باتت شائعة تلك المقولة التي تقول إن الاسلاميين يأتون الى السلطة بالانتخابات، لكنهم لا يغادرونها بالانتخابات، فانتخابات السابع من حزيران الماضي في تركيا نموذج على ذلك.

 منذ العام 2002، ظل «حزب العدالة والتنمية» يفوز بالانتخابات الواحدة تلو الأخرى. ومع ان الجيش التركي كان محافظاً على قوته، الا انه لم يحاول أن ينقلب على النتائج. ومع ذلك فقد دبّر له «حزب العدالة والتنمية» مكائد قضائية بالتعاون مع قوى اخرى انتهت الى سجن كبار قادته قبل أن يعود القضاء الى اطلاق سراحهم، بعدما أدى سجنهم مراده في تطهير المؤسسة العسكرية من كبار جنرالاته، وتسليم القيادة الى من هم أكثر إخلاصا للحزب الحاكم.

ساعد على ذلك استفتاء 12 أيلول العام 2010 الذي قلّم أظافر المؤسسة العسكرية من ان يكون لها دور حاسم في الحياة السياسية.

وفي ظل استمرار «حزب العدالة والتنمية» في السلطة، كان رئيسه رجب طيب أردوغان يرفض ما كان يطرح من دعوات لإجراء انتخابات مبكرة، ولو قبل سنة من نهاية ولاية البرلمان. كان يكرر أن على الشعب ان يتعود على إجراء الانتخابات في موعدها أي مرة كل أربع سنوات.

في انتخابات السابع من حزيران، انقلبت الصورة. لم تكن بعد نتائج الانتخابات قد اكتملت، لكنها كانت وفق الأرقام التي بين يدي ماكينة «حزب العدالة والتنمية» الانتخابية تشير الى فشل الحزب الحاكم الاحتفاظ بالسلطة بمفرده، حتى كاد أردوغان يحسم قراره بعدم القبول بالنتائج وأخذ البلاد الى انتخابات مبكرة. لم يجلس بعد النائب الجديد على كرسيه، بل لم يكن قد أقسم اليمين، حتى كانت ثابتة التعود على انتخابات في موعدها مرة كل أربع سنوات ترمى في المزبلة.

القرار واضح: لا تخلي عن السلطة إلى ان يقضي الله أمرا مفعولا.

وهذا «الأمر المفعول» جاء في بيان لأكثر من 180 مثقفا من كبار الكتّاب والنخب الأتراك ومن كل الاتجاهات. مناسبة البيان كانت «عادة» طبعت سلوك سلطة «الاسلام المعتدل» في تركيا في السنوات الأخيرة وهي قمع الحريات الصحافية.

آخر هذه الممارسات جاءت يوم افتتاح السنة القضائية في الأول من أيلول الحالي، وتمثلت في مداهمة عدد كبير من المقرات الصحافية المكتوبة والمسموعة والمرئية التابعة لمجوعة «قوزا إيبك» الإعلامية، مثل صحيفة «بوكين» وقناة «كانال تورك»، والتي اسفرت عن اعتقال العديد من الصحافيين والعاملين بتهمة دعم الارهاب مالياً، والانتظام في منظمات إرهابية. هذه التهمة كانت جاهزة وتم في ظلها اعتقال عدد كبير من الصحافيين والإداريين المتهمين بدعم الداعية الديني فتح الله غولين.

وجاء في بيان المثقفين الأتراك ان النظام في تركيا، أي نظام أردوغان، «يلعب لعبته الأخيرة من اجل استمرار (حكم الرجل الواحد) في الانتخابات النيابية المقبلة».

غير أن ما أثار غضب «حزب العدالة والتنمية» هو إشارة البيان الى حكم ادولف هتلر في ألمانيا وتشبيهه الضمني لأردوغان بالزعيم النازي.

ينقل البيان عن المختص باللاهوت الألماني مارتن نيمولر، وكان من ناخبي الحزب النازي، أنه روى في العام 1946 قائلا: «لقد جاء النازيون اولا من اجل ضرب الشيوعيين، فلم أقل شيئاً لأنني لم اكن شيوعيا. ومن بعدها قالوا انهم جاؤوا ضد اليهود، فلم أقل شيئا لأنني لم أكن يهوديا. ومن ثم من اجل ضرب النقابات فلم اقل شيئاً لأنني لم اكن نقابيا. ومن ثم قالوا انهم جاؤوا ضد الكاثوليك فلم أقل شيئا لأنني لم أكن كاثوليكيا. ومن بعد ذلك جاؤوا الي قائلين انهم جاؤوا لتصفيتي. لكن لم يكن قد بقي احد ليقول شيئا».

وبعد ان يورد بيان المثقفين هذه الرواية يقول «نحن لم نر هذا الفيلم ولم نعشه، لكننا نعرفه جيدا للغاية، ولن نجعله يتكرر في تركيا».

وعلى طريقة ميكيافيللي، فإن الغاية تبرر الوسيلة. وبالأمس خرج أردوغان وهو ينتقد الأوروبيين الذين يتعاملون بطريقة غير انسانية مع موجات المهاجرين الذين يموتون في البحار وعلى الشواطئ. ولعل من حسن حظ نشيطي الذاكرة أن الطفل عيلان الكردي لفظته الأمواج الى الشاطئ ليس في صقلية او اليونان بل عند شاطئ بودروم التركي. لم يمت هذا الملاك البريء في أرض مجرية او صربية بل في أرض تركية وساحل تركي. لم يتساءل احد عن مسؤولية دول الجوار السوري، وخصوصاً تركيا عن المأساة السورية وإطالة الحرب واستدراج فتح ملف اللاجئين حين لم يكن هناك حتى لاجئ واحد، من اجل الضغط ليس فقط لإسقاط النظام بل للهيمنة على كل المنطقة بدءا من دمشق وصولا الى عاصمة الفراعنة. فقط إغلاق حنفية دعم الارهاب وتنفيد قرارات الأمم المتحدة يمكن ان يغلقا ملف الحرب في سوريا.

في الطريق الى الانتخابات المبكرة يتصاعد قمع الحريات.ارطغرل اوزكوك الكاتب المعروف ورئيس التحرير السابق لصحيفة «حرييت» فُتح تحقيق بحقه بعدما كتب مقالة أمس الاول حول الطفل عيلان الكردي ليتهم فيها الجميع بالمسؤولية عن مأساته ومأساة كل المهاجرين. ولأنه انتقد سياسات تركيا تجاه سوريا فقد اعتبر القضاء انه يقصد في مقالته رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان. ولم تتأخر صحيفة «يني شفق» الموالية لأردوغان عن تحريف كلام اوزكوك بالقول إنه وصف أردوغان بـ «القاتل»، بالرغم من أن اوزكوك لم يشر لا من قريب ولا من بعيد الى الرئيس التركي، ما اضطره الى نشر مقالة اخرى توضيحية في اليوم ذاته على موقع «حرييت» لينأى بنفسه عن التهمة وليأخذ لنفسه إجازة الصيف المؤجلة.

الأستاذة الجامعية المعروفة دينيز آري بوغان، التي كانت تقدم برنامجاً اسبوعياً على القناة التركية الرسمية، كان مصيرها مثل كل من انتقد سياسات أردوغان تجاه الصحافة، فبمجرد ان انتقدت التوقيفات بحق الصحافيين في مجموعة «قوزا إيبيك» قائلة إن هذا لا ينسجم مع الديموقراطية، حتى كان مصيرها الطرد من التلفزيون، بالرغم من انها كانت تبرر أحياناً كثيرة سياسات «حزب العدالة والتنمية»، وكانت ضمن هيئة الحكماء التي شكلها أردوغان سابقاً لمناقشة حل المشكلة الكردية.

لقد شكلت نتائج انتخابات السابع من حزيران الماضي صدمة لأردوغان وحزبه، وهو يقوم اليوم بكل ما من شأنه لكسب الانتخابات المقبلة من ضغوط داخلية. من ذلك نشير إلى المحاولات الجارية لإغراء «حزب السعادة» (حزب نجم الدين أربكان بعدما تمرد عليه أردوغان وعبدالله غول) ورشوته ببعض النواب لكي يدخل في تحالف انتخابي مع «حزب العدالة والتنمية»، خصوصا ان «حزب السعادة» قد نال اثنين في المئة في الانتخابات الماضية، وهي نسبة مهمة جداً لـ «حزب العدالة والتنمية» في حال أتم تحالفاً مع «حزب السعادة».

تلك محاولات قد تنجح وقد تفشل، ولكنها في حال نجحت، ونجح «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة، ستدخل «حزب السعادة» التاريخ، لأنه سيسجل عليه انه الفصيل السياسي الذي عوّم «حزب العدالة والتنمية» ومدّ له طوق النجاة، مع العلم بأن أربكان ناضل دائما ضد سياسات أردوغان الأميركية والإسرائيلية.

حروب دموية وضغوط سياسية وقضائية في الداخل وحروب مفتوحة في الخارج.

عين أردوغان كانت ولا تزال على سوريا وشمالها وتحديدا على شمال حلب وصولا الى حلب. هو يريد ان يحقق إنجازا قبل الانتخابات المقبلة لكي يكسب الصوت القومي ويضعف حزب «الحركة القومية»، وهذا ملعب أردوغان الوحيد لجذب بعض الأصوات.

«العين القومية» لأردوغان في الداخل تنظر الى شمال سوريا، وبالتحديد الى المنطقة الواقعة بين جرابلس وأعزاز، أي الى المئة كيلومتر التي يتواجد في جزء منها تنظيم «داعش» الآن. الهدف هو تنظيف المنطقة من «داعش» لكي يتمركز فيها عشرة آلاف مسلح تركماني ضمن «الجيش السوري الحر»، تبعاً لصحيفة «ميللييت»، لكي تكون منطقة تابعة لتركيا بالكامل، وتمنع تمدد الأكراد من عين العرب/كوباني الى عفرين، وتشكل قاعدة ضغط عسكرية جديدة على قوات النظام السوري في حلب.

المساعي الحثيثة لإقامة هذه المنطقة العازلة والآمنة على قدم وساق وقد كانت إحدى اهم نقاط البحث في جلسة مجلس الأمن القومي التركي الذي انعقد يوم الأربعاء الماضي. وأشارت صحيفة «ميللييت» الى ان الطائرات القطرية قد تشارك في العمليات التي ستستهدف اقامة هذه المنطقة العازلة، وستُقام منطقة حظر طيران تمنع سلاح الجو السوري من التحليق هناك وقصف قواعد المعارضة.

ومن اجل توفير غطاء قانوني للعمليات التركية في تلك المنطقة المتوقعة من الآن الى الانتخابات المقبلة، قدمت الحكومة مذكرة الى البرلمان وافق عليها اول من امس الخميس للقيام بعمليات ضد حزب العمال الكردستاني وضد تنظيم «داعش» في كل من سوريا والعراق.

والمفارقة أن «حزب الشعب الجمهوري» قد صوّت لصالح المذكرة بذريعة انها تستهدف هذه المرة «داعش» أيضا، الذي لم يرد ذكره، كهدف، في مذكرة السنة الماضية. وحده «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي صوت ضد المذكرة، في حين لم يقتنع بعض نواب «حزب الشعب الجمهوري» (اكثر من عشرين عضواً)، بتبريرات قيادة حزبهم، ولم يحضروا الجلسة في الأساس.

ومع أن المذكرة تتهم النظام السوري بممارسة سياسات عنف وتطهير عرقي وديني ودعم التنظيمات الارهابية، فإن «حزب الشعب الجمهوري» لا يريد أن يظهر بموقف المعارض للحرب ضد «الإرهاب» الكردي او «داعش» في وقت تتواصل فيه المعارك بين الجيش التركي و «حزب العمال الكردستاني»، فيخسر أصواتا قومية عشية الانتخابات المقبلة.

مع ذلك فإن موقف «حزب الشعب الجمهوري» يعتبر «خطأ تكتيكيا» على الأقل، ويوفّر غطاء قانونياً لحروب أردوغان الخارجية، برغم مناشدة «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي لزعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار أوغلو عدم الوقوع في الخطأ.

وانطلاقا من المعطيات والمؤشرات الظاهرة، فإن حرب تركيا المباشرة جوا على شمال حلب، وبراً عبر عملائها، لن تتأخر من أجل حصد بعض المكاسب في الانتخابات المقبلة من جهة، والتمهيد لاحتلال تلك المنطقة من جهة أخرى، كورقة مساومة... او ربما أبعد من ذلك، عشية أية حلول محتملة.

  • فريق ماسة
  • 2015-09-04
  • 7803
  • من الأرشيف

حرب تركيا المباشرة جوا على شمال حلب، وبراً عبر عملائها، لن تتأخر لحصد مكاسب في الانتخابات المقبلة

باتت شائعة تلك المقولة التي تقول إن الاسلاميين يأتون الى السلطة بالانتخابات، لكنهم لا يغادرونها بالانتخابات، فانتخابات السابع من حزيران الماضي في تركيا نموذج على ذلك.  منذ العام 2002، ظل «حزب العدالة والتنمية» يفوز بالانتخابات الواحدة تلو الأخرى. ومع ان الجيش التركي كان محافظاً على قوته، الا انه لم يحاول أن ينقلب على النتائج. ومع ذلك فقد دبّر له «حزب العدالة والتنمية» مكائد قضائية بالتعاون مع قوى اخرى انتهت الى سجن كبار قادته قبل أن يعود القضاء الى اطلاق سراحهم، بعدما أدى سجنهم مراده في تطهير المؤسسة العسكرية من كبار جنرالاته، وتسليم القيادة الى من هم أكثر إخلاصا للحزب الحاكم. ساعد على ذلك استفتاء 12 أيلول العام 2010 الذي قلّم أظافر المؤسسة العسكرية من ان يكون لها دور حاسم في الحياة السياسية. وفي ظل استمرار «حزب العدالة والتنمية» في السلطة، كان رئيسه رجب طيب أردوغان يرفض ما كان يطرح من دعوات لإجراء انتخابات مبكرة، ولو قبل سنة من نهاية ولاية البرلمان. كان يكرر أن على الشعب ان يتعود على إجراء الانتخابات في موعدها أي مرة كل أربع سنوات. في انتخابات السابع من حزيران، انقلبت الصورة. لم تكن بعد نتائج الانتخابات قد اكتملت، لكنها كانت وفق الأرقام التي بين يدي ماكينة «حزب العدالة والتنمية» الانتخابية تشير الى فشل الحزب الحاكم الاحتفاظ بالسلطة بمفرده، حتى كاد أردوغان يحسم قراره بعدم القبول بالنتائج وأخذ البلاد الى انتخابات مبكرة. لم يجلس بعد النائب الجديد على كرسيه، بل لم يكن قد أقسم اليمين، حتى كانت ثابتة التعود على انتخابات في موعدها مرة كل أربع سنوات ترمى في المزبلة. القرار واضح: لا تخلي عن السلطة إلى ان يقضي الله أمرا مفعولا. وهذا «الأمر المفعول» جاء في بيان لأكثر من 180 مثقفا من كبار الكتّاب والنخب الأتراك ومن كل الاتجاهات. مناسبة البيان كانت «عادة» طبعت سلوك سلطة «الاسلام المعتدل» في تركيا في السنوات الأخيرة وهي قمع الحريات الصحافية. آخر هذه الممارسات جاءت يوم افتتاح السنة القضائية في الأول من أيلول الحالي، وتمثلت في مداهمة عدد كبير من المقرات الصحافية المكتوبة والمسموعة والمرئية التابعة لمجوعة «قوزا إيبك» الإعلامية، مثل صحيفة «بوكين» وقناة «كانال تورك»، والتي اسفرت عن اعتقال العديد من الصحافيين والعاملين بتهمة دعم الارهاب مالياً، والانتظام في منظمات إرهابية. هذه التهمة كانت جاهزة وتم في ظلها اعتقال عدد كبير من الصحافيين والإداريين المتهمين بدعم الداعية الديني فتح الله غولين. وجاء في بيان المثقفين الأتراك ان النظام في تركيا، أي نظام أردوغان، «يلعب لعبته الأخيرة من اجل استمرار (حكم الرجل الواحد) في الانتخابات النيابية المقبلة». غير أن ما أثار غضب «حزب العدالة والتنمية» هو إشارة البيان الى حكم ادولف هتلر في ألمانيا وتشبيهه الضمني لأردوغان بالزعيم النازي. ينقل البيان عن المختص باللاهوت الألماني مارتن نيمولر، وكان من ناخبي الحزب النازي، أنه روى في العام 1946 قائلا: «لقد جاء النازيون اولا من اجل ضرب الشيوعيين، فلم أقل شيئاً لأنني لم اكن شيوعيا. ومن بعدها قالوا انهم جاؤوا ضد اليهود، فلم أقل شيئا لأنني لم أكن يهوديا. ومن ثم من اجل ضرب النقابات فلم اقل شيئاً لأنني لم اكن نقابيا. ومن ثم قالوا انهم جاؤوا ضد الكاثوليك فلم أقل شيئا لأنني لم أكن كاثوليكيا. ومن بعد ذلك جاؤوا الي قائلين انهم جاؤوا لتصفيتي. لكن لم يكن قد بقي احد ليقول شيئا». وبعد ان يورد بيان المثقفين هذه الرواية يقول «نحن لم نر هذا الفيلم ولم نعشه، لكننا نعرفه جيدا للغاية، ولن نجعله يتكرر في تركيا». وعلى طريقة ميكيافيللي، فإن الغاية تبرر الوسيلة. وبالأمس خرج أردوغان وهو ينتقد الأوروبيين الذين يتعاملون بطريقة غير انسانية مع موجات المهاجرين الذين يموتون في البحار وعلى الشواطئ. ولعل من حسن حظ نشيطي الذاكرة أن الطفل عيلان الكردي لفظته الأمواج الى الشاطئ ليس في صقلية او اليونان بل عند شاطئ بودروم التركي. لم يمت هذا الملاك البريء في أرض مجرية او صربية بل في أرض تركية وساحل تركي. لم يتساءل احد عن مسؤولية دول الجوار السوري، وخصوصاً تركيا عن المأساة السورية وإطالة الحرب واستدراج فتح ملف اللاجئين حين لم يكن هناك حتى لاجئ واحد، من اجل الضغط ليس فقط لإسقاط النظام بل للهيمنة على كل المنطقة بدءا من دمشق وصولا الى عاصمة الفراعنة. فقط إغلاق حنفية دعم الارهاب وتنفيد قرارات الأمم المتحدة يمكن ان يغلقا ملف الحرب في سوريا. في الطريق الى الانتخابات المبكرة يتصاعد قمع الحريات.ارطغرل اوزكوك الكاتب المعروف ورئيس التحرير السابق لصحيفة «حرييت» فُتح تحقيق بحقه بعدما كتب مقالة أمس الاول حول الطفل عيلان الكردي ليتهم فيها الجميع بالمسؤولية عن مأساته ومأساة كل المهاجرين. ولأنه انتقد سياسات تركيا تجاه سوريا فقد اعتبر القضاء انه يقصد في مقالته رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان. ولم تتأخر صحيفة «يني شفق» الموالية لأردوغان عن تحريف كلام اوزكوك بالقول إنه وصف أردوغان بـ «القاتل»، بالرغم من أن اوزكوك لم يشر لا من قريب ولا من بعيد الى الرئيس التركي، ما اضطره الى نشر مقالة اخرى توضيحية في اليوم ذاته على موقع «حرييت» لينأى بنفسه عن التهمة وليأخذ لنفسه إجازة الصيف المؤجلة. الأستاذة الجامعية المعروفة دينيز آري بوغان، التي كانت تقدم برنامجاً اسبوعياً على القناة التركية الرسمية، كان مصيرها مثل كل من انتقد سياسات أردوغان تجاه الصحافة، فبمجرد ان انتقدت التوقيفات بحق الصحافيين في مجموعة «قوزا إيبيك» قائلة إن هذا لا ينسجم مع الديموقراطية، حتى كان مصيرها الطرد من التلفزيون، بالرغم من انها كانت تبرر أحياناً كثيرة سياسات «حزب العدالة والتنمية»، وكانت ضمن هيئة الحكماء التي شكلها أردوغان سابقاً لمناقشة حل المشكلة الكردية. لقد شكلت نتائج انتخابات السابع من حزيران الماضي صدمة لأردوغان وحزبه، وهو يقوم اليوم بكل ما من شأنه لكسب الانتخابات المقبلة من ضغوط داخلية. من ذلك نشير إلى المحاولات الجارية لإغراء «حزب السعادة» (حزب نجم الدين أربكان بعدما تمرد عليه أردوغان وعبدالله غول) ورشوته ببعض النواب لكي يدخل في تحالف انتخابي مع «حزب العدالة والتنمية»، خصوصا ان «حزب السعادة» قد نال اثنين في المئة في الانتخابات الماضية، وهي نسبة مهمة جداً لـ «حزب العدالة والتنمية» في حال أتم تحالفاً مع «حزب السعادة». تلك محاولات قد تنجح وقد تفشل، ولكنها في حال نجحت، ونجح «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة، ستدخل «حزب السعادة» التاريخ، لأنه سيسجل عليه انه الفصيل السياسي الذي عوّم «حزب العدالة والتنمية» ومدّ له طوق النجاة، مع العلم بأن أربكان ناضل دائما ضد سياسات أردوغان الأميركية والإسرائيلية. حروب دموية وضغوط سياسية وقضائية في الداخل وحروب مفتوحة في الخارج. عين أردوغان كانت ولا تزال على سوريا وشمالها وتحديدا على شمال حلب وصولا الى حلب. هو يريد ان يحقق إنجازا قبل الانتخابات المقبلة لكي يكسب الصوت القومي ويضعف حزب «الحركة القومية»، وهذا ملعب أردوغان الوحيد لجذب بعض الأصوات. «العين القومية» لأردوغان في الداخل تنظر الى شمال سوريا، وبالتحديد الى المنطقة الواقعة بين جرابلس وأعزاز، أي الى المئة كيلومتر التي يتواجد في جزء منها تنظيم «داعش» الآن. الهدف هو تنظيف المنطقة من «داعش» لكي يتمركز فيها عشرة آلاف مسلح تركماني ضمن «الجيش السوري الحر»، تبعاً لصحيفة «ميللييت»، لكي تكون منطقة تابعة لتركيا بالكامل، وتمنع تمدد الأكراد من عين العرب/كوباني الى عفرين، وتشكل قاعدة ضغط عسكرية جديدة على قوات النظام السوري في حلب. المساعي الحثيثة لإقامة هذه المنطقة العازلة والآمنة على قدم وساق وقد كانت إحدى اهم نقاط البحث في جلسة مجلس الأمن القومي التركي الذي انعقد يوم الأربعاء الماضي. وأشارت صحيفة «ميللييت» الى ان الطائرات القطرية قد تشارك في العمليات التي ستستهدف اقامة هذه المنطقة العازلة، وستُقام منطقة حظر طيران تمنع سلاح الجو السوري من التحليق هناك وقصف قواعد المعارضة. ومن اجل توفير غطاء قانوني للعمليات التركية في تلك المنطقة المتوقعة من الآن الى الانتخابات المقبلة، قدمت الحكومة مذكرة الى البرلمان وافق عليها اول من امس الخميس للقيام بعمليات ضد حزب العمال الكردستاني وضد تنظيم «داعش» في كل من سوريا والعراق. والمفارقة أن «حزب الشعب الجمهوري» قد صوّت لصالح المذكرة بذريعة انها تستهدف هذه المرة «داعش» أيضا، الذي لم يرد ذكره، كهدف، في مذكرة السنة الماضية. وحده «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي صوت ضد المذكرة، في حين لم يقتنع بعض نواب «حزب الشعب الجمهوري» (اكثر من عشرين عضواً)، بتبريرات قيادة حزبهم، ولم يحضروا الجلسة في الأساس. ومع أن المذكرة تتهم النظام السوري بممارسة سياسات عنف وتطهير عرقي وديني ودعم التنظيمات الارهابية، فإن «حزب الشعب الجمهوري» لا يريد أن يظهر بموقف المعارض للحرب ضد «الإرهاب» الكردي او «داعش» في وقت تتواصل فيه المعارك بين الجيش التركي و «حزب العمال الكردستاني»، فيخسر أصواتا قومية عشية الانتخابات المقبلة. مع ذلك فإن موقف «حزب الشعب الجمهوري» يعتبر «خطأ تكتيكيا» على الأقل، ويوفّر غطاء قانونياً لحروب أردوغان الخارجية، برغم مناشدة «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي لزعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار أوغلو عدم الوقوع في الخطأ. وانطلاقا من المعطيات والمؤشرات الظاهرة، فإن حرب تركيا المباشرة جوا على شمال حلب، وبراً عبر عملائها، لن تتأخر من أجل حصد بعض المكاسب في الانتخابات المقبلة من جهة، والتمهيد لاحتلال تلك المنطقة من جهة أخرى، كورقة مساومة... او ربما أبعد من ذلك، عشية أية حلول محتملة.

المصدر : الماسة السورية / السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة