تمتلئ الصحافة الأجنبية بالتقارير التي تتحدّث عن نوايا جدية تركية و«إسرائيلية» لتغيير نمط السلوك العسكري الذي اعتمدته الحكومتان تجاه ما تشهده سورية، سواء عبر تجديد الكلام عن المناطق العازلة شمالاً وجنوباً ومناطق حظر جوي أو تدخل عسكري مباشر. وبينما تتحدث «إسرائيل» تلميحاً عن فرضيات لسيناريو عسكري عبر الحدود، وصل الأمر بتركيا إلى التصريح علناً ومن أعلى مستوى سياسي وعسكري ودستوري في الدولة وهو رئيس الجمهورية بالإعلان عن النية والهدف، بالقول إنّ تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مخاطر نشوء كيان كردي على المنطقة الحدودية مع سورية، وهي لن تسمح بحدوث ذلك مطلقاً.

- تتشكل عناصر المشهد الإقليمي من ثلاثة عناصر، الأول هو اقتراب التفاهم النووي الذي تشكل طهران طرفه الأول وواشنطن طرفه الثاني بعد خمس وثلاثين سنة من التصادم، تشكلت خلالها مراكز إمبراطورية لكلّ من أنقرة وتل أبيب والرياض داخل واشنطن بقوة موقعها في مناخ استحكام العداء الإيراني الأميركي، وعلى رغم بقاء الكثير من عناصر الخلاف بين الدولة الأهمّ عالمياً والدولة الأهمّ إقليمياً يبدو التفاهم بداية لتفاهمات سيكون التالي للنووي فيها البحث عن صيغة تعاون في الحرب على «داعش»، وهو تفاهم ستجد واشنطن المذعورة مع عواصم الغرب من الإرهاب أنه ضرورة لمواجهته، وبالتحديد أنّ مواجهة الكائن الذي شاركت في استيلاده بمشورة حلفائها التركي و«الإسرائيلي» والسعودي، لتزخيم عناصر الضغط على إيران وحلفائها، وصار خطراً داهماً لا تملك لصده إلا التفاهم مع إيران وحلفائها، وهذا التفاهم هو الأجدى والأفعل والأقوى لتحجيم هذا الخطر والسيطرة على جغرافيا تمدّده. والعنصر الثاني غرق كلّ من الحلفاء الأبرز لواشنطن في المنطقة في مستنقعات الفشل، «إسرائيل» العاجزة عن تثبيت ميزان ردع فعّال في وجه حزب الله والمتنقلة من تراجع إلى تراجع، والسعودية الغارقة في تداعيات حربها الفاشلة على اليمن، وتركيا التي تجرجر قيادتها أذيال هزيمة انتخابية مدوية منعتها من فرص تعديل الدستور وفرص تشكيل حكومة. أما العنصر الثالث فهو اليقين الذي يخيّم على المنطقة بأنّ خريطة جديدة للشرق الأوسط قيد الولادة والترسيم، وأنّ كلّ طرف يريد أن يكون حاضراً على مائدة التفاوض حولها يجب أن يكون في يده ما يبرّر حضوره، وأنّ كلّ من يريد أن لا تتمّ على حسابه عملية رسم الخرائط يجب أن يبادر إلى تحصين خريطته على حساب غيره. ومن بين القوى الصاعدة الباحثة عن الإفادة من فرصة رسم الخرائط يتقدّم مشروع كردي لتشكيل كيان، ويجد في الدعم الأميركي من جهة وتردّد حلفاء واشنطن في وجه «داعش» من جهة مقابلة، فرصته للتقدّم كحليف جدّي في قتال «داعش» لقاء ثمن خاص هو منح الكيان الكردي فرص الولادة.

 

- تتشكل نظرة حلفاء واشنطن السعودي والتركي و«الإسرائيلي» نحو سورية من ثلاثة عناصر أيضاً، الأول هو سقف الخيار الرئيسي لتحالف الحرب على سورية الهادف لإسقاط الحكم ووضع اليد على سورية كجغرافيا وقرار وموارد وموقع في توازنات المنطقة، والتشارك في تقاسم مركز سورية الأمني بعائدات السلام لـ«إسرائيل» وضرب ظهر المقاومة والامتداد العثماني لتركيا والتوازن في وجه إيران بالنسبة إلى السعودية، وهو سقف بات واضحاً أنه خارج نطاق الفرص وأنّ كلّ الاستثمار المبذول لتحقيقه قد باء بالفشل. والعنصر الثاني هو القلق من فرص عودة التعافي إلى الدولة السورية التي صمدت طيلة سنوات الحرب عليها وصمد رئيسها وجيشها وأظهر حلفاؤها عناداً استثنائياً في التمسك بوقفتهم معها، وربط قادة الحرب الإقليميين التركي والسعودي خصوصاً مصير هيبة حكوماتهم ومستقبل أنظمة حكمهم إلى حدّ بعيد بمصير حربهم عليها، وهم يعانون المشاكل الداخلية المتفاقمة والفشل الخارجي المتنامي قبل تعافي سورية. فماذا لو حصل هذا التعافي مسنوداً بالتقدّم المتوقع لإيران في قلب معادلات الإقليم، بينما ربطت «إسرائيل» فرص السيطرة على معادلات المواجهة المقبلة مع حزب الله بمستقبل سورية، فماذا لو تعافت سورية؟ أما العنصر الثالث، فهو أنه على المستوى الحدودي، تتشكل فرص وتحديات، فالأردن بصفته ممثل اللاعب السعودي الجالس بالنيابة عنه قرب حدود سورية، يعرف أنه الحلقة الأضعف في عودة تعافي سورية، ويعرف أن الحدود بالاتجاهين وأنها ستكون مدخلاً لتغييرات داخل الأردن بعد التعافي، وأنّ فرصه لبناء حاجز يحميه ويحمي السعودية من خلفه هي الآن، وكذلك «إسرائيل» وفرصة الحزام الأمني وإلا بديلها اللاحق فرضية ولادة مقاومة سورية مدعومة من حزب الله ومتشاركة معه على حدود الجولان، وكذلك تركيا التي تعيش ذعراً تاريخياً من حراك كردي يستثمر على المساحات الحدودية ويصير لاحقاً جزءاً من الداخل التركي، تجد الفرصة ببناء حاجز أمني يقبض على أنفاس الأكراد ويمدّ نفوذه الأمني في التراب السوري بذريعتهم، ويلتقي الثلاثة ورابعهم الأردني الصغير على أنّ سورية الآن هي الساحة الرخوة في إقليم ترسم خرائطه فليكن التغميس في الصحن السوري بما تمتلئ به الكف.

- يتشكل المشهد الحدودي مع سورية بالنسبة إلى «إسرائيل» وتركيا والسعودية عبر الأردن، من ثلاثة عناصر، الأول أنّ السعودية القادرة على تأمين المال لا تملك القدرة على التورّط بجيشها وهي البعيدة من جهة والمتورّطة في حرب اليمن المفتوحة من جهة أخرى، وأنّ الأردن أضعف من المخاطرة واللعب بالنار ما لم يكن هناك دور «إسرائيلي» تركي مباشر يكون جزءاً منه، والأهمّ طبعاً للأردن ومن خلفه السعودية هي «إسرائيل» لكون الحراك في جغرافيا واحدة هي الجنوب السوري، والعنصر الثاني هو أنّ «إسرائيل» الخارجة من فشل عملية القنيطرة الهادفة لرسم خطوط حمراء أمام المقاومة وما تلاها مع عملية المقاومة في مزارع شبعا، قد صارت مقيّدة بميزان ردع أشدّ قسوة، وكلّ تورّط عسكري يعني مخاطرة بحرب شاملة ستكون جبهة لبنان وحضور المقاومة عبرها شريكاً حتمياً فيها، وهو ما يتخطى الجاهزية والرغبة «الإسرائيليتين»، ولذلك عمدت «إسرائيل» إلى الاستعاضة عن هذا السيناريو بآخر بديل هو تزاوج الأمني بالسياسي بديلاً للعسكري عبر اللعب على تحييد منطقة السويداء وتحويلها إلى خاصرة رخوة تتكامل مع سيطرة يدعمها الأردن للمجموعات المسلحة عبر الحدود نحو درعا وسيطرة مشابهة تدعمها «إسرائيل» نحو حضر، وتلتقي كلها بمحاصرة دمشق غرباً وشرقاً من الجهة الجنوبية، أما العنصر الثالث فهو أنّ تركيا التي تورّطت قيادتها حتى الأذنين في دعم «داعش» و«جبهة النصرة»، وتحمل السنوات الخمسة الماضية ما يكفي من الأدلة على تهرّبها من التقاط فرص التدخل العسكري في سورية لدعم المعارضة المسلحة، قبل الظهور العلني لتشكيلات «القاعدة»، تبدو في تحرّكها تحت العنوان الكردي والخشية من كيان كردي، كمن يشعل ناراً داخل تركيا بعد ظهور اللاعب الكردي رقماً داخلياً فاعلاً في الانتخابات الأخيرة، لكنها تبدو بما هو أهمّ وأخطر، كمن يدافع عن «داعش» الذي كان يخسر أمام الأكراد قبل الصراخ التركي وما رافقه من إطلاق ليد «داعش» نحو عين العرب كوباني ولاحقاً نحو تل أبيض، بل تبدو كمن يذهب إلى التصادم مع الغرب وعلى رأسه أميركا، التي اكتشفت أنّ الحليف الوحيد الذي ثبت أنه يمكن الاعتماد عليه بين حلفائها في الشراكة بقتال «داعش» هو الأكراد، وكما يبدو لن يكون سهلاً على الأميركيين ترك تركيا تسقط ورقتهم في المنطقة.

- المشهد الراهن لخيارات التدخل، يتكوّن من ثلاثة عناصر، الأول أنّ الأردن يعضّ أصابع الندامة بعد فشل الرهان على عاصفة الجنوب ونتائجها الكارثية والفشل المدوّي الذي مُنيت به، وأنّ «إسرائيل» لا تملك إلا الصراخ عن فرضيات حروب تزمع القيام بها لتلتفت إليها واشنطن عشية الذهاب إلى توقيع التفاهم مع إيران، والأرجح صرف التهديدات بمساعدات مالية وعسكرية تقدمها واشنطن لـ«إسرائيل» وضمانات بالرعاية والحماية، أما أنقرة فتسعى إلى تحريك واستدراج تفاوض مع واشنطن يصل إلى تحديد سقف الحراك الكردي ضمن رسم مستقبل سورية عبر المفاوضات، والامتناع عن أيّ خطوات من طرف واحد.

- حجم الحديث عن الحرب قد يستدعي مسرحيات عسكرية تحت السيطرة، لكنه سيكون معلوماً أن لا فرص بعد للحروب، وأنّ ما يجري من نقل للقطعات العسكرية هو للفت أنظار واشنطن تحت شعار اتصلوا بنا فهذا رقم الهاتف قبل أن تشتعل المنطقة، وهي لن تشتعل. وقد أعلنت واشنطن بصورة لافتة للانتباه أنها لا ترى مؤشرات جدية لنقاش تركي أردني لمشاريع إقامة مناطق عازلة في سورية، والقصد واضح رسالة بلا تشفير، وقت اللعب بالنار قد انتهى.

  • فريق ماسة
  • 2015-06-30
  • 12972
  • من الأرشيف

هل هناك حرب تركية «إسرائيلية» سعودية أردنية؟

  تمتلئ الصحافة الأجنبية بالتقارير التي تتحدّث عن نوايا جدية تركية و«إسرائيلية» لتغيير نمط السلوك العسكري الذي اعتمدته الحكومتان تجاه ما تشهده سورية، سواء عبر تجديد الكلام عن المناطق العازلة شمالاً وجنوباً ومناطق حظر جوي أو تدخل عسكري مباشر. وبينما تتحدث «إسرائيل» تلميحاً عن فرضيات لسيناريو عسكري عبر الحدود، وصل الأمر بتركيا إلى التصريح علناً ومن أعلى مستوى سياسي وعسكري ودستوري في الدولة وهو رئيس الجمهورية بالإعلان عن النية والهدف، بالقول إنّ تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مخاطر نشوء كيان كردي على المنطقة الحدودية مع سورية، وهي لن تسمح بحدوث ذلك مطلقاً. - تتشكل عناصر المشهد الإقليمي من ثلاثة عناصر، الأول هو اقتراب التفاهم النووي الذي تشكل طهران طرفه الأول وواشنطن طرفه الثاني بعد خمس وثلاثين سنة من التصادم، تشكلت خلالها مراكز إمبراطورية لكلّ من أنقرة وتل أبيب والرياض داخل واشنطن بقوة موقعها في مناخ استحكام العداء الإيراني الأميركي، وعلى رغم بقاء الكثير من عناصر الخلاف بين الدولة الأهمّ عالمياً والدولة الأهمّ إقليمياً يبدو التفاهم بداية لتفاهمات سيكون التالي للنووي فيها البحث عن صيغة تعاون في الحرب على «داعش»، وهو تفاهم ستجد واشنطن المذعورة مع عواصم الغرب من الإرهاب أنه ضرورة لمواجهته، وبالتحديد أنّ مواجهة الكائن الذي شاركت في استيلاده بمشورة حلفائها التركي و«الإسرائيلي» والسعودي، لتزخيم عناصر الضغط على إيران وحلفائها، وصار خطراً داهماً لا تملك لصده إلا التفاهم مع إيران وحلفائها، وهذا التفاهم هو الأجدى والأفعل والأقوى لتحجيم هذا الخطر والسيطرة على جغرافيا تمدّده. والعنصر الثاني غرق كلّ من الحلفاء الأبرز لواشنطن في المنطقة في مستنقعات الفشل، «إسرائيل» العاجزة عن تثبيت ميزان ردع فعّال في وجه حزب الله والمتنقلة من تراجع إلى تراجع، والسعودية الغارقة في تداعيات حربها الفاشلة على اليمن، وتركيا التي تجرجر قيادتها أذيال هزيمة انتخابية مدوية منعتها من فرص تعديل الدستور وفرص تشكيل حكومة. أما العنصر الثالث فهو اليقين الذي يخيّم على المنطقة بأنّ خريطة جديدة للشرق الأوسط قيد الولادة والترسيم، وأنّ كلّ طرف يريد أن يكون حاضراً على مائدة التفاوض حولها يجب أن يكون في يده ما يبرّر حضوره، وأنّ كلّ من يريد أن لا تتمّ على حسابه عملية رسم الخرائط يجب أن يبادر إلى تحصين خريطته على حساب غيره. ومن بين القوى الصاعدة الباحثة عن الإفادة من فرصة رسم الخرائط يتقدّم مشروع كردي لتشكيل كيان، ويجد في الدعم الأميركي من جهة وتردّد حلفاء واشنطن في وجه «داعش» من جهة مقابلة، فرصته للتقدّم كحليف جدّي في قتال «داعش» لقاء ثمن خاص هو منح الكيان الكردي فرص الولادة.   - تتشكل نظرة حلفاء واشنطن السعودي والتركي و«الإسرائيلي» نحو سورية من ثلاثة عناصر أيضاً، الأول هو سقف الخيار الرئيسي لتحالف الحرب على سورية الهادف لإسقاط الحكم ووضع اليد على سورية كجغرافيا وقرار وموارد وموقع في توازنات المنطقة، والتشارك في تقاسم مركز سورية الأمني بعائدات السلام لـ«إسرائيل» وضرب ظهر المقاومة والامتداد العثماني لتركيا والتوازن في وجه إيران بالنسبة إلى السعودية، وهو سقف بات واضحاً أنه خارج نطاق الفرص وأنّ كلّ الاستثمار المبذول لتحقيقه قد باء بالفشل. والعنصر الثاني هو القلق من فرص عودة التعافي إلى الدولة السورية التي صمدت طيلة سنوات الحرب عليها وصمد رئيسها وجيشها وأظهر حلفاؤها عناداً استثنائياً في التمسك بوقفتهم معها، وربط قادة الحرب الإقليميين التركي والسعودي خصوصاً مصير هيبة حكوماتهم ومستقبل أنظمة حكمهم إلى حدّ بعيد بمصير حربهم عليها، وهم يعانون المشاكل الداخلية المتفاقمة والفشل الخارجي المتنامي قبل تعافي سورية. فماذا لو حصل هذا التعافي مسنوداً بالتقدّم المتوقع لإيران في قلب معادلات الإقليم، بينما ربطت «إسرائيل» فرص السيطرة على معادلات المواجهة المقبلة مع حزب الله بمستقبل سورية، فماذا لو تعافت سورية؟ أما العنصر الثالث، فهو أنه على المستوى الحدودي، تتشكل فرص وتحديات، فالأردن بصفته ممثل اللاعب السعودي الجالس بالنيابة عنه قرب حدود سورية، يعرف أنه الحلقة الأضعف في عودة تعافي سورية، ويعرف أن الحدود بالاتجاهين وأنها ستكون مدخلاً لتغييرات داخل الأردن بعد التعافي، وأنّ فرصه لبناء حاجز يحميه ويحمي السعودية من خلفه هي الآن، وكذلك «إسرائيل» وفرصة الحزام الأمني وإلا بديلها اللاحق فرضية ولادة مقاومة سورية مدعومة من حزب الله ومتشاركة معه على حدود الجولان، وكذلك تركيا التي تعيش ذعراً تاريخياً من حراك كردي يستثمر على المساحات الحدودية ويصير لاحقاً جزءاً من الداخل التركي، تجد الفرصة ببناء حاجز أمني يقبض على أنفاس الأكراد ويمدّ نفوذه الأمني في التراب السوري بذريعتهم، ويلتقي الثلاثة ورابعهم الأردني الصغير على أنّ سورية الآن هي الساحة الرخوة في إقليم ترسم خرائطه فليكن التغميس في الصحن السوري بما تمتلئ به الكف. - يتشكل المشهد الحدودي مع سورية بالنسبة إلى «إسرائيل» وتركيا والسعودية عبر الأردن، من ثلاثة عناصر، الأول أنّ السعودية القادرة على تأمين المال لا تملك القدرة على التورّط بجيشها وهي البعيدة من جهة والمتورّطة في حرب اليمن المفتوحة من جهة أخرى، وأنّ الأردن أضعف من المخاطرة واللعب بالنار ما لم يكن هناك دور «إسرائيلي» تركي مباشر يكون جزءاً منه، والأهمّ طبعاً للأردن ومن خلفه السعودية هي «إسرائيل» لكون الحراك في جغرافيا واحدة هي الجنوب السوري، والعنصر الثاني هو أنّ «إسرائيل» الخارجة من فشل عملية القنيطرة الهادفة لرسم خطوط حمراء أمام المقاومة وما تلاها مع عملية المقاومة في مزارع شبعا، قد صارت مقيّدة بميزان ردع أشدّ قسوة، وكلّ تورّط عسكري يعني مخاطرة بحرب شاملة ستكون جبهة لبنان وحضور المقاومة عبرها شريكاً حتمياً فيها، وهو ما يتخطى الجاهزية والرغبة «الإسرائيليتين»، ولذلك عمدت «إسرائيل» إلى الاستعاضة عن هذا السيناريو بآخر بديل هو تزاوج الأمني بالسياسي بديلاً للعسكري عبر اللعب على تحييد منطقة السويداء وتحويلها إلى خاصرة رخوة تتكامل مع سيطرة يدعمها الأردن للمجموعات المسلحة عبر الحدود نحو درعا وسيطرة مشابهة تدعمها «إسرائيل» نحو حضر، وتلتقي كلها بمحاصرة دمشق غرباً وشرقاً من الجهة الجنوبية، أما العنصر الثالث فهو أنّ تركيا التي تورّطت قيادتها حتى الأذنين في دعم «داعش» و«جبهة النصرة»، وتحمل السنوات الخمسة الماضية ما يكفي من الأدلة على تهرّبها من التقاط فرص التدخل العسكري في سورية لدعم المعارضة المسلحة، قبل الظهور العلني لتشكيلات «القاعدة»، تبدو في تحرّكها تحت العنوان الكردي والخشية من كيان كردي، كمن يشعل ناراً داخل تركيا بعد ظهور اللاعب الكردي رقماً داخلياً فاعلاً في الانتخابات الأخيرة، لكنها تبدو بما هو أهمّ وأخطر، كمن يدافع عن «داعش» الذي كان يخسر أمام الأكراد قبل الصراخ التركي وما رافقه من إطلاق ليد «داعش» نحو عين العرب كوباني ولاحقاً نحو تل أبيض، بل تبدو كمن يذهب إلى التصادم مع الغرب وعلى رأسه أميركا، التي اكتشفت أنّ الحليف الوحيد الذي ثبت أنه يمكن الاعتماد عليه بين حلفائها في الشراكة بقتال «داعش» هو الأكراد، وكما يبدو لن يكون سهلاً على الأميركيين ترك تركيا تسقط ورقتهم في المنطقة. - المشهد الراهن لخيارات التدخل، يتكوّن من ثلاثة عناصر، الأول أنّ الأردن يعضّ أصابع الندامة بعد فشل الرهان على عاصفة الجنوب ونتائجها الكارثية والفشل المدوّي الذي مُنيت به، وأنّ «إسرائيل» لا تملك إلا الصراخ عن فرضيات حروب تزمع القيام بها لتلتفت إليها واشنطن عشية الذهاب إلى توقيع التفاهم مع إيران، والأرجح صرف التهديدات بمساعدات مالية وعسكرية تقدمها واشنطن لـ«إسرائيل» وضمانات بالرعاية والحماية، أما أنقرة فتسعى إلى تحريك واستدراج تفاوض مع واشنطن يصل إلى تحديد سقف الحراك الكردي ضمن رسم مستقبل سورية عبر المفاوضات، والامتناع عن أيّ خطوات من طرف واحد. - حجم الحديث عن الحرب قد يستدعي مسرحيات عسكرية تحت السيطرة، لكنه سيكون معلوماً أن لا فرص بعد للحروب، وأنّ ما يجري من نقل للقطعات العسكرية هو للفت أنظار واشنطن تحت شعار اتصلوا بنا فهذا رقم الهاتف قبل أن تشتعل المنطقة، وهي لن تشتعل. وقد أعلنت واشنطن بصورة لافتة للانتباه أنها لا ترى مؤشرات جدية لنقاش تركي أردني لمشاريع إقامة مناطق عازلة في سورية، والقصد واضح رسالة بلا تشفير، وقت اللعب بالنار قد انتهى.

المصدر : ناصر قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة