دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تجري على الأرض السورية إرهاصات خطرة تنبئ بقرب اندلاع المواجهة الإقليمية حتماً، كما تشهد المنطقة «الشرق أوسطية» إعادة تموضع لبعض السياسات الإقليمية، انطلاقاً من المستجدات في الملفين السوري والنووي الإيراني، فنلاحظ انكفاءاً قطرياً وإماراتياً في الشكل عن مجريات الأمور على الساحة الإقليمية في مقابل اندفاع سعوديّ جنونيّ تجاه الحرب. هذا الانكفاء ليس مردّه الوعي السياسي أو العودة عن الأخطاء السياسية السابقة التي أغرقت العرب في الفوضى والدم، بل مردّه عاملان: أولهما الرغبة الأميركية في إعطاء الفرصة الأخيرة للملكة السعودية قبل توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب لكسب المعارك في ساحات الاشتباك السعودي في المنطقة، كنوع من الترضية لجنون صبية الحكم الجدد في المملكة، والعامل الثاني هو دراية الكيان القطري باستحالة النجاح السعودي في مخططاته في سورية، فكأنها تريد مكانة ما بعد المهلة الأميركية للسعودية من باب وراثة الدور القطري للسعودية كما عودتنا السياسة الانتهازية القطرية.
بالعودة إلى المخطط السعودي في المنطقة وبعد فشل «عاصفة الحزم» في تحقيق الهدف الحقيقي للعدوان في اليمن وهو استجرار المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران لإجهاض ليس فقط الاتفاق النووي بل الدور الإيراني الجديد في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، لكنّ هذه المناورة السعودية فشلت في تحقيق الهدف، فانتهى بنك الأهداف وفشل سيناريو الحرب الإقليمية، انطلاقاً من اليمن. وهنا نلاحظ أنّ الولايات المتحدة لم ترغب باندلاع الحرب السعودية الإيرانية انطلاقاً من اليمن فأرسلت سفنها وقاذفاتها الصاروخية إلى باب المندب وانتهت المواجهة بإيقاف الحرب بشكلها «عاصفة الحزم» واستبدالها بنسخة معدّلة اسمها «إعادة الأمل»، بمعنى أنّ الولايات المتحدة أرادت حفظ ماء الوجه للملك وابنه في مقابل دور إيراني في الحلّ السياسي في اليمن، بمعنى احتواء أميركي مزدوج للصراع،. جرى الحديث بعده عن سيناريو نقل «عاصفة الحزم» إلى سورية وأرسل الحريري مفاوضاً، لكنّ الموقف المصري كان حازماً بعدم المشاركة في أيّ عملية جوية ضدّ سورية وأعطت الإمارات إشارات مماثلة بسحب مقاتلاتها من الأردن والتي أنيطت بها مهمّة ضرب أهداف داعشية في سورية ضمن الائتلاف الدولي لضرب داعش في سورية والعراق. هنا وجدت السعودية نفسها في مأزق، فعملت على إعادة تقييم الحرب في اليمن والاستفادة من دروس الفشل هناك لعلها تفلح في سورية، فاندفع محمد بن نايف إلى تركيا بتاريخ 6 نيسان على رأس وفدٍ عسكريّ استخباراتي للتحضير لسيناريو «عاصفة حزم» جديدة ضدّ سورية، ولكن بنسخة معدلة فالطلعات الجوية في سورية، على غرار النموذج اليمني لن تفي بالغرض نتيجة عدة عوامل : أولها قوة الدفاعات الجوية السورية واستحالة تحقيق النصر مع تكبدها الهزيمة المحتومة، وثانيها الموقف الإيراني الذي لن يتردّد في الدخول في المعركة بقوته الجوية والبحرية والصاروخية، ما يعني انتقال المعركة إلى الأرض السعودية وهنا نقرأ إرسال إيران لسفنها إلى مضيق المندب، في إشارة أبعد من دعم اليمن فإذا كان حال اليمن إرسال سفن، ما طبيعة الردّ في سورية؟! هنا الرسالة الإيرانية. أما العامل الثالث فهو أنه لا يوجد غطاء إقليمي أو دولي لمثل هذا السيناريو السعودي، فكانت الخطة السعودية استبدال الضربات الجوية والتي أثبتت فشلاً ذريعاً في اليمن، بتوجيه «صدمات عنيفة» برية ضدّ الجيش السوري بالتنسيق مع تركيا و الأردن و أطراف لبنانية، تقوم التنظيمات العاملة بالإمرة السعودية والتركية بتنفيذ هذه الصدمات وتقوم الطائرات التركية والأردنية بمهمّة الإسناد اللوجيستي والمخابراتي لهذه الفصائل الإرهابية، ويكون هدف هذه الصدمات إحداث هزات عنيفة على المستويين الشعبيّ والرسميّ في سورية، وإضعاف الروح المعنوية للمقاتل والحاضن الشعبي السوريّ، متزامناً مع تكثيف الحملات الإعلامية والحرب الاقتصادية، تكون نتيجتها الإحباط الشعبي العام في سورية، وهو ما سينعكس على مشاورات جنيف3 ومايليها. طبعاً سيتم تنفيذ هذا السيناريو على مراحل متلاحقة بمعنى إحداث هزات عنيفة ضدّ الجيش السوري على مراحل متتابعة في جبهات مختلفة لإحداث الأثر المطلوب فكانت البداية من مدينة إدلب وجسر الشغور، تليها محاولة أخرى في الجنوب السوري حيث بدأت الفصائل العاملة بالتوجيه السعودي بتصفية الوجود «الداعشي» هناك كمقدمة لإحداث هزة عنيفة هناك، تليها الجبهة الشرقية لحمص والقلمون، وتكون خاتمتها في محيط العاصمة دمشق عبر الأداة الإرهابية زهران علوش والذي أعطي مهمّة سعودية بخلخلة الوضع الأمني في دمشق ضمن تلك الخطة السعودية أثناء زيارته الأخيرة إلى تركيا.
مجمل هذه الهزات العنيفة ستعمل على تشتيت الجهد العسكري السوري ومحاصرة القيادة السورية بفعل الضغط الشعبي العام المحبط حينها. وقد يكون مثل هذا السيناريو أوسع إذا ما قرّرت السعودية تغطية عدوان «إسرائيلي» على «حزب الله» في الجنوب، عبر عملية برية تربك الحليفين السوري وحزب الله، في وقت تقوم التنظيمات الإرهابية في الجرود القلمونية والبقاع الشرقي بمهمّة التشتيت والتمدّد داخل لبنان.
ولياً للعهد ومحمد بن سلمان ولياً لولي العهد بقرار أميركي، وظهر هنا عادل الجبير وزيراً للخارجية مع إعادة بندر بن سلطان إلى الواجهة بانتظار عودة ما إلى مواقع صنع القرار السعودي.
طبعاً الأهداف الأميركية مختلفة عن الأهداف السعودية في سورية، فالولايات المتحدة تريد حصار إيران سياسياً في سورية لدفعها إلى تقديم حزمة تنازلات جديدة في ملفها النووي قبل حزيران المقبل والضغط على روسيا لدفعها إلى تقديم تنازلات سياسية وعسكرية في ملف شرق أوكرانيا. لذلك كان القرار الأميركي تنفيذ السيناريو السعودي بأدوات إرهابية ميدانية وليس ضربات جوية سعودية عربية تركية لا تستطيع الولايات المتحدة بعدها ضبط الصراع وتداعياته، وخصوصاً على «إسرائيل»، بينما الأهداف السعودية في مثل هذا السيناريو هي محاولة إسقاط الدولة السورية أو فرض وقائع ميدانية لتحصيل مكاسب سياسية في سورية إذا ما أنجز الحلّ السياسيّ، إضافة إلى فرض نفسها قوة إقليمية عسكرية في مواجهة إيران النووية مستقبلاً.
بعد مجمل ما تمّ تقديمه على ما يبدو كانت القراءة السورية عميقة للحدث الإدلبي وما يليه، وكانت زيارة وزير الدفاع العماد فهد جاسم الفريج إلى طهران وزيارة وزير الداخلية اللواء محمد الشعار إلى روسيا أبعد من الاطلاع على جاهزية المحور للردّ، في حال المواجهة البرية والجوية، لتتخطاها إلى إيصال رسائل إلى المحور برمته، فسورية التزمت الصمت سابقا ًكي لا تحرج حلفائها ولكنّ الصمت لن يدوم كثيراً وردّ العدوان سيكون بقطع اليد التي ستمتدّ إلى سورية، ومعنى ذلك أنّ الردّ لن يطاول فقط الأدوات الإرهابية في الداخل وفق السياسة السّورية السابقة للردّ على الأعداء، بل سيطال اليد المموّلة والمدربة للإرهابيين، لأنّ القيادة السورية لن تنتظر إلى ما لا نهاية في تلقي الضربات والاكتفاء بردّ العدوان، لذلك كان القرار السوري بتأمين الجبهة الداخلية بعملية استباقية للجيش في القلمون السوري وعرسال اللبنانية، بالتنسيق مع «حزب الله» وتأمين محيط العاصمة السورية انطلاقاً من جوبر، وقد أُبلغ الحلفاء نفاذ الصبر السوري على المسارات السياسية، وأطلقت عمليات للمقاومة السورية في الجولان المحتل بمعنى إعلان الجهوزية الكاملة للمواجهة العسكرية مع العدو «الإسرائيلي» في رسالة تحدٍّ واضحةٍ من القيادة السورية.
من باب التحليل السياسيّ أتوقع ردّاً قاسماً للقوات السورية على معسكرات وميليشيات الإرهابي زهران علوش في محيط العاصمة دمشق، بمعنى إعلان المواجهة العسكرية المؤجلة مع الوهابية السعودية وعندها ستقطع اليد التي ستمتد على سورية، وطبعاً يبقى القول إنّ إجهاض هذا السيناريو السعودي سيكون في يد المجتمع السوري بتماسكه وثبات معنوياته وإيمانه بقوة جيشه وقدرته على النصر، شعارنا دائماً جيشنا أملنا.
المصدر :
البناء/ سومر صالح
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة