تنفَّست إسرائيل الصعداء بعدما سحب رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني في مؤتمر «الفيفا» قبل وقت قصير من التصويت عليه طلبه بتعليق عضوية إسرائيل في هذه المنظمة الدولية. ووفَّرت التطورات المصاحبة للطلب الفلسطيني والضغوط الدوليَّة، فرصة للعالم للتعرُّف على جانب من معاناة قطاع من الشعب الفلسطيني جرَّاء الاحتلال الإسرائيلي وعسفه. وبرغم سحب الطلب، يصعب اعتبار ذلك انتصاراً لإسرائيل خصوصاً أنَّه ترافق بقرار وافقت عليه 165 دولة بتشكيل لجنة دولية لمراقبة سلوكيات إسرائيل في أربعة مطالب عرضها الوفد الفلسطيني تتعلق بالرياضيين والفرق الرياضية الفلسطينية.

وكان يوماً مثيراً حافلاً بالتطورات جرى فيه الانتقال، عملياً، من تهديد الفلسطينيين بالمطالبة بتعليق عضوية إسرائيل في منظمة «الفيفا» إلى تقديم الطلب رسمياً ثم إلى سحبه. وكانت إسرائيل استخفَّت في البداية بالطلب الفلسطيني، لكنَّها سرعان ما أدركت جديته، فانطلقت بكلِّ قوَّتها من أجل إحباطه. غير أنَّ مساعي الإحباط الإسرائيلية لم تكن مضمونة برغم الحديث عن الاعتماد على موقف اتحاد الكرة الأوروبي الذي يضم 53 عضواً. فقد ثبت للإسرائيليين أنَّ احتمالات طردهم من منظمات دولية، صار أقرب من أي وقت مضى.

وقد اعتقدت إسرائيل أنَّه سيكون صعباً على الفلسطينيين تجنيد غالبية ثلاثة أرباع الهيئة العامة لـ «الفيفا» والتي تعني الحصول على تأييد 156 من بين 209 أعضاء في المنظمة. ولكن مع مرور الوقت، تبيَّن لإسرائيل أنَّ تجنيد الربع المانع ليس بالسهولة التي ظنَّت. يشهد على ذلك واقع أن تراجع الفلسطينيين في اللحظة الأخيرة عن طلب تعليق عضوية إسرائيل، ترافق مع إجراء تصويت على تشكيل لجنة دولية لمراقبة سلوك إسرائيل تجاه مطالب الفلسطينيين. ونال الفلسطينيون في هذا التصويت غالبية 165 صوتاً في مقابل معارضة 18 فقط.

وبديهي أن هذا التصويت ونتيجته، تشهدان على واقع العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل في مثل هذه المنظمات التي تعتبر أقرب إلى المزاج الشعبي من قربها إلى الموقف الرسمي للدول. وبكلمات أخرى، فإنَّ نتيجة التصويت عنت أن سيف التعليق بات مسلطاًعلى رأس إسرائيل يتهددها في كل وقت وينتظر منها تغيير موقفها من الرياضيين والفرق الرياضية الفلسطينية. ومن المؤكد أنَّ الرسالة الكامنة في التصويت على لجنة الرقابة وفي التطورات التي رافقت سحب الوفد الفلسطيني لطلبه، ستدوِّي في كل المحافل الإسرائيلية وستضيء فيها كل المصابيح الحمراء.

وكان هذا جانباً ممَّا يحاول كثيرون في العالم وحتى في إسرائيل قوله لحكومة اليمين المتطرفة التي تتجه بشكل دؤوب نحو تبنِّي المزيد من القرارات العنصرية بحق الفلسطينيين. وبرهنت الأيام الأخيرة على أن محاولات إسرائيل التعامل بعنجهية مع الأسرة الدولية غير مجدية خصوصاً عندما يكون الدور الأميركي في بعض المنظمات محدوداً. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ إسرائيل وأميركا حاولتا استخدام أساليب إكراهية وتهديدية ضدَّ «الفيفا» إن قرَّرت شيئاً ضدّ إسرائيل. فقد قال أعضاء كونغرس أميركيون أنَّ الدعم الأميركي لـ «الفيفا» سيتوقف إذا ما عُلِّقت عضوية إسرائيل. كما أنَّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اعتبر أيّ قرار يصدر ضدّ إسرائيل في «الفيفا» نوعاً من التدمير للمنظمة نفسها. لكن كان ملحوظاً أنَّ الفيفا هي من بين أقوى المنظمات الدولية وأكثرها استقلالية، أساساً بسبب استقلالها المالي حيث أنَّها تكسب المليارات وتديرها جرَّاء تنظيمها للبطولات العالمية.

ومن المهم الإشارة إلى أنَّ التصويت في مؤتمر «الفيفا» تمّ على تشكيل لجنة مراقبة لمتابعة تنفيذ مطالب فلسطينية بينها حرية مرور اللاعبين الفلسطينيين في مناطق السلطة ليس داخل كل من الضفة والقطاع وإنما أيضاً بينهما ومع المحيط العربي والدولي. كما ستراقب اللجنة أمر تسلم الفرق الرياضية الفلسطينية المعدات اللازمة لها وكذلك دخول فرق كرة قدم دولية إلى مناطق السلطة. ولم تعرض للتصويت نقطة خامسة طالب بها الوفد الفلسطيني وهي تتعلق بطريقة التعامل الإسرائيلي مع خمسة فرق كرة قدم موجودة في مستوطنات أقيمت داخل الضفة الغربية.

واعتبر رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني اللواء جبريل الرجوب بعدما رفع البطاقة الحمراء للوفد الإسرائيلي في مؤتمر «الفيفا» أنَّه قرَّر سحب طلب تعليق عضوية إسرائيل، برغم استمرار معاناة الشعب الفلسطيني جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي. وبرَّر الرجوب سحب الطلب بأنَّه يتم استجابة لمطالب زملاء في اتحادات كروية أخرى.

من جانبه، طالب رئيس اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، عوفر عيني بعدم خلط الرياضة بالسياسة. وفي العموم، كانت صورة المصافحة بين الرجوب وعيني بعد التصويت فاضحة لمشاعر الاثنين: الرجوب يبتسم وعيني مقطب الجبين برغم أن عيني هو من طلب من على المنبر إجراء هذه المصافحة.

في كل حال، تنفس جوزيف بلاتر الصعداء جراء سحب الفلسطينيين لطلبهم برغم أنَّه شخصياً كان قد أعلن أنَّه ليس مع طرد إسرائيل من «الفيفا»، لكنه طالب المؤتمرين بقرار ينصف الفلسطينيين.

وكعادته حرص رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تصوير النتيجة وكأنها إنجاز كبير لحكومته. وأعلن مباركته لسحب الفلسطينيين طلبهم، وقال إنَّ «جهدنا الدولي أثبت نفسه وقاد إلى فشل محاولات السلطة الفلسطينية إبعادنا عن الفيفا. إن إسرائيل معنية بالسلام الذي يضمن أمن مواطنيها، لكن عبر الإكراه وتشويه الحقائق لن يتحقق السلام. الطريق الوحيدة لتحقيق السلام هي الشروع بمفاوضات بين الطرفين». واعتبر نتنياهو «أن هذا الاستفزاز الفلسطيني يُضاف إلى خطوات من طرف واحد ينفذها الفلسطينيون في محافل دولية مختلفة. وطالما هم يفعلون ذلك، فإنَّهم يبعدون فقط السلام بدل أن يقربوه. وفي وقت تطالب فيه الأسرة الدولية بتنفيذ خطوات بناء ثقة، يرد الفلسطينيون مرة تلو مرة بمحاولة تنفيذ خطوات أحادية الجانب تضرّ بإمكانيات تحقيق تسوية في المنطقة».

  • فريق ماسة
  • 2015-05-29
  • 15646
  • من الأرشيف

تراجع فلسطيني يبقي إسرائيل في الـ«فيفا».. بشروط!

تنفَّست إسرائيل الصعداء بعدما سحب رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني في مؤتمر «الفيفا» قبل وقت قصير من التصويت عليه طلبه بتعليق عضوية إسرائيل في هذه المنظمة الدولية. ووفَّرت التطورات المصاحبة للطلب الفلسطيني والضغوط الدوليَّة، فرصة للعالم للتعرُّف على جانب من معاناة قطاع من الشعب الفلسطيني جرَّاء الاحتلال الإسرائيلي وعسفه. وبرغم سحب الطلب، يصعب اعتبار ذلك انتصاراً لإسرائيل خصوصاً أنَّه ترافق بقرار وافقت عليه 165 دولة بتشكيل لجنة دولية لمراقبة سلوكيات إسرائيل في أربعة مطالب عرضها الوفد الفلسطيني تتعلق بالرياضيين والفرق الرياضية الفلسطينية. وكان يوماً مثيراً حافلاً بالتطورات جرى فيه الانتقال، عملياً، من تهديد الفلسطينيين بالمطالبة بتعليق عضوية إسرائيل في منظمة «الفيفا» إلى تقديم الطلب رسمياً ثم إلى سحبه. وكانت إسرائيل استخفَّت في البداية بالطلب الفلسطيني، لكنَّها سرعان ما أدركت جديته، فانطلقت بكلِّ قوَّتها من أجل إحباطه. غير أنَّ مساعي الإحباط الإسرائيلية لم تكن مضمونة برغم الحديث عن الاعتماد على موقف اتحاد الكرة الأوروبي الذي يضم 53 عضواً. فقد ثبت للإسرائيليين أنَّ احتمالات طردهم من منظمات دولية، صار أقرب من أي وقت مضى. وقد اعتقدت إسرائيل أنَّه سيكون صعباً على الفلسطينيين تجنيد غالبية ثلاثة أرباع الهيئة العامة لـ «الفيفا» والتي تعني الحصول على تأييد 156 من بين 209 أعضاء في المنظمة. ولكن مع مرور الوقت، تبيَّن لإسرائيل أنَّ تجنيد الربع المانع ليس بالسهولة التي ظنَّت. يشهد على ذلك واقع أن تراجع الفلسطينيين في اللحظة الأخيرة عن طلب تعليق عضوية إسرائيل، ترافق مع إجراء تصويت على تشكيل لجنة دولية لمراقبة سلوك إسرائيل تجاه مطالب الفلسطينيين. ونال الفلسطينيون في هذا التصويت غالبية 165 صوتاً في مقابل معارضة 18 فقط. وبديهي أن هذا التصويت ونتيجته، تشهدان على واقع العزلة الدولية التي تعيشها إسرائيل في مثل هذه المنظمات التي تعتبر أقرب إلى المزاج الشعبي من قربها إلى الموقف الرسمي للدول. وبكلمات أخرى، فإنَّ نتيجة التصويت عنت أن سيف التعليق بات مسلطاًعلى رأس إسرائيل يتهددها في كل وقت وينتظر منها تغيير موقفها من الرياضيين والفرق الرياضية الفلسطينية. ومن المؤكد أنَّ الرسالة الكامنة في التصويت على لجنة الرقابة وفي التطورات التي رافقت سحب الوفد الفلسطيني لطلبه، ستدوِّي في كل المحافل الإسرائيلية وستضيء فيها كل المصابيح الحمراء. وكان هذا جانباً ممَّا يحاول كثيرون في العالم وحتى في إسرائيل قوله لحكومة اليمين المتطرفة التي تتجه بشكل دؤوب نحو تبنِّي المزيد من القرارات العنصرية بحق الفلسطينيين. وبرهنت الأيام الأخيرة على أن محاولات إسرائيل التعامل بعنجهية مع الأسرة الدولية غير مجدية خصوصاً عندما يكون الدور الأميركي في بعض المنظمات محدوداً. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ إسرائيل وأميركا حاولتا استخدام أساليب إكراهية وتهديدية ضدَّ «الفيفا» إن قرَّرت شيئاً ضدّ إسرائيل. فقد قال أعضاء كونغرس أميركيون أنَّ الدعم الأميركي لـ «الفيفا» سيتوقف إذا ما عُلِّقت عضوية إسرائيل. كما أنَّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اعتبر أيّ قرار يصدر ضدّ إسرائيل في «الفيفا» نوعاً من التدمير للمنظمة نفسها. لكن كان ملحوظاً أنَّ الفيفا هي من بين أقوى المنظمات الدولية وأكثرها استقلالية، أساساً بسبب استقلالها المالي حيث أنَّها تكسب المليارات وتديرها جرَّاء تنظيمها للبطولات العالمية. ومن المهم الإشارة إلى أنَّ التصويت في مؤتمر «الفيفا» تمّ على تشكيل لجنة مراقبة لمتابعة تنفيذ مطالب فلسطينية بينها حرية مرور اللاعبين الفلسطينيين في مناطق السلطة ليس داخل كل من الضفة والقطاع وإنما أيضاً بينهما ومع المحيط العربي والدولي. كما ستراقب اللجنة أمر تسلم الفرق الرياضية الفلسطينية المعدات اللازمة لها وكذلك دخول فرق كرة قدم دولية إلى مناطق السلطة. ولم تعرض للتصويت نقطة خامسة طالب بها الوفد الفلسطيني وهي تتعلق بطريقة التعامل الإسرائيلي مع خمسة فرق كرة قدم موجودة في مستوطنات أقيمت داخل الضفة الغربية. واعتبر رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني اللواء جبريل الرجوب بعدما رفع البطاقة الحمراء للوفد الإسرائيلي في مؤتمر «الفيفا» أنَّه قرَّر سحب طلب تعليق عضوية إسرائيل، برغم استمرار معاناة الشعب الفلسطيني جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي. وبرَّر الرجوب سحب الطلب بأنَّه يتم استجابة لمطالب زملاء في اتحادات كروية أخرى. من جانبه، طالب رئيس اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، عوفر عيني بعدم خلط الرياضة بالسياسة. وفي العموم، كانت صورة المصافحة بين الرجوب وعيني بعد التصويت فاضحة لمشاعر الاثنين: الرجوب يبتسم وعيني مقطب الجبين برغم أن عيني هو من طلب من على المنبر إجراء هذه المصافحة. في كل حال، تنفس جوزيف بلاتر الصعداء جراء سحب الفلسطينيين لطلبهم برغم أنَّه شخصياً كان قد أعلن أنَّه ليس مع طرد إسرائيل من «الفيفا»، لكنه طالب المؤتمرين بقرار ينصف الفلسطينيين. وكعادته حرص رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تصوير النتيجة وكأنها إنجاز كبير لحكومته. وأعلن مباركته لسحب الفلسطينيين طلبهم، وقال إنَّ «جهدنا الدولي أثبت نفسه وقاد إلى فشل محاولات السلطة الفلسطينية إبعادنا عن الفيفا. إن إسرائيل معنية بالسلام الذي يضمن أمن مواطنيها، لكن عبر الإكراه وتشويه الحقائق لن يتحقق السلام. الطريق الوحيدة لتحقيق السلام هي الشروع بمفاوضات بين الطرفين». واعتبر نتنياهو «أن هذا الاستفزاز الفلسطيني يُضاف إلى خطوات من طرف واحد ينفذها الفلسطينيون في محافل دولية مختلفة. وطالما هم يفعلون ذلك، فإنَّهم يبعدون فقط السلام بدل أن يقربوه. وفي وقت تطالب فيه الأسرة الدولية بتنفيذ خطوات بناء ثقة، يرد الفلسطينيون مرة تلو مرة بمحاولة تنفيذ خطوات أحادية الجانب تضرّ بإمكانيات تحقيق تسوية في المنطقة».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة