دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم تأتِ القرارات الملكية لسلمان بن عبد العزيز بما لم يكن متوقعاً. ثبّت ملك السعودية نجله "الشاب عديم الخبرة" في ثالوث الحكم، مستكملاً انقلاباً على حكم أخيه باشر به قبل دفنه.
وفي قرارات يُنتظر أن يكون لها إرتدادات في الداخل السُعودي، قطع الملك الطريق على أبناء وأحفاد الملك المؤسس عبد العزيز، في صفقة زاوجت بين آماله والطموحات الأميركية.
لاشك أن الملك السُعودي كان يتأمل تحقيق سيناريو آخر يأتي بنجله كـ"بطل" إلى سدة ولاية ولاية العهد. وهذا ما يفسر ما تنقله مصادر مطلعة لموقع المنار عن أن قرار العدوان العسكري على اليمن، اتُخذ من قبل الملك وابنه فقط، قبل أن يُعلن من واشنطن.
المصادر نفسها تفيد بأن نقاشاً تطور إلى إشكال وكاد أن يتطور إلى اشتباك بالأيدي بين مقرن، ابن الملك المؤسس عبد العزيز من أم يمنية، ومحمد بن سلمان، ابن الملك المدلل، على خلفية ما أبداه الأول من رفض للمعارك واستياء من فشلها خلال زيارة بن سلمان له.
المؤكد حتى اليوم أن اليمن تمكن من الإطاحة بحلم الملك. حزم السعوديون آمالهم التي تعصف بمستقبل اليمن. لكن "عاصفة الحزم" فشلت فخرجت المملكة السعودية لتُعلن عن انهائها، لصالح عملية "إعادة الأمل". لم تكن الثانية إلا مسمىً جديداً بأهداف فضفاضة تُمكِّن السعوديين من إدعاء اي انتصار، بعد عجزهم عن تحقيق أي هدف من عمليتهم العدوانية الأولى… وهي نتيجة وحيدة خلصت إليها المملكة بعد "عاصفة الحزم"، وهي أنه ليس بمقدورها تحقيق أي شيء، في ظل انتقادات حادة في الداخل السعودي لما اتفق على أنه "مغامرة شاب عديم الخبرة"، لا يتجاوز عمره 27 عاماً وفق ترجيحات المتخصص في الشأن الخليجي سايمون هندرسون.
الجيّد هنا، التوقف عند قراءة الباحث والكاتب في الشان السعودي فؤاد ابراهيم لما كتبته الصحفية اللبنانية راغدة درغام في جريدة الحياة اللندنية:
"مقالة راغدة درغام في صحيفة (الحياة) لصاحبها الأمير خالد بن سلطان، حول القرار 2216 الخاص باليمن تحت الفصل السابع، في 24 نيسان الجاري تشير، في الحد الأدنى، إلى تباين المقاربات بين الأمراء، وتلفت إلى الغاية من الانتقال من «عاصفة الحزم» إلى «استعادة الأمل» التي وصفتها بـ«استراتيجية خروج» وأنها «كانت ضرورية لتجنّب الانزلاق إلى مستنقع بري في اليمن، لا سيما بعدما بات واضحاً أن لا مصر ولا باكستان جاهزتان للتورط بقوات برية في اليمن». درغام لمّحت إلى ما كان يتداوله أمراء آل سعود في السر عن «الاستعجال» الذي وقع عندما بدأت «عاصفة الحزم»، وأن «العملية لم تجهّز الناحية البرّية من الحرب في اليمن، ولم تضع خطة «باء» في حال عدم توافر الجيوش البرية. فالغارات الجوية وحدها لم يكن لها أن تنجز المهمة العسكرية مهما كانت مكثفة». أسهبت درغام في نقد الاستراتيجية العسكرية السعودية في «عاصفة الحزم»، وأن المسؤول عن قرار الحرب، أي محمد بن سلمان، لم يكن على دراية كافية بقواعد الحروب، وشدّدت على الإرباك المبكّر في بنية التحالف العشري، لا سيما «عبر إعلان انتماء باكستان إلى «التحالف» ليليه رفض باكستان الانخراط فيه». بدا المقال كما لو أنه «سرديّة» عسكرية من نوع خاص، إن لم يكن بمثابة خلاصة لجلسة مكثفة مع خالد بن سلطان وأمراء آخرين لديهم مقاربة مختلفة عن تلك التي لدى وزير الدفاع محمد بن سلمان".
فشل رهان الملك على العاصفة التي أراد منها حسم معاركه الداخلية والخارجية. والانتقادات التي أخذت تخرج إلى العلن عن فشل محمد بن سلمان، معطوفة على وضع الملك الكهل الذي يعاني من صعوبة في التركيز ووضع صحي متراجع، سرّعت صدور التعيينات الأخيرة.
الرضا الأميركي الذي اكتسبته القرارات الانقلابية الأولى لسلمان قبل دفن أخيه عبدالله، تسلح بها الملك هذه المرة أيضاً، بوجه الأمراء الطامحين للحكم في الداخل. نجح سلمان للمرة الثانية في مغازلة الود الأميركي بتعزيز نفوذ الولايات المتحدة الأميركية في وزارة الخارجية بعد أن كانت الداخلية بيدها؛ مُكّن رجل أميركا الأول في السعودية، محمد بن نايف، من الحكم باسناد ولاية العهد إليه، كما أنه تم استبدال أكبر معمر في منصب وزارة الخارجية، سعود الفيصل، برجل من خارج آل سعود، يتمتع بميزتين: الأولى تكمن في علاقته الوثيقة بالأميركيين، والثانية تتمظهر بكون الجبير هو من أعلن من واشنطن حرب الملك السعودي على اليمن… ليُقطع بالتالي أي حديث عن تكهنات بعودة نفوذ الجناح السديري.
في تغريدات للشخصية الافتراضية "مجتهد"، والتي تصح غالباً، ذكّر المغرد السعودي بما سبق ونشره عن ضغوط تعرض لها ولي العهد السعودي السابق مقرن بن عبدالعزيز للتنازل عن ولاية العهد. وقال إن التعيينات الأخيرة لم تحظَ بموافقة "أبناء عبدالعزيز".. وقال: "لم يوافق احمد وعبدالاله وممدوح ومتعب وطلال وبندر وتركي وعبدالرحمن، ومن الأحفاد لم يوافق مشعل بن سعود ومحمد بن فهد ومحمد بن سعد"، إضافة إلى أحفاد خالد بن سلطان وإخوانه.
وفي تغريدة أخرى، قال إن عبد العزيز بن عبدالله قدم استقالته من منصب نائب وزير الخارجية "فيما يبدو احتجاجا على تعيين عادل الجبير"، متوقعاً "أن لا تقبل استقالته إلا بعد مدة".
كلام مجتهد عززه بيان أصدره طلال بن عبد العزيز قال فيه إنه "لاسمع ولا طاعة… وبالتالي لا بيعة لمن خالف "مبادئ الشريعة ونصوصها وأنظمة الدولة التي أقسمنا على الطاعة لها"، واصفاً قرارات الملك السعودي بالارتجالية.
وما يُذكر يتفق مع معلومات مؤكدة تفيد بأن 2000 أمير من آل سعود، خرجوا من الأراضي السعودية ليستقروا في سلطنة عمان والمغرب والامارات.
بموجب قراراته التي لن تكون الأخيرة حتماً، تمكن سلمان بن عبد العزيز من التخلص من الجزء الأهم من تركة سلفه الراحل دون الوقوف على رأي هيئة البيعة، في نقض واضح لتوصية أخيه عبد الله بأن أمر تعيين مقرن في ولاية العهد "لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان".
أمام المملكة سلة تعيينات جديدة من المتوقع أن تطال متعب بن عبد الله… وعندها قد يصح القول إن الملك نجح في التخلص من تركة سلفه نهائياً، ويُعتقد أن طموحات سلمان بن عبدالعزيز وابنه لا تتوقف هنا، بل قد تطال محمد بن نايف نفسه، هنا يقول المتخصص في الشأن الخليجي سايمون هندرسون: "يُنظر إلى ولي العهد الجديد، محمد بن نايف، وعلى نطاق واسع بأنه الملك المستقبلي المفضل لواشنطن، ولكن إرتقاء محمد بن سلمان وصعوده بلا هوادة في الأشهر الأخيرة يشير إلى أن هذا الشاب يمكن أن يحل محل الأمير محمد بن نايف قبل وصول هذا الأخير الى العرش"، خصوصاً أن بن نايف قد يستفيد من سياسات عمه الانقلابية لابعاد كل المنافسين في حال وصوله إلى الحكم، وبدعم أميركي أكبر هذه المرة.
يعود هندرسون ليكتب: "السؤال الرئيسي هو متى ستحدث الجولة المقبلة من التغييرات، ومن هم الذين سيستفيدون منها؟"... ولعل الإجابة عن سؤال هندرسون لن تستغرق وقتاً طويلة، إلا أن الملِّح التساؤل عن توقيت ظهور ارتدادات القرارات الأخيرة… أم أنها ستنتظر الجرعة الانقلابية المقبلة، قبل أن يتخذ أمراء المملكة قرار إسقاط الهيكل على رؤوس الجميع؟
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة