ظاهرة عقد مجالس إدارات المصارف خارج البلاد، منذ سنة ونيّف، دفعت المصرف المركزي إلى توجيه تحذيرات متتالية لدفع هذه المصارف إلى التزام عقد اجتماعاتها داخل سوريا.

 وبعدما تلمّس تشبثها باللقاء خارجاً، رفع المصرف المركزي، مطلع الشهر الجاري، مذكّرة إلى مجلس النقد والتسليف يقترح فيها إلزام المصارف بعقد اجتماع واحد داخل البلاد، بعد ثلاثة اجتماعات في الخارج، بحسب ما كشف لـ«الأخبار» حاكم المصرف المركزي، أديب ميالة.

 وتحدّث ميالة عن «أهمية وجود أعضاء مجالس الإدارات وتماسهم مع المديرين التنفيذيين، الراسمين لسياسات العمل المصرفي وخططه، وذلك بغية إنعاش القطاع المصرفي، المعول عليه في تنشيط عملية إعادة الإعمار في المرحلة المقبلة». وبهذا يكون ميالة قد أكد معلومات أكثر من مصدر عن هذا الأمر. إلا أنه نفى، من جانب آخر، الأنباء التي تحدثت عن عدم وجود المديرين العامين على رأس عملهم، مشيراً إلى أن غالبيتهم يحضرون شخصياً، ويديرون العمل من مكاتبهم داخل المصارف، وبالتالي فالنشاط المصرفي الخاص «مستمر وقائم ما دام التنفيذيون مهتمين، ولا خوف»، على حد تعبيره.

 قرارات محبطة

 أسباب عديدة قد تكون وراء «إحباط» بعض أعضاء مجالس المصارف الخاصة، منها مثلاً: القرارات المكبلة لنشاطات التمويل، والاشتراطات التعجيزية في الضمانات، ومعدلات الفائدة الدائنة العالية التي تجاوزت 16%، إضافة إلى مفرزات الأزمة التي ألقت بظلالها على النشاط المصرفي، وعامل آخر، في غاية الأهمية، أشار إليه فادي الجليلاتي، المدير المالي للمصرف الدولي للتجارة والتمويل، يتمثل في أن «نسبة لا يستهان بها، من أعضاء مجالس إدارات المصارف الخاصة ينتمون إلى دول اتخذت أنظمتها موقفاً معادياً من الحكومة السورية (قطر، السعودية، الأردن) وهؤلاء كان لهم دور في عقد مجالس الإدارة لاجتماعاتها خارج سوريا».

نسبة كبيرة من أعضاء مجالس الإدارات ينتمون إلى دول موقفها معادٍ لسوريا

وهؤلاء يصل عددهم، وفق تقرير الحكومة، الصادر عن هيئة الأوراق والأسواق المالية، إلى نحو 46 عضواً، ينتمون إلى ست دول عربية ومنظمات دولية. ويلفت الجليلاتي إلى أن مفوضية الحكومة «تعتزم إصدار قرار يتضمن حضور 75% من أعضاء المجلس واعتباره كافياً لانعقاد المجلس، وذلك لسد الذرائع على المتعذرين بهذا الأمر». كذلك أكد الجليلاتي لـ«الأخبار» وجود المديرين التنفيذيين على رأس عملهم، وعدم صحة ما يقال عن إدارتهم للمصارف عبر «Skype»، مدللاً على ذلك بوجود الجميع، ودون استثناء، في الاجتماعات الدورية التي يعقدها «المركزي»، وغرف الصناعة والتجارة، مع رجال الأعمال، بمن فيهم القائمون على المصارف الخاصة. وأوضح أن «غالبية المديرين العامين هم من جنسيات عربية، ومن الطبيعي أن يحصلوا على إجازاتهم السنوية كاملة، وخصوصاً بعد تراجع النشاط المالي والنقدي في سوريا». ويعتقد أن هذا ما دفع البعض «إلى الصيد في الماء العكر» كلما تغيّب أحد المديرين عن أي اجتماع.

من جانبها، ترى المصارف العامة أنها كانت أكثر حضوراً ونشاطاً في تقديم الخدمات المصرفية، نتيجة وجود القائمين عليها (إداريين وعمالاً) في سوريا، وتأدية الأعمال المناطة بهم «على أكمل وجه». وبحسب المدير العام للمصرف التجاري السوري، فراس سلمان، فإن «القرارات الصادرة عن الحكومة بخصوص العمل المصرفي، موحّدة وملزِمة للقطاعين العام والخاص». وأشار في تصريحه لـ«الأخبار» إلى أنّ «تغيّب بعض مديري المصارف الخاصة غير مبرر»، مذكراً إياهم بأن «حضورهم قبل الأزمة في اجتماعات مجالس الإدارات كان منتظماً وبكامل الأعضاء. آنذاك كان الاقتصاد في مرحلة نموّ، وكان واعداً، وأرباح المصارف الخاصّة تزداد». وتساءل عن سبب إهمال بعض المديرين لأعمال مصرفه، وعدم متابعة عملياته في مرحلة حرجة تمرّ بها البلاد، ملمّحاً إلى وجود مديرين عامين لمصارف خاصة خارج البلاد منذ أشهر.

دون أدنى شك، إن المرحلة الحالية، بظروفها، تفرض على مجالس الإدارات حضور جميع الاجتماعات، لما فيه مصلحة القطاع المصرفي، والاقتصاد الوطني، على حد سواء. ويضيف الخبير المصرفي، الدكتور محمد حمرة، لـ«الأخبار»: «هناك قضايا مالية أخرى توجب على الأعضاء والمديرين التنفيذيين الاستمرارية والتواصل مع أعمالهم، لتحقيق إدارة حصيفة للأصول والخصوم، والاهتمام بنحو كبير بالمخاطر (كيفية إدارة المخاطر)، إضافة إلى المحافظة على تحقيق معدل مرتفع من العائد لأصحاب حقوق الملكية الذي انخفض كثيراً جرّاء الإهمال الإداري الواضح، وتدنّي النشاط المالي بالبلاد جرّاء الأزمة». ومن وجهة نظره، إن «متابعة المديرين العامين في الوقت الراهن تبدو مهمة وضرورية لإدارة المخاطر في المصرف التي تقوم على عدد من المبادئ، يجري من خلالها التحديد والقياس والمتابعة والمراقبة للمخاطر التي يواجهها البنك، إضافة إلى أن التعامل، إلكترونياً، يؤدي إلى فجوة في علاقة المصرف بالعملاء. وهي ثُغَر قد تسبب، لاحقاً، خسائر كبيرة للمصرف». ورأى حمرة أن مجالس الإدارة تتحمل مسؤولية ما فقدته بعض المصارف من أموال، خلال الفترة الماضية، وهذا ما يدفع خبيراً مصرفياً آخر (طلب عدم ذكر اسمه) إلى مطالبة مصرف سورية المركزي، بحلّ مجالس إدارات المصارف التي تراكمت خسائرها على مرّ السنين، نتيجة عدم التزامها الاجتماعات، ومتابعة مهماتها حسب ما ورد في دليل الحوكمة.

  • فريق ماسة
  • 2015-05-08
  • 12901
  • من الأرشيف

مصارف خاصة تعقد اجتماعاتها خارج سوريا! ...والمركزي يحذر

ظاهرة عقد مجالس إدارات المصارف خارج البلاد، منذ سنة ونيّف، دفعت المصرف المركزي إلى توجيه تحذيرات متتالية لدفع هذه المصارف إلى التزام عقد اجتماعاتها داخل سوريا.  وبعدما تلمّس تشبثها باللقاء خارجاً، رفع المصرف المركزي، مطلع الشهر الجاري، مذكّرة إلى مجلس النقد والتسليف يقترح فيها إلزام المصارف بعقد اجتماع واحد داخل البلاد، بعد ثلاثة اجتماعات في الخارج، بحسب ما كشف لـ«الأخبار» حاكم المصرف المركزي، أديب ميالة.  وتحدّث ميالة عن «أهمية وجود أعضاء مجالس الإدارات وتماسهم مع المديرين التنفيذيين، الراسمين لسياسات العمل المصرفي وخططه، وذلك بغية إنعاش القطاع المصرفي، المعول عليه في تنشيط عملية إعادة الإعمار في المرحلة المقبلة». وبهذا يكون ميالة قد أكد معلومات أكثر من مصدر عن هذا الأمر. إلا أنه نفى، من جانب آخر، الأنباء التي تحدثت عن عدم وجود المديرين العامين على رأس عملهم، مشيراً إلى أن غالبيتهم يحضرون شخصياً، ويديرون العمل من مكاتبهم داخل المصارف، وبالتالي فالنشاط المصرفي الخاص «مستمر وقائم ما دام التنفيذيون مهتمين، ولا خوف»، على حد تعبيره.  قرارات محبطة  أسباب عديدة قد تكون وراء «إحباط» بعض أعضاء مجالس المصارف الخاصة، منها مثلاً: القرارات المكبلة لنشاطات التمويل، والاشتراطات التعجيزية في الضمانات، ومعدلات الفائدة الدائنة العالية التي تجاوزت 16%، إضافة إلى مفرزات الأزمة التي ألقت بظلالها على النشاط المصرفي، وعامل آخر، في غاية الأهمية، أشار إليه فادي الجليلاتي، المدير المالي للمصرف الدولي للتجارة والتمويل، يتمثل في أن «نسبة لا يستهان بها، من أعضاء مجالس إدارات المصارف الخاصة ينتمون إلى دول اتخذت أنظمتها موقفاً معادياً من الحكومة السورية (قطر، السعودية، الأردن) وهؤلاء كان لهم دور في عقد مجالس الإدارة لاجتماعاتها خارج سوريا». نسبة كبيرة من أعضاء مجالس الإدارات ينتمون إلى دول موقفها معادٍ لسوريا وهؤلاء يصل عددهم، وفق تقرير الحكومة، الصادر عن هيئة الأوراق والأسواق المالية، إلى نحو 46 عضواً، ينتمون إلى ست دول عربية ومنظمات دولية. ويلفت الجليلاتي إلى أن مفوضية الحكومة «تعتزم إصدار قرار يتضمن حضور 75% من أعضاء المجلس واعتباره كافياً لانعقاد المجلس، وذلك لسد الذرائع على المتعذرين بهذا الأمر». كذلك أكد الجليلاتي لـ«الأخبار» وجود المديرين التنفيذيين على رأس عملهم، وعدم صحة ما يقال عن إدارتهم للمصارف عبر «Skype»، مدللاً على ذلك بوجود الجميع، ودون استثناء، في الاجتماعات الدورية التي يعقدها «المركزي»، وغرف الصناعة والتجارة، مع رجال الأعمال، بمن فيهم القائمون على المصارف الخاصة. وأوضح أن «غالبية المديرين العامين هم من جنسيات عربية، ومن الطبيعي أن يحصلوا على إجازاتهم السنوية كاملة، وخصوصاً بعد تراجع النشاط المالي والنقدي في سوريا». ويعتقد أن هذا ما دفع البعض «إلى الصيد في الماء العكر» كلما تغيّب أحد المديرين عن أي اجتماع. من جانبها، ترى المصارف العامة أنها كانت أكثر حضوراً ونشاطاً في تقديم الخدمات المصرفية، نتيجة وجود القائمين عليها (إداريين وعمالاً) في سوريا، وتأدية الأعمال المناطة بهم «على أكمل وجه». وبحسب المدير العام للمصرف التجاري السوري، فراس سلمان، فإن «القرارات الصادرة عن الحكومة بخصوص العمل المصرفي، موحّدة وملزِمة للقطاعين العام والخاص». وأشار في تصريحه لـ«الأخبار» إلى أنّ «تغيّب بعض مديري المصارف الخاصة غير مبرر»، مذكراً إياهم بأن «حضورهم قبل الأزمة في اجتماعات مجالس الإدارات كان منتظماً وبكامل الأعضاء. آنذاك كان الاقتصاد في مرحلة نموّ، وكان واعداً، وأرباح المصارف الخاصّة تزداد». وتساءل عن سبب إهمال بعض المديرين لأعمال مصرفه، وعدم متابعة عملياته في مرحلة حرجة تمرّ بها البلاد، ملمّحاً إلى وجود مديرين عامين لمصارف خاصة خارج البلاد منذ أشهر. دون أدنى شك، إن المرحلة الحالية، بظروفها، تفرض على مجالس الإدارات حضور جميع الاجتماعات، لما فيه مصلحة القطاع المصرفي، والاقتصاد الوطني، على حد سواء. ويضيف الخبير المصرفي، الدكتور محمد حمرة، لـ«الأخبار»: «هناك قضايا مالية أخرى توجب على الأعضاء والمديرين التنفيذيين الاستمرارية والتواصل مع أعمالهم، لتحقيق إدارة حصيفة للأصول والخصوم، والاهتمام بنحو كبير بالمخاطر (كيفية إدارة المخاطر)، إضافة إلى المحافظة على تحقيق معدل مرتفع من العائد لأصحاب حقوق الملكية الذي انخفض كثيراً جرّاء الإهمال الإداري الواضح، وتدنّي النشاط المالي بالبلاد جرّاء الأزمة». ومن وجهة نظره، إن «متابعة المديرين العامين في الوقت الراهن تبدو مهمة وضرورية لإدارة المخاطر في المصرف التي تقوم على عدد من المبادئ، يجري من خلالها التحديد والقياس والمتابعة والمراقبة للمخاطر التي يواجهها البنك، إضافة إلى أن التعامل، إلكترونياً، يؤدي إلى فجوة في علاقة المصرف بالعملاء. وهي ثُغَر قد تسبب، لاحقاً، خسائر كبيرة للمصرف». ورأى حمرة أن مجالس الإدارة تتحمل مسؤولية ما فقدته بعض المصارف من أموال، خلال الفترة الماضية، وهذا ما يدفع خبيراً مصرفياً آخر (طلب عدم ذكر اسمه) إلى مطالبة مصرف سورية المركزي، بحلّ مجالس إدارات المصارف التي تراكمت خسائرها على مرّ السنين، نتيجة عدم التزامها الاجتماعات، ومتابعة مهماتها حسب ما ورد في دليل الحوكمة.

المصدر : الاخبار / سامر حلاس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة