دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
عناد حكومة الليبراليين والقوميين المتطرفين في أوكرانيا وصل إلى حد الإعلان عن إغلاق مجالهم الجوي أمام مرور طائرات المساعدات الروسية إلى سوريا، رغم أنها لا تمر بأوكرانيا أصلا!
لا يفوِّت رئيس الحكومة الأوكراني أرسيني ياتسينيوك ورئيس الدولة بيترو بوروشينكو أي فرصة، إلا وأعلنا موقفيهما من أي شيء يتعلق بروسيا حتى وإن كان الأمر لا يحتاج إلى أي مواقف. بل وتصل الإعلانات إلى حد إثارة "السخرية" الإعلامية والسياسية.
على خلفية المأساة الإنسانية التي يواجهها اللاجئون السوريون، رئيس الحكومة الأوكرانية ياتسينيوك أعلن بشكل استعراضي، وبدون أي مقدمات، إغلاق المجال الجوي لبلاده أمام طائرات المساعدات الروسية المتجهة إلى سوريا. وقال ياتسينيوك خلال لقاء جمعه مع نظيره السلوفاكي روبرت فيتسو في براتيسلافا: "إنني كلفت المؤسسة الحكومية المعنية بخدمة الحركة الجوية في سماء أوكرانيا بتعزيز التنسيق مع الوكالة الأوروبية لمراقبة الملاحة الجوية لرصد تحركات أي طائرات روسية متجهة إلى سوريا".
الوكالة الروسية للطيران المدني ردت في هدوء شديد بأن الطائرات الروسية التي تقوم بتسيير رحلات منتظمة وعارضة على حد سواء إلى سوريا، لا تعبر أصلا المجال الجوي الأوكراني إطلاقا. أما وزارة الخارجية الروسية فقد ردت، ليس بدون سخرية، على تصريحات ياتسينيوك. واكتفت بالإشارة إلى أن تلك التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك "مثيرة للأسف والحزن".
من الواضح أن تلك "الحالة" أصابت رئيس الحكومة الأوكراني في سلوفاكيا، لكي يرى القادة الأوروبيون مدى إخلاصه لهم، على الرغم من أن لا أحد منهم طلب منه ذلك، لأنهم ببساطة يعرفون جيدا أن طائرات المساعدات الإنسانية الروسية إلى سوريا لا تمر أصلا عبر المجال الجوي الأوكراني. ولكن ياتسينيوك يمعن في الإخلاص إلى درجة التجاهل التام لأي اعتبارات إنسانية تتعلق بأزمات شعوب أخرى أو كوارث تلحق بهذه الدولة أو تلك.
أما التصريح الذي أثار المزيد من السخرية، وهو ليس الأول من نوعه الذي يصدر عن مسؤولين في حكومة كييف، فهو إعلان الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو أن بلاده ستبادر في الدورة الـ 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى بحث موضوع حرمان روسيا من حق النقض بمجلس الأمن الدولي. والغريب أيضا أن هذا التصريح جاء خلال كلمة بوروشينكو أمام المشاركين في منتدى "استراتيجية يالطا الأوروبية" السنوي في كييف. ومن أجل إثبات الإخلاص والوفاء، قال بوروشينكو إن "العدوان الروسي على أوكرانيا" كشف عن عيوب حق "الفيتو" كإحدى آليات القانون الدولي، مضيفا أن السياسة الروسية إزاء أوكرانيا "دمرت نهائيا نظام الأمن الدولي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية". ولم ينس بطبيعة الحال أن ينفي أن بلاده تعيش حربا أهلية، وأن ما تشهده منطقة دونباس جنوب شرق البلاد ليس سوى "عدوان خارجي واحتلال لأراضي الدولة الاوكرانية من قبل روسيا".
من الصعب الرد، دون سخرية، على تصريحات بوروشينكو. ومع ذلك فهي تروق جدا للغرب الذي يواصل دق الأسافين بين الشعبين الشقيقين من جهة، ويدعم المتطرفين من جهة أخرى على الرغم من مناوراته الإعلامية – الكلامية بشأن ضرورة التسوية في أوكرانيا والحفاظ على وحدتها عبر تطبيق اتفاقات مينسك.
في هذا الصدد تحديدا، استعرض بوروشينكو عضلاته أمام الأوروبيين، وأمام معارضيه الداخليين، مستبعدا تمديد سريان مفعول اتفاقات مينسك بشأن التسوية في دونباس إلى ما بعد انتهاء العام الجاري، موضحا أن على جميع الأطراف تنفيذ التزاماتها بحسب هذه الاتفاقات قبل هذا الموعد. علما بأن هذه الاتفاقات تتضمن بندا حول التزام كييف بإجراء تعديلات دستورية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوضع في بعض أجزاء مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، قبل انقضاء العام الجاري، ومنح أقاليم دونباس وضعا خاصا. ولكن كييف تواصل المماطلة أمام أعين الأوروبيين.
الكرملين كرر مجددا وضع النقاط على الحروف، بالتأكيد على أن الاتهامات الموجهة الى موسكو بشأن عدم تنفيذ اتفاقيات مينسك فارغة لأنها ليست طرفا في النزاع الأوكراني. وشدد في الوقت نفسه على ضرورة تنفيذ كافة بنود اتفاقيات مينسك حول التسوية في أوكرانيا، لأنه ببساطة لا يوجد أي بديل واقعي لذلك. ورأي الكرملين أن "مسألة تمديد عملية مينسك، هي مسألة جيوسياسية إلى حد كبير.. وإذا كان الحديث يدور حول الإطار الزمني، فإنه لم يتم الالتزام به بشكل كامل، وهذا ما تتحدث عنه موسكو على الدوام، لأن كييف لا تنفذ اتفاقيات مينسك".
إن كييف تطلق تصريحات مجانية غير مفيدة أو مجدية أو جادة، وربما غير واعية بالظروف والأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة. كل ما في الأمر أن سلطات كييف تحاول قدر الإمكان الحفاظ على حالة السخونة اللازمة لصرف انتباه المجتمع الأوكراني عن حالة التردي الاقتصادي واستشراء الفساد في البلاد، واتساع رقعة المعارضة لنظام كييف من جراء المغامرات العسكرية من جهة، واسترضاء الغرب واستجدائه للتورط في حرب تحت مزاعم "احتلال روسي" لا يوجد إلا في مخيلة حلفاء الغرب في كييف. وهو ما يروق أيضا للساسة الغربيين، وعلى رأسهم ساسة الولايات المتحدة وقادة حلف الناتو.
الكرملين رد بهدوء أيضا على "الأوهام السياسية" لبوروشينكو بأنه "يجب التركيز أولا على تطبيق الاتفاقات في الحدود الزمنية المسجلة، أي قبل نهاية العام الحالي. وفي حال عدم إمكانية تطبيقها لسبب أو لآخر، فمن الواضح أن زعماء رباعية النورماندي سيتفقون على تمديدها لفترة ما". ومن الواضح أن هذا ما سيحدث خلال اللقاء المرتقب لزعماء "رباعية نورماندي" (رؤساء أوكرانيا وروسيا وفرنسا والمستشارة الألمانية) في باريس يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حيث سيتم التركيز على موضوع إجراء الانتخابات المحلية في منقطة دونباس غير الخاضعة لسيطرة كييف، ولكن إجراء هذه الانتخابات ليس إلا بندا واحدا من بنود اتفاقات مينسك. بينما تصر موسكو على تطبيق اتفاقات مينسك بصورة متكاملة بجميع ملحقاتها دون حذف أي بنود منها.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة