يمرّ الشرق الأوسط بلحظة تاريخية ومفصلية عنوانها عدم اليقين، فتغيّر مركزية الشرق الأوسط في السياسة الأميركية لصالح إعادة التوازن في شرق آسيا لمنع تمدّد القوة الصينية،

 وفي شرق أوروبا لتطويق الاندفاعة الروسية تجاه أوروبا، خسر معه الشرق الأوسط أهميته الجيو استراتيجية في العقيدة الأميركية على أقلّ تقدير كأولوية في السياسة، وحتى في العقيدة الروسية والتي بدأت بالاهتمام جدّياً بالتحالف الأوراسي وتحالف منظمة شنغهاي كنقطة ارتكاز في عقيدتيها الجديدة جيو سياسياً وجيو اقتصادياً في مواجهة التوجهات الجديدة للولايات المتحدة على الساحة الدولية، إذا ما أضفنا فشل القوتين الروسية والأميركية في تحقيق نصر استراتيجي حقيقي في أزمات الشرق الأوسط، والتي كانت نتيجتها الكلية صفرية نظراً لعدم قدرة أيّ طرف على فرض انتصار حاسم في ميادين الاشتباك المفتوحة في الشرق الأوسط.

 وفي ظلّ السياسة الاوبامية المرتبكة في الشرق الأوسط من الصعب القول إنّ السياسة الأميركية الجديدة هي تغيرٌ في الأولويات، أم تغيّر في العقيدة كلها، حتى أقرب الحلفاء إلى الولايات المتحدة لا يعلمون حقيقة الموقف الأميركي الجديد في انتظار الإدارة الأميركية القادمة مع مطلع العام 2017 ليتضح حقيقة ذلك الموقف، وفي ظلّ هذه الفوضى العارمة في الشرق الأوسط والتي أنتجها ارتباك السياسة الأميركية ازداد منسوب القلق الخليجي من تلك السياسة، والتي اعتمدت على مدى عامين تقريباً على مركزية المفاوضات النووية الإيرانية كأساس لبقية تفرّعات السياسة الأميركية في المنطقة، وقد حاولت الولايات المتحدة طمأنة حلفائها في اجتماع كامب ديفيد، إلا أنّ منسوب القلق لم يتغيّر مستنداً إلى متغيّرين رئيسيّين…

 المتغيّر الأول ظهر في تصريحات الرئيس أوباما حول مصادر التهديد الجديدة في الخليج والتي ابتدأها بالتحديات الداخلية ومطالب الشعوب المحقة في تلك المنطقة، ولم يغب عن أذهان ممالك النفط التجربة البحرينية، والتي قد تتسع نارها لتشمل كلّ دول الخليج تقريباً.

 والمتغيّر الثاني هو مبدأ المفاوضات والمساومات بحدّ ذاته الذي تتبعه الولايات المتحدة في سياستها الجديدة، وليس منطق القوة السابق في تعاملات واشنطن، والذي اعتمدته الممالك الخليجية رأس حربة في صنع سياستها العدوانية في المنطقة، طبعاً دول الخليج لا تنظر بعين الخوف إلى برنامج إيران النووي باعتباره يشكل مصدراً لتهديد دولهم من الناحية العسكرية، لكنهم يخشون إيران النووية كقوة إقليمية معترف بها وبمصالحها الحيوية في المنطقة، كما يخشون النموذج الإسلامي الإيراني في الحكم، والذي قد يُغري الغرب برمّته، والذي أنتج تقدّماً وتطوّراً وحضوراً بعكس دول الخليج والتي تمتلك مقومات اقتصادية هامة، لكنها لم تنتج الكثير باستثناء دولة الإمارات العربية التي أنتجت شراكات تجارية مهمة، بل تحوّلت السعودية بدرجة كبيرة إلى منبع لتصدير الإرهاب الوهابي المتطرف، والذي كان سابقاً يلقى قبولاً ودعماً أميركياً لتناغم المصالح المشتركة، وقدرة الولايات المتحدة على ضبط تلك المجاميع الإرهابية بتنسيق استخباري سعودي أميركي، أما في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من ملفات الشرق الأوسط، وهو ما يعتبره السعوديون تخلياً عنهم في مواجهة القوة الإيرانية، قد ينقلب الموقف على السعوديين فتصبح المملكة بصيغتها الراهنة خطراً على المصالح الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، لذلك بدأ السعوديون رحلة البحث عن حليف جديد يضمن صيغة الحكم في منطقة الخليج بل وأكثر من ذلك بدأوا رحلة البحث عن الشرعية المفقودة، هم يدركون أنّ ما بعد توقيع الاتفاق النووي بين الغرب وإيران ليس كما قبله وهم يخشون الانتقام الإيراني من قبيل دعم تحركات شعبية داخلية على أنظمة الحكم في الخليج، تلك الأنظمة كانت سابقاً ضمن الكفالة الأميركية وممنوع المسّ بصيغتها أما مستقبلاً يخشى حكام الخليج أن يتحوّل الأمر إلى شأن داخلي لا يقلق الولايات المتحدة والتي كبّلت دول الخليج باتفاقات اقتصادية لايمكن المساس بها، واحتكرت التريليونات النفطية في بنوكها.

 في ظلّ مستويات القلق الخليجية هذه، بدأ الخليجيون بمهمة البحث عن بديل استراتيجي جديد، لكن دون وجود استراتيجية خليجية موحدة، عززتها حالة الصدام السعودي القطري في الأزمة السورية وعلى ملفات مصر وليبيا، فبدأت قطر تعمل على إعادة إحياء العلاقات القطرية الإيرانية ببراغماتية شديدة، وأنشأت قواعد عسكرية تركية على أراضيها في تحدّ واضح للمصالح السعودية المستقبلية، وبدأ السعوديون بتعزيز التعاون مع فرنسا الباحثة عن دور سياسي لها في مستقبل الشرق الأوسط، وخصوصاً في مجال إنشاء محطات نووية لأغراض الطاقة، كما بدأ السعوديون بإرسال إشارات ودّ إلى روسيا ملوّحين بمليارات الدولارات كأساس الشراكة الجديدة، لكن السعوديين يدركون جيداً أنّ عقوداً خلت من العداء السعودي لروسيا وقبله الاتحاد السوفياتي ستلقي بظلالها على مستقبل العلاقة الناشئة، ناهيك عن حالة التحدي الواضحة في الأزمة السورية، لذا بدأ السعوديون العمل على تعزيز العلاقات مع العدو «الإسرائيلي» باعتباره قوة يمكن التحالف معها في مواجهة القوة الإيرانية، و«إسرائيل» رحبت بالسعودية كشريك استراتيجي في المنطقة، وهو ما بدا واضحاً في مؤتمر هرتزليا الرابع عشر والذي أوصى بالتحالف مع آل سعود، لعلهم يستطيعون تمرير اتفاقات تاريخية مع السلطة الفلسطينية والتي تملك السعودية قدرة الضغط عليها، ومن جهة أخرى استخدام السعودية كمنصة متقدّمة لمناوشة القوة الإيرانية العائدة إلى مسرح العلاقات الإقليمية من البوابة الغربية…

 حالة التخبّط الخليجي وفوضى التحالفات تلك سيكون أول انعكاساتها أفول نجم مجلس التعاون الخليجي، والذي سيتفكك في ظلّ تضارب المصالح الخليجية لدوله الهشة، ولاحقاً تفكك هذه الدول بفعل السياسات الداخلية الخاطئة وانتهاكها لأبسط الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوبها، في ظلّ التخلي الأميركي عن صيغة أنظمة الحكم تلك وعدم وجود شريك استراتيجي فاعل ومؤثر يضمن تلك الصيغ في الحكم، هذا التفكك سيكون نتيجة حتمية في مرحلة ما بعد التسويات النهائية لأزمات الشرق الأوسط وفي مقدّمها الأزمة السورية، لذلك تعمد السعودية من خلال دعم الإرهابيين إلى إطالة عمر الأزمة السورية في محاولة منها للبحث عن بدائل ممكنة تجنّبها سقوط نظامها السياسي الهش، وتفكك مجتمعها بأدوات ابتدعتها لتفكيك المجتمع السوري والذي بدا عصياً على المؤامرات.

  • فريق ماسة
  • 2015-06-26
  • 9936
  • من الأرشيف

هستيريا الخليج والبحث عن تحالفات...! ....بقلم سومر صالح

يمرّ الشرق الأوسط بلحظة تاريخية ومفصلية عنوانها عدم اليقين، فتغيّر مركزية الشرق الأوسط في السياسة الأميركية لصالح إعادة التوازن في شرق آسيا لمنع تمدّد القوة الصينية،  وفي شرق أوروبا لتطويق الاندفاعة الروسية تجاه أوروبا، خسر معه الشرق الأوسط أهميته الجيو استراتيجية في العقيدة الأميركية على أقلّ تقدير كأولوية في السياسة، وحتى في العقيدة الروسية والتي بدأت بالاهتمام جدّياً بالتحالف الأوراسي وتحالف منظمة شنغهاي كنقطة ارتكاز في عقيدتيها الجديدة جيو سياسياً وجيو اقتصادياً في مواجهة التوجهات الجديدة للولايات المتحدة على الساحة الدولية، إذا ما أضفنا فشل القوتين الروسية والأميركية في تحقيق نصر استراتيجي حقيقي في أزمات الشرق الأوسط، والتي كانت نتيجتها الكلية صفرية نظراً لعدم قدرة أيّ طرف على فرض انتصار حاسم في ميادين الاشتباك المفتوحة في الشرق الأوسط.  وفي ظلّ السياسة الاوبامية المرتبكة في الشرق الأوسط من الصعب القول إنّ السياسة الأميركية الجديدة هي تغيرٌ في الأولويات، أم تغيّر في العقيدة كلها، حتى أقرب الحلفاء إلى الولايات المتحدة لا يعلمون حقيقة الموقف الأميركي الجديد في انتظار الإدارة الأميركية القادمة مع مطلع العام 2017 ليتضح حقيقة ذلك الموقف، وفي ظلّ هذه الفوضى العارمة في الشرق الأوسط والتي أنتجها ارتباك السياسة الأميركية ازداد منسوب القلق الخليجي من تلك السياسة، والتي اعتمدت على مدى عامين تقريباً على مركزية المفاوضات النووية الإيرانية كأساس لبقية تفرّعات السياسة الأميركية في المنطقة، وقد حاولت الولايات المتحدة طمأنة حلفائها في اجتماع كامب ديفيد، إلا أنّ منسوب القلق لم يتغيّر مستنداً إلى متغيّرين رئيسيّين…  المتغيّر الأول ظهر في تصريحات الرئيس أوباما حول مصادر التهديد الجديدة في الخليج والتي ابتدأها بالتحديات الداخلية ومطالب الشعوب المحقة في تلك المنطقة، ولم يغب عن أذهان ممالك النفط التجربة البحرينية، والتي قد تتسع نارها لتشمل كلّ دول الخليج تقريباً.  والمتغيّر الثاني هو مبدأ المفاوضات والمساومات بحدّ ذاته الذي تتبعه الولايات المتحدة في سياستها الجديدة، وليس منطق القوة السابق في تعاملات واشنطن، والذي اعتمدته الممالك الخليجية رأس حربة في صنع سياستها العدوانية في المنطقة، طبعاً دول الخليج لا تنظر بعين الخوف إلى برنامج إيران النووي باعتباره يشكل مصدراً لتهديد دولهم من الناحية العسكرية، لكنهم يخشون إيران النووية كقوة إقليمية معترف بها وبمصالحها الحيوية في المنطقة، كما يخشون النموذج الإسلامي الإيراني في الحكم، والذي قد يُغري الغرب برمّته، والذي أنتج تقدّماً وتطوّراً وحضوراً بعكس دول الخليج والتي تمتلك مقومات اقتصادية هامة، لكنها لم تنتج الكثير باستثناء دولة الإمارات العربية التي أنتجت شراكات تجارية مهمة، بل تحوّلت السعودية بدرجة كبيرة إلى منبع لتصدير الإرهاب الوهابي المتطرف، والذي كان سابقاً يلقى قبولاً ودعماً أميركياً لتناغم المصالح المشتركة، وقدرة الولايات المتحدة على ضبط تلك المجاميع الإرهابية بتنسيق استخباري سعودي أميركي، أما في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من ملفات الشرق الأوسط، وهو ما يعتبره السعوديون تخلياً عنهم في مواجهة القوة الإيرانية، قد ينقلب الموقف على السعوديين فتصبح المملكة بصيغتها الراهنة خطراً على المصالح الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، لذلك بدأ السعوديون رحلة البحث عن حليف جديد يضمن صيغة الحكم في منطقة الخليج بل وأكثر من ذلك بدأوا رحلة البحث عن الشرعية المفقودة، هم يدركون أنّ ما بعد توقيع الاتفاق النووي بين الغرب وإيران ليس كما قبله وهم يخشون الانتقام الإيراني من قبيل دعم تحركات شعبية داخلية على أنظمة الحكم في الخليج، تلك الأنظمة كانت سابقاً ضمن الكفالة الأميركية وممنوع المسّ بصيغتها أما مستقبلاً يخشى حكام الخليج أن يتحوّل الأمر إلى شأن داخلي لا يقلق الولايات المتحدة والتي كبّلت دول الخليج باتفاقات اقتصادية لايمكن المساس بها، واحتكرت التريليونات النفطية في بنوكها.  في ظلّ مستويات القلق الخليجية هذه، بدأ الخليجيون بمهمة البحث عن بديل استراتيجي جديد، لكن دون وجود استراتيجية خليجية موحدة، عززتها حالة الصدام السعودي القطري في الأزمة السورية وعلى ملفات مصر وليبيا، فبدأت قطر تعمل على إعادة إحياء العلاقات القطرية الإيرانية ببراغماتية شديدة، وأنشأت قواعد عسكرية تركية على أراضيها في تحدّ واضح للمصالح السعودية المستقبلية، وبدأ السعوديون بتعزيز التعاون مع فرنسا الباحثة عن دور سياسي لها في مستقبل الشرق الأوسط، وخصوصاً في مجال إنشاء محطات نووية لأغراض الطاقة، كما بدأ السعوديون بإرسال إشارات ودّ إلى روسيا ملوّحين بمليارات الدولارات كأساس الشراكة الجديدة، لكن السعوديين يدركون جيداً أنّ عقوداً خلت من العداء السعودي لروسيا وقبله الاتحاد السوفياتي ستلقي بظلالها على مستقبل العلاقة الناشئة، ناهيك عن حالة التحدي الواضحة في الأزمة السورية، لذا بدأ السعوديون العمل على تعزيز العلاقات مع العدو «الإسرائيلي» باعتباره قوة يمكن التحالف معها في مواجهة القوة الإيرانية، و«إسرائيل» رحبت بالسعودية كشريك استراتيجي في المنطقة، وهو ما بدا واضحاً في مؤتمر هرتزليا الرابع عشر والذي أوصى بالتحالف مع آل سعود، لعلهم يستطيعون تمرير اتفاقات تاريخية مع السلطة الفلسطينية والتي تملك السعودية قدرة الضغط عليها، ومن جهة أخرى استخدام السعودية كمنصة متقدّمة لمناوشة القوة الإيرانية العائدة إلى مسرح العلاقات الإقليمية من البوابة الغربية…  حالة التخبّط الخليجي وفوضى التحالفات تلك سيكون أول انعكاساتها أفول نجم مجلس التعاون الخليجي، والذي سيتفكك في ظلّ تضارب المصالح الخليجية لدوله الهشة، ولاحقاً تفكك هذه الدول بفعل السياسات الداخلية الخاطئة وانتهاكها لأبسط الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوبها، في ظلّ التخلي الأميركي عن صيغة أنظمة الحكم تلك وعدم وجود شريك استراتيجي فاعل ومؤثر يضمن تلك الصيغ في الحكم، هذا التفكك سيكون نتيجة حتمية في مرحلة ما بعد التسويات النهائية لأزمات الشرق الأوسط وفي مقدّمها الأزمة السورية، لذلك تعمد السعودية من خلال دعم الإرهابيين إلى إطالة عمر الأزمة السورية في محاولة منها للبحث عن بدائل ممكنة تجنّبها سقوط نظامها السياسي الهش، وتفكك مجتمعها بأدوات ابتدعتها لتفكيك المجتمع السوري والذي بدا عصياً على المؤامرات.

المصدر : الماسة السورية / البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة