يمكن للمرء أن يصدق كل شيء حين يرى الطائرات التركية تقصف فوق الأراضي السورية، الا أنها تريد فقط ضرب تنظيم " داعش".

 صحيح أن أنقرة اتهمت التنظيم بالتفجير الانتحاري الأخير في "سروج" الحدودية، لكن الصحيح أكثر أنه لولا الحدود التركية لما استطاع عناصر داعش وغيرهم من كل تكفييري الكون الوصول والاستقرار على الأراضي السورية. لنفتش أذا عن أسباب المغامرة التركية الجديدة.

 أولا: تبين من كل التصريحات والتحركات التركية على مدى السنوات الأربع الماضية، انه كان لأنقرة عدوين أساسيين هما النظام السوري الذي وخلافا لكل توقعاتها وتحركاتها لم يسقط. والكرد السوريين وامتداداتهم التركية، وفي مقدمهم الاتحاد الديمقراطي المستمر بالتقدم غرب الفرات.

ثانيا: ان داعش طاريء على قائمة أعداء تركيا. فهي ظنت من خلال احتوائه وتسهيل مرور عناصره أنها تستطيع ان تمتلك ناصية قراره او تؤثر جذريا عليها، كما فعلت مع تنظيمات كثيرة أخرى وكما قادت لفترة غير قصيرة مع قطر وبعض الدول الغربية المجلس الوطني ثم الائتلاف المعارضيين. تبين لها لاحقا ان فكرة الخلافة عند داعش تتخطى الحدود التركيا، ويمكن ان ترتد اليها، وتبين أيضا انه لا يمكن لتركيا ان تبقى عضوا في حلف الناتو وتعارض قراره بضرب داعش بعدما صار ارهابيوه يعودون الى الغرب ويفجرون فيه.

يستطيع المسؤولون الاتراك ان يقولوا طويلا كما يفعلون الآن، ان ضرباتهم الحالية تأتي دون تنسيق مع أميركا. هذا غير صحيح ويخالف كل الوقائع العلنية التي جرت في الأسابيع الماضية. وهذه أبرزها:

+ بعد تفجير سروج، كانت أولى الاتصالات مع الاميركيين، وجرى الاتفاق على تسريع خطوات التنسيق.

+ بولنت آرينتش المتحدث الرسمي باسم الحكومة التركية ونائب رئيسها قال بوضوح بعد اجتماع مجلس الوزراء: (أي انه تصريح رسمي متفق عليه): " لقد توصلنا الى اتفاق مع اميركا بشأن قاعدة اينجرليك " التركية الواقعة في غرب البلاد.

لنتذكر ان هذا كان شرط أميركي أساسي لمساعدة الجيش التركي.

+ كل التصريحات والتحركات التركية بما فيها القصف الجوي الحالي، جاءت بعد زيارة الوفد الأميركي برئاسة الجنرال جون آلين المكلف بتنسيق جهود ضرب داعش الى انقرة. كان هدف الاميركيين ولا يزال اقناع تركيا بالمساهمة بضرب داعش، وليس التفرج عليه كما حصل في كوباني حيث كان الاتراك يدلون بتصريح وبعكسه في اليوم ذاته ويتركون الناس تذبح امام أعينهم.

 ما هو المتوقع الآن، ولماذا قررت تركيا تحريك طائراتها؟

 تخشى انقرة تمدد الكرد نحو إقامة دولتهم. تريد ان تقيم في المساحة الممتدة من جرابلس جنوبي تركيا الى آفرين شمال سورية منطقة عازلة تكون باشرافها ويحظر على الطيران السوري الاقتراب منها. تعتقد ان إقامة مناطق عازلة، سيعزز ويشجع قوى عسكرية مناهضة للدولة السورية على التحرك بشكل أوسع وذلك لاعتقادها بأن ذلك يساهم ان لم يكن في اسقاط النظام فعلى الأقل باضعافه الى اقصى درجة.

يمكن ان نضيف الى كل ذلك، انها وفيما صار قسم لا بأس به من الاتراك يحمّلون الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس الحكومة أحمد داوود اوغلو وحزبهما مسؤولية تقهقر شعبية الحزب، والفشل في السياسة السورية، فان اردوغان وصحبه بحاجة الى أي اختراق جدي في الملف السوري لإنقاذ الحكومة المقبلة او الحفاظ على شعبية الحزب ودوره، خصوصا ان اعداءه في الداخل والخارج صاروا كثيرين.

تشعر تركيا بان المناخ الدولي والإقليمي يتغير حيال الملف السوري. لعلها سمعت هذا الكلام مباشرة من الاميركيين. لعلها صارت تفهم ان الجيش السوري مطلوب بقوة في المرحلة المقبلة كما الجيش العراقي لضرب داعش والإرهاب والتكفير. تشعر كذلك بأن الرياح تتغير سريعا بعد الاتفاق النووي الإيراني الغربي. ترى بام العين كيف ان الشركات الغربية بدأت تتقاطر على إيران، وسترى قريبا كيف ان قنصليات عربية واجنبين ستعاود فتح أبوابها في دمشق. وتراقب بكثير من الحذر الانفتاح الجدي ولو الخجول من قبل مصر وتونس وغيرها على سورية. ترى أيضا كيف ان الروس يروجون لخطة إقليمية ودولية لضرب داعش وانهاء الازمة السورية، ودمشق تعلن الموافقة.

 لا شك ان كل ضرب لداعش سيفيد الدولة السورية. لكن الأكيد ان دمشق سترى في العمل التركي اختراقا لاراضها وسيادتها. هنا يصبح السؤال جديا ليس حول ردة فعل سورية التي لن تغامر طبعا برد عسكري، ولكن حول إيران نفسها. هل تم فتح قنوات تركية إيرانية غربية قبل العمليات التركية أم لا؟ على هذا الأمر يتوقف الكثير من الأمور.

إذا كانت تركيا تضرب بعرض الحائط كل الحسابات الإقليمية والدولية كما فعلت في خلال السنوات الخمس الماضية، فهي على الأرجح تقدم على مغامرة تضيف الى رصيدها فشلا جديدا في التعامل مع أزمات الجوار. هذا محتمل.

كل شيء محتمل، بما في ذلك اتفاق اميركي تركي لمتكقة عازلة .كن من الصعب فعلا أن نصدق ان ما تقوم به تركيا هو مجرد صحوة ضمير ضد داعش، او انها تريد الانتقام من الاعتداء عليها.
  • فريق ماسة
  • 2015-07-24
  • 11703
  • من الأرشيف

المغامرة التركية في زمن التحولات السورية...بقلم سامي كليب

 يمكن للمرء أن يصدق كل شيء حين يرى الطائرات التركية تقصف فوق الأراضي السورية، الا أنها تريد فقط ضرب تنظيم " داعش".  صحيح أن أنقرة اتهمت التنظيم بالتفجير الانتحاري الأخير في "سروج" الحدودية، لكن الصحيح أكثر أنه لولا الحدود التركية لما استطاع عناصر داعش وغيرهم من كل تكفييري الكون الوصول والاستقرار على الأراضي السورية. لنفتش أذا عن أسباب المغامرة التركية الجديدة.  أولا: تبين من كل التصريحات والتحركات التركية على مدى السنوات الأربع الماضية، انه كان لأنقرة عدوين أساسيين هما النظام السوري الذي وخلافا لكل توقعاتها وتحركاتها لم يسقط. والكرد السوريين وامتداداتهم التركية، وفي مقدمهم الاتحاد الديمقراطي المستمر بالتقدم غرب الفرات. ثانيا: ان داعش طاريء على قائمة أعداء تركيا. فهي ظنت من خلال احتوائه وتسهيل مرور عناصره أنها تستطيع ان تمتلك ناصية قراره او تؤثر جذريا عليها، كما فعلت مع تنظيمات كثيرة أخرى وكما قادت لفترة غير قصيرة مع قطر وبعض الدول الغربية المجلس الوطني ثم الائتلاف المعارضيين. تبين لها لاحقا ان فكرة الخلافة عند داعش تتخطى الحدود التركيا، ويمكن ان ترتد اليها، وتبين أيضا انه لا يمكن لتركيا ان تبقى عضوا في حلف الناتو وتعارض قراره بضرب داعش بعدما صار ارهابيوه يعودون الى الغرب ويفجرون فيه. يستطيع المسؤولون الاتراك ان يقولوا طويلا كما يفعلون الآن، ان ضرباتهم الحالية تأتي دون تنسيق مع أميركا. هذا غير صحيح ويخالف كل الوقائع العلنية التي جرت في الأسابيع الماضية. وهذه أبرزها: + بعد تفجير سروج، كانت أولى الاتصالات مع الاميركيين، وجرى الاتفاق على تسريع خطوات التنسيق. + بولنت آرينتش المتحدث الرسمي باسم الحكومة التركية ونائب رئيسها قال بوضوح بعد اجتماع مجلس الوزراء: (أي انه تصريح رسمي متفق عليه): " لقد توصلنا الى اتفاق مع اميركا بشأن قاعدة اينجرليك " التركية الواقعة في غرب البلاد. لنتذكر ان هذا كان شرط أميركي أساسي لمساعدة الجيش التركي. + كل التصريحات والتحركات التركية بما فيها القصف الجوي الحالي، جاءت بعد زيارة الوفد الأميركي برئاسة الجنرال جون آلين المكلف بتنسيق جهود ضرب داعش الى انقرة. كان هدف الاميركيين ولا يزال اقناع تركيا بالمساهمة بضرب داعش، وليس التفرج عليه كما حصل في كوباني حيث كان الاتراك يدلون بتصريح وبعكسه في اليوم ذاته ويتركون الناس تذبح امام أعينهم.  ما هو المتوقع الآن، ولماذا قررت تركيا تحريك طائراتها؟  تخشى انقرة تمدد الكرد نحو إقامة دولتهم. تريد ان تقيم في المساحة الممتدة من جرابلس جنوبي تركيا الى آفرين شمال سورية منطقة عازلة تكون باشرافها ويحظر على الطيران السوري الاقتراب منها. تعتقد ان إقامة مناطق عازلة، سيعزز ويشجع قوى عسكرية مناهضة للدولة السورية على التحرك بشكل أوسع وذلك لاعتقادها بأن ذلك يساهم ان لم يكن في اسقاط النظام فعلى الأقل باضعافه الى اقصى درجة. يمكن ان نضيف الى كل ذلك، انها وفيما صار قسم لا بأس به من الاتراك يحمّلون الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس الحكومة أحمد داوود اوغلو وحزبهما مسؤولية تقهقر شعبية الحزب، والفشل في السياسة السورية، فان اردوغان وصحبه بحاجة الى أي اختراق جدي في الملف السوري لإنقاذ الحكومة المقبلة او الحفاظ على شعبية الحزب ودوره، خصوصا ان اعداءه في الداخل والخارج صاروا كثيرين. تشعر تركيا بان المناخ الدولي والإقليمي يتغير حيال الملف السوري. لعلها سمعت هذا الكلام مباشرة من الاميركيين. لعلها صارت تفهم ان الجيش السوري مطلوب بقوة في المرحلة المقبلة كما الجيش العراقي لضرب داعش والإرهاب والتكفير. تشعر كذلك بأن الرياح تتغير سريعا بعد الاتفاق النووي الإيراني الغربي. ترى بام العين كيف ان الشركات الغربية بدأت تتقاطر على إيران، وسترى قريبا كيف ان قنصليات عربية واجنبين ستعاود فتح أبوابها في دمشق. وتراقب بكثير من الحذر الانفتاح الجدي ولو الخجول من قبل مصر وتونس وغيرها على سورية. ترى أيضا كيف ان الروس يروجون لخطة إقليمية ودولية لضرب داعش وانهاء الازمة السورية، ودمشق تعلن الموافقة.  لا شك ان كل ضرب لداعش سيفيد الدولة السورية. لكن الأكيد ان دمشق سترى في العمل التركي اختراقا لاراضها وسيادتها. هنا يصبح السؤال جديا ليس حول ردة فعل سورية التي لن تغامر طبعا برد عسكري، ولكن حول إيران نفسها. هل تم فتح قنوات تركية إيرانية غربية قبل العمليات التركية أم لا؟ على هذا الأمر يتوقف الكثير من الأمور. إذا كانت تركيا تضرب بعرض الحائط كل الحسابات الإقليمية والدولية كما فعلت في خلال السنوات الخمس الماضية، فهي على الأرجح تقدم على مغامرة تضيف الى رصيدها فشلا جديدا في التعامل مع أزمات الجوار. هذا محتمل. كل شيء محتمل، بما في ذلك اتفاق اميركي تركي لمتكقة عازلة .كن من الصعب فعلا أن نصدق ان ما تقوم به تركيا هو مجرد صحوة ضمير ضد داعش، او انها تريد الانتقام من الاعتداء عليها.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة