دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا يستطيع أحد الادّعاء بالقدرة على الفصل بين ملفات المنطقة المفتوحة، ولا يقوى على الادّعاء بأنّ أسباب تفجرها أصلاً كانت محض ذاتية، فليس ثمة ما يقول بخصومة بين «جبهة النصرة» وحزب الله أو بين «داعش» و«منظمة بدر» أو كتائب حزب الله في العراق اللذين يشكلان أبرز تشكيلات الحشد الشعبي، لتبرّر الخصومة بذاتها أن تكون بين كلّ هؤلاء هذه الحرب الضروس التي تدور رحاها منذ سنة، ولا أنّ شيئاً يقول إنّ ما بين الحكم السعودي والحوثيين ما يفسّر هذه الحرب المجنونة التي دمرت اليمن، بينما يمكن القول مثلاً إنّ ما بين «النصرة» و«داعش» من جهة والسعودية من جهة مقابلة بالمفهوم السياسي لأهداف المشروعين وجغرافيتهما الواحدة وتنافسهما على الناس أنفسهم والثقافة نفسها ما يكفي لشن حروب لا تهدأ، أو أنّ ما بين قطر والسعودية أو ما بين تركيا والسعودية، من تنافس على الأدوار، وشكوك في التورّط في التخريب والاستهداف والمؤامرات ما يكفي لأكثر من حرب.
- إذا كان حزب الله في ضفة و«القاعدة» في ضفة، بالمجرد والمطلق، فما قاله حزب الله عن «القاعدة» وخطاب طوال عقدين على الأقل لم يتعد حدود التعبير اللائق والمهذب والقائم على الاحترام، عن خلاف في ما يعتبره أولوية الجهاديين الإسلاميين والدعوة للحوار حول توصيف مشترك لأولويات الأمة، ولولا ما قامت به «القاعدة» في العراق أولاً وفي سورية ثانياً لما تلفظ حزب الله بمصطلح التكفيريين والقتلة، لكن يمكن الجزم أنه خلال عقدين كاملين دأب حزب الله على التخاطب مع حالة «القاعدة» كفهم مختلف للإسلام يسعى للبحث عن صيغ تعامل معها على قاعدتي التحذير من التصادم الذي يرغبه أعداء الإسلام والمسلمين من جهة، وعلى إدارة الخلاف في فهم الأولويات وفق مبدأ الحوار واحترام حق الاجتهاد الخاص والاكتفاء بالنصح في التعبير عن الاختلاف.
- إذا كان الحوثيون في ضفة والسعوديون في ضفة بالمجرد والمطلق، لما كان في خطاب الحوثيين نحو السعودية غير الخطاب اللائق، والاحترام العالي لما يسمّيه مصالح مشروعة وتطلع لحسن جوار يمني سعودي، بظل حكم لليمن يمارس استقلاله وسيادته، لكن بما لا يستفز السعودية ولا يصيب مصالحها بالأذى، وفوق ذلك التطلع إلى مصالح مشتركة في مواجهة خطر «القاعدة» التي تنهش جسد اليمن وتتقرّب من الجسد السعودي الذي يشكل منتهى أهدافها في المنطقة.
- لو تخيّلنا أنّ الحرب التي شنّتها واشنطن لتغيير سورية وموقعها من الصراع مع «إسرائيل» لم تقع، وأنّ الشراكة السعودية والتركية والقطرية فيها لم تكن مدعوة للحضور والاستثمار والشراكة، وتخيّلنا أنّ إيران ما زالت دولة تلملم شظايا وأشلاء جراحاتها بعد الحرب التي شنها النظام العراقي السابق، وليس لديها ملف نووي يؤرق الغرب ويؤرق «إسرائيل» أكثر، بل لو تخيّلنا أنّ حزب الله اكتفى بما أنجز من تحرير لجنوب لبنان، وارتضى إنهاء مقاومته وسلاحه بعد التحرير وفقاً لما يرغبه تيار المستقبل، لكان محور أحداث المنطقة ليس فيه مكان لمواجهة بين حزب الله و«القاعدة» سواء بمسمّيات سورية أو عراقية لـ«القاعدة» كـ»النصرة» أو «داعش»، أو بمسمّيات لبنانية أو عراقية لحزب الله، ولما كان في المشهد مكان لمواجهة بين الحوثيين والسعودية وانتهى الأمر بطائف يمني يعيد توزيع السلطة وترعاه السعودية يحفظ للحوثيين مكاناً في صيغة الحكم تشبه مكانة حركة أمل وحزب الله في الطائف اللبناني.
- لو لم يكن حزب الله مصراً على خيار المقاومة ولم تكن سورية كذلك، ولم تكن إيران كذلك أيضاً، لكان من السهل أن تكون سياسة واشنطن نحو أطراف هذا المثلث هي الانفتاح والتعاون، ولصار الملف النووي الإيراني لو وجد مجرّد قضية يسهل احتواؤها، طالما «إسرائيل» ليست غدة سرطانية يجب استئصالها وفقاً للخطاب الإيراني، ولو كان حزب الله وسورية وإيران على ما هم عليه وربحت أميركا والسعودية وتركيا حربهم على سورية، وسهل الضغط على إيران وحزب الله وترويض قوتهم وحصرهما داخل الحدود وتغيّرت الجغرافيا السياسية للمنطقة، لما كان أيضاً ثمة فرصة للتصادم بين السعودية والحوثيين ولا بين «القاعدة» بمسمّياتها وحزب الله بمسمّياته، ولكان المشهد ربما هو كناية عن مواجهة على جبهتين، جبهة النزاع التركي السعودي والتي قد تنتهي بحرب وربما اجتياح سعودي لقطر بدلاً من اليمن، على من هو الوكيل المدير للمصالح العليا للحلف الذي تقوده واشنطن في المنطقة، وعلى جبهة أخرى حرب يتشارك فيها كلّ حلفاء واشنطن عنوانها ضرب «القاعدة» ومحاصرتها.
- يحدث ما يحدث لأن ما كان مأمولاً أن يحدث لم يحدث، فلم تتخلّ إيران ولا تخلت سورية ولا فكّر حزب الله بالتخلي عن الصراع المفتوح مع «إسرائيل»، ولا نجحت كلّ خيارات الحرب على مثلث المقاومة بتحقيق أهدافها، فتمّت الاستعانة بـ«القاعدة» لمواصلة المهمة، وفتحت الحرب على اليمن لتحصين الجوار الإقليمي والمدى الحيوي السعودي، وتأمين صندوق بريد للرسائل بواسطة دماء اليمنيين وعمرانهم وصولاً إلى تعزيز موقع تفاوضي لفريق خسر حربه الأساسية.
- تخوض «النصرة» و«داعش» حرب أميركا والسعودية وتركيا بالوكالة وتخوض السعودية حربها على اليمن لأنه جبهتها الأقرب على حلف المقاومة بالأصالة، وعلى هاتين الحربين سيتقرّر مصير المنطقة، وفي هاتين الحربين ثمة حرب توشك أن تنتهي، وحرب تبدو بشائر مساراتها الجديدة في الأفق، مع تقدم حزب الله والجيش السوري في القلمون.
القبول السعودي بالحل السياسي في اليمن كما القبول السعودي الذي عبرت عنه الحكومة اللبنانية ورئيسها العائد من السعودية توا، بمحاصرة «النصرة» في عرسال، إعلان هزيمة مدوية للرهانات السعودية وتسليم فاضح بالفشل.
- قال اليمن الكلمة الفصل وبعده سيهجئ التفاهم النووي حروف اللغة وتأتي الكلمة التالية لسورية.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة