دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ما إن تنعقد قمة كبرى في أي مكان من العالم حتى ينبري شطر بكير من الإعلام وخصوصاً الخليجي إلى تبني «تسريبات» عن مصادر يصفها بـ «المطلعة» أو «الدبلوماسية الغربية» أو «المسؤولة»،دون الكشف عن اسمها ليصار إلى تظهيرها على إنها حقائق، والمعلومة التي تتصدر الإعلام عقب هذه اللقاءات منذ بداية الأزمة السورية تفيد إلى الكشف عن صفقة لرحيل الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته لا عن السلطة وحسب، بل وعن سوريا ككل، في خطوة يراد منها أولاً التشويش على العلاقة بين دمشق وحلفاءها الأساسيين وخصوصاً موسكو وطهران.
الوقوف على هذه «التسريبات» التي غالباً ما تكتب في مقر الوسيلة الإعلامية التي تصدرها دون أن يكون لها أي أساس من الصحة ولكن لمجرد إن مثل هذا الخبر في ما يمكن تسميته «سوق» الإعلام، بكون الحدث السوري واحد من الأحداث المركزية في العالم، ولكن المهم في هذه الأخبار إن الحكومة السورية متماسكة وتستند على قاعدة شعبية قوية، أصبحت تؤمن بالحل العسكري في مواجهة الإرهاب، فلسان حال المواطن السوري البسيط يؤكد على دعم الحكومة السورية في الحرب الكبرى ضد الإرهاب ومشغليه، غير إن هذه الأخبار لا تخلو من شيء من الواقع، فمن الطبيعي أن يكون الأمريكيون قد طرحوا مساومة على الروس في الملف السوري مقابل بعض التنازلات الأمريكية في الملف الأوكرانية، لكن التجربة الروسية في أوكرانيا، هي من تجعل الحكومة الروسية تتمسك بالدولة السورية وعلى رأسها الأسد أكثر من غيرها في الأزمات، فحلفاء الروس الأقوياء قلة على اعتبار إن الرئيس الأوكراني السابق «فيكتور يانوكوفيتش »، لم يكن بالقوة التي تسمح له بالصمود في وجه التيار الذي فعلته أمريكا على خلفية احتجاجات شعبية، الأمر الذي أدى إلى سقوط حكمه وبالتالي اقتراب الخطر الأمريكي من الحدود الروسية، ولا يمكن مقارنة الفهم الروسي لإستراتيجية القوة في المنطقة بالفهم الخليجي على سبيل المثال، فالروس يعون تماماً إن الدولة السورية بشكلها الحالي هو الضامن الوحيد لبقاء إمكانية وصولهم إلى المياه الدافئة، مع وعي الروس الكامل إلى أن إنشاء تحالف قوي بديلا عن التحالف مع سوريا في المنطقة شبه مستحيل، فإن كان مصر هي المرشحة الوحيدة لمثل هذا التحالف، فإن النفوذ الأمريكي وتحكم المال السعودي بمجريات الحدث الداخلي والسياسة الخارجية لمصر حالياً يجعل من المهمة صعبة، فمصر لم تعد الشريك الإستراتيجي للحكومة الروسية منذ وفاة الراحل جمال عبد الناصر، فكل الحكومات المتعاقبة على هذه الدولة كانت مرتبطة بشكل وثيق بالمساعدة الأمريكية، وبالنظر إلى بقية الدول فإن البديل معدوم بالمطلق، في حين إن الحكومات الخليجية تقرأ السياسية من التراكم المالي في خزائنها، وفي ظن الخليجيين إن كل الحكومات يمكن شراؤها بالاستثمارات، لكن التنافس الشديد على سوق الطاقة ما بين الحكومة الروسية والحكومات الخليجية يجعل من التقارب الاقتصادي بين روسيا والمنظومة الخليجية مستحيلاً، كما إن واقع التبعية الخليجية المطلقة لأمريكا يرفض هذا المنطق.
ويفهم الروس أيضا، إن استبدال الحكومات في الشرق الأوسط ما هو خطوة على طريق نشر الفوضى التي تعجل من صبغ المنطقة باللون الأمريكي، واليمن وما حل به منذ تخلي الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن الحكم، خير دليل على إن لعبة استبدال الأنظمة السياسية في المنطقة تغذي المصالح والنفوذ الأمريكي لجهة إضعاف الوجود الروسي في المنطقة، وبكون سوريا ممثلة بالرئيس الأسد هو الحليف القوي الوحيد في كل المنطقة العربية، فإن أي حديث مع الروس حول مصير سوريا الموحدة تحت حكم مستقر منتخب شعبياً، ممنوع، ولذا يركز الرئيس الروسي على تصدير معلومة إطلاعه المباشر على مسار الانتخابات الرئاسية السورية، وعلى هذا يأتي الموقف الروسي ثابتاً من الملف السوري، ومن خلال ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط المعروفة بميلها وتمويلها السعودي، إذ نقلت ما سمعه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا «ستيفان دي مستورا»، من المندوب الروسي الدائم في جنيف «أليكسي بورودافكين» مؤكدا رأي بلاده في ضرورة «احترام إرادة الشعب السوري في اختيار رئيسه وممثليه»، ودعوته بموازاة ذلك إلى إدخال تعديلات على بيان جنيف الذي صدر نهاية حزيران/ يونيو من عام 2012.وهذا ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عقب محادثات سوتشي خلال شهر أيار بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، حيث قال بوغدانوف حينها "زملاؤنا الأمريكيون أدركوا الآن شيئا واحدا، أنه لا بديل عن بشار الأسد والحكومة الحالية"، موضحاً بالقول "لقد أدركوا أنه غير ذلك، ودون بقاء الأسد وحكومته، فإن السلطة والأراضي السورية بالكامل سيأخذها المتطرفون والإرهابيون، وستكون صومال الثانية، وليبيا الثانية، وهذا سيناريو خطير للغاية".
لكن الطرافة في الغباء الإعلامي الممنهج من قبل وسائل آل سعود، إنهم يوجهون الصفعات لأنفسهم، إذا نقلت عن «مصادر دبلوماسية مطلعة»، ما قاله مسؤول الملف السوري في الخارجية الأميركية «دانيال روبنشتاين» لدي مستورا، مؤكداً إن موقف بلاده ما زال يتميز بـ«التحفظ» لجهة رحيل الحكومة السورية والرئيس الأسد، وما زالت الإدارة الأميركية ترى في الأسد «رافدا» في الحرب التي تقوم بها في العراق وسوريا ضد «داعش»، وهذا الموقف الأمريكي يأتي على الرغم من إنها تدعي عدم التنسيق مع الجانب السوري في الحرب على داعش، ولا حاجة هنا للتذكير بحرص الأمريكيين وامتناعهم عن استهداف القوات السورية المقاتلة بذريعة الخطأ كما تفعل في العراق، فالمعلومات الأكيدة تشير إلى أن المقاتلات السورية تحلق بالقرب من المقاتلات الأمريكية خلال تنفيذ أي طلعة، كما إن مقاتلات التحالف الأمريكي تدخل الأجواء السورية وهي مزودة بصواريخ من طراز «جو – جو» وهذا يأتي تحسباً لأي رد فعل سوري في حل خروج هذه المقاتلات عن مسار العلمية المراد تنفيذها.
كما إن الصحيفة نفسها نقلت عن المصادر نفسها تأكيدها بأن مسؤول الملف السوري في الخارجية البريطانية ، جون ويليكس، أبلغ دي مستورا بأن موقف بلاده مطابق للموقف الأمريكي من رحيل الحكومة السورية، وبالوقوف على الرأي الأمريكي والرأي البريطاني يتضح أن عاصفة «التسريبات» التي عادت إلى الواجهة عقب قمة الدول الصناعية الكبرى التي عقدت مؤخراً في بافاريا الألمانية، لم تكن إلا محاولة فاشلة لرفد التصعيد الميداني بما يشبه الدعم السياسي، في محاولة لتصدير فكرة أن الدولة السورية ضعفت، وأن الميليشيات تسيطر على مساحة واسعة من الأراضي السورية، وأن عمر الدولة السورية في شكلها الحالي بات في العد التنازلي لجهة أن روسيا "تبيع سوريا وتشتري أوكرانيا"، وأن إيران تبيع دمشق وتشتري الملف النووي، لكن ما معنى أن يؤكد الإيرانيين على إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه قد ينهار إذا ما بقيت الدول الكبرى تعرقل كتابة النص النهائي للاتفاق، وما معنى أن يعلن عن تمديد مشاورات دي مستورا إلى ما بعد الموعد المحدد، ولماذا لم تنتج المعارضة التي كان يعول على تشكيلها في مؤتمر القاهرة، ولم يخرج عنها سوى بيان لم يقدم جديداً عن النص الصهيوسعودي، ولماذا أيضاً هذه الحرب المسمومة إعلاميا التي تهدد باستهداف الطوائف السورية، وهل تفهم الديمقراطية الأمريكية خارج إطار حكم الأقلية السياسية لغالبية الشعب، والمقصود هنا هم المعارضات المرتهنة للقرار الخارجية، باعتبار أن الشعب السوري جسد واحد يدافع عن حقه في الوجود، وهذا ما عكسته معارك الحسكة بكل تنوعها الطائفي ضد داعش، ومعارك السويداء بكل ألوان المحافظة ضد التكفيريين التابعين لإسرائيل، وعلى هذا يمكن الجزم إن المواقف الثابتة لحلفاء سوريا ليست مبعث القوة السورية، بل إن القوة السورية هي المبعث الأساس في ثبات هذه المواقف.
المصدر :
عربي برس - محمود عبد اللطيف
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة