على رغم ضراوة المعارك الدائرة على جبهات الرمادي والقلمون، من جانب كلّ من الجيش العراقي والحشد الشعبي من جهة والجيش السوري والمقاومة من جهة ثانية، في وجه «داعش» من جهة و«جبهة النصرة» المسمّاة حديثاً بـ«جيش الفتح» للتمويه من جهة موازية، وعلى رغم الإنجازات التي تحققها ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة على الجبهتين، وعلى رغم المواجهة البطولية لثوار اليمن في عدن ومأرب والتوغل المتواصل داخل الحدود السعودية ناراً ورجالاً، مقابل المجازر المتمادية التي يرتكبها الطيران السعودي بحق المدنيين والمنشآت اليمنية في صنعاء وصعدة والحديدة، بدا أنّ هذه المسارات لم تبلور بعد في السياسة ما يعيدها إلى الواجهة أمام تصدّر المشهد السعودي والتركي للاهتمامات.

 في كلّ من تركيا والسعودية، أرض خصبة للتقسيم أكثر من سورية والعراق، وفقاً لمناقشات لجنة الحكماء التي شكلها حلف الأطلسي عام 2010 في قمة فرانكفورت والتي ترأستها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، والكلام عن تركيا والسعودية للوزير السابق هنري كيسنجر رداً على أطروحة المؤرخ برنارد لويس، الداعية إلى إعادة رسم خرائط المنطقة خلافاً لخطوط «سايكس ـ بيكو»، واعتماد خطوط التماس بين الطوائف والأعراق والمذاهب أساساً بديلاً للحدود الجديدة، والهدف كما عرض لويس تفكيك وإعادة تركيب كلّ من سورية والعراق، وردّ كيسنجر كان للتأكيد على سلامة الدعوة إلى تحريك الاصطدام الطائفي واستخدامه لإضعاف الدولتين، لكن لفرض تنازلات سياسية على قياداتها وليس لبلوغ الحرب الأهلية والتقسيم كخيار بديل للخريطة الحالية، انطلاقاً من يقينه أن الفالق الديمغرافي الذي سيتقسّم العراق وتتقسّم سورية على أساسه سيكملان تلقائياً لينتهيا بتقسيم تركيا والسعودية، حيث القضية الكردية جاهزة للانفجار في تركيا بمجرّد ولادة دولة كردية في شمال العراق، وحيث تواصل الساحلين التركي والسوري ديمغرافياً وجغرافياً، وفي المقابل ولادة دولة الجنوب العراقي ستعني التحاقاً سريعاً بها للمنطقة الشرقية للسعودية.

 مصدر ديبلوماسي لبناني متابع لشؤون المنطقة، وخبير في الجغرافيا السياسية لمكوّناتها، يعتبر ما يجري في كلّ من تركيا والسعودية جمراً تحت الرماد لعنف أهلي سيضع وحدتهما على المحك قبل سورية والعراق، ويضيف أنّ تصرف الجيش السوري والجيش العراقي بعيد عن الطائفية ويطمئن المناطق التي يتواجد فيها مهما كان اللون المذهبي لسكانها، وعلى رغم كلّ التحريض لا يزال ينظر سكان كلّ مناطق سورية والعراق إلى جيشيهما كملاذ، بينما ليس هذا هو الحال في كلّ من مناطق شرق تركيا وشرق السعودية، حيث ينظر السكان إلى أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية كعدو يسفك دماء الناس ويعتدي على الكرامات، وتحركات السكان هناك تقول ما هو أكثر من ذلك، لجهة الشعور بالحرمان من المعاملة الإنسانية بحدودها الدنيا، على قاعدة قمع تاريخي لكلّ حراك سلمي للمطالبة بحقوق المواطنة.

 ويضيف المصدر الديبلوماسي الخبير، إنّ ما يتعرّض له شرق تركيا وشرق السعودية سيطفو على الواجهة قريباً كمصدر خطر على وحدة البلدين.

 

في تركيا تتعلق نتائج الانتخابات بوجهة تمثيل شرق البلاد حيث يسعى الأكراد إلى تمثيل مستقلّ سيحرم الحزب الحاكم وزعيمه رجب أردوغان من حلم تعديل الدستور لتحويل النظام إلى نظام رئاسي، بعدما جعل الحزب والرئيس هذه القضية قضية حياة أو موت، مقابل ما يعتبره الأكراد مفترقاً مصيرياً سيقرّرون في ضوئه الحرب أو السلم، وينظرون إلى كلّ تدخل لإبعادهم عن البرلمان هذه المرة كإعلان حرب سيردّون عليه بما يشبهه، وبدأت الأنباء الآتية من شرق تركيا تحمل ما لا يبشر بالهدوء والاستقرار للأيام الانتخابية المقبلة، فالحشود الأمنية تتوالى على المدن والبلدات، واقتحامات التجمّعات الانتخابية لحزب الشعوب الديمقراطي تكرّرت مراراً مع حملات اعتقالات للناشطين في الحملات الانتخابية وتهديدهم للتوقف عن النشاط، وتبدو الحال الأمنية في بلدات مسلحة أصلاً كأنها الجمر تحت الرماد، بينما يتطلع قادة الحزب الممثل للأكراد ورئيس الحزب صلاح الدين دمرتاش نحو مفاوضهم التقليدي رئيس الاستخبارات التركية هاقان فيدان، متسائلين هل سيكون في مستطاع من يصفونه برجل تركيا القوي تجنيب البلاد حمام دم آتٍ لا محالة، إذا أخليت الساحة الأمنية لهستيريا بدأت ملامحها تتقدّم على يد جماعة أردوغان وميليشياته؟

 في السعودية، في المقابل، نجح تنظيم «داعش» في استثمار حملة التعبئة التاريخية الحاقدة على المنطقة الشرقية استناداً إلى الثقافة الوهابية التي تشكل ثقافة المملكة الرسمية، وحوًل هذه الثقافة إلى سلوك عملي داعياً مساندي الحكم على أساس مذهبي أو عقائدي إلى نصرة أفعاله، كما نجح في تحويل التحريض على أسباب الحكم لنشر ثقافة العداء لإيران والعراق وسورية والتعبئة ضدّ حزب الله على أساس طائفي، إلى سؤال لا يملك وزير الداخلية ولا وزير الدفاع جواباً عليه، وهو لماذا نذهب لقتلهم في اليمن وندعو لقتالهم في لبنان وسورية والعراق وأخيراً مواجهتهم في إيران وهم بيننا هنا؟

 في المقابل يعيش سكان المنطقة الشرقية هاجس الذعر من تكرار التفجيرات وعدم الثقة بأجهزة الدولة بالجدية في تقديم الحماية لهم، وهي ذات الأجهزة التي ارتكبت بحقهم المجازر ولا تزال تعاملهم كمواطنين درجة ثانية مطعون في وطنيتهم محرومون من مواطنيتهم وحقوقها الأساسية، ويدور السؤال حول كيفية حماية مناطقهم ودور عبادتهم من المزيد من الاعتداءات؟

 نار في الهشيمين التركي والسعودي تبدو في انتظار ريح تحملها ما لم تحدث معجزة، عنوانها العقلانية ومغادرة جنون العظمة والعنصرية والعنجهية من حكام البلدين قبل أن «تقع الفاس بالراس» كما يقول المثل الشائع.

 في لبنان هشيم آخر يهدّد بالاشتعال من بوابتي عرسال والتعيينات الأمنية، ما لم تنجح مساعي النائب وليد جنبلاط في إقناع تيار المستقبل بالسير في تعيين العميد شامل روكز لقيادة الجيش، وما لم تنجح مساعي رئيس الحكومة تمام سلام لتفويض قيادة الجيش من دون تفاصيل باتخاذ الإجراءات اللازمة وحفظ الأمن في عرسال وجوارها، وترك التفاصيل للاعتبارات الميدانية التي تراها قيادة الجيش.

  • فريق ماسة
  • 2015-05-29
  • 10102
  • من الأرشيف

هل ينجح «هاقان فيدان» بتجنيب تركيا حمام دم قبل الانتخابات؟..السعودية تتهاون مع «داعش» فتهدّد المنطقة الشرقية بزلزال

على رغم ضراوة المعارك الدائرة على جبهات الرمادي والقلمون، من جانب كلّ من الجيش العراقي والحشد الشعبي من جهة والجيش السوري والمقاومة من جهة ثانية، في وجه «داعش» من جهة و«جبهة النصرة» المسمّاة حديثاً بـ«جيش الفتح» للتمويه من جهة موازية، وعلى رغم الإنجازات التي تحققها ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة على الجبهتين، وعلى رغم المواجهة البطولية لثوار اليمن في عدن ومأرب والتوغل المتواصل داخل الحدود السعودية ناراً ورجالاً، مقابل المجازر المتمادية التي يرتكبها الطيران السعودي بحق المدنيين والمنشآت اليمنية في صنعاء وصعدة والحديدة، بدا أنّ هذه المسارات لم تبلور بعد في السياسة ما يعيدها إلى الواجهة أمام تصدّر المشهد السعودي والتركي للاهتمامات.  في كلّ من تركيا والسعودية، أرض خصبة للتقسيم أكثر من سورية والعراق، وفقاً لمناقشات لجنة الحكماء التي شكلها حلف الأطلسي عام 2010 في قمة فرانكفورت والتي ترأستها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، والكلام عن تركيا والسعودية للوزير السابق هنري كيسنجر رداً على أطروحة المؤرخ برنارد لويس، الداعية إلى إعادة رسم خرائط المنطقة خلافاً لخطوط «سايكس ـ بيكو»، واعتماد خطوط التماس بين الطوائف والأعراق والمذاهب أساساً بديلاً للحدود الجديدة، والهدف كما عرض لويس تفكيك وإعادة تركيب كلّ من سورية والعراق، وردّ كيسنجر كان للتأكيد على سلامة الدعوة إلى تحريك الاصطدام الطائفي واستخدامه لإضعاف الدولتين، لكن لفرض تنازلات سياسية على قياداتها وليس لبلوغ الحرب الأهلية والتقسيم كخيار بديل للخريطة الحالية، انطلاقاً من يقينه أن الفالق الديمغرافي الذي سيتقسّم العراق وتتقسّم سورية على أساسه سيكملان تلقائياً لينتهيا بتقسيم تركيا والسعودية، حيث القضية الكردية جاهزة للانفجار في تركيا بمجرّد ولادة دولة كردية في شمال العراق، وحيث تواصل الساحلين التركي والسوري ديمغرافياً وجغرافياً، وفي المقابل ولادة دولة الجنوب العراقي ستعني التحاقاً سريعاً بها للمنطقة الشرقية للسعودية.  مصدر ديبلوماسي لبناني متابع لشؤون المنطقة، وخبير في الجغرافيا السياسية لمكوّناتها، يعتبر ما يجري في كلّ من تركيا والسعودية جمراً تحت الرماد لعنف أهلي سيضع وحدتهما على المحك قبل سورية والعراق، ويضيف أنّ تصرف الجيش السوري والجيش العراقي بعيد عن الطائفية ويطمئن المناطق التي يتواجد فيها مهما كان اللون المذهبي لسكانها، وعلى رغم كلّ التحريض لا يزال ينظر سكان كلّ مناطق سورية والعراق إلى جيشيهما كملاذ، بينما ليس هذا هو الحال في كلّ من مناطق شرق تركيا وشرق السعودية، حيث ينظر السكان إلى أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية كعدو يسفك دماء الناس ويعتدي على الكرامات، وتحركات السكان هناك تقول ما هو أكثر من ذلك، لجهة الشعور بالحرمان من المعاملة الإنسانية بحدودها الدنيا، على قاعدة قمع تاريخي لكلّ حراك سلمي للمطالبة بحقوق المواطنة.  ويضيف المصدر الديبلوماسي الخبير، إنّ ما يتعرّض له شرق تركيا وشرق السعودية سيطفو على الواجهة قريباً كمصدر خطر على وحدة البلدين.   في تركيا تتعلق نتائج الانتخابات بوجهة تمثيل شرق البلاد حيث يسعى الأكراد إلى تمثيل مستقلّ سيحرم الحزب الحاكم وزعيمه رجب أردوغان من حلم تعديل الدستور لتحويل النظام إلى نظام رئاسي، بعدما جعل الحزب والرئيس هذه القضية قضية حياة أو موت، مقابل ما يعتبره الأكراد مفترقاً مصيرياً سيقرّرون في ضوئه الحرب أو السلم، وينظرون إلى كلّ تدخل لإبعادهم عن البرلمان هذه المرة كإعلان حرب سيردّون عليه بما يشبهه، وبدأت الأنباء الآتية من شرق تركيا تحمل ما لا يبشر بالهدوء والاستقرار للأيام الانتخابية المقبلة، فالحشود الأمنية تتوالى على المدن والبلدات، واقتحامات التجمّعات الانتخابية لحزب الشعوب الديمقراطي تكرّرت مراراً مع حملات اعتقالات للناشطين في الحملات الانتخابية وتهديدهم للتوقف عن النشاط، وتبدو الحال الأمنية في بلدات مسلحة أصلاً كأنها الجمر تحت الرماد، بينما يتطلع قادة الحزب الممثل للأكراد ورئيس الحزب صلاح الدين دمرتاش نحو مفاوضهم التقليدي رئيس الاستخبارات التركية هاقان فيدان، متسائلين هل سيكون في مستطاع من يصفونه برجل تركيا القوي تجنيب البلاد حمام دم آتٍ لا محالة، إذا أخليت الساحة الأمنية لهستيريا بدأت ملامحها تتقدّم على يد جماعة أردوغان وميليشياته؟  في السعودية، في المقابل، نجح تنظيم «داعش» في استثمار حملة التعبئة التاريخية الحاقدة على المنطقة الشرقية استناداً إلى الثقافة الوهابية التي تشكل ثقافة المملكة الرسمية، وحوًل هذه الثقافة إلى سلوك عملي داعياً مساندي الحكم على أساس مذهبي أو عقائدي إلى نصرة أفعاله، كما نجح في تحويل التحريض على أسباب الحكم لنشر ثقافة العداء لإيران والعراق وسورية والتعبئة ضدّ حزب الله على أساس طائفي، إلى سؤال لا يملك وزير الداخلية ولا وزير الدفاع جواباً عليه، وهو لماذا نذهب لقتلهم في اليمن وندعو لقتالهم في لبنان وسورية والعراق وأخيراً مواجهتهم في إيران وهم بيننا هنا؟  في المقابل يعيش سكان المنطقة الشرقية هاجس الذعر من تكرار التفجيرات وعدم الثقة بأجهزة الدولة بالجدية في تقديم الحماية لهم، وهي ذات الأجهزة التي ارتكبت بحقهم المجازر ولا تزال تعاملهم كمواطنين درجة ثانية مطعون في وطنيتهم محرومون من مواطنيتهم وحقوقها الأساسية، ويدور السؤال حول كيفية حماية مناطقهم ودور عبادتهم من المزيد من الاعتداءات؟  نار في الهشيمين التركي والسعودي تبدو في انتظار ريح تحملها ما لم تحدث معجزة، عنوانها العقلانية ومغادرة جنون العظمة والعنصرية والعنجهية من حكام البلدين قبل أن «تقع الفاس بالراس» كما يقول المثل الشائع.  في لبنان هشيم آخر يهدّد بالاشتعال من بوابتي عرسال والتعيينات الأمنية، ما لم تنجح مساعي النائب وليد جنبلاط في إقناع تيار المستقبل بالسير في تعيين العميد شامل روكز لقيادة الجيش، وما لم تنجح مساعي رئيس الحكومة تمام سلام لتفويض قيادة الجيش من دون تفاصيل باتخاذ الإجراءات اللازمة وحفظ الأمن في عرسال وجوارها، وترك التفاصيل للاعتبارات الميدانية التي تراها قيادة الجيش.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة