دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
هذه البلاد تعطيك سبباً للبقاء، وألف سبب للرحيل. بهذه الكلمات كان أيهم م. يختصر لأصدقائه أسباب رغبته بالسفر إلى خارج سوريا قبل أن يغادرهم بالفعل.
أيهم، الشاب الثلاثيني، مصوّر فوتوغرافي، وهو من سكان دمشق، وقرر الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية بهدف دراسة الإخراج السينمائي. ولم يكن سبب هجرته عدم وجود أكاديمية لتعليم الإخراج في سوريا فقط، بل هي تراكمات زمن الحرب التي أرهقت يوميات الشابّ، بحسب تعبيره، فشتات عائلته بين دول عدة، والمناخ العام الذي لا يوحي بانجلاء غيمة الحرب قريباً، جعلاه يفقد الثقة بمستقبل كالذي يطمح إليه أيّ شاب في مثل سنّه.
طريق «أرض الأحلام»، الذي يبدأ من تركيا ويعبر البحر باتجاه جزر اليونان، ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي بواسطة المهرّبين، بات يعجّ مؤخراً، وبشكل لافت للانتباه، بحقائب الشباب السوريين، الباحثين عن فرجٍ من أي نوع، بالرغم من أن معظم تلك الهجرات بلا هدف واضح، ولا حتى تصوّر لشكل الحياة التي ستقدّمها أرض المجهول تلك، هذا لو فرضنا جدلاً أنهم يصلون بالفعل إلى وجهتهم.
وتتصدّر عناوين غرق مراكب الهجرة غير الشرعية صحف العالم بشكل شبه يوميّ تقريباً، حيث أعلنت منظمة الهجرة الدولية، مطلع آب الماضي، أن عدد المهاجرين الذين لقَوا حتفهم خلال العام 2015، أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط إلى أوروبا، تخطى عتبة الألفي شخص (معظمهم من السوريين بحسب ما تورد وكالات الأنباء العالمية).
علي ح. قرّر أيضاً السفر إلى ألمانيا، بغية متابعة دراساته العليا مع إخوته المقيمين هناك منذ زمن، لكن السفارة الألمانية لم تمنحه تأشيرة دخول نظامية، بالرغم من حصوله على القبول من إحدى الجامعات هناك، وإتمامه شروط متابعة الدراسة فيها، فعزم على اللحاق بركب المهاجرين مختزلاً ألم قراره بكلمة واحدة فقط: «تعبت».
وتكلّف رحلة الهجرة وسطياً بين 4 و8 آلاف دولار للشخص الواحد، وذلك للوصول فقط إلى الوجهة المنشودة.
واللافت أنّ الشباب المهاجرين يعدّون خريطة مسبقة لكل الاحتمالات التي قد تواجههم، بدءاً من ابتزاز السماسرة المهرّبين إلى اعتقالهم ضمن حدود إحدى الدول قبل وصولهم، إلى عرقلة إعطائهم تصريح الدخول واللجوء وغيرها من المفاجآت. لكن يبقى للبحر كلمة ممنوعة من الصرف في قاموس الخيارات.
عامر م.، سينمائي عشريني، دمشقي من أسرة متوسطة الدخل، ضاقت فضاءات بلاده أيضاً على حلمه فقرر الهجرة.
ويقول عامر، الذي كان يدير بالاشتراك مع «مؤسسة أحفاد عشتار» أكبر نادٍ سينمائيّ في دمشق، «طموحي كمخرج سينمائي تعرقل في البلد في ظل الظروف الراهنة. اصطدم بالبارود وبالعقلية المتحجرة لرؤوس السينما، المتمثلة بالرقابة والمؤسسات القائمة على الصناعة. بالإضافة إلى أنه كان من المحتم عليّ أن ألتحق بالخدمة العسكرية، وشخصياً لا أرى أنني أستطيع تحمّل هذه المسؤولية، ليس لقلة وطنية أو رجولة، لكنّ لا أشعر أنّ هذا هو مكاني، لذا خرجت بحثاً عن سُبل أخرى للحياة والمستقبل والطموح».
تبدو الهجرة آخر ما تقترحه الحرب السورية كفرصة لضمان حق الشباب في الحياة والبحث عن المستقبل، كلما صعبت الخيارات المطروحة، في كنف الأزمة الاقتصادية والفرق الشاسع بين متوسط الدخل وتكلفة المعيشة، مع أزمة السكن وصعوبة تأمين مأوى للخارجين من منازلهم المدمرة، إلى جانب تناقص فرص العمل أو ندرتها حالياً، حتى للمتخرجين من الجامعات وحملة الشهادات العليا.
لكن معظم الهجرات السورية التي نشطت مؤخراً لا تعدو كونها قراراً بالهروب إلى الأمام، وخياراً أقرب إلى التقليد واستسهال البدائل. فمعظم الشباب المهاجرين يرفضون الإفصاح عن سبب مباشر لرغبتهم بالسفر، ولا حتى تحديد وجهة معينة، ربما لأنهم لم يحسموا أمرهم، مع إدراكهم لاحتمالات عدم الوصول أياً كانت تلك الوجهة، خاصة في حال عدم وجود هدف واضح عقلاني ومدروس مسبقاً.
المصدر :
الماسة السورية / سناء علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة