الا أن الكثير من العرب ما زالوا يسيرون، وهم يعلمون تماماً ما يفعلون، في منظومة يوسف العتيبة و»أصدقائه» في واشنطن وتل ابيب.

  • فريق ماسة
  • 2015-09-12
  • 6749
  • من الأرشيف

بندر الإماراتي: الجيل الجديد من حكام العرب

قد لا يكون اسم يوسف العتيبة معروفاً في بلاد العرب، ولكنّه، بحسب قصة مطوّلة عنه في «الهافينغتون بوست»، يتّجه لأن يصير «ملك» واشنطن العاصمة ومناسباتها وحفلاتها، وكواليس السياسة فيها. صورة الدبلوماسي الخليجي الذي يقتحم عالم واشنطن بماله ونفوذه، فيصير جزءاً من المدينة وقريباً الى السياسيين، أسس لها بندر بن سلطان في الثمانينيات: اقتنى قصراً على ضفاف نهر «بوتوماك»، واكتسب عادات أميركية (حتى انّه صار من المشجعين المتحمسين لفريق «دالاس كاوبويز»، يرسم شعاره على طائرته الخاصة ويساهم في رأسماله)، وبنى علاقات وثيقة مع محترفي السياسة في العاصمة و، بخاصة، نخبتها الجمهورية. يوسف العتيبة كان بندر يتعامل مع الأميركيين ضمن «شروطهم» ــــ حتى في ما يتعلق بالموقف من اسرائيل ــــ بشكلٍ صادمٍ للعرب، بل أن اجتماعاً دورياً كان يُعقد للسفراء العرب في واشنطن، تحت راية التنسيق والعمل المشترك، لم يكن بندر يهتمّ حتى لحضوره. يوسف العتيبة، الذي درس في «جورجتاون» وجامعة الدفاع الوطني (التي تسعى اميركا، بحسب وثائق خارجيتها، أن يمرّ بها أكبر عدد ممكن من طواقم وزارة الدفاع الاماراتية) قد يتفوّق على بندر. له قصرٌ منيف، ايضاً، في ضواحي العاصمة، يقيم أبذخ الحفلات في المدينة، وينثر المال على السياسيين وشركات اللوبي والمصالح الخاصة (تبرّع واحد لمستشفى الأطفال في واشنطن بلغت قيمته أكثر من 150 مليون دولار). كما تؤكد وثائق الخارجية ــــ ويبدو أن هذا هو الانطباع الذي يجهد لبثّه ــــ انّه «أميركي المظهر والسلوك» و»منسجم الى حد بعيد مع الثقافة والسياسة الأميركيتين». أمّا سياسياً، فحدّث ولا حرج. في التحقيق الصحافي، يقول ريتشارد بور الجمهوري، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أنه يقضي مع العتيبة وقتاً أكثر من أي شخصٍ آخر؛ كما نتعلّم أن السفير الاماراتي «قريب جداً» من نظيره الاسرائيلي وهما، يقول مسؤول أميركي رفيع المستوى، «يتفقان على كل شيء تقريباً». تحرّك سياسة العتيبي في واشنطن رغبتان أساسيتان: محاربة ايران، ومنع التغيير في الشرق الأوسط (خاصة عبر حركات اسلامية)؛ فكان أوّل مسؤولٍ خليجي دعا، صراحة وعلناً، الى ضرب ايران، وعمل سوية مع اللوبي الاسرائيلي ــــ تقول «هافنغتون بوست» ــــ لدعم حكم السيسي وحض الحكومة الأميركية على تسليمه أسلحة متطورة. أما في وثائق «ويكيليكس»، فنجد اسمه وهو يحثّ حكام الامارات على تفعيل الحظر الاقتصادي على ايران، أو حين يطمئن حلفاءه الى أن دولته ستمنح تأشيرات للاعبين اسرائيليين سيشاركون في دورة لكرة المضرب. الجيل السابق من الحكام العرب، كالشيخ زايد والملك فيصل، حرص على بناء صورةٍ «عربية»، «محلية»، للقائد، مع الترويج لمزاعم حول مشاعرهم القومية وحرصهم على فلسطين (وان كانت سياساتهم الفعلية في مكان آخر). أشخاصٌ كيوسف العتيبة وأنور عشقي هم نذيرٌ لجيلٍ جديد لا تثقله مثل هذه الادعاءات، ولا يشعرون بتناقض داخلي حين يتآمرون مع الأميركان أو يعملون مع الصهاينة، بل هم يتماشون، ببساطة، مع ثقافتهم وقناعاتهم و»تربيتهم». بدلاً من أن يستعمرنا الغرب مباشرة، صار يصدّر لنا حكاماً من انتاجه، اسماؤهم عربية، ولكنهم يمارسون عملهم كأي ضابط استعماري قديم. امتدح دبلوماسي اسرائيلي رفيع، حين سئل عن العتيبة، «وقوف اسرائيل والدول العربية سوية… فالنتيجة تكون قوية». في ظلّ هذا الجيل الجديد من صانعي السياسة، لا يجب أن تكون هناك أوهامٌ حول مكان الخليج ودوره، ومعنى الرهان على أنظمته بالنسبة الى فلسطين وقضايا التحرر وصراعنا مع الغرب؛ الا أن الكثير من العرب ما زالوا يسيرون، وهم يعلمون تماماً ما يفعلون، في منظومة يوسف العتيبة و»أصدقائه» في واشنطن وتل ابيب.

المصدر : الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة