تقريرنا اليوم لا يمكن أن يُزاد عليه أيّ كلام، فقد برع البروفسور تيم أندرسون في توصيف ما يجري في سورية، وما ستؤول إليه الأوضاع. ليس من باب الوجدان الذي يتوق إلى نصر سورية وانتهاء الحرب عليها وتوقّف شلال الدماء، إنما من باب حقائق قدّمها أندرسون، وفنّدها، مكذّباً الإعلام الغربي الذي عمل منذ سنوات على بثّ الأكاذيب، كأنّه الناطق الرسمي بِاسم الجماعات الإسلامية المتطرّفة، ومعه بعض الإعلام العربي طبعاً.

 أندرسون متأكّد من حتمية نصر سورية، قائلاً إنّ هذا النصر العسكريّ والاستراتيجيّ سيترك آثاره وتغييراته على منطقة الشرق الأوسط بكاملها. وهناك أدلّة واضحة على أن مخططات الولايات المتحدة ـ سواء لناحية «تغيير النظام»، وإظهار الدولة السورية على أنها مختلّة وظيفياً، أو لناحية تمزيق البلاد على أسس طائفية، باءت كلّها بالفشل. سيجرح هذا الفشل الحلم الأميركي، الذي أعلنه جورج بوش الإبن منذ أكثر من عقدٍ مضى، للخنوع لفكرة «الشرق الأوسط الجديد». إن نصر سورية يشكل مزيجاً من الدعم الشعبي المتماسك، في وجه الإسلاميين الأشرار الطائفيين التكفيريين، بدعم قويّ من الحلفاء الرئيسيين، وتفتيت للقوات الدولية التي اصطفّت في مواجهتهم.

 ويعلّل أندرسون قناعته إزاء نصر سورية بأنّه على رغم سنوات عدّة من الإرهاب الشامل والعقوبات الغربية المفروضة ضدّ الحكومة السورية، فهي لا تزال ـ وهنا مكمن الدهشة ـ تعمل بشكل جيد. مستشهداً بما رآه فريقه الذي زار سورية خلال شهر تموز المنصرم: مجموعة كبيرة من المراكز الرياضية، المدارس، والمستشفيات. ولاحظ الفريق ذهاب الملايين من الأطفال السوريين إلى المدارس، ودراسة مئات الآلاف من الطلاب في الجامعات بشكل مجاني. غير أن البطالة وانقطاع التيار الكهربائي، يشكلان الطاعون الحقيقي للبلاد. استهدفت الجماعات التكفيرية المستشفيات منذ عام 2011، كما أنها تهاجم بانتظام محطات توليد الطاقة، ما يساعد على التقنين في الكهرباء. الخطر من العوز والفقر شبح قائم باستمرار، وعلى رغم ذلك، فإن الحياة لا تزال تسير على ما يُرام.

 ويخلص أندرسون في تقريره هذا إلى أنّ سورية ستكسب الحرب لأن شعبها دعم جيشه وسانده ضدّ الاستفزازات الطائفية، والتي خاضت غالبية معاركها بدعم من حلف الناتو والإمارات الخليجية الداعمة للإرهاب. فالسوريون، بمن فيهم غالبية المسلمين السنّة الأكثر ورعاً، لن يقبلوا مطلقاً بثقافة قطع الرؤوس والقتال الطائفي الذي تروّج له الملكيات الخليجية. وسيترتب على النصر السوري تبعات أوسع، من شأنها وضع حدّ لمساعي واشنطن الحثيثة لـ«تغيير النظام» في المنطقة، من أفغانستان إلى العراق وليبيا.

 كتب البروفسور تيم أندرسون لـ«www.globalresearch.ca»:

 ها هي سورية تربح، وتكسب الرهان. فعلى رغم حمّامات الدم والضغط الاقتصادي الهائل، فإن سورية تتقدّم بثبات نحو تحقيق نصر عسكريّ واستراتيجيّ سيترك آثاره وتغييراته على منطقة الشرق الأوسط بكاملها. وهناك أدلّة واضحة على أن مخططات الولايات المتحدة ـ سواء لناحية «تغيير النظام»، وإظهار الدولة السورية على أنها مختلّة وظيفياً، أو لناحية تمزيق البلاد على أسس طائفية، باءت كلّها بالفشل. سيجرح هذا الفشل الحلم الأميركي، الذي أعلنه جورج بوش الإبن منذ أكثر من عقدٍ مضى، للخنوع لفكرة «الشرق الأوسط الجديد». إن نصر سورية يشكل مزيجاً من الدعم الشعبي المتماسك، في وجه الإسلاميين الأشرار الطائفيين التكفيريين، بدعم قويّ من الحلفاء الرئيسيين، وتفتيت للقوات الدولية التي اصطفّت في مواجهتهم.

 أصبحت المصاعب الاقتصادية، بما فيها الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي أصعب من قدرة الشعب السوري على استمرار احتمالها. تؤمّن الحكومة المواد الغذائية الأساسية بأسعار معقولة وتحافظ على التعليم، الصحة، الرياضة، وغيرها من الخدمات التثقيفية.

 استأنفت دول معادية عدّة ووكالات الأمم المتحدة علاقاتها مع سورية. كذلك، فإن تحسّن الوضع الأمني، والاتفاق النووي الكبير مع إيران مؤخراً والتحركات الدبلوماسية الأخرى المواتية، كلّها مؤشرات على أن محور المقاومة قد قويَ واشتدّ عوده.

 لن تستطيع كمتابع أن تدرك كلّ هذا من خلال قراءتك وسائل الإعلام الغربية، التي تكذب باستمرار حيال طبيعة الصراع وتطورات الأزمة. وقد عملت الملامح الرئيسية لهذا الخلاف على إخفاء دعم حلف الناتو للجماعات التكفيرية، وزعقت مراراً حول إنجازات هؤلاء متجاهلةً نجاح الجيش السوري في عددٍ من الأماكن. وفي الواقع، فإن هؤلاء الإرهابيين المدعومين من الغرب لم يستطيعوا تحقيق إنجاز يُذكر منذ تدفق الآلاف من المقاتلين الأجانب ومساعدتهم في السيطرة على أجزاء كبيرة من شمال حلب، وتحديداً منذ عام 2012.

 وأثناء زيارتي الثانية إلى سورية خلال الأزمة، في تموز 2015، استطعت ملاحظة التطوّر الأمني الحاصل في أماكن عدّة في المدن الرئيسية. وخلال زيارتي الأولى في كانون الأول 2013، وعلى رغم طرد الناتو كثيرين من قاطعي الرؤوس من مدن حمص والقصير، فقد عادوا وحطّوا رحالهم في قرية ملّولة القديمة وعلى طول جبال القلمون، كما نفّذوا هجمات على الطريق الجنوبية للسويداء. تمكنّا هذه السنة من السفر بحرّية عن طريق البرّ من السويداء إلى دمشق، فحمص، فاللاذقية، مع وجهة التفاف واحدة حول حرستا. وفي أواخر 2013، بدا أن الجيش السوري قد سيطر على أكثر من 90 في المئة من المناطق المكتظة بالسكان.

 الحقيقة الأولى: لم يكن هناك على الإطلاق «ثوّار معتدلون». إنما هي حركة إصلاح حقيقية سياسية مدعومة من متمرّدين إسلاميين سوريين، وذلك في آذار ـ نيسان 2011. وفي الأشهر الأولى للأزمة، من درعا إلى حمص، مارست الجماعات المسلّحة الرئيسية ككتائب «لواء الفاروق» المدعومة من السعودية وقطر، الكثير من الأعمال الوحشية مثل تفجير المستشفيات والأماكن العامة، مستخدمين شعارات الإبادة الجماعية وممارسات التطهير العرقي.

 يُطلق السوريون الآن تسمية «داعش» أو «المرتزقة» على كلّ هذه الجماعات المتطرفة، من دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء استخدام أسماء متعدّدة لهم. إن البيان الأخير الصادر عن «المتمرّدين المعتدلين» لزعيمته لمياء نحاس، والذي ينصّ على «وجوب التخلص من الأقليات الشريرة في سورية»، تماماً كما فعل من قبل هتلر والعثمانيون مع الأقليات آنذاك، يجسّد هذه الحقيقة. ولطالما اتخذ النزاع المسلّح في الدول طابع المواجهة بين السلطة المستبدّة والتعددية على غرار السعودية، وبين الدولة المجتمعية الشاملة، كما الإسلاميين الطائفيين السعوديين، الذين يلعبون دور الوكلاء للقوى العظمى.

 الحقيقة الثانية: في الغالب، إن معظم الفظائع التي ارتكبت من قبل العصابات المدعومة من الغرب، اتُهم بها الجيش السوري، وتأتي هذه الاتهامات كجزء من استراتيجية الجذب لتدخل غربيّ أكثر عمقاً وتوسعاً. ويتضمن ذلك حادثة الأسلحة الكيماوية، والمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي يسببها إطلاق البراميل المتفجرة. وكان أحد الصحافيين الأميركيين ويدعى نير روزن قد كتب عام 2012 يقول: «تقدّم المعارضة تقارير يومية عن عدد الضحايا الذين سقطوا، وغالباً من دون أيّ تبريرات… ومعظم أولئك الذين يشملهم التقرير هم في الحقيقة من مقاتلي المعارضة، غير أن التقارير تصفهم على أنهم من المدنيين الأبرياء الذين يُقتلون يومياً على أيدي قوات الأمن السورية».

 لا تزال هذه التقارير المعارِضة تعتمد على أخبار تعتمدها الجماعات الموالية مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، بهدف تعزيز الحرب الدعائية. وفي الواقع، فإن الجيش السوري قد أعدم فعلاً بعض الإرهابيين ممّن قُبض عليهم، وتواصل الشرطة السريّة احتجاز الأشخاص الذين يُشتبه في تعاملهم مع الإرهابيين وتسيء معاملتهم. لكن يتمتع هذا الجيش بدعم شعبيّ قويّ جداً. بينما تتباهى الجماعات التكفيرية ـ من ناحية أخرى ـ بجرائمها المروّعة، وتحظى بدعم شعبيّ ضئيل.

 الحقيقة الثالثة: على رغم «الوجود» الإرهابي في مناطق واسعة من سورية، فإن «داعش» أو أيّ جماعة إرهابية أخرى مسلّحة، لم يتمكن من السيطرة على المناطق السورية المكتظة بالسكان. وفي أيّ مواجهة بين هذه الجماعات والجيش السوري، غالباً ما يكسب الجيش بعد تعرّضه للكثير من الضغوطات، ويصبح تراجعه تكتيكياً، كونه يقاتل على عشرات الجبهات.

 أحكم الجيش السوري حصاره على شمال حلب، دوما، حرستا، وحقق مؤخراً انتصارات في كلّ من الحسكة، إدلب ودرعا. واستطاع ـ بالتعاون مع قوات حزب الله ـ السيطرة على معظم أراضي جبال القلمون على الحدود اللبنانية، حيث تتواجد قوات «داعش». وعلى رغم سنوات عدّة من الإرهاب الشامل والعقوبات الغربية المفروضة ضدّ الحكومة السورية، فهي لا تزال ـ وهنا مكمن الدهشة ـ تعمل بشكل جيد. فقد زار فريقنا خلال شهر تموز المنصرم مجموعة كبيرة من المراكز الرياضية، المدارس، والمستشفيات. ولاحظنا ذهاب الملايين من الأطفال السوريين إلى المدارس، ودراسة مئات الآلاف من الطلاب في الجامعات بشكل مجاني. غير أن البطالة وانقطاع التيار الكهربائي، يشكلان الطاعون الحقيقي للبلاد. استهدفت الجماعات التكفيرية المستشفيات منذ عام 2011، كما أنها تهاجم بانتظام محطات توليد الطاقة، ما يساعد على التقنين في الكهرباء. الخطر من العوز والفقر شبح قائم باستمرار، وعلى رغم ذلك، فإن الحياة لا تزال تسير على ما يُرام.

 فعلى سبيل المثال، حصل جدالٌ عام 2014 على بناء مجمّع «أبتاون» في الشام الجديدة، وهي مدينة كبيرة تعمل بنظام الأقمار الصناعية خارج دمشق. ويضمّ هذا المجّمع مرافق مثل المطاعم، المحال، النوادي الرياضية، فضلاً عن أماكن ترفيهية للأطفال ومراكز لركوب الخيل. لكن، «كيف يمكن لدولة أن تنفق الأموال الباهظة على إتمام مثل هذا المشروع في وقتٍ تعاني البلاد من الحرب والجوع؟»، وقد كان هذا جانباً من النقاش، أما من الناحية الأخرى، فقد قيل إنّ الحياة تستمرّ وإنه على الآخرين أن يعيشوا حياتهم. فبعد رمضان، وخلال العيد، رأينا الآلاف من العائلات تستفيد من وجود هذا المجمّع الصديق للأطفال.

 أصبحت الإجراءات الأمنية روتيناً طبيعياً. فبعض نقاط التفتيش المرورية تتطلّب صبراً ملحوظاً. يدرك السوريون أن هذه الإجراءات إنما تتمّ لأجل سلامتهم، خصوصاً ضدّ التفجيرات الانتحارية التي ينفّذها الإسلاميون. ومن الواضح أن الجنود يبذلون جهوداً جبارةً وفعالة، وقد يتبادلون أطراف الحديث مع الناس. فمعظم العائلات قد فقدوا أحد أقاربهم أو أفراداً من عائلاتهم. ومن المثير للانتباه، أنه لا يُفرض على السوريين حظر التجول، كما أن جنودهم لا يتقاعسون، أسوةً بما كان يحصل في ظلّ حكم الأنظمة الديكتاتورية الفاشية المدعومة من الولايات المتحدة في تشيلي والسلفادور سابقاً.

 وكان رئيس بلدية اللاذقية في الشمال قد قال لنا إنّ هذه المحافظة التي تعدّ 1.3 مليوناً، تضمّ حالياً أكثر من ثلاثة ملايين بعدما نزح إليها مواطنون من حلب، إدلب وغيرها من المدن الشمالية الأخرى المتأثرة باجتياحات الإرهابيين الطائفية. يقيم معظم هؤلاء في المباني الحكومية أو في بيوت اللاذقيين مجاناً، مع العائلة والأصدقاء، يتدبرون أمورهم من خلال إدارة تجارة صغيرة وقد رأينا مجموعة من 5000 سوري، في أحد المجمعات التجارية، غالبيتهم من حماه، أما في الجنوب، فقد استضافت السويداء أكثر من 130.000 عائلة نازحة من محيط درعا، مضاعفين عدد سكان تلك المحافظة. ومع ذلك، تبقى دمشق هي التي تحتضن العدد الأكبر من النازحين الذين وصلوا إلى ستة ملايين، مع تقديم القليل من المساعدات وتنظيم رعايتهم من قبل المفوضية والحكومة والجيش. وتبقى وسائل الإعلام الغربية تصرّ على إخبارك عن مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن، والمرافق التي تسيطر عليها الجماعات المسلّحة.

 «يهاجم النظام المدنيين من دون تمييز من خلال قصفه المناطق الآهلة بالسكان»، إنها دعاية إسلامية مدعومة من الإعلام الغربي. وفي الحقيقة، فإن الطائرات والمدفعية السورية لم تتمكن بعد ثلاث سنوات من السيطرة على مناطق مثل جوبر، دوما وأجزاء من شمال حلب، يؤكد هذا كذب الادّعاءات التي تُساق ضدّ الجيش. يمكن لك أن تتأكد أنه في المرة الثانية التي يخرج فيها الإعلام الغربي قائلاً، إن «المدنيين يُقتلون عشوائياً بالقصف السوري»، إن خبراً كهذا، سيكون هذا صادراً عن وسائل الإعلام الإسلامية نفسها التي تتعرّض للهجوم.

 إنها حرب شوراع مستعرة تدور رحاها على الأرض، من مبنى إلى مبنى، ويسقط فيها الكثير من الجنود السوريين. كما أن كثيرين من السوريين الذين قابلناهم يتمنّون تحوّل هذه المناطق إلى مدن أشباح. إذ إنّ المدنيين الوحيدين الذين يعيشون فيها هم الإسلاميون المتطرفون. إنه واقعٌ تتعاطى معه الحكومة السورية بمزيد من الحذر.

 تدرك دول المنطقة جيداً ما هو آتٍ، وتعيد بناء علاقاتها مع سورية. لا تزال واشنطن تدفع باتجاه أكاذيبها في شأن الأسلحة الكيماوية في مواجهة الأدلّة المستقلّة بعدما خسرت قدرتها على القيام بأيّ تصعيد آخر منذ عام 2013 بعد المواجهة مع روسيا. والجدير بالذكر هنا، أن أعداء سورية كمصر والإمارات العربية المتحدة يعيدون تطبيع علاقاتهم مع دمشق.

 قد تكون الإمارات العربية المتحدة الأكثر مرونة بين دول الخليج، ولديها مخاوفها الخاصة في الوقت عينه بسبب ارتباط «داعش» بعلاقات مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن. فقد عمدت إلى اعتقال عشرات الإسلاميين الذين كانوا يخطّطون لتنفيذ مؤامرة تطيح بالنظام الملكي المطلق في الخلافة المطلقة. وها هي مصر، تقع مرةً أخرى في براثن الحكم العسكري بعد فشل حكومة الإخوان المسلمين قصيرة الأمد في المحافظة على حكمها، تشارك في الهجمات ضدّ سورية، وتتعامل اليوم مع الإرهاب الطائفي على أساس إخواني.

 تدافع كبرى الدول العربية اليوم عن السلامة الإقليمية لسورية، وتخرج إلى العلن لفظياً على الأقل حملات ضدّ الإرهاب في سورية. ويُعزي المحلّل المصري حسن أبو طالب هذه الرسالة إلى «إدانة التحركات التركية من جانب واحد ضدّ سورية ورفضها».

 سعت حكومة أردوغان إلى تكريس تركيا على رأس الإخوان المسلمين في المنطقة، غير أنها خسرت حلفاءها المناهضين لحكم الأسد ولمعارضته في الداخل. حاولت واشنطن استخدام الأكراد الانفصاليين ضدّ كلّ من بغداد ودمشق، بينما ترى تركيا أنهم أعداءها الرئيسيين، خصوصاً أن السعودية تدعم ذبح الإسلاميين للمسلمين «المرتدّين». وترى تركيا ـ من ناحية أخرى ـ أن المجتمعات الكردية تتمتّع بمزيد من الحكم الذاتي وقبول الحكم الإيراني ـ السوري.

 يشكّل الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني، تطوراً مهماً ولافتاً جداً، في وقتٍ تبقى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحليف الإقليمي الأقوى لسورية العلمانية، وخصماً ثابتاً للإسلاميين المدعومين من السعودية. إن الدور الرئيس الذي تلعبه إيران، يغضب كلّ من السعودية و«إسرائيل»، لكنه يبشّر بالخير بالنسبة إلى سورية.

 يرى جميع المعلّقين والمحلّلين أن المناورات الدبلوماسية بعد الاتفاق الإيراني النووي ـ وعلى رغم استبعاد إيران في الآونة الأخيرة إمكانية عقد لقاء بين وزراء الخارجية الأميركي والروسي والسعودي ـ أنه ما من شك أن يد إيران قد تعزّزت في المنطقة وفي إدارة شؤونها الإقليمية. وقد أظهر لقاء غير اعتياديّ بين رئيس الاستخبارات السوري اللواء علي مملوك، ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن الحكومة السورية قد استأنفت محادثاتها مباشرة مع الراعي الرسمي للإرهاب في المنطقة.

 تكسب سورية الحرب لأن شعبها دعم جيشه وسانده ضدّ الاستفزازات الطائفية، والتي خاضت غالبية معاركها بدعم من حلف الناتو والإمارات الخليجية الداعمة للإرهاب. فالسوريون، بمن فيهم غالبية المسلمين السنّة الأكثر ورعاً، لن يقبلوا مطلقاً بثقافة قطع الرؤوس والقتال الطائفي الذي تروّج له الملكيات الخليجية.

 سيترتب على النصر السوري تبعات أوسع، من شأنها وضع حدّ لمساعي واشنطن الحثيثة لـ«تغيير النظام» في المنطقة، من أفغانستان إلى العراق وليبيا. سبّب اندلاع هذه الحرب الوسخة، انبثاقاً لـ«محور المقاومة» من رماد الموت والبؤس. ويُعزى نصر سورية إلى دعم كلّ من إيران والمقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله. وعلاوةً على ذلك، فإن هذا الصراع قد ساعد في بناء تدابير هامة للتعاون مع العراق. إن اندماج العراق التدريجي في هذا المحور المقاوِم سيضع حدّاً للهزيمة المذلّة التي خططت الولايات المتحدة ومعها «إسرائيل» والسعودية للهيمنة على «الشرق الأوسط الجديد».

 سيكون لهذه الوحدة الإقليمية كلفتها باهظة الثمن، لكنها آتية لا محالة.

  • فريق ماسة
  • 2015-08-22
  • 8685
  • من الأرشيف

البروفسور تيم أندرسون : سورية الى نصر استراتيجيّ من شأنه تغيير معالم الشرق الأوسط وسياسته

تقريرنا اليوم لا يمكن أن يُزاد عليه أيّ كلام، فقد برع البروفسور تيم أندرسون في توصيف ما يجري في سورية، وما ستؤول إليه الأوضاع. ليس من باب الوجدان الذي يتوق إلى نصر سورية وانتهاء الحرب عليها وتوقّف شلال الدماء، إنما من باب حقائق قدّمها أندرسون، وفنّدها، مكذّباً الإعلام الغربي الذي عمل منذ سنوات على بثّ الأكاذيب، كأنّه الناطق الرسمي بِاسم الجماعات الإسلامية المتطرّفة، ومعه بعض الإعلام العربي طبعاً.  أندرسون متأكّد من حتمية نصر سورية، قائلاً إنّ هذا النصر العسكريّ والاستراتيجيّ سيترك آثاره وتغييراته على منطقة الشرق الأوسط بكاملها. وهناك أدلّة واضحة على أن مخططات الولايات المتحدة ـ سواء لناحية «تغيير النظام»، وإظهار الدولة السورية على أنها مختلّة وظيفياً، أو لناحية تمزيق البلاد على أسس طائفية، باءت كلّها بالفشل. سيجرح هذا الفشل الحلم الأميركي، الذي أعلنه جورج بوش الإبن منذ أكثر من عقدٍ مضى، للخنوع لفكرة «الشرق الأوسط الجديد». إن نصر سورية يشكل مزيجاً من الدعم الشعبي المتماسك، في وجه الإسلاميين الأشرار الطائفيين التكفيريين، بدعم قويّ من الحلفاء الرئيسيين، وتفتيت للقوات الدولية التي اصطفّت في مواجهتهم.  ويعلّل أندرسون قناعته إزاء نصر سورية بأنّه على رغم سنوات عدّة من الإرهاب الشامل والعقوبات الغربية المفروضة ضدّ الحكومة السورية، فهي لا تزال ـ وهنا مكمن الدهشة ـ تعمل بشكل جيد. مستشهداً بما رآه فريقه الذي زار سورية خلال شهر تموز المنصرم: مجموعة كبيرة من المراكز الرياضية، المدارس، والمستشفيات. ولاحظ الفريق ذهاب الملايين من الأطفال السوريين إلى المدارس، ودراسة مئات الآلاف من الطلاب في الجامعات بشكل مجاني. غير أن البطالة وانقطاع التيار الكهربائي، يشكلان الطاعون الحقيقي للبلاد. استهدفت الجماعات التكفيرية المستشفيات منذ عام 2011، كما أنها تهاجم بانتظام محطات توليد الطاقة، ما يساعد على التقنين في الكهرباء. الخطر من العوز والفقر شبح قائم باستمرار، وعلى رغم ذلك، فإن الحياة لا تزال تسير على ما يُرام.  ويخلص أندرسون في تقريره هذا إلى أنّ سورية ستكسب الحرب لأن شعبها دعم جيشه وسانده ضدّ الاستفزازات الطائفية، والتي خاضت غالبية معاركها بدعم من حلف الناتو والإمارات الخليجية الداعمة للإرهاب. فالسوريون، بمن فيهم غالبية المسلمين السنّة الأكثر ورعاً، لن يقبلوا مطلقاً بثقافة قطع الرؤوس والقتال الطائفي الذي تروّج له الملكيات الخليجية. وسيترتب على النصر السوري تبعات أوسع، من شأنها وضع حدّ لمساعي واشنطن الحثيثة لـ«تغيير النظام» في المنطقة، من أفغانستان إلى العراق وليبيا.  كتب البروفسور تيم أندرسون لـ«www.globalresearch.ca»:  ها هي سورية تربح، وتكسب الرهان. فعلى رغم حمّامات الدم والضغط الاقتصادي الهائل، فإن سورية تتقدّم بثبات نحو تحقيق نصر عسكريّ واستراتيجيّ سيترك آثاره وتغييراته على منطقة الشرق الأوسط بكاملها. وهناك أدلّة واضحة على أن مخططات الولايات المتحدة ـ سواء لناحية «تغيير النظام»، وإظهار الدولة السورية على أنها مختلّة وظيفياً، أو لناحية تمزيق البلاد على أسس طائفية، باءت كلّها بالفشل. سيجرح هذا الفشل الحلم الأميركي، الذي أعلنه جورج بوش الإبن منذ أكثر من عقدٍ مضى، للخنوع لفكرة «الشرق الأوسط الجديد». إن نصر سورية يشكل مزيجاً من الدعم الشعبي المتماسك، في وجه الإسلاميين الأشرار الطائفيين التكفيريين، بدعم قويّ من الحلفاء الرئيسيين، وتفتيت للقوات الدولية التي اصطفّت في مواجهتهم.  أصبحت المصاعب الاقتصادية، بما فيها الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي أصعب من قدرة الشعب السوري على استمرار احتمالها. تؤمّن الحكومة المواد الغذائية الأساسية بأسعار معقولة وتحافظ على التعليم، الصحة، الرياضة، وغيرها من الخدمات التثقيفية.  استأنفت دول معادية عدّة ووكالات الأمم المتحدة علاقاتها مع سورية. كذلك، فإن تحسّن الوضع الأمني، والاتفاق النووي الكبير مع إيران مؤخراً والتحركات الدبلوماسية الأخرى المواتية، كلّها مؤشرات على أن محور المقاومة قد قويَ واشتدّ عوده.  لن تستطيع كمتابع أن تدرك كلّ هذا من خلال قراءتك وسائل الإعلام الغربية، التي تكذب باستمرار حيال طبيعة الصراع وتطورات الأزمة. وقد عملت الملامح الرئيسية لهذا الخلاف على إخفاء دعم حلف الناتو للجماعات التكفيرية، وزعقت مراراً حول إنجازات هؤلاء متجاهلةً نجاح الجيش السوري في عددٍ من الأماكن. وفي الواقع، فإن هؤلاء الإرهابيين المدعومين من الغرب لم يستطيعوا تحقيق إنجاز يُذكر منذ تدفق الآلاف من المقاتلين الأجانب ومساعدتهم في السيطرة على أجزاء كبيرة من شمال حلب، وتحديداً منذ عام 2012.  وأثناء زيارتي الثانية إلى سورية خلال الأزمة، في تموز 2015، استطعت ملاحظة التطوّر الأمني الحاصل في أماكن عدّة في المدن الرئيسية. وخلال زيارتي الأولى في كانون الأول 2013، وعلى رغم طرد الناتو كثيرين من قاطعي الرؤوس من مدن حمص والقصير، فقد عادوا وحطّوا رحالهم في قرية ملّولة القديمة وعلى طول جبال القلمون، كما نفّذوا هجمات على الطريق الجنوبية للسويداء. تمكنّا هذه السنة من السفر بحرّية عن طريق البرّ من السويداء إلى دمشق، فحمص، فاللاذقية، مع وجهة التفاف واحدة حول حرستا. وفي أواخر 2013، بدا أن الجيش السوري قد سيطر على أكثر من 90 في المئة من المناطق المكتظة بالسكان.  الحقيقة الأولى: لم يكن هناك على الإطلاق «ثوّار معتدلون». إنما هي حركة إصلاح حقيقية سياسية مدعومة من متمرّدين إسلاميين سوريين، وذلك في آذار ـ نيسان 2011. وفي الأشهر الأولى للأزمة، من درعا إلى حمص، مارست الجماعات المسلّحة الرئيسية ككتائب «لواء الفاروق» المدعومة من السعودية وقطر، الكثير من الأعمال الوحشية مثل تفجير المستشفيات والأماكن العامة، مستخدمين شعارات الإبادة الجماعية وممارسات التطهير العرقي.  يُطلق السوريون الآن تسمية «داعش» أو «المرتزقة» على كلّ هذه الجماعات المتطرفة، من دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء استخدام أسماء متعدّدة لهم. إن البيان الأخير الصادر عن «المتمرّدين المعتدلين» لزعيمته لمياء نحاس، والذي ينصّ على «وجوب التخلص من الأقليات الشريرة في سورية»، تماماً كما فعل من قبل هتلر والعثمانيون مع الأقليات آنذاك، يجسّد هذه الحقيقة. ولطالما اتخذ النزاع المسلّح في الدول طابع المواجهة بين السلطة المستبدّة والتعددية على غرار السعودية، وبين الدولة المجتمعية الشاملة، كما الإسلاميين الطائفيين السعوديين، الذين يلعبون دور الوكلاء للقوى العظمى.  الحقيقة الثانية: في الغالب، إن معظم الفظائع التي ارتكبت من قبل العصابات المدعومة من الغرب، اتُهم بها الجيش السوري، وتأتي هذه الاتهامات كجزء من استراتيجية الجذب لتدخل غربيّ أكثر عمقاً وتوسعاً. ويتضمن ذلك حادثة الأسلحة الكيماوية، والمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي يسببها إطلاق البراميل المتفجرة. وكان أحد الصحافيين الأميركيين ويدعى نير روزن قد كتب عام 2012 يقول: «تقدّم المعارضة تقارير يومية عن عدد الضحايا الذين سقطوا، وغالباً من دون أيّ تبريرات… ومعظم أولئك الذين يشملهم التقرير هم في الحقيقة من مقاتلي المعارضة، غير أن التقارير تصفهم على أنهم من المدنيين الأبرياء الذين يُقتلون يومياً على أيدي قوات الأمن السورية».  لا تزال هذه التقارير المعارِضة تعتمد على أخبار تعتمدها الجماعات الموالية مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، بهدف تعزيز الحرب الدعائية. وفي الواقع، فإن الجيش السوري قد أعدم فعلاً بعض الإرهابيين ممّن قُبض عليهم، وتواصل الشرطة السريّة احتجاز الأشخاص الذين يُشتبه في تعاملهم مع الإرهابيين وتسيء معاملتهم. لكن يتمتع هذا الجيش بدعم شعبيّ قويّ جداً. بينما تتباهى الجماعات التكفيرية ـ من ناحية أخرى ـ بجرائمها المروّعة، وتحظى بدعم شعبيّ ضئيل.  الحقيقة الثالثة: على رغم «الوجود» الإرهابي في مناطق واسعة من سورية، فإن «داعش» أو أيّ جماعة إرهابية أخرى مسلّحة، لم يتمكن من السيطرة على المناطق السورية المكتظة بالسكان. وفي أيّ مواجهة بين هذه الجماعات والجيش السوري، غالباً ما يكسب الجيش بعد تعرّضه للكثير من الضغوطات، ويصبح تراجعه تكتيكياً، كونه يقاتل على عشرات الجبهات.  أحكم الجيش السوري حصاره على شمال حلب، دوما، حرستا، وحقق مؤخراً انتصارات في كلّ من الحسكة، إدلب ودرعا. واستطاع ـ بالتعاون مع قوات حزب الله ـ السيطرة على معظم أراضي جبال القلمون على الحدود اللبنانية، حيث تتواجد قوات «داعش». وعلى رغم سنوات عدّة من الإرهاب الشامل والعقوبات الغربية المفروضة ضدّ الحكومة السورية، فهي لا تزال ـ وهنا مكمن الدهشة ـ تعمل بشكل جيد. فقد زار فريقنا خلال شهر تموز المنصرم مجموعة كبيرة من المراكز الرياضية، المدارس، والمستشفيات. ولاحظنا ذهاب الملايين من الأطفال السوريين إلى المدارس، ودراسة مئات الآلاف من الطلاب في الجامعات بشكل مجاني. غير أن البطالة وانقطاع التيار الكهربائي، يشكلان الطاعون الحقيقي للبلاد. استهدفت الجماعات التكفيرية المستشفيات منذ عام 2011، كما أنها تهاجم بانتظام محطات توليد الطاقة، ما يساعد على التقنين في الكهرباء. الخطر من العوز والفقر شبح قائم باستمرار، وعلى رغم ذلك، فإن الحياة لا تزال تسير على ما يُرام.  فعلى سبيل المثال، حصل جدالٌ عام 2014 على بناء مجمّع «أبتاون» في الشام الجديدة، وهي مدينة كبيرة تعمل بنظام الأقمار الصناعية خارج دمشق. ويضمّ هذا المجّمع مرافق مثل المطاعم، المحال، النوادي الرياضية، فضلاً عن أماكن ترفيهية للأطفال ومراكز لركوب الخيل. لكن، «كيف يمكن لدولة أن تنفق الأموال الباهظة على إتمام مثل هذا المشروع في وقتٍ تعاني البلاد من الحرب والجوع؟»، وقد كان هذا جانباً من النقاش، أما من الناحية الأخرى، فقد قيل إنّ الحياة تستمرّ وإنه على الآخرين أن يعيشوا حياتهم. فبعد رمضان، وخلال العيد، رأينا الآلاف من العائلات تستفيد من وجود هذا المجمّع الصديق للأطفال.  أصبحت الإجراءات الأمنية روتيناً طبيعياً. فبعض نقاط التفتيش المرورية تتطلّب صبراً ملحوظاً. يدرك السوريون أن هذه الإجراءات إنما تتمّ لأجل سلامتهم، خصوصاً ضدّ التفجيرات الانتحارية التي ينفّذها الإسلاميون. ومن الواضح أن الجنود يبذلون جهوداً جبارةً وفعالة، وقد يتبادلون أطراف الحديث مع الناس. فمعظم العائلات قد فقدوا أحد أقاربهم أو أفراداً من عائلاتهم. ومن المثير للانتباه، أنه لا يُفرض على السوريين حظر التجول، كما أن جنودهم لا يتقاعسون، أسوةً بما كان يحصل في ظلّ حكم الأنظمة الديكتاتورية الفاشية المدعومة من الولايات المتحدة في تشيلي والسلفادور سابقاً.  وكان رئيس بلدية اللاذقية في الشمال قد قال لنا إنّ هذه المحافظة التي تعدّ 1.3 مليوناً، تضمّ حالياً أكثر من ثلاثة ملايين بعدما نزح إليها مواطنون من حلب، إدلب وغيرها من المدن الشمالية الأخرى المتأثرة باجتياحات الإرهابيين الطائفية. يقيم معظم هؤلاء في المباني الحكومية أو في بيوت اللاذقيين مجاناً، مع العائلة والأصدقاء، يتدبرون أمورهم من خلال إدارة تجارة صغيرة وقد رأينا مجموعة من 5000 سوري، في أحد المجمعات التجارية، غالبيتهم من حماه، أما في الجنوب، فقد استضافت السويداء أكثر من 130.000 عائلة نازحة من محيط درعا، مضاعفين عدد سكان تلك المحافظة. ومع ذلك، تبقى دمشق هي التي تحتضن العدد الأكبر من النازحين الذين وصلوا إلى ستة ملايين، مع تقديم القليل من المساعدات وتنظيم رعايتهم من قبل المفوضية والحكومة والجيش. وتبقى وسائل الإعلام الغربية تصرّ على إخبارك عن مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن، والمرافق التي تسيطر عليها الجماعات المسلّحة.  «يهاجم النظام المدنيين من دون تمييز من خلال قصفه المناطق الآهلة بالسكان»، إنها دعاية إسلامية مدعومة من الإعلام الغربي. وفي الحقيقة، فإن الطائرات والمدفعية السورية لم تتمكن بعد ثلاث سنوات من السيطرة على مناطق مثل جوبر، دوما وأجزاء من شمال حلب، يؤكد هذا كذب الادّعاءات التي تُساق ضدّ الجيش. يمكن لك أن تتأكد أنه في المرة الثانية التي يخرج فيها الإعلام الغربي قائلاً، إن «المدنيين يُقتلون عشوائياً بالقصف السوري»، إن خبراً كهذا، سيكون هذا صادراً عن وسائل الإعلام الإسلامية نفسها التي تتعرّض للهجوم.  إنها حرب شوراع مستعرة تدور رحاها على الأرض، من مبنى إلى مبنى، ويسقط فيها الكثير من الجنود السوريين. كما أن كثيرين من السوريين الذين قابلناهم يتمنّون تحوّل هذه المناطق إلى مدن أشباح. إذ إنّ المدنيين الوحيدين الذين يعيشون فيها هم الإسلاميون المتطرفون. إنه واقعٌ تتعاطى معه الحكومة السورية بمزيد من الحذر.  تدرك دول المنطقة جيداً ما هو آتٍ، وتعيد بناء علاقاتها مع سورية. لا تزال واشنطن تدفع باتجاه أكاذيبها في شأن الأسلحة الكيماوية في مواجهة الأدلّة المستقلّة بعدما خسرت قدرتها على القيام بأيّ تصعيد آخر منذ عام 2013 بعد المواجهة مع روسيا. والجدير بالذكر هنا، أن أعداء سورية كمصر والإمارات العربية المتحدة يعيدون تطبيع علاقاتهم مع دمشق.  قد تكون الإمارات العربية المتحدة الأكثر مرونة بين دول الخليج، ولديها مخاوفها الخاصة في الوقت عينه بسبب ارتباط «داعش» بعلاقات مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن. فقد عمدت إلى اعتقال عشرات الإسلاميين الذين كانوا يخطّطون لتنفيذ مؤامرة تطيح بالنظام الملكي المطلق في الخلافة المطلقة. وها هي مصر، تقع مرةً أخرى في براثن الحكم العسكري بعد فشل حكومة الإخوان المسلمين قصيرة الأمد في المحافظة على حكمها، تشارك في الهجمات ضدّ سورية، وتتعامل اليوم مع الإرهاب الطائفي على أساس إخواني.  تدافع كبرى الدول العربية اليوم عن السلامة الإقليمية لسورية، وتخرج إلى العلن لفظياً على الأقل حملات ضدّ الإرهاب في سورية. ويُعزي المحلّل المصري حسن أبو طالب هذه الرسالة إلى «إدانة التحركات التركية من جانب واحد ضدّ سورية ورفضها».  سعت حكومة أردوغان إلى تكريس تركيا على رأس الإخوان المسلمين في المنطقة، غير أنها خسرت حلفاءها المناهضين لحكم الأسد ولمعارضته في الداخل. حاولت واشنطن استخدام الأكراد الانفصاليين ضدّ كلّ من بغداد ودمشق، بينما ترى تركيا أنهم أعداءها الرئيسيين، خصوصاً أن السعودية تدعم ذبح الإسلاميين للمسلمين «المرتدّين». وترى تركيا ـ من ناحية أخرى ـ أن المجتمعات الكردية تتمتّع بمزيد من الحكم الذاتي وقبول الحكم الإيراني ـ السوري.  يشكّل الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني، تطوراً مهماً ولافتاً جداً، في وقتٍ تبقى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحليف الإقليمي الأقوى لسورية العلمانية، وخصماً ثابتاً للإسلاميين المدعومين من السعودية. إن الدور الرئيس الذي تلعبه إيران، يغضب كلّ من السعودية و«إسرائيل»، لكنه يبشّر بالخير بالنسبة إلى سورية.  يرى جميع المعلّقين والمحلّلين أن المناورات الدبلوماسية بعد الاتفاق الإيراني النووي ـ وعلى رغم استبعاد إيران في الآونة الأخيرة إمكانية عقد لقاء بين وزراء الخارجية الأميركي والروسي والسعودي ـ أنه ما من شك أن يد إيران قد تعزّزت في المنطقة وفي إدارة شؤونها الإقليمية. وقد أظهر لقاء غير اعتياديّ بين رئيس الاستخبارات السوري اللواء علي مملوك، ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن الحكومة السورية قد استأنفت محادثاتها مباشرة مع الراعي الرسمي للإرهاب في المنطقة.  تكسب سورية الحرب لأن شعبها دعم جيشه وسانده ضدّ الاستفزازات الطائفية، والتي خاضت غالبية معاركها بدعم من حلف الناتو والإمارات الخليجية الداعمة للإرهاب. فالسوريون، بمن فيهم غالبية المسلمين السنّة الأكثر ورعاً، لن يقبلوا مطلقاً بثقافة قطع الرؤوس والقتال الطائفي الذي تروّج له الملكيات الخليجية.  سيترتب على النصر السوري تبعات أوسع، من شأنها وضع حدّ لمساعي واشنطن الحثيثة لـ«تغيير النظام» في المنطقة، من أفغانستان إلى العراق وليبيا. سبّب اندلاع هذه الحرب الوسخة، انبثاقاً لـ«محور المقاومة» من رماد الموت والبؤس. ويُعزى نصر سورية إلى دعم كلّ من إيران والمقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله. وعلاوةً على ذلك، فإن هذا الصراع قد ساعد في بناء تدابير هامة للتعاون مع العراق. إن اندماج العراق التدريجي في هذا المحور المقاوِم سيضع حدّاً للهزيمة المذلّة التي خططت الولايات المتحدة ومعها «إسرائيل» والسعودية للهيمنة على «الشرق الأوسط الجديد».  سيكون لهذه الوحدة الإقليمية كلفتها باهظة الثمن، لكنها آتية لا محالة.

المصدر : البناء / ليلى زيدان عبد الخالق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة