يذكّر صوت الرصاص والقذائف في الزبداني بمعارك القصير. التشابه في المعركة يُضاف إلى تشابه في الأهمية الجغرافية، أي العسكرية. فهي مفتاح الاستقرار لريف دمشق الغربي والحدود اللبنانية.

 ومعها تنتهي آخر بؤر تجمّع مهزومي أرياف حمص والقلمون. في الزبداني، يخوض الجيش السوري والمقاومة اللبنانية حرباً ضروساً لتأمين «قَلعة» تصل جدارن حمايتها إلى عشرات الكيلومترات

العبور من طريق الشام عبر بلدة التِكيّة إلى داخل بلدة بلودان، الملاصقة والمطلّة على مدينة الزبداني في ريف دمشق الغربي تتساوى فيه فرص الحياة والموت. الحرب مستعرة كـ«جهنّم» على خطوط التماس، والمسافة الأخيرة من الطريق قبل بلودان جزء من محور الاشتباك. صوت السيارة المسرعة مخترقةً هواء سهل الزبداني، المكسو بأشجار الدراق والتفاح والكرز والتوت والبيوت القرميدية الجميلة، لا يكفي لطمس أصوات القذائف. يدوّي صوت الانفجار القريب في السهل فيبدو بعيداً، لكنّه في الحقيقة انفجار قذيفة الدبابة التي أصابت قبل نصف دقيقة، غرفة على بعد أمتارٍ من حاجز نبع «بقين».

 

ألسنة النار تنبعث من بقايا الحطام والحجارة التي تلاشت على المَسْرَبَين، تاركةً ممراً ضيقاً للسيارة السياحية. الخطر هنا لا يزال عادياً بالمقارنة مع الآتي. السائق ابن بلودان مطمئن، فالأربعيني يؤمن بأن الموت فوق الحذر، وأن قذيفة الهاون التي أصابت للتّو المبنى الواقع أسفل الطريق مباشرةً قدرها أن لا تصيب سيارته.

إنها المرحلة الفاصلة: كيلومتران ونصف الكيلومتر تقريباً من حاجز الجيش عند نبع الجرجانية، إلى حاجز القوس أول بلودان. السرعة الجنونية قد تكون سبباً آخر للموت غير قذائف الهاون والدبابات ورصاصات القنص التي تنفجر فوق الطريق وتحته، وتردّ عليها آليات الجيش وحزب الله. «الحمد لله على السلامة»، يهنئ الركّاب والسائق بعضهم بعضاً على مرور هذا الجزء من الرحلة «على خير».

 

السيطرة على الحدود

 

لا تنفصل استعادة الزبداني من قبضة مجموعات مسلّحة؛ أبرزها «حركة أحرار الشام» و«تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـــ جبهة النصرة» و«لواء القادسية» و«لواء أحرار الزبداني» عن سياق قرار الدولة السورية والمقاومة، بالسيطرة الكاملة على الحدود اللبنانية ــ السورية.

 

الهجوم على المدينة التي يتحصّن فيها حوالى ألف مسلّح، (القسم الأكبر منهم من أبنائها، فيما يشكّل «الغرباء» من حمص والقصير وبابا عمرو وبعض العرب واللبنانيين القسم الآخر)، يستكمل ما تمّ إنجازه في قرى القلمون وجروده، ويستبق ما سيتمّ العمل عليه تالياً في بلدات بيت جنّ وبيت سابر وبيت تيما على سفوح جبل الشيخ. وليس خافياً بحسب مصادر ميدانية أن «القوّة العسكرية المجمّعة الآن في معركة الزبداني، دورها يتعدّى السيطرة على المدينة، إلى السيطرة أيضاً على قرى السهل، مضايا (جنوب شرق الزبداني)، عين حور وسرغايا»، وكذلك «طرد المسلحين من جرود الزبداني الشرقية (الشقيف)» التي تشرف على السهل وعلى طريق بيروت ــ دمشق، وجزء من البقاع الأوسط اللبناني، وتلامس بلودان من الشرق.

 

المعركة هنا، تذكّر بمعارك القصير قبل سنتين، إذ تعتبر مدينة استراتيجية من ناحية قربها من الحدود اللبنانية ودمشق، والسيطرة عليها تعني تحييد منطقة كاملة عن الحرب.

في الشهرين الماضيين، عمل الجيش وحزب الله على السيطرة على الجرد الغربي للبلدة أو «جبل سنير» وقطع طرق الإمداد والاتصال مع جرود القلمون الغربية. وسبق العملية العسكرية التي انطلقت فجر السبت الماضي تنفيذ حصار مطبق على البلدة عبر السيطرة على تلال «قلعة الكوكو» و«قلعة التل»، وقطع سبلها إلى سرغايا، بالتزامن مع انتشار عسكري كثيف على السفوح الغربية لجبل «الشقيف»، يشارك فيه بشكل لافت مقاتلون من تشكيل «نسور الزوبعة» التابع للحزب السوري القومي الاجتماعي، بهدف منع المسلحين من الوصول من الزبداني وبلودان وإليهما.

 

بيد أن خسارة المسلحين للزبداني وما يتبعها من خسارة لقرى السهل، تنهي عملياً فكرة «الملاذ الآمن» التي درجت منذ ما بعد معركة القصير، للفارين من مسلحي القلمون وحمص وبعض قيادات «القاعدة» في لبنان كسراج الدين زريقات، بعد انتزاع آخر تجمّع عمراني كبير من أيديهم، على طول الحدود.

 

فضلاً عن إضعاف خط الاشتباك الممتد شرقاً من الزبداني إلى قرى هريرة وإفرة ومنين، وصولاً إلى مدينة التل شمال شرق دمشق الهادئة بفعل تسوية بين مسلحيها والدولة. كذلك تخسر الدول الداعمة للجماعات المسلحة ورقة الضغط على دمشق من ريفها الغربي الشمالي، وخطر فصل العاصمة عن المدى اللبناني.

 

حظر تجوال في بلودان

 

السيارات تكاد تكون معدومة على طرقات بلودان. المصيف الذي يغطي القرميد معظم بيوته و«فيلاته». غير أن الأهالي يصولون ويجولون سيراً على الأقدام في الزواريب وقرب عين الماء في الساحة، رغماً عن قرار منع التجوال خوفاً من قذائف الهاون ورصاص القنص. وأمام فرن الخبز، يتجمّع مئات المواطنين من أهالي بلودان ونازحي الزبداني بانتظار حصّتهم من القوت، بعد تشديد الحواجز إجراءاتها مع بدء المعركة، لضبط إدخال الخبز والمواد الأولية إلى بلودان ومحيطها، تحسّباً لوصولها إلى المسلحين. تتّصل أراضي بلودان وبيوتها بالزبداني إلى حدٍ كبير، وتاريخياً تشترك بلدات السهل بالإنتاج الزراعي وحركة الاصطياف وتشابه البيوت، والعلاقات التقليدية بين القرى المتجاورة، قبل أن تندلع الحرب وتنفرز الخيارات.

 

 

لا تنفصل استعادة الزبداني عن سياق القرار بالسيطرة الكاملة على الحدود المشتركة

 

حديث الأهالي هنا يطغى عليه الخوف من «خلايا نائمة»: «أهالي الزبداني أهلنا وإخوتنا، بس إيدنا على قلبنا من الخلايا»، يقول أحد أبناء البلدة لـ«الأخبار». يشير الشاب وزميله إلى أن أكثر من سبعة شبّان من أهالي بلودان تمّ قتلهم بالعبوات الناسفة التي «زرعتها الخلايا النائمة بس تفيق!». بالمناسبة، أبناء بلودان والزبداني لهجتهم شبيهة بأهل البقاع اللبناني، ويروي الشبّان كيف أن أهالي سوريا يختلط عليهم الأمر حين يقابلون «زبدانياً»، فيظنونه لبنانياً.

 

المعركة الحيّة و«آل مستو»

 

«وينو محمد زيتون؟ جايينكم جايينكم»، يفتح أحد المقاتلين في جهازه اللاسلكي على موجة تستعملها المجموعات المسلحة، ويبدأ الاستفزاز والتهديد وذكر قادة المسلحين بالاسم، فيردّ أحد المسلحين بالتهديد والوعيد. محمد زيتون هو أحد أبرز أسماء قادة المسلحين من أبناء البلدة، نداؤه على الجهاز بحسب أحد المقاتلين من عائلة مستو هو «77»، فيما ينال عبد الرحمن خريطة، وهو قائد بارز بدوره للمسلحين، النداء «150». عددٌ لا بأس به من أهالي الزبداني يقاتل في صفوف الفرقة الرابعة في الجيش و«نسور الزوبعة». أحدهم لا يتجاوز الـ 18 من عمره. معظم هؤلاء من أبناء عائلتي مستو ومرعي، الذين على مدى السنوات الماضية، تعرّضوا لاضطهاد كبير في المدينة من المسلحين على خلفية عدم مشاركتهم بالتحرّكات ضد الدولة، فكان خيار الرحيل بأقل الخسائر الممكنة هو الأفضل، بعد 6 ضحايا من آل مستو، قضوا تصفية واغتيالاً، بعد إحراق بيوتهم وسياراتهم.

على بعد أقل من 50 متراً من فيلّا في «حالَيّا ــ اللؤلؤة» تشكّل «استراحة مقاتل»، تقتحم مجموعات من المقاومة والفرقة الرابعة مشروعاً سكنياً في حي «الكِبري ـــ السلطانية». الاستتار خلف «دشمة» والنظر من «الطلاقيات» يسمح برؤية معركة عنيفة جدّاً كمقطع فيديو في فيلم «أكشن»، يستخدم فيها معظم صنوف الأسلحة من صواريخ «البركان»، إلى قذائف الهاون والدبابات والعبوات الناسفة، مع تحييد سلاح الجو بسبب التحام المتقاتلين. المسلحون هنا يستفيدون من السنوات الثلاث الماضية التي أمضوها في التحضير لمعركة «حياة أو موت».

 

مسرح المعركة المحضّر جيداً من الطرفين، لزِم من الجيش وحلفائه التحرك على أكثر من محور بوتيرة كبيرة. فهم تقدّموا، بداية الهجوم، من المحور الغربي بعد السيطرة على قلعتي التل والكوكو، إضافة إلى المحور الشرقي من دوار الشلاح وبلودان. وجنوباً، يواصلون قضم الكتل العمرانية في حيّ السلطاني، كما واصلوا التقدّم في اليومين الأخيرين في حي الزهرة في الشمال الغربي.

 

المقاومة أفشلت أمس محاولة التفاف للمسلحين على نقاطها في منطقة الجمعيات (تمت السيطرة عليها في اليوم الأول)، كما دمّرت مصنع ذخيرة ومشفى ميدانياً للمسلحين الذين يستفيدون من المستودعات الكبيرة الموجودة في الأبنية.

 

سيناريو حمص أم القصير؟

 

من المبكر الحديث عن أفق المعركة/ التسوية، في ظلّ الرصاص والقذائف. المفاوضات، رغم الأحاديث عن حلول يطلبها المسلحون برعاية الأمم المتحدة ورغبة الدولة السورية بتسليمهم كامل سلاحهم، «منقطعة نهائياً، ولا صوت الآن يعلو صوت المعركة»، بحسب مصادر أمنية سورية رفيعة المستوى. تقول المصادر إنه «ليس واضحاً الآن أفق الحلّ»، لكنّ «المفاوضات متوقفة منذ ما قبل المعركة»، و«المسألة مسألة وقت قبل أن ينحسم الوضع لصالح الجيش عسكرياً». هل هناك تصوّر للنهاية على غرار تسوية حمص أو القصير؟ يجيب المصدر: «هذا سابق لأوانه، الميدان يحسم كل شيء».

في طريق العودة، يزداد الخطر مع اشتداد المعارك، وتزداد سرعة السيارة لتجنّب القذائف التي كانت تتساقط على جانبي الطريق. هذه المرّة، سيهنّئ الخارجون أنفسهم بالنجاة بعد عبور حاجز «بقين». لكنّ السائق الذي يؤمن بالقدر، سينال حظّه في طريق عودته في اليوم التالي (أمس) إلى بيته وأهله. قذيفة أطلقها المسلحون حطّمت سيارته، وتركته جسداً ممزّقاً على سرير مستشفى في دمشق!

 

سنُهزَم... لكن نستنزفهم

 

تمكنت مجموعات المعارضة المسلّحة من نقل عدد من جرحاها إلى الداخل اللبناني، وتحديداً إلى بلدة مجدل عنجر عبر أحد المعابر غير الشرعية الذي لم يُغلق بعد. وخلال لقاء مع اثنين من جرحى «حركة أحرار الشام»، أحد أكبر الفصائل في منطقة الزبداني، سلّما بأن انهزام مسلحي المعارضة في جبال الزبداني مفروغ منه بسبب الفارق الكبير في موازين القوى لمصلحة حزب الله والجيش السوري. وأبلغ أحد الجريحين «الأخبار» قائلاً: «سننهزم في النهاية، إلا أننا نُنكّل فيهم ونكبدهم خسائر فادحة»، مشيراً إلى أن غاية المعركة الاستنزاف قدر الممكن.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-07-08
  • 13104
  • من الأرشيف

الزبداني = القصير 2 : معركة تحوّل في ريف دمشق

يذكّر صوت الرصاص والقذائف في الزبداني بمعارك القصير. التشابه في المعركة يُضاف إلى تشابه في الأهمية الجغرافية، أي العسكرية. فهي مفتاح الاستقرار لريف دمشق الغربي والحدود اللبنانية.  ومعها تنتهي آخر بؤر تجمّع مهزومي أرياف حمص والقلمون. في الزبداني، يخوض الجيش السوري والمقاومة اللبنانية حرباً ضروساً لتأمين «قَلعة» تصل جدارن حمايتها إلى عشرات الكيلومترات العبور من طريق الشام عبر بلدة التِكيّة إلى داخل بلدة بلودان، الملاصقة والمطلّة على مدينة الزبداني في ريف دمشق الغربي تتساوى فيه فرص الحياة والموت. الحرب مستعرة كـ«جهنّم» على خطوط التماس، والمسافة الأخيرة من الطريق قبل بلودان جزء من محور الاشتباك. صوت السيارة المسرعة مخترقةً هواء سهل الزبداني، المكسو بأشجار الدراق والتفاح والكرز والتوت والبيوت القرميدية الجميلة، لا يكفي لطمس أصوات القذائف. يدوّي صوت الانفجار القريب في السهل فيبدو بعيداً، لكنّه في الحقيقة انفجار قذيفة الدبابة التي أصابت قبل نصف دقيقة، غرفة على بعد أمتارٍ من حاجز نبع «بقين».   ألسنة النار تنبعث من بقايا الحطام والحجارة التي تلاشت على المَسْرَبَين، تاركةً ممراً ضيقاً للسيارة السياحية. الخطر هنا لا يزال عادياً بالمقارنة مع الآتي. السائق ابن بلودان مطمئن، فالأربعيني يؤمن بأن الموت فوق الحذر، وأن قذيفة الهاون التي أصابت للتّو المبنى الواقع أسفل الطريق مباشرةً قدرها أن لا تصيب سيارته. إنها المرحلة الفاصلة: كيلومتران ونصف الكيلومتر تقريباً من حاجز الجيش عند نبع الجرجانية، إلى حاجز القوس أول بلودان. السرعة الجنونية قد تكون سبباً آخر للموت غير قذائف الهاون والدبابات ورصاصات القنص التي تنفجر فوق الطريق وتحته، وتردّ عليها آليات الجيش وحزب الله. «الحمد لله على السلامة»، يهنئ الركّاب والسائق بعضهم بعضاً على مرور هذا الجزء من الرحلة «على خير».   السيطرة على الحدود   لا تنفصل استعادة الزبداني من قبضة مجموعات مسلّحة؛ أبرزها «حركة أحرار الشام» و«تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـــ جبهة النصرة» و«لواء القادسية» و«لواء أحرار الزبداني» عن سياق قرار الدولة السورية والمقاومة، بالسيطرة الكاملة على الحدود اللبنانية ــ السورية.   الهجوم على المدينة التي يتحصّن فيها حوالى ألف مسلّح، (القسم الأكبر منهم من أبنائها، فيما يشكّل «الغرباء» من حمص والقصير وبابا عمرو وبعض العرب واللبنانيين القسم الآخر)، يستكمل ما تمّ إنجازه في قرى القلمون وجروده، ويستبق ما سيتمّ العمل عليه تالياً في بلدات بيت جنّ وبيت سابر وبيت تيما على سفوح جبل الشيخ. وليس خافياً بحسب مصادر ميدانية أن «القوّة العسكرية المجمّعة الآن في معركة الزبداني، دورها يتعدّى السيطرة على المدينة، إلى السيطرة أيضاً على قرى السهل، مضايا (جنوب شرق الزبداني)، عين حور وسرغايا»، وكذلك «طرد المسلحين من جرود الزبداني الشرقية (الشقيف)» التي تشرف على السهل وعلى طريق بيروت ــ دمشق، وجزء من البقاع الأوسط اللبناني، وتلامس بلودان من الشرق.   المعركة هنا، تذكّر بمعارك القصير قبل سنتين، إذ تعتبر مدينة استراتيجية من ناحية قربها من الحدود اللبنانية ودمشق، والسيطرة عليها تعني تحييد منطقة كاملة عن الحرب. في الشهرين الماضيين، عمل الجيش وحزب الله على السيطرة على الجرد الغربي للبلدة أو «جبل سنير» وقطع طرق الإمداد والاتصال مع جرود القلمون الغربية. وسبق العملية العسكرية التي انطلقت فجر السبت الماضي تنفيذ حصار مطبق على البلدة عبر السيطرة على تلال «قلعة الكوكو» و«قلعة التل»، وقطع سبلها إلى سرغايا، بالتزامن مع انتشار عسكري كثيف على السفوح الغربية لجبل «الشقيف»، يشارك فيه بشكل لافت مقاتلون من تشكيل «نسور الزوبعة» التابع للحزب السوري القومي الاجتماعي، بهدف منع المسلحين من الوصول من الزبداني وبلودان وإليهما.   بيد أن خسارة المسلحين للزبداني وما يتبعها من خسارة لقرى السهل، تنهي عملياً فكرة «الملاذ الآمن» التي درجت منذ ما بعد معركة القصير، للفارين من مسلحي القلمون وحمص وبعض قيادات «القاعدة» في لبنان كسراج الدين زريقات، بعد انتزاع آخر تجمّع عمراني كبير من أيديهم، على طول الحدود.   فضلاً عن إضعاف خط الاشتباك الممتد شرقاً من الزبداني إلى قرى هريرة وإفرة ومنين، وصولاً إلى مدينة التل شمال شرق دمشق الهادئة بفعل تسوية بين مسلحيها والدولة. كذلك تخسر الدول الداعمة للجماعات المسلحة ورقة الضغط على دمشق من ريفها الغربي الشمالي، وخطر فصل العاصمة عن المدى اللبناني.   حظر تجوال في بلودان   السيارات تكاد تكون معدومة على طرقات بلودان. المصيف الذي يغطي القرميد معظم بيوته و«فيلاته». غير أن الأهالي يصولون ويجولون سيراً على الأقدام في الزواريب وقرب عين الماء في الساحة، رغماً عن قرار منع التجوال خوفاً من قذائف الهاون ورصاص القنص. وأمام فرن الخبز، يتجمّع مئات المواطنين من أهالي بلودان ونازحي الزبداني بانتظار حصّتهم من القوت، بعد تشديد الحواجز إجراءاتها مع بدء المعركة، لضبط إدخال الخبز والمواد الأولية إلى بلودان ومحيطها، تحسّباً لوصولها إلى المسلحين. تتّصل أراضي بلودان وبيوتها بالزبداني إلى حدٍ كبير، وتاريخياً تشترك بلدات السهل بالإنتاج الزراعي وحركة الاصطياف وتشابه البيوت، والعلاقات التقليدية بين القرى المتجاورة، قبل أن تندلع الحرب وتنفرز الخيارات.     لا تنفصل استعادة الزبداني عن سياق القرار بالسيطرة الكاملة على الحدود المشتركة   حديث الأهالي هنا يطغى عليه الخوف من «خلايا نائمة»: «أهالي الزبداني أهلنا وإخوتنا، بس إيدنا على قلبنا من الخلايا»، يقول أحد أبناء البلدة لـ«الأخبار». يشير الشاب وزميله إلى أن أكثر من سبعة شبّان من أهالي بلودان تمّ قتلهم بالعبوات الناسفة التي «زرعتها الخلايا النائمة بس تفيق!». بالمناسبة، أبناء بلودان والزبداني لهجتهم شبيهة بأهل البقاع اللبناني، ويروي الشبّان كيف أن أهالي سوريا يختلط عليهم الأمر حين يقابلون «زبدانياً»، فيظنونه لبنانياً.   المعركة الحيّة و«آل مستو»   «وينو محمد زيتون؟ جايينكم جايينكم»، يفتح أحد المقاتلين في جهازه اللاسلكي على موجة تستعملها المجموعات المسلحة، ويبدأ الاستفزاز والتهديد وذكر قادة المسلحين بالاسم، فيردّ أحد المسلحين بالتهديد والوعيد. محمد زيتون هو أحد أبرز أسماء قادة المسلحين من أبناء البلدة، نداؤه على الجهاز بحسب أحد المقاتلين من عائلة مستو هو «77»، فيما ينال عبد الرحمن خريطة، وهو قائد بارز بدوره للمسلحين، النداء «150». عددٌ لا بأس به من أهالي الزبداني يقاتل في صفوف الفرقة الرابعة في الجيش و«نسور الزوبعة». أحدهم لا يتجاوز الـ 18 من عمره. معظم هؤلاء من أبناء عائلتي مستو ومرعي، الذين على مدى السنوات الماضية، تعرّضوا لاضطهاد كبير في المدينة من المسلحين على خلفية عدم مشاركتهم بالتحرّكات ضد الدولة، فكان خيار الرحيل بأقل الخسائر الممكنة هو الأفضل، بعد 6 ضحايا من آل مستو، قضوا تصفية واغتيالاً، بعد إحراق بيوتهم وسياراتهم. على بعد أقل من 50 متراً من فيلّا في «حالَيّا ــ اللؤلؤة» تشكّل «استراحة مقاتل»، تقتحم مجموعات من المقاومة والفرقة الرابعة مشروعاً سكنياً في حي «الكِبري ـــ السلطانية». الاستتار خلف «دشمة» والنظر من «الطلاقيات» يسمح برؤية معركة عنيفة جدّاً كمقطع فيديو في فيلم «أكشن»، يستخدم فيها معظم صنوف الأسلحة من صواريخ «البركان»، إلى قذائف الهاون والدبابات والعبوات الناسفة، مع تحييد سلاح الجو بسبب التحام المتقاتلين. المسلحون هنا يستفيدون من السنوات الثلاث الماضية التي أمضوها في التحضير لمعركة «حياة أو موت».   مسرح المعركة المحضّر جيداً من الطرفين، لزِم من الجيش وحلفائه التحرك على أكثر من محور بوتيرة كبيرة. فهم تقدّموا، بداية الهجوم، من المحور الغربي بعد السيطرة على قلعتي التل والكوكو، إضافة إلى المحور الشرقي من دوار الشلاح وبلودان. وجنوباً، يواصلون قضم الكتل العمرانية في حيّ السلطاني، كما واصلوا التقدّم في اليومين الأخيرين في حي الزهرة في الشمال الغربي.   المقاومة أفشلت أمس محاولة التفاف للمسلحين على نقاطها في منطقة الجمعيات (تمت السيطرة عليها في اليوم الأول)، كما دمّرت مصنع ذخيرة ومشفى ميدانياً للمسلحين الذين يستفيدون من المستودعات الكبيرة الموجودة في الأبنية.   سيناريو حمص أم القصير؟   من المبكر الحديث عن أفق المعركة/ التسوية، في ظلّ الرصاص والقذائف. المفاوضات، رغم الأحاديث عن حلول يطلبها المسلحون برعاية الأمم المتحدة ورغبة الدولة السورية بتسليمهم كامل سلاحهم، «منقطعة نهائياً، ولا صوت الآن يعلو صوت المعركة»، بحسب مصادر أمنية سورية رفيعة المستوى. تقول المصادر إنه «ليس واضحاً الآن أفق الحلّ»، لكنّ «المفاوضات متوقفة منذ ما قبل المعركة»، و«المسألة مسألة وقت قبل أن ينحسم الوضع لصالح الجيش عسكرياً». هل هناك تصوّر للنهاية على غرار تسوية حمص أو القصير؟ يجيب المصدر: «هذا سابق لأوانه، الميدان يحسم كل شيء». في طريق العودة، يزداد الخطر مع اشتداد المعارك، وتزداد سرعة السيارة لتجنّب القذائف التي كانت تتساقط على جانبي الطريق. هذه المرّة، سيهنّئ الخارجون أنفسهم بالنجاة بعد عبور حاجز «بقين». لكنّ السائق الذي يؤمن بالقدر، سينال حظّه في طريق عودته في اليوم التالي (أمس) إلى بيته وأهله. قذيفة أطلقها المسلحون حطّمت سيارته، وتركته جسداً ممزّقاً على سرير مستشفى في دمشق!   سنُهزَم... لكن نستنزفهم   تمكنت مجموعات المعارضة المسلّحة من نقل عدد من جرحاها إلى الداخل اللبناني، وتحديداً إلى بلدة مجدل عنجر عبر أحد المعابر غير الشرعية الذي لم يُغلق بعد. وخلال لقاء مع اثنين من جرحى «حركة أحرار الشام»، أحد أكبر الفصائل في منطقة الزبداني، سلّما بأن انهزام مسلحي المعارضة في جبال الزبداني مفروغ منه بسبب الفارق الكبير في موازين القوى لمصلحة حزب الله والجيش السوري. وأبلغ أحد الجريحين «الأخبار» قائلاً: «سننهزم في النهاية، إلا أننا نُنكّل فيهم ونكبدهم خسائر فادحة»، مشيراً إلى أن غاية المعركة الاستنزاف قدر الممكن.  

المصدر : فراس الشوفي, إيلي حنا -الزبداني - الاخبار |


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة