تكررت محاولات اقتحام مبنى المخابرات الجوية في حلب، لكن أهمية المبنى اليوم تختلف عنها قبل شهرين. «الأخبار» حصلت على تفاصيل تتعلق بالهجوم الأخير، عبر مصادر عدّة في كلَا الطرفين.

مبنى المخابرات الجوّية في حلب في واجهة المشهد من جديد. تفجير، فمحاولة اقتحام، حديثٌ «إعلامي» عن سقوطٍ وشيك للمبنى في أيدي المجموعات المسلّحة، ثمّ تراجع. ما الذي حدث بالفعل في محيط المبنى الشهير؟ ما نتيجة المعارك؟ ما هي احتمالات سقوط المبنى في قبضة المسلّحين؟

 

يقع المبنى المذكور في حي «جمعية الزهراء»، ويُعتبر بمثابة المدخل الشمالي الغربي للمدينة. يمتد على أرض مستطيلة الشكل مساحتها تقارب هكتارين، يحيط بها سورٌ مرتفع (حوالى 4 أمتار من خارج المبنى، وتصبح 7 من داخله لأن أرض المبنى منخفضة عن الشارع المحيط به).

 

تلي السور مساحة شاسعة من الأرض الخالية (حوالى 600 متر تقريباً) وصولاً إلى المبنى الذي يتألف في واقع الأمر من ثلاث كُتل تُشكل مثلثاً يتوسّط الموقع العام تقريباً. بُنيت الكُتل وفق نظام الأبنية المضادة للزلازل، على أرض صخرية صلدة كانت تاريخياً مقلعاً للصخور، وتختلف طبيعتها تماماً عن طبيعة الأرض الردمية الحوّارية في حلب القديمة.

 

نتيجةً لتحوّل المبنى ومحيطه إلى نقطة تماس دائمة، اتّخذت إجراءات عدّة قبل أكثر من شهرين، من بينها انتقال رئيس الفرع ومعظم الضبّاط إلى مكاتب في أبنية مجاورة (كانت أبنية سكنيّة في الأصل). كذلك نُقلت «داتا المعلومات» بنسختيها الالكترونية والورقية إلى مقارّ أخرى، إضافة إلى إخلاء المبنى من المعتقلين الذين نُقلوا بدورهم إلى أماكن أخرى. بهذا، تحوّل المبنى إلى نقطة دفاع عسكرية بحتة، نقاط رصد، ومرابض، ونقاط دفاع تتولى الرد على النيران والقذائف.

 

الهجوم الأخير

لم يكن النفق الذي استخدمه المسلّحون في التفجير والتفخيخ الوحيد من نوعه. فقبل أكثر من شهر اكتُشف نفق قيد الحفر على مقربة من المبنى وتمّ إغراقه بالماء. ومن المرجّح أن عمليات حفر النفق المذكور كانت تتم بالتزامن مع النفق الذي استُخدم في التفجير.

 

وربّما كان حفر نفقين في الوقت ذاته بمثابة تجهيز خطة بديلة في حال اكتشاف أحدهما، أو قصدَ استخدام النفقين، أو حتى وسيلة تمويه بحيث يُتعمّد تسريب معلومات عن النفق الأوّل كوسيلة إلهاء وتضليل عن وجود النفق الثاني. كان من المُفترض أن يتمّ التفجير بين الساعة التاسعة والعاشرة من ليل الأربعاء، واستغلاله لبدء عملية اقتحام و«انغماس» تستفيد من الظلام. لكنّ المُهاجمين لاحظوا بعد ظهيرة يوم الهجوم حركة كثيفةً في المبنى. على المقلب الآخر كانت قد صدرت أوامر بخفض عديد الأشخاص داخل المبنى، تضاربت أقوال المصادر السورية في سببه ما بين اكتشاف وجود النفق، وورود معلومات حول تفجير وشيك من دون اكتشاف مكان النفق. اتّخذ المهاجمون (جيش المهاجرين والأنصار، جبهة النصرة، لواء أنصار الخلافة) قراراً بتسريع العمليّة خشيةَ اتخاذ إجراءات دفاعيّة تؤدي إلى إحباط أهدافها.

 

وقع الانفجار، وأدّى إلى تهاوي معظم الكتلة الشمالية من المبنى. عاملان أساسيان لعبا دوراً في خفض فاعلية التفجير، رغم ضخامته، هما عمق النفق بعيداً في غور الأرض، وطبيعة الارض الصخرية. قضى ثلاثة من عناصر الفرع، وأصيب عشرةٌ آخرون. قضى منهم اثنان صباح أمس، وبقي ثمانية إصاباتهم خطرة.

 

ومع انطلاق عملية الاقتحام بدأ المدافعون باستخدام منصّات صواريخ «فيل» (وهي صواريخ أرض أرض تُحمل على شاحنات) متمركزة في محيط المبنى. وانطلقت طائرة استطلاع تبث بشكل مباشر مجريات المعركة على الأرض أعطت إحداثيات دقيقة، ما جعل إطلاق خمسة صواريخ فيل يحقق إصابات مباشرة في صفوف المهاجمين، كذلك شاركت الطائرات الحربية في قصف الخطوط الخلفية للمسلّحين. وصباح أمس، بادرت قوات الجيش في حيّ جمعية الزهراء إلى الهجوم على مواقع المسلحين موقعة عدداً من القتلى والجرحى في صفوفهم.

 

ما أهمية المبنى راهناً؟

قبل شهرين ونصف الشهر كان من شأن سقوط مبنى المخابرات الجويّة أن يُشكّل مقدمةً لتحوّل نوعي للمشهد، في المدينة التي انقسمت السيطرة على أحيائها ما بين «غربية» في قبضة الدولة السورية، و«شرقية» في قبضة المسلحين. حينَها كان المبنى يُشكل بالنسبة إلى الدولة السورية خطّ دفاعٍ أساسياً وشبه وحيد عن الأحياء الغربية. لكنّ مستجدات الشهرين الماضيين أفضت إلى تحوّل المنطقة المحيطة في معظمها إلى منطقة عسكرية، حيث أخليت الأبنية المجاورة من سكّانها، ودُعّمت وتحوّلت إلى تمترسات للقوات السورية. وبفعل إخلائه من معظم متعلّقاته الأمنية، بات البناء شبيهاً (استراتيجياً) بأي بناء في محيطه، مع فارق التحصينات.

  • فريق ماسة
  • 2015-03-05
  • 14067
  • من الأرشيف

المخابرات الجوّية… حكاية مبنى

تكررت محاولات اقتحام مبنى المخابرات الجوية في حلب، لكن أهمية المبنى اليوم تختلف عنها قبل شهرين. «الأخبار» حصلت على تفاصيل تتعلق بالهجوم الأخير، عبر مصادر عدّة في كلَا الطرفين. مبنى المخابرات الجوّية في حلب في واجهة المشهد من جديد. تفجير، فمحاولة اقتحام، حديثٌ «إعلامي» عن سقوطٍ وشيك للمبنى في أيدي المجموعات المسلّحة، ثمّ تراجع. ما الذي حدث بالفعل في محيط المبنى الشهير؟ ما نتيجة المعارك؟ ما هي احتمالات سقوط المبنى في قبضة المسلّحين؟   يقع المبنى المذكور في حي «جمعية الزهراء»، ويُعتبر بمثابة المدخل الشمالي الغربي للمدينة. يمتد على أرض مستطيلة الشكل مساحتها تقارب هكتارين، يحيط بها سورٌ مرتفع (حوالى 4 أمتار من خارج المبنى، وتصبح 7 من داخله لأن أرض المبنى منخفضة عن الشارع المحيط به).   تلي السور مساحة شاسعة من الأرض الخالية (حوالى 600 متر تقريباً) وصولاً إلى المبنى الذي يتألف في واقع الأمر من ثلاث كُتل تُشكل مثلثاً يتوسّط الموقع العام تقريباً. بُنيت الكُتل وفق نظام الأبنية المضادة للزلازل، على أرض صخرية صلدة كانت تاريخياً مقلعاً للصخور، وتختلف طبيعتها تماماً عن طبيعة الأرض الردمية الحوّارية في حلب القديمة.   نتيجةً لتحوّل المبنى ومحيطه إلى نقطة تماس دائمة، اتّخذت إجراءات عدّة قبل أكثر من شهرين، من بينها انتقال رئيس الفرع ومعظم الضبّاط إلى مكاتب في أبنية مجاورة (كانت أبنية سكنيّة في الأصل). كذلك نُقلت «داتا المعلومات» بنسختيها الالكترونية والورقية إلى مقارّ أخرى، إضافة إلى إخلاء المبنى من المعتقلين الذين نُقلوا بدورهم إلى أماكن أخرى. بهذا، تحوّل المبنى إلى نقطة دفاع عسكرية بحتة، نقاط رصد، ومرابض، ونقاط دفاع تتولى الرد على النيران والقذائف.   الهجوم الأخير لم يكن النفق الذي استخدمه المسلّحون في التفجير والتفخيخ الوحيد من نوعه. فقبل أكثر من شهر اكتُشف نفق قيد الحفر على مقربة من المبنى وتمّ إغراقه بالماء. ومن المرجّح أن عمليات حفر النفق المذكور كانت تتم بالتزامن مع النفق الذي استُخدم في التفجير.   وربّما كان حفر نفقين في الوقت ذاته بمثابة تجهيز خطة بديلة في حال اكتشاف أحدهما، أو قصدَ استخدام النفقين، أو حتى وسيلة تمويه بحيث يُتعمّد تسريب معلومات عن النفق الأوّل كوسيلة إلهاء وتضليل عن وجود النفق الثاني. كان من المُفترض أن يتمّ التفجير بين الساعة التاسعة والعاشرة من ليل الأربعاء، واستغلاله لبدء عملية اقتحام و«انغماس» تستفيد من الظلام. لكنّ المُهاجمين لاحظوا بعد ظهيرة يوم الهجوم حركة كثيفةً في المبنى. على المقلب الآخر كانت قد صدرت أوامر بخفض عديد الأشخاص داخل المبنى، تضاربت أقوال المصادر السورية في سببه ما بين اكتشاف وجود النفق، وورود معلومات حول تفجير وشيك من دون اكتشاف مكان النفق. اتّخذ المهاجمون (جيش المهاجرين والأنصار، جبهة النصرة، لواء أنصار الخلافة) قراراً بتسريع العمليّة خشيةَ اتخاذ إجراءات دفاعيّة تؤدي إلى إحباط أهدافها.   وقع الانفجار، وأدّى إلى تهاوي معظم الكتلة الشمالية من المبنى. عاملان أساسيان لعبا دوراً في خفض فاعلية التفجير، رغم ضخامته، هما عمق النفق بعيداً في غور الأرض، وطبيعة الارض الصخرية. قضى ثلاثة من عناصر الفرع، وأصيب عشرةٌ آخرون. قضى منهم اثنان صباح أمس، وبقي ثمانية إصاباتهم خطرة.   ومع انطلاق عملية الاقتحام بدأ المدافعون باستخدام منصّات صواريخ «فيل» (وهي صواريخ أرض أرض تُحمل على شاحنات) متمركزة في محيط المبنى. وانطلقت طائرة استطلاع تبث بشكل مباشر مجريات المعركة على الأرض أعطت إحداثيات دقيقة، ما جعل إطلاق خمسة صواريخ فيل يحقق إصابات مباشرة في صفوف المهاجمين، كذلك شاركت الطائرات الحربية في قصف الخطوط الخلفية للمسلّحين. وصباح أمس، بادرت قوات الجيش في حيّ جمعية الزهراء إلى الهجوم على مواقع المسلحين موقعة عدداً من القتلى والجرحى في صفوفهم.   ما أهمية المبنى راهناً؟ قبل شهرين ونصف الشهر كان من شأن سقوط مبنى المخابرات الجويّة أن يُشكّل مقدمةً لتحوّل نوعي للمشهد، في المدينة التي انقسمت السيطرة على أحيائها ما بين «غربية» في قبضة الدولة السورية، و«شرقية» في قبضة المسلحين. حينَها كان المبنى يُشكل بالنسبة إلى الدولة السورية خطّ دفاعٍ أساسياً وشبه وحيد عن الأحياء الغربية. لكنّ مستجدات الشهرين الماضيين أفضت إلى تحوّل المنطقة المحيطة في معظمها إلى منطقة عسكرية، حيث أخليت الأبنية المجاورة من سكّانها، ودُعّمت وتحوّلت إلى تمترسات للقوات السورية. وبفعل إخلائه من معظم متعلّقاته الأمنية، بات البناء شبيهاً (استراتيجياً) بأي بناء في محيطه، مع فارق التحصينات.

المصدر : صهيب عنجريني |الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة