دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
اختزن التفجير الانتحاري الذي وقع يوم الاثنين الماضي في مدينة سوروتش في جنوب شرق تركيا الى الشمال من مدينة عين العرب/ كوباني السورية، عدداً كبيراً من التساؤلات والأبعاد والأهداف والرهانات.
وتضاعفت التساؤلات مع تسخين أنقرة للجبهة مع سوريا عبر إعلان حدوث صدامات مع تنظيم «داعش» ورفع الجهوزية العسكرية للجيش التركي الى أعلى درجة، وظهور أنباء عن اتفاق عسكري تركي - أميركي يسمح يإنشاء منطقة عازلة بالنار داخل سوريا من جرابلس إلى عفرين، والسماح للطائرات الأميركية باستخدام قاعدة إينجيرليك في حالات الهبوط الاضطراري.
ويطرح هجوم سوروتش ملاحظات مثيرة للانتباه:
1- استهدف التفجير الحالة الكردية في تركيا وفي سوريا، فالضحايا الـ32 والجرحى المئة كانوا من الأكراد والأتراك اليساريين، هم من الشبان والشابات الجامعيين الذين جاؤوا الى سوروتش لينتقلوا منها الى عين العرب/كوباني من أجل المساهمة في إعادة إعمارها. وبالتالي يمكن القول إن التفجير إنما كان الوجه الآخر لاستهداف المدافعين عن المدينة ذات الغالبية الكردية في زمن الحرب والمتطوعين اليوم لإعادة إعمارها، اي أن الجناة، وهم فريق بل أفرقاء، ارادوا أن يدمروا الحجر ويمنعوا في الوقت ذاته إعادة البناء.
2- إذا كان تنظيم «داعش» يأتي تلقائياً من ضمن المتهمين بالوقوف وراء التفجير انتقاماً من هزائمه في تل أبيض وعين العرب، فإنّ طرفاً جديداً دخل على الخط ولم يكن كذلك من قبل، وهو اتهام رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو للمرة الأولى التنظيم التكفيري بتنفيذ العملية. واللافت للانتباه هنا ان هذا الاتهام جاء بعد ساعات قليلة جداً على الحادثة، وفي وقت كانت الجثث لا تزال في الميدان، ولم يعرف كيف نفذ التفجير، هل هو انتحاري ام بسيارة، هل المنفذ شاب أم فتاة؟
ولعلّ الإشارة الى «داعش» بعد ساعة او ساعتين من الجريمة على انه يقف وراء التفجير وقبل التأكد التحقيقي شكلت سابقة، خصوصاً أن انقرة كانت تتهم دائماً النظام السوري على أنه هو وراء كل التفجيرات، وبالتالي فإن استبعاد النظام السوري من قائمة المتهمين يستدعي الوقوف كثيراً وليس قليلاً.
وبرغم اندفاع الكثير من وسائل الإعلام الى الحديث عن تحولات في الموقف التركي، او بداية تحوّلات، في ظل مساعٍ روسية او غير روسية، الا أن العقل التركي يقع في مكان آخر. ولعل من المفيد جداً قراءة المقال المرفق لقدري غورسيل، الذي كان آخر ضحايا قمع الحريات الصحافية في تركيا، عبر طرده من صحيفة «ميللييت».
وليس الأمر هنا كراهية من قبل نظام اردوغان لـ «داعش»، ولا نفضَ يد من دعمها، بل هو تمهيد، إذا حانت الظروف، لغزو تركيا شمال سوريا في الـ «دفرسوار» الذي يسيطر عليه «الجيش السوري الحر» وجبهة «النصرة» و «جيش الفتح» والممتد من جرابلس الى حدود عفرين، وذلك بذريعة منع «داعش» من السيطرة على هذا الشريط، فيما الهدف الأساسي هو منع استكمال الشريط الكردي من جهة، وتعزيز مواقع المسلحين هناك ضد القوات الحكومية في حلب متشجّعين من الخرق الذي أحدثته السعودية في عدن.
3- لم يؤذ تفجير سوروتش «حزب العدالة والتنمية»، فالضحايا هم من المعارضين لحكومة داود اوغلو، وبعضهم، بل معظمهم، سبق أن شاركوا في انتفاضة غيزي/تقسيم. ومن نجا في غيزي سقط في سوروتش. ومن فقئت إحدى عينيه في غيزي كسرت إحدى رجليه في سوروتش. ولو أن «داعش» كان يريد استهداف سلطة «حزب العدالة والتنمية» لقام بعملية تفجيرية في اماكن او ضد مؤسسات او أشخاص ينتمون الى الحزب الحاكم، أو على الأقل ينتمون الى الدولة التركية.
وثمة تساؤلات عدّة تطرح في هذا الإطار، ومن بينها: لماذا لم يتبن «داعش» العملية حتى الآن؟ ولماذا لم يُعزِّ أردوغان بضحايا التفجير؟
4- السؤال المركزي لدى كل المحللين الأتراك هو أنه بمقدار ما يضطرب الوضع الأمني ويتوتر المناخ السياسي فإن رئيس الجمهورية يعتقد أنه يستطيع أن يذهب الى انتخابات نيابية مبكرة يمكن أن يعوّض من خلالها الـ 18 نائباً الذين نقصوا «حزب العدالة والتنمية» ليحصل الغالبية المطلقة أي النصف زائداً واحداً.
لقد دفنت الى الأبد أحلام أردوغان في نظام رئاسي، ولكنه لا يزال يراهن على إمكانية تطبيق نظام رئاسي بالقوة واغتصاب الدستور، وشرط ذلك أن يبقى حزب «العدالة والتنمية» منفرداً في الحكم. وبمعنى آخر فإن اردوغان يريد ان يذهب الى انتخابات مبكرة مخيّراً الناخبين بين عودة «حزب العدالة والتنمية» منفرداً الى السلطة، أو مواجهة مخاطر عدم الاستقرار دماً وتراجعاً اقتصادياً. وهنا سوف يسعى أردوغان لإفشال تشكيل حكومة ائتلافية جديدة ليقول للمواطنين: أنا أو الفوضى.
5- في هذا السياق كذلك، تقع عمليات تسخين الحدود في بعض المناطق مع سوريا، فإطلاق نار من وراء الحدود من قبل «داعش»، على قول الجانب التركي، وقتل جندي تركي، لا يمكن أن يكون سبباً لكل هذه التعبئة العامة الداعية الى الدفاع عن السيادة التركية والكرامة التركية وتحريك الطيران الحربي.
لقد بدأت عمليات الاستعداد العسكرية منذ أن سيطر الأكراد على تل أبيض، ومنذ أن باشرت تركيا دعماً مباشراً أقوى من قبل لـ «جبهة النصرة» و «جيش الفتح»، فكان احتلال أدلب وجسر الشغور.
ومنذ صدمة الانتخابات البرلمانية، التي لم يستفق منها أردوغان بعد، والتي أطاحت أحلامه السلطانية، نرى ان الرئيس التركي يعمل ليل نهار على تغيير المعادلة. وقد نشرت تعليقات عدّة وجدت أن إقامة منطقة عازلة من جرابلس الى عفرين لمواجهة الأكراد وتشديد الضغط على النظام في سوريا تمثل محاولة من اردوغان لاستغلال ما يجري عند الحدود السورية - التركية في الحملة للانتخابات النيابية مبكرة، لكي يقدّم نفسه على أنه الرجل الذي أفشل خطة إنشاء شريط كردي على امتداد الحدود، وحمى الأمن القومي التركي.
6- لقد تشخصنت السياسات الداخلية والخارجية في تركيا وبات أردوغان محورها وعقدتها. واللافت للانتباه هنا، ان ثمة أصواتاً باتت ترى في هذه السياسات خطراً على تركيا:
- الرئيس السابق عبدالله غول الذي بدأ مرحلة جديدة من المعارضة لأردوغان، واتهمه بأنه يعتمد مع احمد داود أوغلو سياسات غير واقعية، معتبراً أن تفجير سوروتش نتيجة لما كان يحذّر منه من مخاطر السياسة الخاطئة تجاه سوريا والشرق الأوسط.
- ياشار ياقيش أول وزير خارجية في عهد «حزب العدالة والتنمية» (2002-2003)، قال إن الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد المشكلة بل إنه أصبح جزءاً من الحل ويجب التواصل معه.
- آخر رئيس للأركان إيلكير باشبوغ قال إنه يجب مدّ يد التواصل مع الدولة السورية، وتقويتها وهو السبيل الوحيد لتفادي مخاطر التفتيت في المنطقة.
تفجير سوروتش هو نتيجة طبيعية وحتمية لإفلاس السياسة التركية في سوريا والعراق والشرق الأوسط. وما جرى في سوروتش هو بالتحديد لعب بالنار، والوحش الذي يستخدمه البعض في أنقرة لغايات لا تمتّ بصلة للمصالح الوطنية ولا الاستراتيجية لتركيا، لن يبق طويلاً في وضع ترويضي، ولن يستطيع المروّضون أن يعيدوا هذا الجن الى القنينة إلا بكسرها، وهو ما بدأت تركيا تتلمّسه وتتحسّسه دماً ودموعاً لن تعوّضها ولن تخفف منها مغامرات بائسة وراء الحدود في الهزيع الأخير من سلطة كانت السبب في أكثر من سبعين في المئة من الحرب في سوريا لتجيء الآن وتعلن «حرباً» وهمية على من رعتهم، ولا تزال، برغم كل الجعجعة الإعلامية المضللة.
المصدر :
الماسة السورية / السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة