دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
نشرت صحيفة (حرييت) التركية العريقة بتاريخ 16/5/2015 عنواناً رئيسياً بعد قرار محكمة مصرية بإحالة أوراق الرئيس المخلوع محمد مرسي إلى المفتي- جاء فيه: (العالم مصدوم!! حكم بالإعدام للرئيس الذي فاز بـ52% من الأصوات).
اقتنص أردوغان الفرصة كعادته في حمأة الحملة الانتخابية البرلمانية، واتهم الصحيفة بأنها وضعت عنواناً رئيسياً قصد منه تهديده بعقوبة الإعدام التي أنزلت بمرسي، كما اتهم (مجموعة دوغان الإعلامية) التي تعتبر الصحيفة جزءاً منها بالعلاقة مع (الكيان الموازي) أي جماعة فتح الله غولين، وقال: (نحن نعرف هذه المجموعة الإعلامية لقد هددونا بمصير مرسي خلال أحداث جيزي بارك.. والآن يعيدون التهديد نفسه في ضوء عقوبة الإعدام) وتابع القول: «هم في أذهانهم تاريخ 27 أيار (تاريخ الانقلاب العسكري عام 1960 الذي أعدم عدنان مندريس)، وفي أذهانهم الوصول للسلطة عبر طغمة عسكرية من أجل إعدام رجال الشعب، والسيطرة على السلطة عبر الانقلاب».
أعقب كلام أردوغان، تهديد آخر أطلقه أحمد داوود أوغلو الرئيس المفترض للحزب الحاكم بالقول: (إن حكومته لن تبقى صامتة في وجه المنشورات المستفزة قبل انتخابات 7/6/2015، وأن كل شخص يجب أن يعرف مكانته، وسوف يحصل على العقوبة التي يستحقها…).
الصحيفة التركية ردت في رسالة مفتوحة لأردوغان تسأله فيها:
– ماذا تريد منا؟ ولماذا تهاجمنا بظلم واضح، وتشويه واضح، ومحاولات افتراضية واضحة حول نوايانا من خلال القراءة الانتقائية؟ لماذا تستهدفنا؟
وتابعت: هل سترسلنا إلى المنفى؟ وهل ستفرض علينا حكم الإقامة الجبرية؟ هل تريد أن تجعل منا (غرباء في وطننا، ومنبوذين في بلدنا؟).
الرئيس أردوغان: أنتم قلتم (نعيش حياتنا بخوف) ونحن نسأل: لماذا يجب أن نعيش بخوف؟ ولماذا يخبر رئيس في بلد ديمقراطي مواطنيه أنهم يعيشون بخوف؟ وهل الخوف والديمقراطية مبدآن يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب؟
لتختم الصحيفة رسالتها المفتوحة لأردوغان بالقول: (إذا كنتم تقصدون أننا نخاف من الدفاع عن حقنا في حرية الصحافة، والكلام، والانتقاد التي كفلها جميعاً الدستور- فيجب حينئذ أن تعرفوا أننا سوف ندافع عن هذه الحقوق من دون خوف…).
لقد تقصدت نشر هذه التفاصيل ليدرك القارئ إلى أين وصل تورّم أردوغان السلطوي، والتسلطي على شعبه، قبل أن يبث عبق ديمقراطيته المزعومة على سورية، وغيرها من دول المنطقة، والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا يخاف أردوغان من عنوان رئيسي لصحيفة أخذته من كلامه هو- عندما أدان حكم الإعدام بحق مرسي، واعتبره غير مناسب- لأن مرسي انتخب للرئاسة بأكثر من 52% من الأصوات.. ثم ما هو الخطأ في أن تستخدم الصحيفة التعليق نفسه كعنوان رئيسي لها (كما علق يوسف قانللي في حرييت).
من الواضح أن أردوغان يعيش تحت ضغط كوابيس عديدة بدأت تلاحقه وتنعكس على تصرفاته، وتصريحاته، إذ يشعر أن حبل المشنقة يلاحقه نتيجة ارتكاباته الإجرامية في سورية، والعراق، وليبيا، واليمن، وداخل تركيا نفسها، ويتذكر دائماً تاريخ 27/ أيار 1960 عندما أطاح انقلاب عسكري بـ«عدنان مندريس» رئيس الوزراء المنتخب آنذاك بأكثر من 50% من الأصوات وحاكمه مع وزيرين، وأرسله إلى حبل المشنقة.
وعلى الرغم من محاولة الكثير من الصحفيين في تركيا القول إن مرحلة الانقلابات العسكرية قد ولت إلى غير رجعة في تركيا، وأن ظروف تركيا تختلف عن ظروف مصر، لكن أردوغان يعيش كل يوم كابوساً واحداً يلاحقه وهو حبل المشنقة، ويعيش خوفاً متزايداً يلاحقه في أحلامه، والسؤال: لماذا هذا الخوف؟
يخاف أردوغان مما ارتكبه طوال 13 عاماً من حكمه ضد الأتراك أولاً حيث فاحت رائحة فساده بالمليارات، ولم يعد بإمكانه الحديث عن نظافة الكف، والنزاهة، والطهارة، كما لم يعد بإمكانه الحديث عن التواضع بعد أن بنى قصراً فارهاً كلف أكثر من مليار دولار من أموال شعبه، ولم يعد بإمكانه الحديث عن ديمقراطية مزعومة، وحريات مفترضة بعد أن كَمّ أفواه كل صحافيي تركيا، ومؤسساتهم الإعلامية، وأما الاقتصاد الذي تفاخر دائماً بإنجازاته فيه فقد بدأت مؤشرات التراجع تضربه في كل مكان حتى وصلت نسب البطالة إلى أرقام قياسية نحو 20% بين الشباب.
يخاف أردوغان من تورطه الذي أصبح مفتوحاً في دعم الإرهاب، والتطرف وفي التآمر على سورية أرضاً وشعباً حتى أصبح السوريون يشبهونه بـ(جمال باشا السفاح)، ومحق الرئيس الأسد عندما أسماه (أردوغان السفاح).. فإلى أين سيهرب أردوغان من دفتر الحساب المليء بالجرائم- ودماء الأبرياء في سورية، وغير مكان في العالم العربي؟
يشعر أردوغان بالخوف والقلق من حكم الإعدام على مرسي، ولكنه لا يشعر بالقلق من إعلان منشور في السعودية لطلب ملء شواغر لوظيفة (سيّاف) لقطع الرؤوس، والأيدي، والأرجل، ولا يشعر بالقلق من تجاوز حالات قطع الرؤوس في السعودية إلى أكثر من سبعين حالة في هذا العام- ومع ذلك لا يرف له جفن.
من الواضح أن أردوغان يريد استدرار عواطف الأتراك كعادته قبيل انتخابات 7/6/2015 البرلمانية من خلال الاستفادة حتى من عنوان رئيسي لصحيفة لكسب الأصوات، التي تقول كل استطلاعات الرأي العام التركية إنها لن توصله لما يحلم به أي نظام رئاسي مطلق.
يشرح أحد الصحفيين الأتراك وضع الحزب الحاكم بالقول: إن حزب العدالة والتنمية لا يريد أن يفهم أن حكم تركيا وبقاءه في السلطة ليس قدراً محتوماً له، ولا قدراً محتوماً لتركيا أن يبقى هو في السلطة.. ويوضح: إن هذه الحقيقة البسيطة لا يرغب هؤلاء في قبولها لأنهم يعرفون أنهم ما إن يسقطوا من السلطة فسوف يحاكمون على جرائمهم، ويُحاسبون.. ولأنهم يعرفون ذلك فقد تحول هذا الحزب إلى عدواني، وتقولب بطريقة تفكير خطيرة.. ولن يكون من السهولة دفعهم خارج السلطة.. لكن عليهم أن يعرفوا أنه لا سلطة الدولة، ولا أي خطط سوداء ستكون كافية لوقف انهيارهم القادم لا محالة..).
بغض النظر عما يراه الأتراك من توقعات لشأنهم الداخلي، لكن كل المؤشرات تقول إنه حتى لو حصلوا على مقاعد كافية في البرلمان- فإنه لن يكون بمقدورهم نقل تركيا للنظام الرئاسي، وهذا بحد ذاته هزيمة لأردوغان الذي يشعر في كل يوم أن حبل المشنقة يزداد اقتراباً من رقبته، وأقصد هنا: حبل المشنقة السياسي- الذي أسقطه كنموذج إخواني- منافق- مجرم- أريد تقديمه لنا في هذه المنطقة.
ولأن الأمر كذلك- هل عرفتم الآن لماذا يكره أردوغان الرئيس بشار الأسد؟، لأنه بصموده مع جيشه وشعبه أسقط أحلام هذا المصاب بجنون العظمة.. الذي تلاحقه الآن كل الكوابيس بما فيها كابوس: حبل المشنقة.
المصدر :
د. بسام أبو عبد الله
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة