ليست كسائر المعارك، هي معركة جرود القلمون في مرحلتها الثانية، فبعد سيطرة الجيش السوري والمقاومة على منطقة القصير، بدأ حجم التغير الذي طرأ على جسم القوة البشرية المتنقل من جنوب حمص حتى بلدات ومدن القلمون، حيث فتحت تلك المعركة، وانتهت بأسرع ما كان متوقعا لها وخصوصاً مدينة يبرود، تلك القوة المتحركة والتي شكلت عماد المعركة في تطهير جرود القلمون، كانت قوة نوعية التدريبات والتكتيكات، تتماهى مع خصوصية معركة الجبال والجرود.

معركة القلمون الاخيرة، كان لها أسباب خاصة في تسريع انتصار الجيش السوري والمقاومة، بالرغم من معرفة الجميع بقدرات المقاومة الاسلامية والجيش السوري، لكن يبقى السؤال مطروحاً، ما الجزء الذي ساعد في الانتصار والتقدم، كيف استطاعت المقاومة الإسلامية والجيش السوري معرفة ادق التفاصيل عن منطقة جغرافية تساوي اكثر من 600 كلم2 ومن اين وصلت بعض المعطيات عن أرض المعركة، وكيف تكوَّن التصور النظري الأولي لكل هجوم وكل مرتفع وتلة؟؟

جميع العارفين بأسلوب المقاومة الاسلامية في إدارة المعارك والعمليات العسكرية، يعلم جيداً أن قدرات هؤلاء الرجال تتجاوز حجم الامكانيات، وبعد تطعيم مفهوم الحرب الكلاسيكية لدى الجيش السوري بحرب العصابات، وانتقال خبرة هذا التكتيك الى المقاومة، توازى ذلك مع تشكيل فصائل شعبية مدربة على تكتيك حرب العصابات واستخدام الاسلحة الثقيلة المستخدمة في الحرب الكلاسيكية، لتكون هذه كلمة السر التي عمل عليها الجيش السوري وحزب الله في مختلف مدن وبلدات القلمون.

هذه الفصائل تضم وحدات عدة، ومجموعات متخصصة في المعلومات، بالإضافة الى وحدات أمنية مدربة تدريبًا جيدًا، وأشخاص مختصين في ادارة الموارد البشرية، بالتزامن مع نشاط مئات العناصر من أهالي تلك المناطق، في نسج شبكات من العلاقة توفر سيلا من المعلومات للجيش والمقاومة، ما ساعد الجيش السوري والمقاومة والجيش اللبناني، في تشكيل صورة واضحة ومعروفة، عن هيكلية عمل المجموعات المسلحة، وتدرج قادتها، واين مكامن الضعف في دوائر صنع القرار فيها، واين نقاط المقتل فيها، هذا من جانب، اما الجانب الاخر الذي ساعد فيه اهالي تلك المنطقة ببلداتها ومدنها وجرودها الجيش السوري والمقاومة في معاركهم الاخيرة، كان تشكيل وحدات من المتخصصين في ديمغرافية البلدات المطلة على الجرود، لمعرفة كل عائلة وكل عشيرة، والبحث عن البنية الفكرية والتنظيمية والعسكرية والدينية لأبناء المنطقة والمنتمين لتلك المجموعات المسلحة، هذا في الجانب المعلوماتي، اما في الجانب العسكري، فكان للفصائل الشعبية المكونة في المنطقة نصيب كبير، حيث ساهمت معرفة أهل المنطقة بشعابها، والدقة العالية في تحديد جغرافية كل مكان، مع القدرة على الوصول إليه عبر طرق يعرفها اهل المنطقة، وهو أمر له دور كبير في التقدم السريع للجيش والمقاومة في جرود عسال الورد والجبة ورأس المعرة وفليطة، بالإضافة الى علميات الاستهداف الدقيق التي نفذها الجيش السوري والمقاومة في تلك الجرود، كون تلك الوحدات من الفصائل الشعبية المكونة من اهالي المنطقة تستطيع لمعرفتها الجيدة في جغرافية تلك المنطقة، ان تحدد طبيعة وحجم الهدف وحجم القوة المفترض توفيرها لهذه المهمة، وطبيعة الاختصاصات المطلوبة. كذلك حيال نوعية الأسلحة، والاحتياطات المفترض اتباعها.

كما ساهمت وحدات الاستطلاع لتلك الفصائل الشعبية في العمليات العسكرية التي شنها الجيش السوري والمقاومة، في مختلف مناطق الجرود الجبلية، فتلك العمليات اعتمدت في الدرجة الاولى على مجموعات الاستطلاع المباشر، وفي العلم العسكري، هذه المجموعات الشعبية كان عملها يتطلب الوصول الى المنطقة المطلوبة، حيث يقوم عناصر بالتسلل الى عمق المنطقة المستهدفة، والعودة بتقارير تخص أموراً كثيرة. هذه التقارير، استمرت بالوصول لقيادة الجيش والمقاومة طوال فترة الاستعداد، وحين بدأ تنفيذ العمليات، كان لتلك المجموعات ايضا دورها في المشاركة المباشرة والالتحام مع النصرة وداعش، لمعرفتها بطبيعة الارض وبعد تدريبها وتأهيلها للقيام بذلك.

وفي خضم الحديث عن دور تلك المجموعات والتي هي من الاهالي لا بد من الاشارة الى دورها اللوجستي، والذي وفر تسهيلات كثيرة على تجميع القوات، بالاضافة الى اختيار طرق تنقلهم، ما وفَّر وقتا وجهدا على الجيش والمقاومة، بالإضافة الى اختيار نقاط بديلة لتجميع القوات وطرق التفافية، وتحديد نقاط الحياة في تلك الجرود من معابر وابار مياه وملاجئ صخرية حفرتها الطبيعة على شكل مغاور وكهوف.

إن الاعتماد على أبناء تلك المنطقة في العمليات الدائرة في القلمون، تعيدنا بالذاكرة الى أسلوب المقاومة في اعتمادها على ابناء المناطق التي كانت خاضعة للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، حيث شكَّل ابناء تلك المناطق الدليل والعين للمقاومة التي استطاعت توجيه ضربات موجعة للعدو، كما يحدث الان في القلمون وجرودها المتصلة بلبنان، حيث يوجه الجيش السوري والمقاومة والجيش اللبناني الضربات الموجعة للعدو التكفيري في تلك المنطقة.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-06-21
  • 12110
  • من الأرشيف

اهالي منطقة القلمون .. عين المقاومة والجيش السوري

ليست كسائر المعارك، هي معركة جرود القلمون في مرحلتها الثانية، فبعد سيطرة الجيش السوري والمقاومة على منطقة القصير، بدأ حجم التغير الذي طرأ على جسم القوة البشرية المتنقل من جنوب حمص حتى بلدات ومدن القلمون، حيث فتحت تلك المعركة، وانتهت بأسرع ما كان متوقعا لها وخصوصاً مدينة يبرود، تلك القوة المتحركة والتي شكلت عماد المعركة في تطهير جرود القلمون، كانت قوة نوعية التدريبات والتكتيكات، تتماهى مع خصوصية معركة الجبال والجرود. معركة القلمون الاخيرة، كان لها أسباب خاصة في تسريع انتصار الجيش السوري والمقاومة، بالرغم من معرفة الجميع بقدرات المقاومة الاسلامية والجيش السوري، لكن يبقى السؤال مطروحاً، ما الجزء الذي ساعد في الانتصار والتقدم، كيف استطاعت المقاومة الإسلامية والجيش السوري معرفة ادق التفاصيل عن منطقة جغرافية تساوي اكثر من 600 كلم2 ومن اين وصلت بعض المعطيات عن أرض المعركة، وكيف تكوَّن التصور النظري الأولي لكل هجوم وكل مرتفع وتلة؟؟ جميع العارفين بأسلوب المقاومة الاسلامية في إدارة المعارك والعمليات العسكرية، يعلم جيداً أن قدرات هؤلاء الرجال تتجاوز حجم الامكانيات، وبعد تطعيم مفهوم الحرب الكلاسيكية لدى الجيش السوري بحرب العصابات، وانتقال خبرة هذا التكتيك الى المقاومة، توازى ذلك مع تشكيل فصائل شعبية مدربة على تكتيك حرب العصابات واستخدام الاسلحة الثقيلة المستخدمة في الحرب الكلاسيكية، لتكون هذه كلمة السر التي عمل عليها الجيش السوري وحزب الله في مختلف مدن وبلدات القلمون. هذه الفصائل تضم وحدات عدة، ومجموعات متخصصة في المعلومات، بالإضافة الى وحدات أمنية مدربة تدريبًا جيدًا، وأشخاص مختصين في ادارة الموارد البشرية، بالتزامن مع نشاط مئات العناصر من أهالي تلك المناطق، في نسج شبكات من العلاقة توفر سيلا من المعلومات للجيش والمقاومة، ما ساعد الجيش السوري والمقاومة والجيش اللبناني، في تشكيل صورة واضحة ومعروفة، عن هيكلية عمل المجموعات المسلحة، وتدرج قادتها، واين مكامن الضعف في دوائر صنع القرار فيها، واين نقاط المقتل فيها، هذا من جانب، اما الجانب الاخر الذي ساعد فيه اهالي تلك المنطقة ببلداتها ومدنها وجرودها الجيش السوري والمقاومة في معاركهم الاخيرة، كان تشكيل وحدات من المتخصصين في ديمغرافية البلدات المطلة على الجرود، لمعرفة كل عائلة وكل عشيرة، والبحث عن البنية الفكرية والتنظيمية والعسكرية والدينية لأبناء المنطقة والمنتمين لتلك المجموعات المسلحة، هذا في الجانب المعلوماتي، اما في الجانب العسكري، فكان للفصائل الشعبية المكونة في المنطقة نصيب كبير، حيث ساهمت معرفة أهل المنطقة بشعابها، والدقة العالية في تحديد جغرافية كل مكان، مع القدرة على الوصول إليه عبر طرق يعرفها اهل المنطقة، وهو أمر له دور كبير في التقدم السريع للجيش والمقاومة في جرود عسال الورد والجبة ورأس المعرة وفليطة، بالإضافة الى علميات الاستهداف الدقيق التي نفذها الجيش السوري والمقاومة في تلك الجرود، كون تلك الوحدات من الفصائل الشعبية المكونة من اهالي المنطقة تستطيع لمعرفتها الجيدة في جغرافية تلك المنطقة، ان تحدد طبيعة وحجم الهدف وحجم القوة المفترض توفيرها لهذه المهمة، وطبيعة الاختصاصات المطلوبة. كذلك حيال نوعية الأسلحة، والاحتياطات المفترض اتباعها. كما ساهمت وحدات الاستطلاع لتلك الفصائل الشعبية في العمليات العسكرية التي شنها الجيش السوري والمقاومة، في مختلف مناطق الجرود الجبلية، فتلك العمليات اعتمدت في الدرجة الاولى على مجموعات الاستطلاع المباشر، وفي العلم العسكري، هذه المجموعات الشعبية كان عملها يتطلب الوصول الى المنطقة المطلوبة، حيث يقوم عناصر بالتسلل الى عمق المنطقة المستهدفة، والعودة بتقارير تخص أموراً كثيرة. هذه التقارير، استمرت بالوصول لقيادة الجيش والمقاومة طوال فترة الاستعداد، وحين بدأ تنفيذ العمليات، كان لتلك المجموعات ايضا دورها في المشاركة المباشرة والالتحام مع النصرة وداعش، لمعرفتها بطبيعة الارض وبعد تدريبها وتأهيلها للقيام بذلك. وفي خضم الحديث عن دور تلك المجموعات والتي هي من الاهالي لا بد من الاشارة الى دورها اللوجستي، والذي وفر تسهيلات كثيرة على تجميع القوات، بالاضافة الى اختيار طرق تنقلهم، ما وفَّر وقتا وجهدا على الجيش والمقاومة، بالإضافة الى اختيار نقاط بديلة لتجميع القوات وطرق التفافية، وتحديد نقاط الحياة في تلك الجرود من معابر وابار مياه وملاجئ صخرية حفرتها الطبيعة على شكل مغاور وكهوف. إن الاعتماد على أبناء تلك المنطقة في العمليات الدائرة في القلمون، تعيدنا بالذاكرة الى أسلوب المقاومة في اعتمادها على ابناء المناطق التي كانت خاضعة للاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، حيث شكَّل ابناء تلك المناطق الدليل والعين للمقاومة التي استطاعت توجيه ضربات موجعة للعدو، كما يحدث الان في القلمون وجرودها المتصلة بلبنان، حيث يوجه الجيش السوري والمقاومة والجيش اللبناني الضربات الموجعة للعدو التكفيري في تلك المنطقة.  

المصدر : حسين مرتضى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة