لم يخطر في بال أحد في تركيا أن يشكّل الأكراد يوماً تحدياً انتخابياً لأي حكومة. لكنهم الآن باتوا الشغل الشاغل للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» الذي يحكم تركيا منذ 13 سنة، متعهدين التحوّل «كابوساً» لرئيس الوزراء السابق ومنعه من إقامة نظام رئاسي.

 فبعد مسيرة شاقة وطويلة للأكراد، مع قوانين انتخابية وضعها العسكر لمنع دخول أحزابهم البرلمان، وحلّها وحظرها عند أقل هفوة، بات «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي على عتبة دخول البرلمان، مستفيداً من أصوات الناخبين الناقمين على أردوغان وحكومته، ومن توسيع أفقه السياسي ليخرج عن كونه مشروعاً كردياً خالصاً، اذ بات ملاذاً للأقليات واليسار والمدافعين عن حقوق المرأة.

 زيادة شعبية حزبَي «الشعب الجمهوري» و «الحركة القومية»، أبرز فصيلين معارضين في تركيا، لا تزعج أردوغان أو رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، بمقدار تعزيز «حزب الشعوب الديموقراطية» شعبيته، اذ إن دخوله البرلمان سيحرم الحكومة نحو 50 مقعداً كانت تغنمها سنوياً، بسبب بقاء الحزب الكردي خارج البرلمان، لعدم نيله نسبة 10 في المئة من أصوات الناخبين، وهي العتبة البرلمانية المنصوص عليها في الدستور، والتي يُصرّ «العدالة والتنمية» على إبقائها، على رغم أنها من إرث الانقلابيين العسكر، اذ تؤمّن له مقاعد في البرلمان أكثر من نسبة الأصوات التي ينالها من الناخبين.

 لذلك بدأ رئيس «حزب الشعوب الديموقراطية» صلاح الدين دميرطاش حديثه، لدى إعلانه البرنامج الانتخابي للحزب، معتبراً أن هذا البرنامج سيشكّل «كابوساً» بالنسبة إلى «السلطان» أردوغان، ووعد الأخير بـ «كوابيس كثيرة أخرى»، إذا دخل حزبه البرلمان، علماً أنه بات يتمتع بشعبية تراوح بين 8 - 12 في المئة من أصوات الناخبين. وتعهد دميرطاش إنهاء مناخ «خوفٍ» فرضه أردوغان، وزاد: «لا يمكننا بناء تركيا جديدة، إلا من خلال تحوّل جذري».

 ويختلف برنامج الحزب عن برامج الأحزاب الأخرى، بسبب تركيبته التي تعطي خصوصية للمرأة، تمثّلت أولاً بوجود رئيس مشارك للحزب هي السيدة فيغان يوكسيك دار التي شاركت دميرطاش مؤتمره الصحافي، متعهدة تشكيل وزارة خاصة بالمرأة وتحفيز عمل النساء وتوظيفهنّ في دوائر حكومية. واعتبرت يوكسيك دار أن البرنامج الانتخابي للحزب «سيمثّل آمال كل شعوب تركيا وقناعاتها»، وتابعت: «في دستورنا لن يكون هناك نظام رئاسي».

 الحزب الذي يمثّل الأكراد الآن ثلثَي كوادره فقط، تجنّب الحديث في شكل مباشر عن القضية الكردية، مكتفياً بالتعهد بتركيا جديدة لامركزية وحق التعليم باللغة الأم لكل القوميات، والمصالحة مع كل الأقليات والقوميات، والتطبيع مع أرمينيا وفتح الحدود معها. وهذه وعود تنسجم مع مطالب الأكراد والأرمن والمسيحيين المشاركين في الحزب الذي استطاع استمالة حوالى 3 في المئة من الناخبين غير الأكراد للتصويت لمصلحته، ليس دعماً مباشراً لبرنامجه الحزبي، بل في محاولة لإطاحة الحكومة من خلال دخول الحزب البرلمان.

 لذلك يركّز أردوغان والحكومة كل انتقاداتهم على «حزب الشعوب الديموقراطية»، ويتهمونه بدعم الإرهاب وإثارة نعرات عرقية. بل إن وسائل الإعلام الموالية للحكومة باتت تحض ناخبي «حزب الشعب الجمهوري» على التمسك بدعم حزبهم وتأييده في الانتخابات، بعدما أظهرت استطلاعات للرأي أن مصوّتين للحزب بدأوا يميلون إلى «حزب الشعوب الديموقراطية»، إذ يرون أنه أكثر قدرة على إطاحة الحكومة، على رغم أن شعبيته لا تتجاوز ربع شعبية «حزب الشعب الجمهوري».

 ويبدو أن أردوغان الذي راهن قبل سنة على الأصوات الكردية لدعم حكومته في الانتخابات، ودعم حلمه بإقامة نظام رئاسي، يجد نفسه في حرب انتخابية شعواء مع الساسة الأكراد الذين لم تُقِمْ لهم أي حكومة تركية سابقاً وزناً في المواجهات السياسية.

  • فريق ماسة
  • 2015-04-21
  • 13360
  • من الأرشيف

حزب الأكراد يتعهد التحوّل «كابوساً للسلطان»

لم يخطر في بال أحد في تركيا أن يشكّل الأكراد يوماً تحدياً انتخابياً لأي حكومة. لكنهم الآن باتوا الشغل الشاغل للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» الذي يحكم تركيا منذ 13 سنة، متعهدين التحوّل «كابوساً» لرئيس الوزراء السابق ومنعه من إقامة نظام رئاسي.  فبعد مسيرة شاقة وطويلة للأكراد، مع قوانين انتخابية وضعها العسكر لمنع دخول أحزابهم البرلمان، وحلّها وحظرها عند أقل هفوة، بات «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي على عتبة دخول البرلمان، مستفيداً من أصوات الناخبين الناقمين على أردوغان وحكومته، ومن توسيع أفقه السياسي ليخرج عن كونه مشروعاً كردياً خالصاً، اذ بات ملاذاً للأقليات واليسار والمدافعين عن حقوق المرأة.  زيادة شعبية حزبَي «الشعب الجمهوري» و «الحركة القومية»، أبرز فصيلين معارضين في تركيا، لا تزعج أردوغان أو رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، بمقدار تعزيز «حزب الشعوب الديموقراطية» شعبيته، اذ إن دخوله البرلمان سيحرم الحكومة نحو 50 مقعداً كانت تغنمها سنوياً، بسبب بقاء الحزب الكردي خارج البرلمان، لعدم نيله نسبة 10 في المئة من أصوات الناخبين، وهي العتبة البرلمانية المنصوص عليها في الدستور، والتي يُصرّ «العدالة والتنمية» على إبقائها، على رغم أنها من إرث الانقلابيين العسكر، اذ تؤمّن له مقاعد في البرلمان أكثر من نسبة الأصوات التي ينالها من الناخبين.  لذلك بدأ رئيس «حزب الشعوب الديموقراطية» صلاح الدين دميرطاش حديثه، لدى إعلانه البرنامج الانتخابي للحزب، معتبراً أن هذا البرنامج سيشكّل «كابوساً» بالنسبة إلى «السلطان» أردوغان، ووعد الأخير بـ «كوابيس كثيرة أخرى»، إذا دخل حزبه البرلمان، علماً أنه بات يتمتع بشعبية تراوح بين 8 - 12 في المئة من أصوات الناخبين. وتعهد دميرطاش إنهاء مناخ «خوفٍ» فرضه أردوغان، وزاد: «لا يمكننا بناء تركيا جديدة، إلا من خلال تحوّل جذري».  ويختلف برنامج الحزب عن برامج الأحزاب الأخرى، بسبب تركيبته التي تعطي خصوصية للمرأة، تمثّلت أولاً بوجود رئيس مشارك للحزب هي السيدة فيغان يوكسيك دار التي شاركت دميرطاش مؤتمره الصحافي، متعهدة تشكيل وزارة خاصة بالمرأة وتحفيز عمل النساء وتوظيفهنّ في دوائر حكومية. واعتبرت يوكسيك دار أن البرنامج الانتخابي للحزب «سيمثّل آمال كل شعوب تركيا وقناعاتها»، وتابعت: «في دستورنا لن يكون هناك نظام رئاسي».  الحزب الذي يمثّل الأكراد الآن ثلثَي كوادره فقط، تجنّب الحديث في شكل مباشر عن القضية الكردية، مكتفياً بالتعهد بتركيا جديدة لامركزية وحق التعليم باللغة الأم لكل القوميات، والمصالحة مع كل الأقليات والقوميات، والتطبيع مع أرمينيا وفتح الحدود معها. وهذه وعود تنسجم مع مطالب الأكراد والأرمن والمسيحيين المشاركين في الحزب الذي استطاع استمالة حوالى 3 في المئة من الناخبين غير الأكراد للتصويت لمصلحته، ليس دعماً مباشراً لبرنامجه الحزبي، بل في محاولة لإطاحة الحكومة من خلال دخول الحزب البرلمان.  لذلك يركّز أردوغان والحكومة كل انتقاداتهم على «حزب الشعوب الديموقراطية»، ويتهمونه بدعم الإرهاب وإثارة نعرات عرقية. بل إن وسائل الإعلام الموالية للحكومة باتت تحض ناخبي «حزب الشعب الجمهوري» على التمسك بدعم حزبهم وتأييده في الانتخابات، بعدما أظهرت استطلاعات للرأي أن مصوّتين للحزب بدأوا يميلون إلى «حزب الشعوب الديموقراطية»، إذ يرون أنه أكثر قدرة على إطاحة الحكومة، على رغم أن شعبيته لا تتجاوز ربع شعبية «حزب الشعب الجمهوري».  ويبدو أن أردوغان الذي راهن قبل سنة على الأصوات الكردية لدعم حكومته في الانتخابات، ودعم حلمه بإقامة نظام رئاسي، يجد نفسه في حرب انتخابية شعواء مع الساسة الأكراد الذين لم تُقِمْ لهم أي حكومة تركية سابقاً وزناً في المواجهات السياسية.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة