|في (11) آذار من هذا العام كشف الرئيس الأميركي أوباما لصحيفة (نيويوركر) الأميركية أن لديه إستراتيجية للشرق الأوسط يريد بالاستناد إليها إيجاد «توازن جيوسياسي» في المنطقة

عن طريق التعامل السياسي الأميركي المتوازن بين السعودية وإيران بحيث تخدم هذه الإستراتيجية هدف تحقيق «بعض الاستقرار» في هذه المنطقة القابلة لزيادة الانفجار وتوسع دائرته. والحقيقة التي نستمدها من التطورات الجارية والمتتابعة بين الدول الكبرى في المنطقة نجد أن إستراتيجية أوباما لا تهدف إلى إيجاد توازن إستراتيجي بقدر ما تهدف إلى زيادة توظيف الدور السعودي لمصلحة توسيع دائرة التفجير لتصل إلى اليمن أي إلى دائرة النفوذ السعودي نفسها في شبه الجزيرة العربية وهو الذي يعرف أن استنزاف السعودية في أول حرب مباشرة بهذا الحجم من القوة العسكرية وتحت غطاء دول عربية سيفرض ظروفاً جديدة على المنطقة كلها وليس في شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر.

ولذلك كان مدير مركز أبحاث (مؤسسة هودسون) (لي سميث) و(هيليل فرادكين) و(روبرت سالتوف) قد تولوا مهمة إجراء (نقاش بحثي) حول إذا ما كانت إستراتيجية أوباما للشرق الأوسط ستتعرض للفشل أو النجاح وهؤلاء من المختصين بشؤون الإسلام والعرب في المراكز الأميركية التي تساعد في صنع السياسة الأميركية عن طريق الأبحاث وتقديم الخطط.

وقدم هؤلاء المختصون توقعات باحتمالات فشل أوباما في تحقيق أهدافه المعلنة أي إنه لن يحقق توازناً مستقراً بين دول المنطقة رغم أن معظم هذه الدول متحالفة مع واشنطن والدور الذي تقوم به يخدم دائماًً المصلحة الأميركية التقليدية في مجابهة الدول والقوى المناهضة للسياسة الأمريكية والتخلص منها.

ويستمد المراقب من آراء هذا المركز أن إدارة أوباما من مصلحتها خلق النزاعات بين الدول والحكام الذين تصنفهم أصدقاء لها من أجل تحقيق مصالح لا تراها هذه الدول فالخلاف في الاتجاه السياسي بين قطر الصغيرة جداً والسعودية كبرى دول مجلس الخليج ما زال موجوداً وقد تستغله قطر بموجب ما يراه بعض المحللين الأميركيين لتحويله إلى نزاع على الحدود إذا ما انشغلت السعودية بحربها ضد اليمن بشكل أعمق.

فالتجارب التي تظهر من العلاقات التقليدية بين دول شبه جزيرة العرب تدل على أن بعض الدول مثل عُمان والكويت تتخذ مواقف مختلفة عن السعودية ولا تستطيع السعودية أن تفرض على جميع دول الخليج موقفاً واحداً رغم أنها أقوى وأكبر من بقية دول الخليج والسبب واضح يتعلق بالحماية الأميركية لكل دولة من دول الخليج.

وهذا ما تثبته قواعد اللعبة الأميركية المهيمنة على جميع الدول العربية المتحالفة معها بهذا الشكل أو ذاك ولذلك يرى (سالتوف) أن إدارة أوباما قادرة دائماً على تحقيق مصلحتها غير المعلنة في المنطقة حتى عن طريق فرض سياسة محددة على هذه الدولة أو تلك ومن دون اعتراض. والمعروف للجميع أن صدام حسين كان حليفاً لواشنطن منذ عام 1980 حتى عام 1990 حين شن حربه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ثم نصبت له واشنطن فخاً في الكويت ودفعته إلى احتلاله رغم أنه لم يكن مناهضاً لهيمنتها أو مصالحها في العراق أو غير العراق بعد توقف الحرب العراقية - الإيرانية.

فالولايات المتحدة وجدت عام 1990 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أنها قادرة على وضع قواعد لعبة جديدة مع حليفها العراقي يتوفر لها من خلالها مصالح أكثر وأوسع على مستوى إقليمي ودولي أي لأسباب إستراتيجية تتجاوز الإبقاء على تحالفها مع العراق بالطريقة السابقة، ولنفس هذه الأسباب بعيدة المدى أبقت واشنطن على نظام صدام بعد تحريرها للكويت ضمن إستراتيجية (الاحتواء المزدوج) الموجهة ضد إيران والخطر الذي تشكله على المصالح الأميركية فاستمرار وجود صدام من عام 1991 حتى عام 2003 كان يخدم الاستراتيجية الأميركية ثم أصبحت مهمة احتلال العراق عام 2003 مصلحة أكثر اتساعاً وأكثر بعداً من أجل تقسيمه هذه المرة، فواشنطن يمكن أن تضع سياسة معلنة للشرق الأوسط تطمئن من خلالها حلفاءها المحليين وأن يكون لها في الوقت نفسه سياسة غير معلنة تنفذها بطريقة خاصة وغير مباشرة لتحقيق المصالح الحقيقية منها، وهذا ما يحذر منه المختصون الأوروبيون في السياسة الأمريكية تعقيباً على الحرب السعودية على اليمن واحتمال نصب فخ أميركي للسعودية في اليمن.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-03-31
  • 10896
  • من الأرشيف

واشنطن وإستراتيجيتها غير المعلنة تجاه السعودية

|في (11) آذار من هذا العام كشف الرئيس الأميركي أوباما لصحيفة (نيويوركر) الأميركية أن لديه إستراتيجية للشرق الأوسط يريد بالاستناد إليها إيجاد «توازن جيوسياسي» في المنطقة عن طريق التعامل السياسي الأميركي المتوازن بين السعودية وإيران بحيث تخدم هذه الإستراتيجية هدف تحقيق «بعض الاستقرار» في هذه المنطقة القابلة لزيادة الانفجار وتوسع دائرته. والحقيقة التي نستمدها من التطورات الجارية والمتتابعة بين الدول الكبرى في المنطقة نجد أن إستراتيجية أوباما لا تهدف إلى إيجاد توازن إستراتيجي بقدر ما تهدف إلى زيادة توظيف الدور السعودي لمصلحة توسيع دائرة التفجير لتصل إلى اليمن أي إلى دائرة النفوذ السعودي نفسها في شبه الجزيرة العربية وهو الذي يعرف أن استنزاف السعودية في أول حرب مباشرة بهذا الحجم من القوة العسكرية وتحت غطاء دول عربية سيفرض ظروفاً جديدة على المنطقة كلها وليس في شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر. ولذلك كان مدير مركز أبحاث (مؤسسة هودسون) (لي سميث) و(هيليل فرادكين) و(روبرت سالتوف) قد تولوا مهمة إجراء (نقاش بحثي) حول إذا ما كانت إستراتيجية أوباما للشرق الأوسط ستتعرض للفشل أو النجاح وهؤلاء من المختصين بشؤون الإسلام والعرب في المراكز الأميركية التي تساعد في صنع السياسة الأميركية عن طريق الأبحاث وتقديم الخطط. وقدم هؤلاء المختصون توقعات باحتمالات فشل أوباما في تحقيق أهدافه المعلنة أي إنه لن يحقق توازناً مستقراً بين دول المنطقة رغم أن معظم هذه الدول متحالفة مع واشنطن والدور الذي تقوم به يخدم دائماًً المصلحة الأميركية التقليدية في مجابهة الدول والقوى المناهضة للسياسة الأمريكية والتخلص منها. ويستمد المراقب من آراء هذا المركز أن إدارة أوباما من مصلحتها خلق النزاعات بين الدول والحكام الذين تصنفهم أصدقاء لها من أجل تحقيق مصالح لا تراها هذه الدول فالخلاف في الاتجاه السياسي بين قطر الصغيرة جداً والسعودية كبرى دول مجلس الخليج ما زال موجوداً وقد تستغله قطر بموجب ما يراه بعض المحللين الأميركيين لتحويله إلى نزاع على الحدود إذا ما انشغلت السعودية بحربها ضد اليمن بشكل أعمق. فالتجارب التي تظهر من العلاقات التقليدية بين دول شبه جزيرة العرب تدل على أن بعض الدول مثل عُمان والكويت تتخذ مواقف مختلفة عن السعودية ولا تستطيع السعودية أن تفرض على جميع دول الخليج موقفاً واحداً رغم أنها أقوى وأكبر من بقية دول الخليج والسبب واضح يتعلق بالحماية الأميركية لكل دولة من دول الخليج. وهذا ما تثبته قواعد اللعبة الأميركية المهيمنة على جميع الدول العربية المتحالفة معها بهذا الشكل أو ذاك ولذلك يرى (سالتوف) أن إدارة أوباما قادرة دائماً على تحقيق مصلحتها غير المعلنة في المنطقة حتى عن طريق فرض سياسة محددة على هذه الدولة أو تلك ومن دون اعتراض. والمعروف للجميع أن صدام حسين كان حليفاً لواشنطن منذ عام 1980 حتى عام 1990 حين شن حربه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ثم نصبت له واشنطن فخاً في الكويت ودفعته إلى احتلاله رغم أنه لم يكن مناهضاً لهيمنتها أو مصالحها في العراق أو غير العراق بعد توقف الحرب العراقية - الإيرانية. فالولايات المتحدة وجدت عام 1990 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أنها قادرة على وضع قواعد لعبة جديدة مع حليفها العراقي يتوفر لها من خلالها مصالح أكثر وأوسع على مستوى إقليمي ودولي أي لأسباب إستراتيجية تتجاوز الإبقاء على تحالفها مع العراق بالطريقة السابقة، ولنفس هذه الأسباب بعيدة المدى أبقت واشنطن على نظام صدام بعد تحريرها للكويت ضمن إستراتيجية (الاحتواء المزدوج) الموجهة ضد إيران والخطر الذي تشكله على المصالح الأميركية فاستمرار وجود صدام من عام 1991 حتى عام 2003 كان يخدم الاستراتيجية الأميركية ثم أصبحت مهمة احتلال العراق عام 2003 مصلحة أكثر اتساعاً وأكثر بعداً من أجل تقسيمه هذه المرة، فواشنطن يمكن أن تضع سياسة معلنة للشرق الأوسط تطمئن من خلالها حلفاءها المحليين وأن يكون لها في الوقت نفسه سياسة غير معلنة تنفذها بطريقة خاصة وغير مباشرة لتحقيق المصالح الحقيقية منها، وهذا ما يحذر منه المختصون الأوروبيون في السياسة الأمريكية تعقيباً على الحرب السعودية على اليمن واحتمال نصب فخ أميركي للسعودية في اليمن.  

المصدر : تحسين الحلبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة