ورحل الرجل صاحب الولاية الأطول في وزارة الخارجية السعودية. سعود الفيصل، هندس طوال 40 عاماً السياسة الخارجية للمملكة. ومع رحيله، عبّد الرّجل الطريق أمام خلفه لمسالمة الكيان الاسرائيلي وعقد اتفاقات علنية معه، بعد تلك التي بقيت طي الكتمان.

أربعون عاماً في وزارة الخارجية لم تُصقل قدرات الفيصل الذي وصفه عارفوه في بدء حياته المهنية بالهادئ والرصين، ليختمها بحسب ما يؤكد عارفوه أيضاً، بشخصية مذهبية دائمة التوتر وسريعة الغضب. حتّى أن أحد المطّلعين يروي أنه خلال إحدى لقاءات الفيصل بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، توجّه الأخير له بالقول "برأيي، إن الحل في سوريا يكون من خلال الرئيس الأسد". فتوتر الفيصل وظهرت عليه علامات الغضب الشديد، ووصلت به الأمور الى نيته قطع زيارته للقاهرة، قبل أن يعود السيسي ليعالج الأمور.

يرجع أحد أصدقاء الفيصل وضعه المأزوم في ختام مسيرته الدبلوماسية وتعصّبه المذهبي الشديد، الى علاقته الوطيدة جداً مع صهره بندر بن سلطان. ويشير الى أنه تأثر بآرائه المتطرفة لكثرة التصاقه به.

الفيصل الذي حقق آمال والده فيصل بن عبد العزيز بالعمل في وزارة الخارجية، سجّل سابقة في تاريخ وزراء خارجية العالم خلال مدّة بقائه فيها. ولعلّ العارف بنظام آل سعود وطريقة حكمهم للمملكة على مرّ العقود ونهب خيراتها والتّسلّط على شعبها، يُدرك جيّداً أن مَن يتولّى مسؤولية ما من السلالة الحاكمة، لا يمكن أن تزحزحه عنها زائحة حتّى موته، أو انتقاله الى أرفع منها.

هلل الفيصل كثيراً لما يسمى الربيع العربي، وذهب في أحلامه بعيداً. يقول مواكبون لفترة بدايات المؤامرة على سوريا إن الفيصل كان حريصاً جدّاً رغم وضعه الصحي الصعب على حضور كل جلسات الجامعة العربية التي كانت تُعنى بمناقشة الوضع السوري. كما شكّل اضافة الى وزير الخارجية القطري آنذاك رأس حربة في صياغة القرارات ضد سوريا. كان الرجل صاحب الدور الأبرز في تأليب الدول العربية ضد دمشق، كما تميّز بمواقفه الشرسة والصارمة. مواقف يرى متابعون أنها تنم عن أحقاد دفينة لسياسة المملكة ضد سوريا.

لم يتوقّف دور الفيصل عند حدود التحريض الكلامي أو الحث على مقاطعة سوريا، بل كان عمله شبيهاً بعمل رجال الاستخبارات في سبيل شراء معارضين سوريين لا سيّما من العشائر، وتوفير الأموال والسلاح لهم. وهذا ما أكدته احدى برقيات "ويكيليكس" التي كشفت برقية من الفيصل إلى رئيس الديوان الملكي والسكرتير الخاص للملك السعودي في 26 نيسان 2012، يفيد فيها بأنّ "نائب وزير الخارجية استقبل السيد سالم عبد العزيز المسلط نجل شيخ شمل قبيلة الحبور عضو مجلس القبائل السورية"، موصياً بـ"مساعدة القبائل بشرط انضمامهم إلى المجلس الوطني". وبعد توصية الفيصل، "نجح" سالم المسلط في أن يكون عضواً في "الائتلاف" المعارض عند تشكيله في تشرين الثاني من عام 2012، ثم أصبح نائب رئيس الائتلاف، بحسب صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

عمل الفيصل شبيه بعمل رجال الاستخبارات

مآثر الرجّل أكثر من أن تُحصى. ففضلاً عن التآمر على سوريا والمساعدة على خرابها ودمارها، كان الفيصل أحد أكثر المعادين للجمهورية الاسلامية في ايران. فايران التي ساعدت ودعمت المقاومة الفلسطينية في وجه العدو الاسرائيلي ورفعت شعار التمسك بالقضية الفلسطينية شكّلت على مرّ الأعوام حرجاً لكثير من الأنظمة الرسمية المتخاذلة، وعلى رأسها السعودية. من هنا، عمل الرجل على تعميم ثقافة أن العدو هي ايران، وليس "اسرائيل". وكان من المروّجين لمزاعم أن ايران تحتل مناطق عربية واصفة اياها بـ"قوة احتلال"، متغاضياً عن الاحتلال الصهيوني للقدس وفلسطين على مر عقود.

ومع رحيل "عميد الدبلوماسية السعودية"، يواصل الاعلام السعودي ما اعتاد عليه من "تأليه" للراحلين دون أدنى محاكمة موضوعية لفترة حكمهم. وكما صنع هذا الاعلام من الملك السعودي عبد الله آل سعود "أسطورة" لا يُسمح لأي كان بالمساس بها (انتقد اعلامي سعودي فترة حكم الملك الراحل فبل فترة وجيزة، فتّم ايقاف البرنامج وتحويل مقدمه وضيفه الى التحقيق)، ها هو اليوم يمارس اللعبة عينها مع الفيصل. فترى العناوين التالية تجتاج تقارير قناة "العربية": صور ذكرى للراحل سعود الفيصل، سيناريو لآخر صورة إعلامية التقطت لسعود الفيصل، شاهد.. ابتسامة سعود الفيصل قبل رحيله، السعودية تنعى سعود الفيصل رجل السياسة والإنسانية.

قد تكون المبالغة في المدح والتهليل للمسؤولين صفة الاعلام الحكومي لا سيما في السعودية حيث الرأي الواحد والسلطة الكاملة على وسائل الاعلام، أمراً مألوفاً، لكن المضحك المبكي هي بيانات النعي الصادرة عن بعض اللبنانيين، الذين لولا شهرتهم الواسعة لظنّ القارئ أن كاتبيها هم مواطنون سعوديون أقحاح، موظفون في "الديوان الملكي السعودي"، فضلاً عن صحف لبنانية، وضعت نفسها في خدمة السياسة السعودية.

المضحك المبكي هي بيانات النعي الصادرة عن بعض اللبنانيين الذين لولا شهرتهم الواسعة لظنّ القارئ أن كاتبيها هم مواطنون سعوديون أقحاح

تتضمن البيانات عبارات على شاكلة "نطوي بغياب الامير سعود الفيصل تجربة عريقة من العمل السياسي والدبلوماسي شكلت علامة فارقة للحضور العربي في العلاقات الدولية"، "كانت حكمته ورصانته تجعلان الجميع ينتظر كلمته ليبني عليها الموقف"، "بغيابه يخسر العالم العربي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، كبيرًا من كبار السياسة الدولية في العالم وعملاقاً من عمالقة العرب الحكماء، بعيدي النظر والرؤية".

 

صحيفة "النهار" اللبنانية بدورها، تجد نفسها معنيّة في الخوض ضمن الجوقة، لأهداف ربّما تكشفها "ويكيليكس" جديدة في مستقبل الأيام. فتعنون ""فارس بويز وجان عبيد يستذكران الفيصل: "كان ابن من آمن بلبنان" و"جمال خاشقجي يروي لـ"النهار" أسراراً صغيرة عن سعود الفيصل".

لكن الرابح في مسابقة التزلف والتملّق للسعودية يبدو الكاتب اللبناني راجع الخوري الذي يكتب تحت عنوان "لك أجران يا سمو الأمير"، ما يلي "يصنع الفرسان التاريخ المضيء لكنهم لا يترجلون، يبقون منارة الحاضر والمستقبل، هكذا الأمير سعود الفيصل مالئ الدنيا وشاغل المحافل الدبلوماسية الدولية على امتداد أربعة عقود، يرتحل إلى جوار ربه لكنه يبقى مبحرًا كسارية خفّاقة ومضيئة في أعلى أشرعة الدبلوماسية.. يبقى مدرسة، لا، بل هرمًا من أهرامات الأصالة التي تمثل الوجه المشرق للعروبة والإسلام".

فكيف يمكن لكاتب عريق مثقّف أن يقنعنا بأن وزير خارجية دولة ما، مهما عَظُمَت، كبرت أو صغرت هذه الدولة، يمكن له أن يكون مالئ الدنيا، كيف ملأ الفيصل دنيانا هكذا دون أن نعلم؟

ويضيف الخوري في مقاله في صحيفة "الشرق الأوسط" إن الفيصل "صنع تاريخًا مجيدًا ليس للمملكة العربية السعودية وحدها ولا لقضايا الأمة العربية وحدها، بل للعالم وللعلاقات الدولية والتفاهم بين الشرق والغرب"، ويرى أن "العالم بدا من أقصاه إلى أقصاه مفجوعًا برحيل الأمير الذي كان فيصلاً يستل موقفه من الحلم ومن الحكمة". ليس هذا فحسب، يتابع الخوري في مقاله "الموضوعي المهني" إن "لبنان مفجوع برحيل الفيصل".

نعم، يريد الخوري أن نقبل بأن الفيصل صنع تاريخاً مجيداً! كيف يصنع وزير خارجية تاريخاً؟ وكيف يكون الرجل قد ترك آثاره النيرة في العالم كلّه حتى وصلت مآثره الى احدى أكثر القضايا الشائكة في عالمنا اليوم، وهي ببساطة، العلاقة بين الشرق والغرب.

كل ما سبق تسقط أهميته امام الفجيعة الكبرى التي رأى الكاتب فيها أنها عمّت "العالم من اقصاه الى أقصاه". رحمة بعقول الناس يا مثقفي وكتاب آل سعود!

هكذا ينهمك كتاب، سياسيون، واعلاميون في لعبة التعظيم لأمراء كان من الأجدى كتابة مقالات نقدية موضوعية تفنّد تاريخهم، بعيداً عن سياسة الاسترضاء والزحف على أبواب السلطان، سياسة عمل الفيصل في حياته طويلاً على تكريسها.

  • فريق ماسة
  • 2015-07-11
  • 11678
  • من الأرشيف

عن آخر مراحل الفيصل.. توتر وغضب ومذهبيّة

ورحل الرجل صاحب الولاية الأطول في وزارة الخارجية السعودية. سعود الفيصل، هندس طوال 40 عاماً السياسة الخارجية للمملكة. ومع رحيله، عبّد الرّجل الطريق أمام خلفه لمسالمة الكيان الاسرائيلي وعقد اتفاقات علنية معه، بعد تلك التي بقيت طي الكتمان. أربعون عاماً في وزارة الخارجية لم تُصقل قدرات الفيصل الذي وصفه عارفوه في بدء حياته المهنية بالهادئ والرصين، ليختمها بحسب ما يؤكد عارفوه أيضاً، بشخصية مذهبية دائمة التوتر وسريعة الغضب. حتّى أن أحد المطّلعين يروي أنه خلال إحدى لقاءات الفيصل بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، توجّه الأخير له بالقول "برأيي، إن الحل في سوريا يكون من خلال الرئيس الأسد". فتوتر الفيصل وظهرت عليه علامات الغضب الشديد، ووصلت به الأمور الى نيته قطع زيارته للقاهرة، قبل أن يعود السيسي ليعالج الأمور. يرجع أحد أصدقاء الفيصل وضعه المأزوم في ختام مسيرته الدبلوماسية وتعصّبه المذهبي الشديد، الى علاقته الوطيدة جداً مع صهره بندر بن سلطان. ويشير الى أنه تأثر بآرائه المتطرفة لكثرة التصاقه به. الفيصل الذي حقق آمال والده فيصل بن عبد العزيز بالعمل في وزارة الخارجية، سجّل سابقة في تاريخ وزراء خارجية العالم خلال مدّة بقائه فيها. ولعلّ العارف بنظام آل سعود وطريقة حكمهم للمملكة على مرّ العقود ونهب خيراتها والتّسلّط على شعبها، يُدرك جيّداً أن مَن يتولّى مسؤولية ما من السلالة الحاكمة، لا يمكن أن تزحزحه عنها زائحة حتّى موته، أو انتقاله الى أرفع منها. هلل الفيصل كثيراً لما يسمى الربيع العربي، وذهب في أحلامه بعيداً. يقول مواكبون لفترة بدايات المؤامرة على سوريا إن الفيصل كان حريصاً جدّاً رغم وضعه الصحي الصعب على حضور كل جلسات الجامعة العربية التي كانت تُعنى بمناقشة الوضع السوري. كما شكّل اضافة الى وزير الخارجية القطري آنذاك رأس حربة في صياغة القرارات ضد سوريا. كان الرجل صاحب الدور الأبرز في تأليب الدول العربية ضد دمشق، كما تميّز بمواقفه الشرسة والصارمة. مواقف يرى متابعون أنها تنم عن أحقاد دفينة لسياسة المملكة ضد سوريا. لم يتوقّف دور الفيصل عند حدود التحريض الكلامي أو الحث على مقاطعة سوريا، بل كان عمله شبيهاً بعمل رجال الاستخبارات في سبيل شراء معارضين سوريين لا سيّما من العشائر، وتوفير الأموال والسلاح لهم. وهذا ما أكدته احدى برقيات "ويكيليكس" التي كشفت برقية من الفيصل إلى رئيس الديوان الملكي والسكرتير الخاص للملك السعودي في 26 نيسان 2012، يفيد فيها بأنّ "نائب وزير الخارجية استقبل السيد سالم عبد العزيز المسلط نجل شيخ شمل قبيلة الحبور عضو مجلس القبائل السورية"، موصياً بـ"مساعدة القبائل بشرط انضمامهم إلى المجلس الوطني". وبعد توصية الفيصل، "نجح" سالم المسلط في أن يكون عضواً في "الائتلاف" المعارض عند تشكيله في تشرين الثاني من عام 2012، ثم أصبح نائب رئيس الائتلاف، بحسب صحيفة "الأخبار" اللبنانية. عمل الفيصل شبيه بعمل رجال الاستخبارات مآثر الرجّل أكثر من أن تُحصى. ففضلاً عن التآمر على سوريا والمساعدة على خرابها ودمارها، كان الفيصل أحد أكثر المعادين للجمهورية الاسلامية في ايران. فايران التي ساعدت ودعمت المقاومة الفلسطينية في وجه العدو الاسرائيلي ورفعت شعار التمسك بالقضية الفلسطينية شكّلت على مرّ الأعوام حرجاً لكثير من الأنظمة الرسمية المتخاذلة، وعلى رأسها السعودية. من هنا، عمل الرجل على تعميم ثقافة أن العدو هي ايران، وليس "اسرائيل". وكان من المروّجين لمزاعم أن ايران تحتل مناطق عربية واصفة اياها بـ"قوة احتلال"، متغاضياً عن الاحتلال الصهيوني للقدس وفلسطين على مر عقود. ومع رحيل "عميد الدبلوماسية السعودية"، يواصل الاعلام السعودي ما اعتاد عليه من "تأليه" للراحلين دون أدنى محاكمة موضوعية لفترة حكمهم. وكما صنع هذا الاعلام من الملك السعودي عبد الله آل سعود "أسطورة" لا يُسمح لأي كان بالمساس بها (انتقد اعلامي سعودي فترة حكم الملك الراحل فبل فترة وجيزة، فتّم ايقاف البرنامج وتحويل مقدمه وضيفه الى التحقيق)، ها هو اليوم يمارس اللعبة عينها مع الفيصل. فترى العناوين التالية تجتاج تقارير قناة "العربية": صور ذكرى للراحل سعود الفيصل، سيناريو لآخر صورة إعلامية التقطت لسعود الفيصل، شاهد.. ابتسامة سعود الفيصل قبل رحيله، السعودية تنعى سعود الفيصل رجل السياسة والإنسانية. قد تكون المبالغة في المدح والتهليل للمسؤولين صفة الاعلام الحكومي لا سيما في السعودية حيث الرأي الواحد والسلطة الكاملة على وسائل الاعلام، أمراً مألوفاً، لكن المضحك المبكي هي بيانات النعي الصادرة عن بعض اللبنانيين، الذين لولا شهرتهم الواسعة لظنّ القارئ أن كاتبيها هم مواطنون سعوديون أقحاح، موظفون في "الديوان الملكي السعودي"، فضلاً عن صحف لبنانية، وضعت نفسها في خدمة السياسة السعودية. المضحك المبكي هي بيانات النعي الصادرة عن بعض اللبنانيين الذين لولا شهرتهم الواسعة لظنّ القارئ أن كاتبيها هم مواطنون سعوديون أقحاح تتضمن البيانات عبارات على شاكلة "نطوي بغياب الامير سعود الفيصل تجربة عريقة من العمل السياسي والدبلوماسي شكلت علامة فارقة للحضور العربي في العلاقات الدولية"، "كانت حكمته ورصانته تجعلان الجميع ينتظر كلمته ليبني عليها الموقف"، "بغيابه يخسر العالم العربي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، كبيرًا من كبار السياسة الدولية في العالم وعملاقاً من عمالقة العرب الحكماء، بعيدي النظر والرؤية".   صحيفة "النهار" اللبنانية بدورها، تجد نفسها معنيّة في الخوض ضمن الجوقة، لأهداف ربّما تكشفها "ويكيليكس" جديدة في مستقبل الأيام. فتعنون ""فارس بويز وجان عبيد يستذكران الفيصل: "كان ابن من آمن بلبنان" و"جمال خاشقجي يروي لـ"النهار" أسراراً صغيرة عن سعود الفيصل". لكن الرابح في مسابقة التزلف والتملّق للسعودية يبدو الكاتب اللبناني راجع الخوري الذي يكتب تحت عنوان "لك أجران يا سمو الأمير"، ما يلي "يصنع الفرسان التاريخ المضيء لكنهم لا يترجلون، يبقون منارة الحاضر والمستقبل، هكذا الأمير سعود الفيصل مالئ الدنيا وشاغل المحافل الدبلوماسية الدولية على امتداد أربعة عقود، يرتحل إلى جوار ربه لكنه يبقى مبحرًا كسارية خفّاقة ومضيئة في أعلى أشرعة الدبلوماسية.. يبقى مدرسة، لا، بل هرمًا من أهرامات الأصالة التي تمثل الوجه المشرق للعروبة والإسلام". فكيف يمكن لكاتب عريق مثقّف أن يقنعنا بأن وزير خارجية دولة ما، مهما عَظُمَت، كبرت أو صغرت هذه الدولة، يمكن له أن يكون مالئ الدنيا، كيف ملأ الفيصل دنيانا هكذا دون أن نعلم؟ ويضيف الخوري في مقاله في صحيفة "الشرق الأوسط" إن الفيصل "صنع تاريخًا مجيدًا ليس للمملكة العربية السعودية وحدها ولا لقضايا الأمة العربية وحدها، بل للعالم وللعلاقات الدولية والتفاهم بين الشرق والغرب"، ويرى أن "العالم بدا من أقصاه إلى أقصاه مفجوعًا برحيل الأمير الذي كان فيصلاً يستل موقفه من الحلم ومن الحكمة". ليس هذا فحسب، يتابع الخوري في مقاله "الموضوعي المهني" إن "لبنان مفجوع برحيل الفيصل". نعم، يريد الخوري أن نقبل بأن الفيصل صنع تاريخاً مجيداً! كيف يصنع وزير خارجية تاريخاً؟ وكيف يكون الرجل قد ترك آثاره النيرة في العالم كلّه حتى وصلت مآثره الى احدى أكثر القضايا الشائكة في عالمنا اليوم، وهي ببساطة، العلاقة بين الشرق والغرب. كل ما سبق تسقط أهميته امام الفجيعة الكبرى التي رأى الكاتب فيها أنها عمّت "العالم من اقصاه الى أقصاه". رحمة بعقول الناس يا مثقفي وكتاب آل سعود! هكذا ينهمك كتاب، سياسيون، واعلاميون في لعبة التعظيم لأمراء كان من الأجدى كتابة مقالات نقدية موضوعية تفنّد تاريخهم، بعيداً عن سياسة الاسترضاء والزحف على أبواب السلطان، سياسة عمل الفيصل في حياته طويلاً على تكريسها.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة