على قاعدة أنا الغريق فما خوفي من البلل، يتصرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه سوريا. يحشد على الحدود الجنوبية ويهدد بدخول الشمال السوري، ويتسابق مع الوقت الضائع قبل تشكيل الحكومة الجديدة.

ويضغط أردوغان على الجيش لتنفيذ تعليماته بالدخول إلى سوريا وإقامة منطقة عازلة وآمنة، ذلك أن اردوغان أمام مواجهة الحقيقة المرة، وهو انه بعد تشكيل حكومة إئتلافية لن يكون أمامه أي فرصة ليتفرد بالقرار. لذا يسعى لاقتناص الفرصة حتى ذلك الحين، مقحما تركيا في سيناريوهات ومغامرات متعددة الأهداف.

ما هي الذرائع التي تدفع أردوغان إلى التحشيد والتهديد؟

1- العامل الكردي: ليس جديدا أن الهاجس الكردي عقدة الأتراك، سواء في شمال العراق أو في شمال سوريا، أو في داخلها. لكن التجربة العراقية عكست فشل الأتراك في الثبات على الخطوط الحمر التي يرسمونها لأنفسهم، ويريدون لغيرهم أن يلتزم بها. وهي خطوط حمر داخل الدول الأخرى، وتعتبر تدخلا في شأنهم الداخلي.

وبعد أن عارضت أنقرة الفدرالية في العراق انقلبت على خطها الأحمر هذا وعادت لتقيم أفضل العلاقات مع أربيل لا مع بغداد. واليوم يعلو الهيجان محذراً ومنذراً من تقدم قوات الحماية الكردية الموالية إلى «حزب العمال الكردستاني» في شمال سوريا.

وبعد الموقف الشهير لأردوغان في عين العرب (كوباني) السورية، والتبشير بقرب سقوطها فها هو يعلن، بعد سقوط تل أبيض، أن الأكراد أكثر تهديدا لتركيا من «داعش». لقد نجح الأكراد في وصل المناطق التي يسيطرون عليها جغرافيا بعد معركة تل أبيض، وبات الشريط الممتد من الحدود العراقية إلى عين العرب بالكامل تحت سيطرة الأكراد، وطوله ربما يقارب نصف الحدود مع تركيا. ويبقى للأكراد كانتون عفرين إلى أقصى الغرب على الحدود مع لواء الاسكندرون.

ويتخوف الأتراك من سعي الأكراد للسيطرة على المنطقة من عين العرب الى عفرين، وطولها حوالي المئة كيلومتر، ويرون انه إذا حصل ذلك يعني قطع التواصل التركي كلية عن الفضاء العربي. بل يخشون أن يتمكن الأكراد من السيطرة على المنطقة المجاورة للإسكندرون وصولا إلى ساحل البحر المتوسط. لذلك فإن الحركة التركية في احد جوانبها المعلنة تهدف إلى الدخول إلى المنطقة الممتدة من جرابلس إلى حدود عفرين، وإقامة حزام امني هناك بطول مئة كيلومتر وبعمق حوالي 33 كيلومتراً، يمنع استكمال الشريط الكردي. وقد رسم مجلس الأمن القومي في اجتماعه الأخير هذا العامل خطاً احمر.

2- تقدم «داعش»: وفقا للصحافة الموالية لـ «حزب العدالة والتنمية» فإن تركيا تخشى من أن يتمدد تنظيم «داعش»، الذي يسيطر على جزء من المنطقة بين عين العرب وعفرين الى بقية هذه المنطقة فيسيطر على المنطقة الصغيرة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة الأخرى التي تدعمها تركيا مباشرة، مثل «جيش الفتح» و «جبهة النصرة» وغيرهما، وهو ما ينزع من يد أنقرة ورقة مهمة في دعم المعارضة.

وتخشى تركيا في هذه الحال أن تغلق بوابتا العبور الوحيدتان لها الآن إلى قوات المعارضة والى التركمان، وهما تشوبان بك وقرقميش، فينقطع كذلك خط التجارة الوحيد مع الجنوب. بطبيعة الحال إن بقاء المنطقة الفاصلة بين عين العرب وبين عفرين على ما هي عليه الآن، أي مناصفة بين «داعش» وجماعات تركيا المباشرين لا يقلق أنقرة ويخدم مصالحها.

3- الأسد أولاً وأخيراً: إن التحذير والتحشيد والتهديد التركي له بعد آخر لا يقل أهمية عن العامل الكردي، بل ربما، في العمق، يفوقه. يتخوف رجب طيب أردوغان من تمدد الأكراد إلى المنطقة من كوباني إلى عفرين، ويتخوف من أن يسيطر «داعش» على المنطقة التي فيها «الجيش الحر» و «الفتح» و «النصرة»، فتصبح المنطقة بكاملها بيد «داعش». وفي الحالتين ينقطع طريق الإمداد الرئيسي للمعارضة من تركيا. وهذا الطريق يمتد من الحدود التركية مرورا بأعزاز وصولا الى حلب، وهي بيت القصيد.

لكن حتى لو لم تحدث تطورات ميدانية تفضي إلى سيطرة الأكراد أو «داعش» على خط كوباني- عفرين، فإن أردوغان تحديداً يسعى إلى استغلال الوقت الضائع الحالي قبل تشكيل حكومة ائتلافية، مستشعرا أن الفرصة قائمة للدخول في مغامرة لم يستطع أن يترجمها خلال الأربع سنوات الماضية، ويريد الآن أن يحققها، ألا وهي إلحاق ضربة كبيرة بالنظام في سوريا تفضي إلى انهياره ,واسقاط  الرئيس السوري أما كيفية توجيه هذه الضربة فمن خلال دخول الجيش التركي إلى تلك المنطقة التي يستهدفها من عين العرب  كوباني إلى عفرين بدباباته ومدافعه وطائراته. وهو ما سيوفر دعماً مباشراً لمسلحي المعارضة ومحاولة الهجوم على حلب والسيطرة عليها، وإحداث تغيير نوعي في الميدان العسكري، بحيث يفتح هذا على انهيار معاقل النظام مدينة تلو أخرى.

ولفت هنا أن مجلس الأمن القومي التركي، في اجتماعه الأخير الاثنين الماضي، قد رسم خطاً احمر ثانياً لإقامة منطقة عازلة وآمنة ودخول الجيش التركي إلى هناك، وهو قيام النظام السوري بمهاجمة المعارضة في أدلب وحصول موجة نزوح كبيرة!. وهو سبب لا يمكن أن يعتبر ذريعة للتدخل، ويحصل منذ بدء الأزمة، ولماذا موجة نزوح جديدة ستكون سببا للتدخل ولم تكن موجات نزوح بلغت المليونين ذريعة من قبل؟. لكنه التعطش المزمن لإشباع الرغبة الأكبر لدى اردوغان منذ بدء الأزمة في سوريا، وهي الإطاحة بالأسد، ليعوض عن كل الإخفاقات التي واجهها حتى الآن. وتحت ذريعة الأكراد أو «داعش» (حليفه في الأساس) يجب ألا يغيب عن الأذهان والحسابات هذا الهدف في إسقاط حلب والنظام السوري، ويجب أن يؤخذ ذلك بكل جدية في ظل إحساس أردوغان أنها الفرصة الأخيرة له قبل تبدل موازين القوى في الداخل التركي واستعداده للدخول في مغامرات على قاعدة «ومن بعدي الطوفان».

4- انتخابات مبكرة: أما الهدف الرابع من وراء هذا التحشيد والتهديد فهو أن أردوغان الآن بمثابة الأسد الجريح داخل قفص، بعدما تلقى هزيمة قاصمة في دفن الانتخابات لأحلامه في إقامة نظام رئاسي.

لكن أردوغان يمكن أن يقبل بوضع كالوضع الحالي، أي أن يكون الحاكم بأمره بقوة الأمر الواقع، في ظل وجود رئيس حكومة تابع له وينفذ تعليماته. لكن هذا متعذر في ظل افتقاد «حزب العدالة والتنمية» للغالبية المطلقة في البرلمان. وهنا يخطط أردوغان للذهاب إلى انتخابات مبكرة، سواء في ظل إفشال احمد داود اوغلو في تشكيل حكومة جديدة أو في ظل حكومة ائتلافية لن تعمر طويلاً. ويراهن أردوغان على إمكانية استعادة نقطتين أو ثلاث نقاط خسرها في الانتخابات ستكون كافية ليحصل الغالبية المطلقة من جديد. وليس أفضل من مغامرة عسكرية في سوريا يستعيد من خلالها بعض الشعبية.

لكن هل الطريق مفتوحة بهذه السهولة أمام أردوغان لينفذ هذه المغامرة، بمعزل عن الذريعة التي سيعلنها للغزو؟

أولاً، يجب القول إن هذه المغامرة دونها حتى الآن موقف رئيس الأركان الحالي نجدت اوزيل، الذي أعرب عن معارضته لهذه العملية العسكرية. وأعلن عبر الصحافة بطريقة غير مباشرة عن أن إقامة منطقة عازلة أو أمنية تواجه مخاطر كثيرة، منها قيام عمليات عسكرية من قبل مجموعات مسلحة كثيرة ضد القوات التركية، ومنها مخاطر انتقال التوتر إلى الداخل التركي. ويقول اوزيل إن الأخذ بالاعتبار المواقف الإقليمية والدولية ضروري. روسيا وإيران تعارضان والنظام سيعتبره عدواناً خارج أي قرار لمجلس الأمن الدولي. كذلك فإن الولايات المتحدة تعارض إقامة هذه المنطقة العازلة. وبالفعل عبرت واشنطن على لسان أكثر من مسؤول أنها لا ترى أي مبرر لإقامة منطقة عازلة.

وفي الواقع، إن الولايات المتحدة إذا كانت جادة في إقامة شريط كردي في شمال سوريا، فإنها لن توافق على أن تدخل تركيا إلى سوريا. وفي حال لم يذعن أردوغان للرغبة الأميركية فإنه سيكون أمام مواجهة صعبة مع واشنطن.

أيضا فإن روسيا وإيران لن تسمحا بأن ينتهك أردوغان السيادة السورية، حتى لا يتحول ذلك إلى سابقة تحذوها دول أخرى، وبالتالي فإنهم سيدفّعون أردوغان ثمناً باهظاً لأي مغامرة بهذا الشأن. ومن أي زاوية نظرنا فإنه لا تتوفر أي ظروف داخلية أو إقليمية أو دولية يمكن أن تسهّل لأردوغان ارتكاب حماقة في سوريا. لكنه في حال «ركب رأسه» كما يقال فإن الثمن الذي سيدفعه من جراء ذلك أثقل بكثير من أي خيار آخر. وليجرّب ذلك!.

  • فريق ماسة
  • 2015-07-03
  • 12661
  • من الأرشيف

أردوغان: أنا الغريق فما خوفي من البلل: «الأسد أولاً وأخيراً»!

على قاعدة أنا الغريق فما خوفي من البلل، يتصرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه سوريا. يحشد على الحدود الجنوبية ويهدد بدخول الشمال السوري، ويتسابق مع الوقت الضائع قبل تشكيل الحكومة الجديدة. ويضغط أردوغان على الجيش لتنفيذ تعليماته بالدخول إلى سوريا وإقامة منطقة عازلة وآمنة، ذلك أن اردوغان أمام مواجهة الحقيقة المرة، وهو انه بعد تشكيل حكومة إئتلافية لن يكون أمامه أي فرصة ليتفرد بالقرار. لذا يسعى لاقتناص الفرصة حتى ذلك الحين، مقحما تركيا في سيناريوهات ومغامرات متعددة الأهداف. ما هي الذرائع التي تدفع أردوغان إلى التحشيد والتهديد؟ 1- العامل الكردي: ليس جديدا أن الهاجس الكردي عقدة الأتراك، سواء في شمال العراق أو في شمال سوريا، أو في داخلها. لكن التجربة العراقية عكست فشل الأتراك في الثبات على الخطوط الحمر التي يرسمونها لأنفسهم، ويريدون لغيرهم أن يلتزم بها. وهي خطوط حمر داخل الدول الأخرى، وتعتبر تدخلا في شأنهم الداخلي. وبعد أن عارضت أنقرة الفدرالية في العراق انقلبت على خطها الأحمر هذا وعادت لتقيم أفضل العلاقات مع أربيل لا مع بغداد. واليوم يعلو الهيجان محذراً ومنذراً من تقدم قوات الحماية الكردية الموالية إلى «حزب العمال الكردستاني» في شمال سوريا. وبعد الموقف الشهير لأردوغان في عين العرب (كوباني) السورية، والتبشير بقرب سقوطها فها هو يعلن، بعد سقوط تل أبيض، أن الأكراد أكثر تهديدا لتركيا من «داعش». لقد نجح الأكراد في وصل المناطق التي يسيطرون عليها جغرافيا بعد معركة تل أبيض، وبات الشريط الممتد من الحدود العراقية إلى عين العرب بالكامل تحت سيطرة الأكراد، وطوله ربما يقارب نصف الحدود مع تركيا. ويبقى للأكراد كانتون عفرين إلى أقصى الغرب على الحدود مع لواء الاسكندرون. ويتخوف الأتراك من سعي الأكراد للسيطرة على المنطقة من عين العرب الى عفرين، وطولها حوالي المئة كيلومتر، ويرون انه إذا حصل ذلك يعني قطع التواصل التركي كلية عن الفضاء العربي. بل يخشون أن يتمكن الأكراد من السيطرة على المنطقة المجاورة للإسكندرون وصولا إلى ساحل البحر المتوسط. لذلك فإن الحركة التركية في احد جوانبها المعلنة تهدف إلى الدخول إلى المنطقة الممتدة من جرابلس إلى حدود عفرين، وإقامة حزام امني هناك بطول مئة كيلومتر وبعمق حوالي 33 كيلومتراً، يمنع استكمال الشريط الكردي. وقد رسم مجلس الأمن القومي في اجتماعه الأخير هذا العامل خطاً احمر. 2- تقدم «داعش»: وفقا للصحافة الموالية لـ «حزب العدالة والتنمية» فإن تركيا تخشى من أن يتمدد تنظيم «داعش»، الذي يسيطر على جزء من المنطقة بين عين العرب وعفرين الى بقية هذه المنطقة فيسيطر على المنطقة الصغيرة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة الأخرى التي تدعمها تركيا مباشرة، مثل «جيش الفتح» و «جبهة النصرة» وغيرهما، وهو ما ينزع من يد أنقرة ورقة مهمة في دعم المعارضة. وتخشى تركيا في هذه الحال أن تغلق بوابتا العبور الوحيدتان لها الآن إلى قوات المعارضة والى التركمان، وهما تشوبان بك وقرقميش، فينقطع كذلك خط التجارة الوحيد مع الجنوب. بطبيعة الحال إن بقاء المنطقة الفاصلة بين عين العرب وبين عفرين على ما هي عليه الآن، أي مناصفة بين «داعش» وجماعات تركيا المباشرين لا يقلق أنقرة ويخدم مصالحها. 3- الأسد أولاً وأخيراً: إن التحذير والتحشيد والتهديد التركي له بعد آخر لا يقل أهمية عن العامل الكردي، بل ربما، في العمق، يفوقه. يتخوف رجب طيب أردوغان من تمدد الأكراد إلى المنطقة من كوباني إلى عفرين، ويتخوف من أن يسيطر «داعش» على المنطقة التي فيها «الجيش الحر» و «الفتح» و «النصرة»، فتصبح المنطقة بكاملها بيد «داعش». وفي الحالتين ينقطع طريق الإمداد الرئيسي للمعارضة من تركيا. وهذا الطريق يمتد من الحدود التركية مرورا بأعزاز وصولا الى حلب، وهي بيت القصيد. لكن حتى لو لم تحدث تطورات ميدانية تفضي إلى سيطرة الأكراد أو «داعش» على خط كوباني- عفرين، فإن أردوغان تحديداً يسعى إلى استغلال الوقت الضائع الحالي قبل تشكيل حكومة ائتلافية، مستشعرا أن الفرصة قائمة للدخول في مغامرة لم يستطع أن يترجمها خلال الأربع سنوات الماضية، ويريد الآن أن يحققها، ألا وهي إلحاق ضربة كبيرة بالنظام في سوريا تفضي إلى انهياره ,واسقاط  الرئيس السوري أما كيفية توجيه هذه الضربة فمن خلال دخول الجيش التركي إلى تلك المنطقة التي يستهدفها من عين العرب  كوباني إلى عفرين بدباباته ومدافعه وطائراته. وهو ما سيوفر دعماً مباشراً لمسلحي المعارضة ومحاولة الهجوم على حلب والسيطرة عليها، وإحداث تغيير نوعي في الميدان العسكري، بحيث يفتح هذا على انهيار معاقل النظام مدينة تلو أخرى. ولفت هنا أن مجلس الأمن القومي التركي، في اجتماعه الأخير الاثنين الماضي، قد رسم خطاً احمر ثانياً لإقامة منطقة عازلة وآمنة ودخول الجيش التركي إلى هناك، وهو قيام النظام السوري بمهاجمة المعارضة في أدلب وحصول موجة نزوح كبيرة!. وهو سبب لا يمكن أن يعتبر ذريعة للتدخل، ويحصل منذ بدء الأزمة، ولماذا موجة نزوح جديدة ستكون سببا للتدخل ولم تكن موجات نزوح بلغت المليونين ذريعة من قبل؟. لكنه التعطش المزمن لإشباع الرغبة الأكبر لدى اردوغان منذ بدء الأزمة في سوريا، وهي الإطاحة بالأسد، ليعوض عن كل الإخفاقات التي واجهها حتى الآن. وتحت ذريعة الأكراد أو «داعش» (حليفه في الأساس) يجب ألا يغيب عن الأذهان والحسابات هذا الهدف في إسقاط حلب والنظام السوري، ويجب أن يؤخذ ذلك بكل جدية في ظل إحساس أردوغان أنها الفرصة الأخيرة له قبل تبدل موازين القوى في الداخل التركي واستعداده للدخول في مغامرات على قاعدة «ومن بعدي الطوفان». 4- انتخابات مبكرة: أما الهدف الرابع من وراء هذا التحشيد والتهديد فهو أن أردوغان الآن بمثابة الأسد الجريح داخل قفص، بعدما تلقى هزيمة قاصمة في دفن الانتخابات لأحلامه في إقامة نظام رئاسي. لكن أردوغان يمكن أن يقبل بوضع كالوضع الحالي، أي أن يكون الحاكم بأمره بقوة الأمر الواقع، في ظل وجود رئيس حكومة تابع له وينفذ تعليماته. لكن هذا متعذر في ظل افتقاد «حزب العدالة والتنمية» للغالبية المطلقة في البرلمان. وهنا يخطط أردوغان للذهاب إلى انتخابات مبكرة، سواء في ظل إفشال احمد داود اوغلو في تشكيل حكومة جديدة أو في ظل حكومة ائتلافية لن تعمر طويلاً. ويراهن أردوغان على إمكانية استعادة نقطتين أو ثلاث نقاط خسرها في الانتخابات ستكون كافية ليحصل الغالبية المطلقة من جديد. وليس أفضل من مغامرة عسكرية في سوريا يستعيد من خلالها بعض الشعبية. لكن هل الطريق مفتوحة بهذه السهولة أمام أردوغان لينفذ هذه المغامرة، بمعزل عن الذريعة التي سيعلنها للغزو؟ أولاً، يجب القول إن هذه المغامرة دونها حتى الآن موقف رئيس الأركان الحالي نجدت اوزيل، الذي أعرب عن معارضته لهذه العملية العسكرية. وأعلن عبر الصحافة بطريقة غير مباشرة عن أن إقامة منطقة عازلة أو أمنية تواجه مخاطر كثيرة، منها قيام عمليات عسكرية من قبل مجموعات مسلحة كثيرة ضد القوات التركية، ومنها مخاطر انتقال التوتر إلى الداخل التركي. ويقول اوزيل إن الأخذ بالاعتبار المواقف الإقليمية والدولية ضروري. روسيا وإيران تعارضان والنظام سيعتبره عدواناً خارج أي قرار لمجلس الأمن الدولي. كذلك فإن الولايات المتحدة تعارض إقامة هذه المنطقة العازلة. وبالفعل عبرت واشنطن على لسان أكثر من مسؤول أنها لا ترى أي مبرر لإقامة منطقة عازلة. وفي الواقع، إن الولايات المتحدة إذا كانت جادة في إقامة شريط كردي في شمال سوريا، فإنها لن توافق على أن تدخل تركيا إلى سوريا. وفي حال لم يذعن أردوغان للرغبة الأميركية فإنه سيكون أمام مواجهة صعبة مع واشنطن. أيضا فإن روسيا وإيران لن تسمحا بأن ينتهك أردوغان السيادة السورية، حتى لا يتحول ذلك إلى سابقة تحذوها دول أخرى، وبالتالي فإنهم سيدفّعون أردوغان ثمناً باهظاً لأي مغامرة بهذا الشأن. ومن أي زاوية نظرنا فإنه لا تتوفر أي ظروف داخلية أو إقليمية أو دولية يمكن أن تسهّل لأردوغان ارتكاب حماقة في سوريا. لكنه في حال «ركب رأسه» كما يقال فإن الثمن الذي سيدفعه من جراء ذلك أثقل بكثير من أي خيار آخر. وليجرّب ذلك!.

المصدر : محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة