.بعيداً عن الأسباب الجدلية حول هبوط أسعار برميل النفط، سواء كانت سياسية أو تعزو إلى أزمات اقتصادية بحتة، فإن تذبذب السعر يترك آثاراً واضحة على حركة التبادل التجاري. كما أن ارتفاعه يساهم في ارتفاع معدل التضخم النقدي في الدول النفطية.  

 وتجاوزه يحتاج إلى إدخال الفائض النقدي في التنمية البشرية والاقتصادية. وإذا كان ذلك يجد له طريقاً للتنفيذ في الدول الصناعية، فإن السياسات المالية والنقدية في غالبية الدول النفطية، وبشكل خاص الخليجية، تفتقر إلى ذلك، وتجد في إيداع الفائض النقدي في بنوك الغرب وسيلتها الوحيدة، فتبقى نتيجة لذلك دولاً ذات نمط إنتاج ريعي مهدّدة بالتصدع والانهيار، نتيجة اعتمادها الكلي على ثروة ناضبة. السعودية، وهي المصدر الأول للنفط في العالم، لا يبتعد واقعها عن هذه الحال.

والسؤال المطروح إذا كانت السعودية شريكاً أساسياً في تراجع أسعار النفط، فهل هذا يعني أنها في منأى عن تداعيات هذه السلبيات، وإلى أي مدى هي قادرة على امتصاص هذا التراجع، خصوصا في ظل ما نعرفه عن كيان المملكة القائم على عائدات النفط بالدرجة الأولى؟.

مدير جريدة الأخبار الأستاذ إيلي شلهوب، وهو مطلع على الشؤون السعودية ومتابع لها، يقول لموقع المنار، إن المملكة العربية السعودية تملك فعليا ما يقدّر بـ 700 مليار دولار فائضاً مالياً، يمكّنها الاستفادة منه لمدة تترواح بين السنتين والثلاث سنوات. وهذا ما يرفع عنها مشكلة السيولة النقدية مثلما هي الحال في العديد من الدول العربية والأجنبية إذ ليس لديها هذا الاحتياط المالي الضخم. ولكن هذا لا يجعلها في منأى من التداعيات السلبية لهذا التدهور في أسعار النفط، مسبّباً لها المشاكل والاضطرابات في الداخل. هذا الداخل الذي تعيش نسب مرتفعة منه بالفاقة والفقر المدقع، وليس كما يتصوّر البعض أن كل مواطني المملكة مرفّهون نظراً لثروتها الطائلة وغنى خيراتها.

 

آل سعود ينهبون البلاد .. ولا يبنون دولة

ويرى "شلهوب" أن المكابرة الأخيرة في تصريح وزير النفط السعودي بإن هبوط الأسعار لن يكون له تأثير ملموس وكبير على اقتصادات السعودية أو الدول العربية الأخرى، لها علاقة بالصراع الإقليمي والدولي والذي يستهدف اقتصاديات إيران وروسيا تحديداً..

ولكن ألا يعني هذا أنها ستواجه اضطرابات الداخل، كما تقول؟!، فوفق بعض الدراسات تواجه المملكة تحديين الأول محلي وهو القدرة على توفير فرص عمل للشباب السعودي الذي يعاني من بطالة شديدة، والثاني إقليمي يفرض عليها المحافظة على النفوذ الخارجي لضمان ولاء حلفائها عبر السخاء المالي، وكلاهما ذات أكلاف عالية، هل بمقدورها النجاح في ظل تدهور القيم الاجمالية لاقتصادها النفطي؟.

"السعودية، كما تعرفين، هي أكبر مصّدر للنفط في العالم، وهي تعتمد بشكل يصل إلى 90 بالمئة عليه في مجمل اقتصادياتها، وبما أن لديها ذلك الاحتياط الهائل من الملايين بمقدورها التكيّف مع أوضاعها، في الوقت الراهن. فكلنا رأينا كيف قام الملك الجديد بوزيع "العطايا" التي بلغت 21 مليار استرليني. كما أن هناك محاولات لاستيعاب أزمات البطالة عبر اتباع ساسة السعودة وهي سياسة فرض عدد من الموظفين السعوديين على المؤسسات والشركات العاملة في البلد، إلا إن هذه السياسة لم تحقق الغايات المنشودة حتى اللحظة. وإن كنّا نشهد للمملكة أنها تقوم بمشاريع على مستوى التنمية المستدامة وتحقق أرقاماً ولكن المشكلة في مكان آخر، هي في توزيع الثروة الغير الممنهج إذ يذهب تسعين في المئة منها إلى العائلة الحاكمة وحواشيها وكل من له علاقة بها من قريب أو بعيد، إضافة إلى توزيع الرشاوى على القبائل لتضمن ولائها، أما ما يخص المواطنيين الفعليين فلا يصلهم سوى الجزء القليل المتبقي من هذه الثروة. المشكلة الأساسية تكمن في نهب آل سعود لثروات البلد وخيراتها، فهم لا يعملون على بناء دولة، بما تعنيه الكلمة من حالة بينيوية ومؤسساتية وكيان مدني حقيقي.

هل تستدرك الدول الخليجية الأخرى الحال، في "دول التعاون الخليجي"، إذا استمرت تقف خلف السعودية في هبوط أسعار النفط؟.

 يؤكد "شلهوب" إن ما ينطبق على السعودية هو نفسه ينطبق على دول التعاون الخليجي العربي المنتجة للنفط، حيث كلها تمتلك فوائض مالية يمئات مليارات الدولارات مما يجعلها لا تتأثر بشكل مباشر وآني وهي تعتمد أيضاً بشكل أساسي على عوائد النفط. وهنا يقيم "شلهوب" مقارنة مع الوضع في الجمهورية الإيرانية، المغاير تماماً، وليس لأن في موزانتها نحو 45 مليار دولار فائض، يجعل تأثرها بفعل تدهور أسعار النفط محدوداً، وإنما أيضاً لأنها أدركت منذ زمن يقرب نحو 15 عاماً، بخطورة بقاء الاعتماد على النفط في عملياتها الاقتصادية، فقد أقر الإمام الخامئني هذه السياسة، في فك الاعتماد على النفط في الاقتصاد الإيراني، وأشار إليها في أكثر من مناسبة وخطاب. واليوم إيران نجحت في تحويل الاعتماد على الاقتصاد إلى ما نسبته 30% ، و70 % من الناتج القومي المختلف .. فهي مرتاحة إلى حد مهم وليست في ضيق وحرج كما يصوّر الإعلام العربي والغربي..

 

والجمهورية الإسلامية خلال السنوات الماضية وحين ازدادت العقوبات عليها، وقبل ذلك وقبل هبوط أسعار النفط، وحين كانت أسعار النفط بأوجها وكانت العائدات مرتفعة استخدمت القسم الكبير منها في تطوير أداوت الانتاج في ميادين صناعية عديدة غير النفط. وهي الآن بفضل هذه السياسة والرؤية تحصد ثمار تخطيطها..فعندما وقعت الواقعة وانخفضت أسعار النفط بشكل مفاجئ وغير متوقع تتمكن من تدبير أمورها بشكل جيد يساعدها على التحمّل ..

عندما تنضب المليارات الفائضة..أين يصبحون؟!..

قلت بأن تصريحات وزير النفط السعودي الأخيرة تنمّ عن مكابرة لها علاقة بالصراع الإقليمي، فهل هذا يعني فعلاً أن الخلفيات السياسية ومعاركها تقف خلف تدهور سعر برميل النفط؟!.. لا يوافق "شلهوب" على هذا التوصيف تماماً، فهو غير مقتنع بما يسمونه "نظرية المؤامرة"، وإن كان القرار السياسي برأيه أحد العوامل خلف هذا التدهور في أسعار النفط، وأنه في جانب منه يفيد في محاصرة إيران وروسيا. "ولكن عندك، مثلاً، الصين وهي أكبر مستورد للنفط في العالم ونموها الاقتصادي في انحدار ويتعرض للانكماش، والظاهرة الأهم هي أنه أصبح بالفعل هناك فائض في انتاج النفط، بعدما اكتفت أميركا نسبياً من انتاجها المحلي، وتنشيط السوق السوداء التي لعبت بالسعر، فأصبح لدينا انخفاض في الطلب وارتفاع بالانتاج، فكان سبباً قوياً في هبوط سعر البرميل. إضافة إلى ما ذكرت لك أن القدرة الراهنة للتحمل السعودي رغم خسارته تدفع بالأزمة إلى الأمام".

ويؤكد أنه بالإضافة إلى أن السعودية ستضرر على المدى البعيد من هذه الأزمة، عندما تنضب أموالها الفائضة ومعها دول الخليج، إلا إن الأميركي أيضاً ينال نصيبه من هذا الضرر، وهو ضرر كبير بالنسبة إليه. والأمر متعلق بعملية استخراج النفط الصخري المكلف، حيث تبلغ كلفة استخراج البرميل الواحد 60 دولاراً، بينما في السعودية لا تتجاوز الـ 16 دولار، ما يجعل عملية الاستثمار النفطي في أميركا غير مجدية على المدى البعيد، ففي حين يكلّفها 60 دولاراً ليتم استخراجه ومن ثم تبيعه بنحو 50 و40 وربما أقل يخسّرها بشكل فعلي بعدما كانت تربح ما نسبته نحو 50 بالمئة من البرميل عندما كان السعر 100 دولار وما فوق. وبحال طالت الآزمة بهذا الشكل وبقي سعر النفط متدهوراً ومتجهاً نحو المزيد من التدني، سوف يجعل العديد من الشركات الكبرى في أميركا توقف الاستثمار في النفط الصخري. وتالياً يدفع أميركا إلى استيراد المزيد من النفط لأنه بذلك سيكون أوفراً عليها.

ولكن ماذا عما يقال بأن أميركا سيصبح عندها اكتفاء ذاتي بالنفط في العام 2018، وفي العام 2020 ستصبح من المصّدرين؟!..

"دعينا نوضّح أمرين مهمين لا يلتفت إليهما في مسألة النفط. الأول متعلق بالتقنية العملانية المساعدة على استخراج النفط من الآبار. ففي بلد مثل أميركا المسألة ليست أن النفط لم يكن موجوداً ثم فجأة تمّ اكتشافه، بل هي آبار أقفلت منذ زمن طويل، لأن التقنية المستخدمة آنذاك لم تعد تفي بالغرض نظراً للصعوبات التي كانت تعتري عملية الاستخراج. واليوم بعد التقدم العلمي بقفزات عالية في هذا الميدان أصبح بالإمكان إعادة فتح هذا البئر أو ذاك واستخراج النفط من باطنه. والأمر الثاني أن أسعار النفط مرتبطة تقنياً بعملية استخراجه، وهي مكلفة في بعض الحالات. فهناك النفط الخفيف وأخر الثقيل، ويكلف استخراجه 11 دولاراً إذا كان على سطح البئر، وهناك آبار أخرى يكلف فيها البرميل 16 دولاراً، بينما في أميركا النفط الصخري - كما سبق وذكرت لك- يكلّف 60 دولاراً لأنها عمليةشاقة وأكثر صعوبة من الآبار العادية.

فأميركا بصفتها دولة تستخرج النفط، ولكنّها مع هبوط الأسعار لم يعد مربحاً لها، ما سيضطرها إلى الاستيراد من دولة ثانية بأقل تكلفة بحال طالت أزمة هبوط الأسعار. وهذا يسري على الشركات الكبرى المستثمرة أيضاً ستتحمل الخسارة وتنتظر، ولكن إن طال الأمد ولا أفق لعودة الأسعار إلى سابق عهدها ستضطر إلى رفع الصوت عالياً.

توقعات بعودة أسعار النفط إلى حالها في منتصف العام..

هل ما نلحظه من ارتفاع أحيانا لسعر البرميل ولو طفيف أنه إشارات لعودة الأسعار إلى سابق عهدها، أم أن الأزمة ستطول؟!..

يقرأ "شلهوب" التقديرات الحالية لحركة سعر النفط، بشيء من التفاوت بين التوقعات. صحيح أن كل التقديرات تقول إنه في منتصف العام ستعاود الأسعار ارتفاعها من جديد، ولكن يجب الإلتفات في الآن نفسه إلى أن صناعة النفط وتسعيرها مرتبط بالشاري الذي يحدد السعر وليس المنتج، وبمجموعة نادٍ صغير لا تتجاوز الثلاثين شخصاً في العالم، هم من يملك القرار ويلعبون بالسوق، وهم ليسوا من البلدان المنتجة، بل من الشركات النفطية الضخمة. أعطيك مثلاً حياً وهو قطر، فكّرت كيف يمكنها إقناع الشركات الأميركية الكبرى في القدوم إليها لاستثمار بحر الغاز القائمة عليه، وهي تحتاج في ذلك إلى مليارات الدولارات فاختصرت الطريق على نفسها - برأيها- وانفتحت على الكيان الإسرائيلي.. فاستثمار ثروتها قائم على علاقتها بإسرائيل وأميركا..

 ويستدرك "شلهوب" ليقول إن من يساهم فعلاً في تدهور سر النفط "فياتين بالحيط" وإن طال الأمر به للوصول إلى هذه الحال مثل السعودية، ولكن ليس إلى ما لا نهاية .. وهذا ما يقولونه الإيرانيون للسعودية "لا تراهنوا على الوقت ..نحن قادرون على الصمود أكثر لأن اقتصادنا غير مرهون بالنفط مثلما هو الحال عندكم..".. هنا اللعبة .. ولكن قطعاً سعر النفط لن يبقى على حاله لأن العالم كله يتأثر بهذا الوضع ولن يتحمّله طويلاً ..

في الختام .. من اللافت أن السعودية ربما قد تدرك حقيقة ما يخبأه لها القدر بحال البقاء في اعتمادها الكلي على ما يدرّه النفط، ربما من هنا أتى تعهد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، منذ يومين، بالعمل على بناء اقتصاد قوي لا يعتمد بشكل رئيسي على النفط المتراجع سعره، وذلك في كلمة توجه فيها إلى السعوديين، راسماً معالم عهده وسياسة حكمه المستقبلية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وأكد سلمان أنه سيكافح الفساد ويتصدى لكل من يهدد استقرار المملكة، موضحاً أن خطته الاقتصادية ستشمل العمل على تنويع مصادر الدخل وتوفير السكن والخدمات...

الأيام كفيلة بالبرهان ..

  • فريق ماسة
  • 2015-03-14
  • 13279
  • من الأرشيف

فائض المليارات لن يحمي السعودية من هبوط أسعار النفط

.بعيداً عن الأسباب الجدلية حول هبوط أسعار برميل النفط، سواء كانت سياسية أو تعزو إلى أزمات اقتصادية بحتة، فإن تذبذب السعر يترك آثاراً واضحة على حركة التبادل التجاري. كما أن ارتفاعه يساهم في ارتفاع معدل التضخم النقدي في الدول النفطية.    وتجاوزه يحتاج إلى إدخال الفائض النقدي في التنمية البشرية والاقتصادية. وإذا كان ذلك يجد له طريقاً للتنفيذ في الدول الصناعية، فإن السياسات المالية والنقدية في غالبية الدول النفطية، وبشكل خاص الخليجية، تفتقر إلى ذلك، وتجد في إيداع الفائض النقدي في بنوك الغرب وسيلتها الوحيدة، فتبقى نتيجة لذلك دولاً ذات نمط إنتاج ريعي مهدّدة بالتصدع والانهيار، نتيجة اعتمادها الكلي على ثروة ناضبة. السعودية، وهي المصدر الأول للنفط في العالم، لا يبتعد واقعها عن هذه الحال. والسؤال المطروح إذا كانت السعودية شريكاً أساسياً في تراجع أسعار النفط، فهل هذا يعني أنها في منأى عن تداعيات هذه السلبيات، وإلى أي مدى هي قادرة على امتصاص هذا التراجع، خصوصا في ظل ما نعرفه عن كيان المملكة القائم على عائدات النفط بالدرجة الأولى؟. مدير جريدة الأخبار الأستاذ إيلي شلهوب، وهو مطلع على الشؤون السعودية ومتابع لها، يقول لموقع المنار، إن المملكة العربية السعودية تملك فعليا ما يقدّر بـ 700 مليار دولار فائضاً مالياً، يمكّنها الاستفادة منه لمدة تترواح بين السنتين والثلاث سنوات. وهذا ما يرفع عنها مشكلة السيولة النقدية مثلما هي الحال في العديد من الدول العربية والأجنبية إذ ليس لديها هذا الاحتياط المالي الضخم. ولكن هذا لا يجعلها في منأى من التداعيات السلبية لهذا التدهور في أسعار النفط، مسبّباً لها المشاكل والاضطرابات في الداخل. هذا الداخل الذي تعيش نسب مرتفعة منه بالفاقة والفقر المدقع، وليس كما يتصوّر البعض أن كل مواطني المملكة مرفّهون نظراً لثروتها الطائلة وغنى خيراتها.   آل سعود ينهبون البلاد .. ولا يبنون دولة ويرى "شلهوب" أن المكابرة الأخيرة في تصريح وزير النفط السعودي بإن هبوط الأسعار لن يكون له تأثير ملموس وكبير على اقتصادات السعودية أو الدول العربية الأخرى، لها علاقة بالصراع الإقليمي والدولي والذي يستهدف اقتصاديات إيران وروسيا تحديداً.. ولكن ألا يعني هذا أنها ستواجه اضطرابات الداخل، كما تقول؟!، فوفق بعض الدراسات تواجه المملكة تحديين الأول محلي وهو القدرة على توفير فرص عمل للشباب السعودي الذي يعاني من بطالة شديدة، والثاني إقليمي يفرض عليها المحافظة على النفوذ الخارجي لضمان ولاء حلفائها عبر السخاء المالي، وكلاهما ذات أكلاف عالية، هل بمقدورها النجاح في ظل تدهور القيم الاجمالية لاقتصادها النفطي؟. "السعودية، كما تعرفين، هي أكبر مصّدر للنفط في العالم، وهي تعتمد بشكل يصل إلى 90 بالمئة عليه في مجمل اقتصادياتها، وبما أن لديها ذلك الاحتياط الهائل من الملايين بمقدورها التكيّف مع أوضاعها، في الوقت الراهن. فكلنا رأينا كيف قام الملك الجديد بوزيع "العطايا" التي بلغت 21 مليار استرليني. كما أن هناك محاولات لاستيعاب أزمات البطالة عبر اتباع ساسة السعودة وهي سياسة فرض عدد من الموظفين السعوديين على المؤسسات والشركات العاملة في البلد، إلا إن هذه السياسة لم تحقق الغايات المنشودة حتى اللحظة. وإن كنّا نشهد للمملكة أنها تقوم بمشاريع على مستوى التنمية المستدامة وتحقق أرقاماً ولكن المشكلة في مكان آخر، هي في توزيع الثروة الغير الممنهج إذ يذهب تسعين في المئة منها إلى العائلة الحاكمة وحواشيها وكل من له علاقة بها من قريب أو بعيد، إضافة إلى توزيع الرشاوى على القبائل لتضمن ولائها، أما ما يخص المواطنيين الفعليين فلا يصلهم سوى الجزء القليل المتبقي من هذه الثروة. المشكلة الأساسية تكمن في نهب آل سعود لثروات البلد وخيراتها، فهم لا يعملون على بناء دولة، بما تعنيه الكلمة من حالة بينيوية ومؤسساتية وكيان مدني حقيقي. هل تستدرك الدول الخليجية الأخرى الحال، في "دول التعاون الخليجي"، إذا استمرت تقف خلف السعودية في هبوط أسعار النفط؟.  يؤكد "شلهوب" إن ما ينطبق على السعودية هو نفسه ينطبق على دول التعاون الخليجي العربي المنتجة للنفط، حيث كلها تمتلك فوائض مالية يمئات مليارات الدولارات مما يجعلها لا تتأثر بشكل مباشر وآني وهي تعتمد أيضاً بشكل أساسي على عوائد النفط. وهنا يقيم "شلهوب" مقارنة مع الوضع في الجمهورية الإيرانية، المغاير تماماً، وليس لأن في موزانتها نحو 45 مليار دولار فائض، يجعل تأثرها بفعل تدهور أسعار النفط محدوداً، وإنما أيضاً لأنها أدركت منذ زمن يقرب نحو 15 عاماً، بخطورة بقاء الاعتماد على النفط في عملياتها الاقتصادية، فقد أقر الإمام الخامئني هذه السياسة، في فك الاعتماد على النفط في الاقتصاد الإيراني، وأشار إليها في أكثر من مناسبة وخطاب. واليوم إيران نجحت في تحويل الاعتماد على الاقتصاد إلى ما نسبته 30% ، و70 % من الناتج القومي المختلف .. فهي مرتاحة إلى حد مهم وليست في ضيق وحرج كما يصوّر الإعلام العربي والغربي..   والجمهورية الإسلامية خلال السنوات الماضية وحين ازدادت العقوبات عليها، وقبل ذلك وقبل هبوط أسعار النفط، وحين كانت أسعار النفط بأوجها وكانت العائدات مرتفعة استخدمت القسم الكبير منها في تطوير أداوت الانتاج في ميادين صناعية عديدة غير النفط. وهي الآن بفضل هذه السياسة والرؤية تحصد ثمار تخطيطها..فعندما وقعت الواقعة وانخفضت أسعار النفط بشكل مفاجئ وغير متوقع تتمكن من تدبير أمورها بشكل جيد يساعدها على التحمّل .. عندما تنضب المليارات الفائضة..أين يصبحون؟!.. قلت بأن تصريحات وزير النفط السعودي الأخيرة تنمّ عن مكابرة لها علاقة بالصراع الإقليمي، فهل هذا يعني فعلاً أن الخلفيات السياسية ومعاركها تقف خلف تدهور سعر برميل النفط؟!.. لا يوافق "شلهوب" على هذا التوصيف تماماً، فهو غير مقتنع بما يسمونه "نظرية المؤامرة"، وإن كان القرار السياسي برأيه أحد العوامل خلف هذا التدهور في أسعار النفط، وأنه في جانب منه يفيد في محاصرة إيران وروسيا. "ولكن عندك، مثلاً، الصين وهي أكبر مستورد للنفط في العالم ونموها الاقتصادي في انحدار ويتعرض للانكماش، والظاهرة الأهم هي أنه أصبح بالفعل هناك فائض في انتاج النفط، بعدما اكتفت أميركا نسبياً من انتاجها المحلي، وتنشيط السوق السوداء التي لعبت بالسعر، فأصبح لدينا انخفاض في الطلب وارتفاع بالانتاج، فكان سبباً قوياً في هبوط سعر البرميل. إضافة إلى ما ذكرت لك أن القدرة الراهنة للتحمل السعودي رغم خسارته تدفع بالأزمة إلى الأمام". ويؤكد أنه بالإضافة إلى أن السعودية ستضرر على المدى البعيد من هذه الأزمة، عندما تنضب أموالها الفائضة ومعها دول الخليج، إلا إن الأميركي أيضاً ينال نصيبه من هذا الضرر، وهو ضرر كبير بالنسبة إليه. والأمر متعلق بعملية استخراج النفط الصخري المكلف، حيث تبلغ كلفة استخراج البرميل الواحد 60 دولاراً، بينما في السعودية لا تتجاوز الـ 16 دولار، ما يجعل عملية الاستثمار النفطي في أميركا غير مجدية على المدى البعيد، ففي حين يكلّفها 60 دولاراً ليتم استخراجه ومن ثم تبيعه بنحو 50 و40 وربما أقل يخسّرها بشكل فعلي بعدما كانت تربح ما نسبته نحو 50 بالمئة من البرميل عندما كان السعر 100 دولار وما فوق. وبحال طالت الآزمة بهذا الشكل وبقي سعر النفط متدهوراً ومتجهاً نحو المزيد من التدني، سوف يجعل العديد من الشركات الكبرى في أميركا توقف الاستثمار في النفط الصخري. وتالياً يدفع أميركا إلى استيراد المزيد من النفط لأنه بذلك سيكون أوفراً عليها. ولكن ماذا عما يقال بأن أميركا سيصبح عندها اكتفاء ذاتي بالنفط في العام 2018، وفي العام 2020 ستصبح من المصّدرين؟!.. "دعينا نوضّح أمرين مهمين لا يلتفت إليهما في مسألة النفط. الأول متعلق بالتقنية العملانية المساعدة على استخراج النفط من الآبار. ففي بلد مثل أميركا المسألة ليست أن النفط لم يكن موجوداً ثم فجأة تمّ اكتشافه، بل هي آبار أقفلت منذ زمن طويل، لأن التقنية المستخدمة آنذاك لم تعد تفي بالغرض نظراً للصعوبات التي كانت تعتري عملية الاستخراج. واليوم بعد التقدم العلمي بقفزات عالية في هذا الميدان أصبح بالإمكان إعادة فتح هذا البئر أو ذاك واستخراج النفط من باطنه. والأمر الثاني أن أسعار النفط مرتبطة تقنياً بعملية استخراجه، وهي مكلفة في بعض الحالات. فهناك النفط الخفيف وأخر الثقيل، ويكلف استخراجه 11 دولاراً إذا كان على سطح البئر، وهناك آبار أخرى يكلف فيها البرميل 16 دولاراً، بينما في أميركا النفط الصخري - كما سبق وذكرت لك- يكلّف 60 دولاراً لأنها عمليةشاقة وأكثر صعوبة من الآبار العادية. فأميركا بصفتها دولة تستخرج النفط، ولكنّها مع هبوط الأسعار لم يعد مربحاً لها، ما سيضطرها إلى الاستيراد من دولة ثانية بأقل تكلفة بحال طالت أزمة هبوط الأسعار. وهذا يسري على الشركات الكبرى المستثمرة أيضاً ستتحمل الخسارة وتنتظر، ولكن إن طال الأمد ولا أفق لعودة الأسعار إلى سابق عهدها ستضطر إلى رفع الصوت عالياً. توقعات بعودة أسعار النفط إلى حالها في منتصف العام.. هل ما نلحظه من ارتفاع أحيانا لسعر البرميل ولو طفيف أنه إشارات لعودة الأسعار إلى سابق عهدها، أم أن الأزمة ستطول؟!.. يقرأ "شلهوب" التقديرات الحالية لحركة سعر النفط، بشيء من التفاوت بين التوقعات. صحيح أن كل التقديرات تقول إنه في منتصف العام ستعاود الأسعار ارتفاعها من جديد، ولكن يجب الإلتفات في الآن نفسه إلى أن صناعة النفط وتسعيرها مرتبط بالشاري الذي يحدد السعر وليس المنتج، وبمجموعة نادٍ صغير لا تتجاوز الثلاثين شخصاً في العالم، هم من يملك القرار ويلعبون بالسوق، وهم ليسوا من البلدان المنتجة، بل من الشركات النفطية الضخمة. أعطيك مثلاً حياً وهو قطر، فكّرت كيف يمكنها إقناع الشركات الأميركية الكبرى في القدوم إليها لاستثمار بحر الغاز القائمة عليه، وهي تحتاج في ذلك إلى مليارات الدولارات فاختصرت الطريق على نفسها - برأيها- وانفتحت على الكيان الإسرائيلي.. فاستثمار ثروتها قائم على علاقتها بإسرائيل وأميركا..  ويستدرك "شلهوب" ليقول إن من يساهم فعلاً في تدهور سر النفط "فياتين بالحيط" وإن طال الأمر به للوصول إلى هذه الحال مثل السعودية، ولكن ليس إلى ما لا نهاية .. وهذا ما يقولونه الإيرانيون للسعودية "لا تراهنوا على الوقت ..نحن قادرون على الصمود أكثر لأن اقتصادنا غير مرهون بالنفط مثلما هو الحال عندكم..".. هنا اللعبة .. ولكن قطعاً سعر النفط لن يبقى على حاله لأن العالم كله يتأثر بهذا الوضع ولن يتحمّله طويلاً .. في الختام .. من اللافت أن السعودية ربما قد تدرك حقيقة ما يخبأه لها القدر بحال البقاء في اعتمادها الكلي على ما يدرّه النفط، ربما من هنا أتى تعهد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، منذ يومين، بالعمل على بناء اقتصاد قوي لا يعتمد بشكل رئيسي على النفط المتراجع سعره، وذلك في كلمة توجه فيها إلى السعوديين، راسماً معالم عهده وسياسة حكمه المستقبلية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وأكد سلمان أنه سيكافح الفساد ويتصدى لكل من يهدد استقرار المملكة، موضحاً أن خطته الاقتصادية ستشمل العمل على تنويع مصادر الدخل وتوفير السكن والخدمات... الأيام كفيلة بالبرهان ..

المصدر : زينب الطحان- المنار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة