دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
عندما أطلق شيمون بيريز قلقه وخوفه على "دروز السويداء"، لا أعلم ما الذي دفعني الى اعادة فتح خرائط حرب 1973، وخاصةً مراجعة بنود فض الاشتباك، مترافق مع دراسة التوزع الديمغرافي للمناطق المحتلة أو الواقعة ضمن إطار خطوط المراقبة الدولية.
في العمق، من يغوص في الخرائط ويتابع المعارك التي تجري حاليًا خاصة على المناطق الممتدة من جبل الشيخ الى درعا وصولًا الى السويداء، يرى أنها لا تخرج عن إطار الفكر الاستراتيجي لغرف العمليات العسكرية الاسرائيلية، وخاصةً من حيث القيام بضرب البنى التحتية ومناطق الدفاع الجوي ومناطق المراقبة، وخاصةً السيطرة على التلال الحاكمة وتقصير مسافة الحركة الجغرافية النارية للتشكيلات السورية، وصولًا الى ضرب أقرب مطار الى أرض المعركة (مطار الثعلة).
في العمق، كلنا نعلم كيف قامت "إسرائيل" بالتنسيق مع غرفة العمليات المقامة في عمان، بالتسهيل اللوجستي للنصرة وتوابعها لإحداث الاختراق من جهة المنطقة العازلة في القنيطرة، حيث قامت بطرد القوات الدولية، ومن ثم سيطرت على المعابر معلنةً إنهاء اتفاق فضّ الاشتباك على أرض الواقع وبموافقةٍ ضمنية وعلنية إسرائيلية، ولكن مع تلاعب سياسي الهدف منه التغيير الحقيقي في الجغرافية وتوسيع منطقة فض الاشتباك لتصبح منطقة عازلة جديدة تحكمها قوات تابعه لـ"إسرائيل"،وبهذا يصبح قرار ضم الجولان أمرًا واقعًا والمطالبة به أمرًا بعيدًا عن متناول الشرعية السورية التي تتعرض في المقلب الآخر الى محاولة تدميرها، وخاصة انه تم إخراج جزء كبير من البيئة السكانية في درعا من تحت السيطرة الشرعية تحت عناوين متعددة أقلها عنوان الثورة والمواجهة مع النظام، وتم نقل هذه البيئة لتصبح تابعة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وبالتالي عسكريًا الى الاردن وغرفة العمليات المشتركة. أمام هذا الواقع، قامت الدولة السورية بإفشال جزء كبير من المخطط الذي يصل مداه الحيوي الى عمق الأرض السورية ويمتد عبر جبال القلمون ليتصل بالجبهة الشمالية.
يمكنكم دائما متابعة المزيد من الاخبار على صفحة الموقع الرئيسية لوكالة اوقات الشام الاخبارية
في العمق، من يتابع الآن المعارك في الجبهة الجنوبية، وخاصةً بعد دخول قرار المقاومة الشعبية لتحرير الجولان، أن هناك عملًا مبرمجًا عنوانه إحداث دولة درزية تضم دروز السويداء والجولان ويضم لهم سكانيًا دروز "إسرائيل" ولبنان، ليصبحوا منطقة عازلة مع أي دولة شرعية في دمشق، أو حتى مع كامل الحدود اللبنانية الجنوبية وخاصة حين يضاف لها بعض القرى المسيحية التي سيعمل قريبًا على تحريكها.
أمام هذا المخطط الذي يعمل عليه من قبل بعض القيادات الدرزية اللبنانية، ومن "إسرائيل"، ومن قيادات التيارات الاسلامية في المعارضة السورية التابعة للسعودية في قرارها والتي أنجزت اتفاقًا اقله عدم المطالبة بالجولان، والاعتراف بـ"إسرائيل"، مقابل تقديم الدعم لهم في مواجهة النظام والاستيلاء على السلطة، وطبعًا كل ذلك تحت عنوان مواجهة النفوذ الايراني. أمام هذا الواقع، كان لا بدّ من تفكيك العلاقة البنيوية بين دروز سورية وباقي النسيج السوري، من خلال التركيز على الطائفة بدلًا من السقف الوطني، من خلال اللعب على أوتار متعددة داخلية (ضمن الطائفة)،وخارجية من خلال التركيز الاعلامي على وتر أنّ الدروز ضحية وكبش محرقة في حربٍ محسومة سلفًا، وأنهم سيتركون لمصيرهم عند أول معركة حقيقية كما حدث في ادلب وغيرها، وطبعا تم التركيز ناريًا على المناطق القريبة من السويداء، وترافق ذلك مع طروحات أقلّها إعلان الحيادية، وأنّ "إسرائيل" لن تسمح وقلقة والى ما هنالك من عروض الحماية من قوات هي التي بعثتها في الاساس.
إذًا نحن أمام محاولة إسرائيلية لاحتلال السويداء لتنفيذ مخططها. نعم، هذا هو الواقع بدون تجميل بعناوين ثورية براقة. في العمق، كلنا نعلم أنّ خريطة القتال تمتد على كامل مساحة درعا والقنيطرة لتصل الى السويداء، وفوق ذلك الى دمشق وكامل ريفها، وأنّ القوات الحكومية العابرة للطوائف تقاتل بالتضامن مع القوى الشعبية لمواجهة هذا المخطط، وقد استطاعت على مدى الاربع سنوات إفشاله، لا بل ضرب جذوره. ولكن الهجمة الحالية المترافقه مع تغير الجغرافية النارية، وسقوط بعض الاماكن، أفرزت طروحات لا تمت الى أهل السويداء وبقرارهم بالمواجهة، وخاصة انهم يعلمون بالعمق أنّ الضغط على السويداء او غيرها هو جزء من الضغط الذي يمارس على كل الجبهات، وأنّ الهدف هو إمّا الانضمام الى حمايتنا ليصبح موضوع الجولان ودروزه تحصيل حاصل او قطعة إسرائيلية (أي أنّ الاسرائيليين الآن يطرحون معادلة السويداء مقابل الجولان). لهذا، ليس أمام أهلنا في السويداء وغيرها إلّا القتال والمواجهة، لتبقى العناوين، وليبقى القرار. وفي الواقع، إن دخلت السويداء على خط النار فهذا أمر متوقع، اما أن يطلب منها الخضوع فهذا امر ليس من شيم ولا كرامة اهلها.
إنّ السويداء تقاتل في كامل سورية، لهذا فإنّ القتال فيها مثل القتال في دير الزور أو في اللاذقية، إنها مواجهة بين شعب يتقن الحرية، ويعلم كيف يدافع عنها، وبين مخطط لم ينجح منذ عشرات السنين، إن لم يكن أكثر. أيها السوريون، إنّ الحق والحرية يؤخذان ولا يُعطيا، فلندافع عنهما بحد السيف، ولنطلب الموت لتوهب لنا الحياة. رحم الله سلطان باشا الاطرش، وكافة شهداء بلادي الذين أقسموا على كلمة "لن تمروا".
المصدر :
الماسة السورية / سلاب نيوز
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة