فقدت الليرة السورية جزءاً من قيمتها منذ بداية الأزمة في آذار من عام 2011، إذ تراجع سعر صرفها مقابل الدولار من نحو 47 ليرة على مشارف الأزمة إلى نحو 290 ليرة حالياً.

 وإزاء ذلك تتباين الآراء حول مدى مسؤولية الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد ونسبة مساهمتها في حدوث ذلك التراجع في سعر الصرف

 دمشق  | المرة الأولى التي تراجع فيها سعر صرف الليرة إلى مستويات قياسية تجاوز فيها عتبة الـ 320 ليرة للدولار كانت مع إعلان الإدارة الأميركية رغبتها في توجيه ضربة عسكرية لسوريا، وذلك في آب من عام 2013، لكن مع التوصل إلى اتفاق لتدمير برنامج سوريا الكيميائي عادت الليرة لتستعيد عافيتها وتحقق تحسناً كبيراً. ومنذ ذلك الحين والمحللون الماليون باتوا على قناعة مطلقة بأن سعر صرف الليرة يرتبط ارتباطا وثيقا بالتقلبات السياسية على صعيد الأزمة السورية، أكثر من ارتباطه بالمؤشرات الاقتصادية المؤثرة في سعر الصرف عادة، وخاصة في المناطق الآمنة التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية.

 فالمضاربون «ينتهزون أي تقدم للمجموعات المسلحة على الأرض ليشعلوا سعر صرف الدولار، ويضعوا له سعراً وهمياً بخلق فوضى سعرية بالأسواق»، بحسب المدير العام لمصرف التسليف الشعبي الدكتور محمد إبراهيم حمره، الذي بيّن لـ «الأخبار» أن غايتهم تتمثل في دفع أصحاب المدخرات الصغيرة والكبيرة لتحويلها من الليرة إلى الدولار، عبر إثارة المخاوف من إمكانية فقدان الليرة المزيد من قوتها الشرائية، مشيراً إلى أن «هؤلاء المضاربين أصبحوا مافيا منظمة لديها مخططات وآليات للدعاية والترويج والتسويق للتدخل بالسوق في أوقات يرونها مناسبة، تبدأ ببث الشائعات عبر مواقع الكترونية ونشر أسعار صرف وهمية»، الأمر الذي يؤكد أن هناك «جهات خارجية وداخلية كانت ترمي منذ البداية إلى تضخيم سعر صرف العملات أمام الليرة، لتحقيق انهيارات متتالية في قيمة العملة الوطنية».

وفي هذا السياق لم تفوت الحكومة فرصة توجيه الاتهام لجهات خارجية بالعمل على زعزعة استقرار سعر الصرف في كل مرة كان فيها السعر يتعرض لموجة تراجع، فإعلان حاكم المصرف المركزي أديب ميالة قبل نحو ثلاثة أشهر عن التدخل في سوق القطع في بيروت كان اتهاماً واضحاً لبعض الجهات في السوق المذكورة بالمضاربة على سعر صرف الليرة، فيما ذهب بعض الاقتصاديين إلى اتهام مصارف خليجية بالعمل على ذلك، تحقيقاً لغايات سياسية وانسجاماً مع مواقف حكومات تلك الدول من الحرب السورية.

لكن ذلك لا يعني بالمقابل إلقاء اللوم في تقلبات سعر الصرف على التطورات السياسية والعسكرية وحدها، ودون الأخذ بالحسبان تراجع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وبحسب الدكتور حمره فإن «تباطؤ الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض المستوى المعيشي، أثرت على نحو واضح على القيمة السوقية الحقيقية لليرة».

 المضاربون أصبحوا مافيا منظمة لديها مخططات وآليات للدعاية والترويج

 وهذا أيضاً ما ذهب إليه نائب عميد كلية الاقتصاد في دمشق الدكتور رغيد صقر قصوعة، الذي أكد في تصريحه لـ «الأخبار» أن «العامل النفسي ومخاوف أصحاب المدخرات السورية هي أمور مشروعة في ظل تدني القدرة الشرائية لليرة، والإجراء الوحيد الذي كان يبدد هذه الهواجس هو ضخ المركزي «فعلياً» لمئات الآلاف من الدولارات بالسوق، ما أعطى انطباعاً بتوافر احتياطي من القطع الأجنبي، وقطع الطريق على المضاربين وعزفهم على وتر العامل النفسي، واستغلاله أفضل استغلال في كل تطور سياسي أو عسكري»، معتقداً أن استغلال ذلك العامل «أدى دوراً سلبياً في تراجع الليرة السورية».

 «عسكرة» الصرف

 وبناءً على ذلك يمكن القول إن تحسن سعر الصرف واستقراره مرتبطان بالنتائج الإيجابية التي يمكن أن تتحقق ميدانياً واقتصادياً، فعلى سبيل المثال عندما سيطرت «جبهة النصرة» الإرهابية على مدينة إدلب، ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة مباشرة بنحو 30%، إلا أن نجاح وحدات الجيش والمقاومة في عمليات القلمون في ريف دمشق أعاد إلى الليرة نحو 20 ليرة من قيمتها مطلع شهر أيار الماضي. وبحسب إبراهيم رجب، مدير مكتب الفؤاد للصرافة، فإن إعلان الولايات المتحدة تدريب المعارضة المعتدلة في تركيا والأردن، وزيادة تمويل السعودية وقطر لحجم تمويلهما للأنشطة الإرهابية للمجموعات المسلحة، إضافة إلى دعوات الجهاد في سوريا، التي انطلقت من السعودية ودول خليجية أخرى، كلها تطورات أدت إلى حدوث حالة من عدم استقرار سعر الصرف في الأسواق المحلية.

مصدر في المصرف المركزي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أكد لـ «الأخبار» أن الشارع السوري عموماً كان يبني آمالاً بإمكانية حصول انفراج يدفع بتراجع مستوى العنف على خلفية عقد مؤتمر «جنيف 2» ولقاءات موسكو الأخيرة، إلا أن فشل تلك اللقاءات انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للبلاد وعلى استقرار سعر صرف الليرة السورية في الآونة الأخيرة.

ومقابل دعوات كثيرة انطلقت منذ بداية تدخل المصرف المركزي في سوق القطع المحلية وطالب فيها أصحابها من اقتصاديين وماليين بأن يكون التدخل عبر البنوك المرخصة لا عبر شركات الصرافة، يرى رجب في تصريحه لـ «الأخبار» أن ضخ المصرف المركزي بضعة آلاف من الدولارات في السوق النظامية إجراء لا يجدي نفعاً، على اعتبار أن العامل النفسي هو المتحكم الرقم واحد في تذبذب سعر صرف الليرة»، وما يجدي نفعا من وجهة نظره هو «ضخ مئات الملايين أسبوعياً لمواجهة الحرب الإعلامية التي تشن على الليرة»، مضيفاً أنه «عندما يضخ المركزي كتلة ضخمة من القطع الأجنبي، فإن سعر صرف الدولار مقابل الليرة سينخفض على نحو واضح، وهذا أكبر دليل على تأثير الهلع والخوف في نفوس ممتلكي الليرة، وعلى أن المضاربين يعزفون على وتر العامل النفسي».

  • فريق ماسة
  • 2015-06-08
  • 11618
  • من الأرشيف

«قميص» الليرة بعد أشهر من التراجع.....سامر حلاس

فقدت الليرة السورية جزءاً من قيمتها منذ بداية الأزمة في آذار من عام 2011، إذ تراجع سعر صرفها مقابل الدولار من نحو 47 ليرة على مشارف الأزمة إلى نحو 290 ليرة حالياً.  وإزاء ذلك تتباين الآراء حول مدى مسؤولية الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد ونسبة مساهمتها في حدوث ذلك التراجع في سعر الصرف  دمشق  | المرة الأولى التي تراجع فيها سعر صرف الليرة إلى مستويات قياسية تجاوز فيها عتبة الـ 320 ليرة للدولار كانت مع إعلان الإدارة الأميركية رغبتها في توجيه ضربة عسكرية لسوريا، وذلك في آب من عام 2013، لكن مع التوصل إلى اتفاق لتدمير برنامج سوريا الكيميائي عادت الليرة لتستعيد عافيتها وتحقق تحسناً كبيراً. ومنذ ذلك الحين والمحللون الماليون باتوا على قناعة مطلقة بأن سعر صرف الليرة يرتبط ارتباطا وثيقا بالتقلبات السياسية على صعيد الأزمة السورية، أكثر من ارتباطه بالمؤشرات الاقتصادية المؤثرة في سعر الصرف عادة، وخاصة في المناطق الآمنة التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية.  فالمضاربون «ينتهزون أي تقدم للمجموعات المسلحة على الأرض ليشعلوا سعر صرف الدولار، ويضعوا له سعراً وهمياً بخلق فوضى سعرية بالأسواق»، بحسب المدير العام لمصرف التسليف الشعبي الدكتور محمد إبراهيم حمره، الذي بيّن لـ «الأخبار» أن غايتهم تتمثل في دفع أصحاب المدخرات الصغيرة والكبيرة لتحويلها من الليرة إلى الدولار، عبر إثارة المخاوف من إمكانية فقدان الليرة المزيد من قوتها الشرائية، مشيراً إلى أن «هؤلاء المضاربين أصبحوا مافيا منظمة لديها مخططات وآليات للدعاية والترويج والتسويق للتدخل بالسوق في أوقات يرونها مناسبة، تبدأ ببث الشائعات عبر مواقع الكترونية ونشر أسعار صرف وهمية»، الأمر الذي يؤكد أن هناك «جهات خارجية وداخلية كانت ترمي منذ البداية إلى تضخيم سعر صرف العملات أمام الليرة، لتحقيق انهيارات متتالية في قيمة العملة الوطنية». وفي هذا السياق لم تفوت الحكومة فرصة توجيه الاتهام لجهات خارجية بالعمل على زعزعة استقرار سعر الصرف في كل مرة كان فيها السعر يتعرض لموجة تراجع، فإعلان حاكم المصرف المركزي أديب ميالة قبل نحو ثلاثة أشهر عن التدخل في سوق القطع في بيروت كان اتهاماً واضحاً لبعض الجهات في السوق المذكورة بالمضاربة على سعر صرف الليرة، فيما ذهب بعض الاقتصاديين إلى اتهام مصارف خليجية بالعمل على ذلك، تحقيقاً لغايات سياسية وانسجاماً مع مواقف حكومات تلك الدول من الحرب السورية. لكن ذلك لا يعني بالمقابل إلقاء اللوم في تقلبات سعر الصرف على التطورات السياسية والعسكرية وحدها، ودون الأخذ بالحسبان تراجع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وبحسب الدكتور حمره فإن «تباطؤ الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض المستوى المعيشي، أثرت على نحو واضح على القيمة السوقية الحقيقية لليرة».  المضاربون أصبحوا مافيا منظمة لديها مخططات وآليات للدعاية والترويج  وهذا أيضاً ما ذهب إليه نائب عميد كلية الاقتصاد في دمشق الدكتور رغيد صقر قصوعة، الذي أكد في تصريحه لـ «الأخبار» أن «العامل النفسي ومخاوف أصحاب المدخرات السورية هي أمور مشروعة في ظل تدني القدرة الشرائية لليرة، والإجراء الوحيد الذي كان يبدد هذه الهواجس هو ضخ المركزي «فعلياً» لمئات الآلاف من الدولارات بالسوق، ما أعطى انطباعاً بتوافر احتياطي من القطع الأجنبي، وقطع الطريق على المضاربين وعزفهم على وتر العامل النفسي، واستغلاله أفضل استغلال في كل تطور سياسي أو عسكري»، معتقداً أن استغلال ذلك العامل «أدى دوراً سلبياً في تراجع الليرة السورية».  «عسكرة» الصرف  وبناءً على ذلك يمكن القول إن تحسن سعر الصرف واستقراره مرتبطان بالنتائج الإيجابية التي يمكن أن تتحقق ميدانياً واقتصادياً، فعلى سبيل المثال عندما سيطرت «جبهة النصرة» الإرهابية على مدينة إدلب، ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة مباشرة بنحو 30%، إلا أن نجاح وحدات الجيش والمقاومة في عمليات القلمون في ريف دمشق أعاد إلى الليرة نحو 20 ليرة من قيمتها مطلع شهر أيار الماضي. وبحسب إبراهيم رجب، مدير مكتب الفؤاد للصرافة، فإن إعلان الولايات المتحدة تدريب المعارضة المعتدلة في تركيا والأردن، وزيادة تمويل السعودية وقطر لحجم تمويلهما للأنشطة الإرهابية للمجموعات المسلحة، إضافة إلى دعوات الجهاد في سوريا، التي انطلقت من السعودية ودول خليجية أخرى، كلها تطورات أدت إلى حدوث حالة من عدم استقرار سعر الصرف في الأسواق المحلية. مصدر في المصرف المركزي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أكد لـ «الأخبار» أن الشارع السوري عموماً كان يبني آمالاً بإمكانية حصول انفراج يدفع بتراجع مستوى العنف على خلفية عقد مؤتمر «جنيف 2» ولقاءات موسكو الأخيرة، إلا أن فشل تلك اللقاءات انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للبلاد وعلى استقرار سعر صرف الليرة السورية في الآونة الأخيرة. ومقابل دعوات كثيرة انطلقت منذ بداية تدخل المصرف المركزي في سوق القطع المحلية وطالب فيها أصحابها من اقتصاديين وماليين بأن يكون التدخل عبر البنوك المرخصة لا عبر شركات الصرافة، يرى رجب في تصريحه لـ «الأخبار» أن ضخ المصرف المركزي بضعة آلاف من الدولارات في السوق النظامية إجراء لا يجدي نفعاً، على اعتبار أن العامل النفسي هو المتحكم الرقم واحد في تذبذب سعر صرف الليرة»، وما يجدي نفعا من وجهة نظره هو «ضخ مئات الملايين أسبوعياً لمواجهة الحرب الإعلامية التي تشن على الليرة»، مضيفاً أنه «عندما يضخ المركزي كتلة ضخمة من القطع الأجنبي، فإن سعر صرف الدولار مقابل الليرة سينخفض على نحو واضح، وهذا أكبر دليل على تأثير الهلع والخوف في نفوس ممتلكي الليرة، وعلى أن المضاربين يعزفون على وتر العامل النفسي».

المصدر : الماسة السورية / الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة