وصلت جيوش النازي على مشارف موسكو، لكن الحرب العالمية الثانية انتهت برفع العلم السوفياتي في برلين. الخسارات في الميدان العسكري، خلال الحرب، متوقعة، ولا تدعو إلى اليأس أو القنوط. بالعكس، إنها تحفز على المزيد من الصمود وإعادة ترتيب الصفوف والهجوم المعاكس.

وفي هذه اللحظة من الانتكاس الذي يُثقل على قلوب الوطنيين السوريين والعرب، أصبح وضع الحقائق والتحديات على بساط البحث، مقدمة لا غنى عنها للرد والتحرير وفرض سيادة الدولة على كل شبر من سوريا.

أولاً، اجتياح تنظيم «داعش» لتدمر موجع جداً بسبب رمزية مدينة زنوبيا، الأثر الإنساني الخالد، وهي، أيضاً، بالغة الخطورة من الناحية العسكرية. فهي منحت التنظيم الإرهابي المجرم السيطرة على عقدة محاور رئيسية نحو حمص، والأنبار في العراق، وجنوب سوريا وشمالها. لقد أصبحت ميليشيات «داعش» في وضع يسمح لها بالهجوم والتمدّد على عدة جبهات في آن معا. وإذا ما لاحظنا أن التنظيم الإرهابي الآخر، «جبهة النصرة»، قد تمكن، مؤخراً، من احتلال إدلب وجسر الشغور والمسطومة وجوارها، عدا عن سيطرته على مناطق أساسية في جنوب سوريا، يمكننا القول إننا أمام وضع صعب للغاية، ليس على المستوى العسكري، فقط، وإنما، وهذا هو الأهم، على المستوى الجيوبولوتيكي. إن الاجتياحات المتتالية للإرهابيين، لا ينقصها سوى تغيير دراماتيكي في حلب، لترسيم مناطق تقسيم الجمهورية. وهذه هي، بالدرجة الأولى، خطة تركية علنية: «سايكس ـ بيكو» جديد.

ثانياً، ما حققه الإرهابيون من مكاسب يبقى معلقا بالفراغ؛ ذلك أنه لا يوجد سياق دولي ملائم للتقسيم والخرائط الجديدة في المنطقة، كما لا يوجد سياق سياسي داخلي لصيغة الفدرلة الواقعية، لسببين، (1) وجود كتلة "سنية"، هي الأكثر فاعلية وحيوية، في تكوين القاعدة الاجتماعية المندمجة للدولة الوطنية. لقد انشطر السنّة السوريون، شطرين، أحدهما مع الاجماع الوطني. وقد انتقل هؤلاء إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش العربي السوري، بينما شكّل الشطر الآخر، الأقل عددا وحضورا، حواضن اجتماعية للتنظيمات الإرهابية. وهو شطر من دون تمثيل سياسي، وعاجز عن الولوج في تسوية سياسية، (2) أن التنظيمات التي تشغل ما يمكن تسميته «الفضاء السني»، هي تنظيمات إرهابية موصوفة بقرارات دولية، ولا يمكن، حتى بالنسبة للولايات المتحدة، السماح لكياناتها بالاستقرار وتشكيل كانتونات إرهابية في قلب منطقة المشرق.

ثالثاً، أمام واقع قدرة الإرهابيين ــــ وحدهم، من دون الجماعات المسلحة السورية، على تحقيق مكاسب ميدانية ــــ وفي الوقت نفسه، عجزهم عن تثمير تلك المكاسب، سياسياً، يسعى التحالف السعودي ــــ التركي ــــ القطري، إلى إعادة تأهيل «النصرة» وشقيقاتها، سياسياً، في ما سُمّي «جيش الفتح»، كـ «معارضة معتدلة». أما «داعش»؛ فبرغم «التحالف الدولي» الذي شكلته الولايات المتحدة، في مواجهة هذا التنظيم بالاسم، فمن المعروف أن الكثير من خيوطه تنتهي لدى الاستخبارات التركية. وهي ستقدم، في أقرب وقت، على محاولة التوصل إلى ادماج مَن يمكن ادماجه من الدواعش في صيغة مقبولة سياسياً.

رابعاً، لا يتمتع الحلف الخليجي ــــ التركي المستجد، بالغطاء السياسي الأميركي لنشاطه الحالي في سوريا، وإنما بفترة سماح محدودة لتحقيق انجازات، قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران. وتلك لحظة مفصلية لا نعرف ما الذي تخبئه؛ فالغرب يؤكد أنه لا اتفاق من دون إتاحة المنشآت العسكرية الإيرانية للتفتيش، بينما حسم المرشد الإيراني، أخيراً، الأمر، بالرفض المبدئي الصريح؛ كيف سيتم حل هذه العقدة؟ وهل نحن ذاهبون إلى تسوية تفتح باب التسويات الإقليمية أم إلى مواجهة تفتح باب المواجهات الشاملة؟ عدم اليقين إزاء هذا السؤال يزيد المكاسب الإرهابية خطورة.

خامساً، الاستراتيجية السعودية في سوريا تختلف عن تلك التركية؛ فالرياض القلقة المرعوبة من التمدد الإيراني، تريد إسقاط الرئيس بشار الأسد، كهدف مركزي، بينما تريد تركيا تقسيم الجمهورية العربية السورية، واغتصاب قسم جديد من أراضيها، ووضع حد للطموحات الكردية، ووضع الكيانات ... المأمولة تحت نفوذها.

وعلى خلفية هذه النقاط، أصبحنا أمام جملة تحديات، لم يعد ثمة مناص من مواجهتها، من دون تأخير؛ أولاً، إجراء تحقيق ومراجعة لما حدث من انتكاسات مجتمعية وعسكرية واعلامية، وإعلام الرأي العام السوري، بالنتائج، وبالأوضاع الفعلية والمخاطر الممكنة، نحو ادماج مجتمع ــــ الدولة، سياسيا ومعنويا، في تحديات الحرب؛ ثانياً، الإعلان عن طبيعة هذه الحرب باعتبارها حرباً وطنية، هدفها تحرير الأراضي السورية من المعتدين الأجانب وعملائهم المحليين، والدفاع عن وحدة أراضي الجمهورية واستقلالها، وهو ما يتطلّب تعبئة كل الطاقات والجهود والموارد لخوضها؛ ثالثاً، وتحت عنوان حرب التحرير الوطنية، لا يوجد معارضة ولا حوار ولا مصالحات ولا عفو الخ، بل هناك معيار سياسي واحد للتعامل مع الجميع، داخلياً (وطني أو خائن) وخارجياً (حليف أو عدوّ)؛ رابعاً، الحرب الوطنية تحتاج إلى حكومة حرب وسياسات حرب واقتصاد حرب واعلام حرب، وإعلان حالة الطوارئ والنفير العام واجتثاث الفساد ووضع كل المقدرات في خدمة المقاتلين، وبالقدر نفسه، في خدمة تحسين شروط العيش والأمن للفئات الشعبية؛ خامساً، اعلان تركيا دولة غازية، واعتبار المشروع التركي في سوريا، عدوانا صريحا يفرض الردّ عليه، سياسيا ودفاعيا؛ سادساً، توسيع دائرة الحرب، بضرب المصالح السعودية والقَطرية والتركية؛ سادساً، الشروع في تشكيل قوة شعبية عربية للمشاركة في التحرير، وضرب مصالح المعتدين.

  • فريق ماسة
  • 2015-05-21
  • 14087
  • من الأرشيف

بهدوء | سوريا الجريحة؛ إلى السلاح ....بقلم ناهض حتر

وصلت جيوش النازي على مشارف موسكو، لكن الحرب العالمية الثانية انتهت برفع العلم السوفياتي في برلين. الخسارات في الميدان العسكري، خلال الحرب، متوقعة، ولا تدعو إلى اليأس أو القنوط. بالعكس، إنها تحفز على المزيد من الصمود وإعادة ترتيب الصفوف والهجوم المعاكس. وفي هذه اللحظة من الانتكاس الذي يُثقل على قلوب الوطنيين السوريين والعرب، أصبح وضع الحقائق والتحديات على بساط البحث، مقدمة لا غنى عنها للرد والتحرير وفرض سيادة الدولة على كل شبر من سوريا. أولاً، اجتياح تنظيم «داعش» لتدمر موجع جداً بسبب رمزية مدينة زنوبيا، الأثر الإنساني الخالد، وهي، أيضاً، بالغة الخطورة من الناحية العسكرية. فهي منحت التنظيم الإرهابي المجرم السيطرة على عقدة محاور رئيسية نحو حمص، والأنبار في العراق، وجنوب سوريا وشمالها. لقد أصبحت ميليشيات «داعش» في وضع يسمح لها بالهجوم والتمدّد على عدة جبهات في آن معا. وإذا ما لاحظنا أن التنظيم الإرهابي الآخر، «جبهة النصرة»، قد تمكن، مؤخراً، من احتلال إدلب وجسر الشغور والمسطومة وجوارها، عدا عن سيطرته على مناطق أساسية في جنوب سوريا، يمكننا القول إننا أمام وضع صعب للغاية، ليس على المستوى العسكري، فقط، وإنما، وهذا هو الأهم، على المستوى الجيوبولوتيكي. إن الاجتياحات المتتالية للإرهابيين، لا ينقصها سوى تغيير دراماتيكي في حلب، لترسيم مناطق تقسيم الجمهورية. وهذه هي، بالدرجة الأولى، خطة تركية علنية: «سايكس ـ بيكو» جديد. ثانياً، ما حققه الإرهابيون من مكاسب يبقى معلقا بالفراغ؛ ذلك أنه لا يوجد سياق دولي ملائم للتقسيم والخرائط الجديدة في المنطقة، كما لا يوجد سياق سياسي داخلي لصيغة الفدرلة الواقعية، لسببين، (1) وجود كتلة "سنية"، هي الأكثر فاعلية وحيوية، في تكوين القاعدة الاجتماعية المندمجة للدولة الوطنية. لقد انشطر السنّة السوريون، شطرين، أحدهما مع الاجماع الوطني. وقد انتقل هؤلاء إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش العربي السوري، بينما شكّل الشطر الآخر، الأقل عددا وحضورا، حواضن اجتماعية للتنظيمات الإرهابية. وهو شطر من دون تمثيل سياسي، وعاجز عن الولوج في تسوية سياسية، (2) أن التنظيمات التي تشغل ما يمكن تسميته «الفضاء السني»، هي تنظيمات إرهابية موصوفة بقرارات دولية، ولا يمكن، حتى بالنسبة للولايات المتحدة، السماح لكياناتها بالاستقرار وتشكيل كانتونات إرهابية في قلب منطقة المشرق. ثالثاً، أمام واقع قدرة الإرهابيين ــــ وحدهم، من دون الجماعات المسلحة السورية، على تحقيق مكاسب ميدانية ــــ وفي الوقت نفسه، عجزهم عن تثمير تلك المكاسب، سياسياً، يسعى التحالف السعودي ــــ التركي ــــ القطري، إلى إعادة تأهيل «النصرة» وشقيقاتها، سياسياً، في ما سُمّي «جيش الفتح»، كـ «معارضة معتدلة». أما «داعش»؛ فبرغم «التحالف الدولي» الذي شكلته الولايات المتحدة، في مواجهة هذا التنظيم بالاسم، فمن المعروف أن الكثير من خيوطه تنتهي لدى الاستخبارات التركية. وهي ستقدم، في أقرب وقت، على محاولة التوصل إلى ادماج مَن يمكن ادماجه من الدواعش في صيغة مقبولة سياسياً. رابعاً، لا يتمتع الحلف الخليجي ــــ التركي المستجد، بالغطاء السياسي الأميركي لنشاطه الحالي في سوريا، وإنما بفترة سماح محدودة لتحقيق انجازات، قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران. وتلك لحظة مفصلية لا نعرف ما الذي تخبئه؛ فالغرب يؤكد أنه لا اتفاق من دون إتاحة المنشآت العسكرية الإيرانية للتفتيش، بينما حسم المرشد الإيراني، أخيراً، الأمر، بالرفض المبدئي الصريح؛ كيف سيتم حل هذه العقدة؟ وهل نحن ذاهبون إلى تسوية تفتح باب التسويات الإقليمية أم إلى مواجهة تفتح باب المواجهات الشاملة؟ عدم اليقين إزاء هذا السؤال يزيد المكاسب الإرهابية خطورة. خامساً، الاستراتيجية السعودية في سوريا تختلف عن تلك التركية؛ فالرياض القلقة المرعوبة من التمدد الإيراني، تريد إسقاط الرئيس بشار الأسد، كهدف مركزي، بينما تريد تركيا تقسيم الجمهورية العربية السورية، واغتصاب قسم جديد من أراضيها، ووضع حد للطموحات الكردية، ووضع الكيانات ... المأمولة تحت نفوذها. وعلى خلفية هذه النقاط، أصبحنا أمام جملة تحديات، لم يعد ثمة مناص من مواجهتها، من دون تأخير؛ أولاً، إجراء تحقيق ومراجعة لما حدث من انتكاسات مجتمعية وعسكرية واعلامية، وإعلام الرأي العام السوري، بالنتائج، وبالأوضاع الفعلية والمخاطر الممكنة، نحو ادماج مجتمع ــــ الدولة، سياسيا ومعنويا، في تحديات الحرب؛ ثانياً، الإعلان عن طبيعة هذه الحرب باعتبارها حرباً وطنية، هدفها تحرير الأراضي السورية من المعتدين الأجانب وعملائهم المحليين، والدفاع عن وحدة أراضي الجمهورية واستقلالها، وهو ما يتطلّب تعبئة كل الطاقات والجهود والموارد لخوضها؛ ثالثاً، وتحت عنوان حرب التحرير الوطنية، لا يوجد معارضة ولا حوار ولا مصالحات ولا عفو الخ، بل هناك معيار سياسي واحد للتعامل مع الجميع، داخلياً (وطني أو خائن) وخارجياً (حليف أو عدوّ)؛ رابعاً، الحرب الوطنية تحتاج إلى حكومة حرب وسياسات حرب واقتصاد حرب واعلام حرب، وإعلان حالة الطوارئ والنفير العام واجتثاث الفساد ووضع كل المقدرات في خدمة المقاتلين، وبالقدر نفسه، في خدمة تحسين شروط العيش والأمن للفئات الشعبية؛ خامساً، اعلان تركيا دولة غازية، واعتبار المشروع التركي في سوريا، عدوانا صريحا يفرض الردّ عليه، سياسيا ودفاعيا؛ سادساً، توسيع دائرة الحرب، بضرب المصالح السعودية والقَطرية والتركية؛ سادساً، الشروع في تشكيل قوة شعبية عربية للمشاركة في التحرير، وضرب مصالح المعتدين.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة