صحيح ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اعتاد على زيارة السعودية من حين الى آخر، منذ ان جرى قبول اوراق اعتماده السياسية كحليف مسيحي للرياض في «السراء والضراء»، لكن زيارته الاخيرة اكتسبت أهمية خاصة، واستحوذت على اهتمام أوسع، بالنظر الى كونها أتت بعد الاتفاق النووي، واتفاق النيات، معطوفين على وثائق «السعودية ليكس» التي كشفت عن بعض تفاصيل العلاقة بين جعجع والرياض.

وقد أتى استــقبال الملك ســلمان لجعـجع، مع ما رافقه من «حفاوة مقصــودة» وتساهل في الاعتبارات البروتوكولية، حتى يطلق العنان لمزيد من التأويلات والتفسيرات لمغزى هذا اللقاء الذي يحمل إشارة واضحة الى «احتضان» السعودية، وملكها شخصيا، لرئيس «القوات» وخياراته السياسية في مواجهة حلفاء إيران على الساحة اللبنانية.

بل هناك من يقول ان القيادة السعودية أوحت، من خلال الاستقبال الحار لضيفها، بان جعجع يتقدم لديها على مسيحيي «14 آذار»، وحتى على النائب وليد جنبلاط الذي تردد انه منزعج من الفارق بين طريقة التعامل معه خلال زيارته الاخيرة الى السعودية، والطريقة التي عومل بها رئيس «القوات».

والارجح ان من بين أهداف الرياض الكامنة وراء تمتين صلاتها بأحد «الاقوياء» الاربعة الموارنة، ان تقدم نفسها بمظهر الحريص على الوجود المسيحي في لبنان وبالتالي على التنوع ضمن الشرق، في مواجهة الاتهامات الموجهة اليها برعاية التطرف الاسلامي الذي أنتج القوى التكفيرية.

وإذا كانت زيارة جعجع الى الرياض قد ولّدت نوعا من التوجس في الرابية حيال توقيتها ومضمونها، لا سيما ان «التيار الحر» يشعر بان هناك تغطية سعودية لـ «الحصار» المضروب عليه، إلا ان رئيس «القوات» سارع فورعودته الى إيفاد مسؤول جهاز التواصل والإعلام وأحد «مهندسي» وثيقة «إعلان النيات» ملحم رياشي الى العماد ميشال عون، لطمأنته.. قدر المستطاع.

وفي حين تعتقد اوساط سياسية بان أضرارا جانبية قد تصيب «اعلان النيات»، بعد رحلة جعجع الى السعودية، تؤكد مصادر مقربة من «القوات» انه لا يوجد اي انزعاج لدى المملكة من هذا «الاعلان»، لافتة الانتباه الى ان السعوديين كانوا في طليعة المرحبين به، عندما بادر السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري، بعد ولادته، الى الاتصال بجعجع وتهنئته.

وتشير المصادر الى ان المسؤولين السعوديين كرروا امام جعجع ارتياحهم الى «الاعلان»، معتبرين انه يمكن ان يساهم في استعادة المسيحيين اللبنانيين لدورهم النهضوي في العالم العربي.

وتؤكد المصادر ان «الاعلان» قادر على ان يحمي ذاته بذاته، من خلال ديناميته التي تترك مجالا للتنافس بين الطرفين، وتبقي لكل منهما هامشا واسعا من الخصوصية في التحالفات والخيارات.

وتوضح المصادر المقربة من «القوات اللبنانية» ان القيادة السعودية أبدت حرصا على الاستماع بـ «إمعان» الى مقاربة جعجع للوضع اللبناني، مشددة على ضرورة عدم انغماس لبنان في الملف الاقليمي وتحييده عن صراعات المنطقة.

وبالنسبة الى «الاتفاق النووي» بين ايران والدول الكبرى، تشير المصادر الى ان جعجع استخلص من نقاشاته مع السعوديين ان «عاصفة الحزم» يمكن ان تحقق توازنا مع مفاعيل هذا الاتفاق وان تجعل أي حوار مستقبلي مع طهران حوارا ندّيا، بل ان السعودية تعتقد ان «العاصفة» صححت الخلل في التوازن الاجمالي بين العرب وايران.

اما عن الانعكاسات المحتملة لـ «الاتفاق» على الاستحقاق الرئاسي، فان المصادر تعتبر انه يمكن ان يسهل انتخاب رئيس الجمهورية عندما يصبح الايرانيون جاهزين للكلام في هذا الشأن، لكن المشكلة انهم ليسوا بهذا الوارد حاليا، في حين ان السعوديين مستعدون للنقاش على قاعدة دعم ما يتفق عليه اللبنانيون.

ولمس جعجع، تبعا للمصادر، استمرار الرياض في دعم المؤسسات الرسمية اللبنانية، وفي طليعتها المؤسسة العسكرية التي تشكل ضمانة للاستقرار في لبنان.

وهنا تحديدا، أبلغ جعجع القيادة السعودية ان معظم القوى الداخلية حريصة على حماية الاستقرار، لافتا الانتباه الى ان «8 آذار» تساهم، كما «14 آذار»، في المحافظة عليه، لانه ما من مصلحة لأحد في اهتزازه، والمطلوب تمرير هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة.

  • فريق ماسة
  • 2015-07-23
  • 11965
  • من الأرشيف

عندما يتقدم رئيس «القوات» على جنبلاط في الرياض!...السعوديون لجعجع: صنعنا التوازن مع مفاعيل «النووي»

صحيح ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اعتاد على زيارة السعودية من حين الى آخر، منذ ان جرى قبول اوراق اعتماده السياسية كحليف مسيحي للرياض في «السراء والضراء»، لكن زيارته الاخيرة اكتسبت أهمية خاصة، واستحوذت على اهتمام أوسع، بالنظر الى كونها أتت بعد الاتفاق النووي، واتفاق النيات، معطوفين على وثائق «السعودية ليكس» التي كشفت عن بعض تفاصيل العلاقة بين جعجع والرياض. وقد أتى استــقبال الملك ســلمان لجعـجع، مع ما رافقه من «حفاوة مقصــودة» وتساهل في الاعتبارات البروتوكولية، حتى يطلق العنان لمزيد من التأويلات والتفسيرات لمغزى هذا اللقاء الذي يحمل إشارة واضحة الى «احتضان» السعودية، وملكها شخصيا، لرئيس «القوات» وخياراته السياسية في مواجهة حلفاء إيران على الساحة اللبنانية. بل هناك من يقول ان القيادة السعودية أوحت، من خلال الاستقبال الحار لضيفها، بان جعجع يتقدم لديها على مسيحيي «14 آذار»، وحتى على النائب وليد جنبلاط الذي تردد انه منزعج من الفارق بين طريقة التعامل معه خلال زيارته الاخيرة الى السعودية، والطريقة التي عومل بها رئيس «القوات». والارجح ان من بين أهداف الرياض الكامنة وراء تمتين صلاتها بأحد «الاقوياء» الاربعة الموارنة، ان تقدم نفسها بمظهر الحريص على الوجود المسيحي في لبنان وبالتالي على التنوع ضمن الشرق، في مواجهة الاتهامات الموجهة اليها برعاية التطرف الاسلامي الذي أنتج القوى التكفيرية. وإذا كانت زيارة جعجع الى الرياض قد ولّدت نوعا من التوجس في الرابية حيال توقيتها ومضمونها، لا سيما ان «التيار الحر» يشعر بان هناك تغطية سعودية لـ «الحصار» المضروب عليه، إلا ان رئيس «القوات» سارع فورعودته الى إيفاد مسؤول جهاز التواصل والإعلام وأحد «مهندسي» وثيقة «إعلان النيات» ملحم رياشي الى العماد ميشال عون، لطمأنته.. قدر المستطاع. وفي حين تعتقد اوساط سياسية بان أضرارا جانبية قد تصيب «اعلان النيات»، بعد رحلة جعجع الى السعودية، تؤكد مصادر مقربة من «القوات» انه لا يوجد اي انزعاج لدى المملكة من هذا «الاعلان»، لافتة الانتباه الى ان السعوديين كانوا في طليعة المرحبين به، عندما بادر السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري، بعد ولادته، الى الاتصال بجعجع وتهنئته. وتشير المصادر الى ان المسؤولين السعوديين كرروا امام جعجع ارتياحهم الى «الاعلان»، معتبرين انه يمكن ان يساهم في استعادة المسيحيين اللبنانيين لدورهم النهضوي في العالم العربي. وتؤكد المصادر ان «الاعلان» قادر على ان يحمي ذاته بذاته، من خلال ديناميته التي تترك مجالا للتنافس بين الطرفين، وتبقي لكل منهما هامشا واسعا من الخصوصية في التحالفات والخيارات. وتوضح المصادر المقربة من «القوات اللبنانية» ان القيادة السعودية أبدت حرصا على الاستماع بـ «إمعان» الى مقاربة جعجع للوضع اللبناني، مشددة على ضرورة عدم انغماس لبنان في الملف الاقليمي وتحييده عن صراعات المنطقة. وبالنسبة الى «الاتفاق النووي» بين ايران والدول الكبرى، تشير المصادر الى ان جعجع استخلص من نقاشاته مع السعوديين ان «عاصفة الحزم» يمكن ان تحقق توازنا مع مفاعيل هذا الاتفاق وان تجعل أي حوار مستقبلي مع طهران حوارا ندّيا، بل ان السعودية تعتقد ان «العاصفة» صححت الخلل في التوازن الاجمالي بين العرب وايران. اما عن الانعكاسات المحتملة لـ «الاتفاق» على الاستحقاق الرئاسي، فان المصادر تعتبر انه يمكن ان يسهل انتخاب رئيس الجمهورية عندما يصبح الايرانيون جاهزين للكلام في هذا الشأن، لكن المشكلة انهم ليسوا بهذا الوارد حاليا، في حين ان السعوديين مستعدون للنقاش على قاعدة دعم ما يتفق عليه اللبنانيون. ولمس جعجع، تبعا للمصادر، استمرار الرياض في دعم المؤسسات الرسمية اللبنانية، وفي طليعتها المؤسسة العسكرية التي تشكل ضمانة للاستقرار في لبنان. وهنا تحديدا، أبلغ جعجع القيادة السعودية ان معظم القوى الداخلية حريصة على حماية الاستقرار، لافتا الانتباه الى ان «8 آذار» تساهم، كما «14 آذار»، في المحافظة عليه، لانه ما من مصلحة لأحد في اهتزازه، والمطلوب تمرير هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة.

المصدر : السفير/ عماد مرمل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة