لا تقاس قدرات «الدولة الوظيفية» بالإمكانات الفعلية المتوافرة بين يديها، بل تقاس بالإمكانات التي تتوافر لها من أجل «أداء الوظيفة». هكذا يمكن فهم «تنطع» النظام الأردني لأداء أدوار تبدو أكبر من قدراته الفعلية بكثير.

 منذ عملية القتل البشع للطيار الأردني، معاذ الكساسبة، على يد مسلحي تنظيم «داعش»، يتصرف النظام في عمان على أنه في حرب انتقامية مفتوحة ضد التنظيم الإرهابي، تتجاوز الدور الذي كان محددا له في التحالف الدولي القائم.

 جرى حديث عن عشرات الضربات الجوية، ونشرت صور للملك، عبد الله الثاني، باللباس العسكري للطيارين، وقيل إنه شارك في واحدة من الغارات على مواقع «داعش»، فيما أطلق مسؤولون عسكريون ومدنيون تصريحات نارية تنذر قتلة الطيار برد مزلزل، ثم تطورت ردود الفعل ليبدأ الكلام عن «تدخل بري» لإنهاء وجود التنظيم في العراق وسوريا.

تزامنت التطورات المشار إليها مع طلب الرئيس الأميركي تفويضا من الكونغرس لمقاتلة «داعش»، مصحوبا بإشارات إلى أن التدخل البري لم يعد مستبعدا، وإن كان بالاستناد إلى قوى محلية أساساً. نشر الأردن «اللواء المدرع الأربعين» (الشهير) على الحدود الأردنية ـ العراقية، ثم نفذ رئيس الأركان الأردني زيارة إلى العراق، التقى خلالها مدنيين وعسكريين عراقيين، أبلغهم أن الملك يضع إمكانات الجيش الأردني بتصرف العراق، كما تحدث عن جمع إمكانات الجيشين الأردني والعراقي لـ«قتال «داعش داخل العراق وداخل سوريا».

اللافت أن الجنرال الأردني لم يأت على ذكر الجيش العربي السوري، الذي يواجه «داعش» كما يواجه تنظيمات إرهابية أخرى تتلقى دعماً أردنياً مباشراً.، لذا، إن كانت واشنطن تتجه نحو بناء نسخة جديدة من التحالف الدولي بقصد التدخل البري، يكون النظام الأردني في مرحلة تقديم أوراق الاعتماد لأداء دور رئيسي، وربما قائد لهذا التحالف «البري». وهو ما اقتضى التحشيد باستثمار دم الكساسبة محليا، والحديث المتكرر عن الغارات والضربات الجوية، والزيارة إلى العراق، وعروض التعاون المفتوحة مع جيشه، وأيضا مع قوات البيشمركة الكردية، في ظل استمرار الاندراج في سياق التصورات الأميركية اتجاه سوريا. فالنظام الأردني لا يزال يواصل، بوضوح، عمليات التدريب لمن يوصفون بالمعارضة المعتدلة، ويقيم علاقة وثيقة مع مسلحي «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» في درعا... ثم يزعم رئيس وزرائه أن «الأردن لا يتدخل في شؤون سوريا الداخلية»!

يتردد أن النظام الأردني كان يخطط لتورط أكبر في الجنوب السوري، بالتنسيق مع المسلحين وكيان الاحتلال. وأن اكتشاف ما كان يجري تدبيره هو الذي سرع «عملية شهداء القنيطرة» التي ينفذها محور المقاومة في أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة، لكن عمّان تواصل العمل على دورها المطلوب في المرحلة الجديدة من الحرب الأميركية، وبكل عناصرها. وهو الدور الوظيفي المعتاد، وبامتياز!

أما التطلع إلى الدور القيادي في سياق الوظيفة، فليس جديداً. لقد أصر «عبد الله الأول» على قيادة تحالف الجيوش العربية، التي قررت جامعة الدول العربية الدفع بها إلى فلسطين بعد صدور قرار التقسيم (1947). وكان له ما أراد، رغم رفض ملك مصر وغيره من الحكام العرب آنذاك. في الوقائع، أسند عبد الله القيادة الممنوحة له إلى كلوب باشا الإنكليزي، قائد جيشه. وفي الوقائع أيضا أن الجيوش، التي كان عديدها مجتمعة أقل من عدد قوات «الهاغاناة»، خاضت كل معاركها في حدود مقتضيات إنفاذ قرار التقسيم نفسه، وسط الصراخ برفضه.

وفي الوقائع، أيضا وأيضا، أن جهود وتضحيات ضباط وجنود ووحدات مقاتلة ضاعت سدى، ببساطة، لأن ما قاموا به لم يكن مطلوبا. وفي المحصلة كانت النكبة، وكان ترسيخ اعتقاد عاش طويلا بأن العرب جميعا بجيوشهم مجتمعة لا قِبَل لهم بمواجهة إسرائيل.

عبد الله الثاني، يريد دورا قياديا في الحرب على «داعش». من يتذكر دوره في التأسيس لكثير مما نشهده اليوم: هل تتذكرون «الهلال الشيعي»؟

  • فريق ماسة
  • 2015-02-13
  • 10768
  • من الأرشيف

عبد الله الأول... والثاني

لا تقاس قدرات «الدولة الوظيفية» بالإمكانات الفعلية المتوافرة بين يديها، بل تقاس بالإمكانات التي تتوافر لها من أجل «أداء الوظيفة». هكذا يمكن فهم «تنطع» النظام الأردني لأداء أدوار تبدو أكبر من قدراته الفعلية بكثير.  منذ عملية القتل البشع للطيار الأردني، معاذ الكساسبة، على يد مسلحي تنظيم «داعش»، يتصرف النظام في عمان على أنه في حرب انتقامية مفتوحة ضد التنظيم الإرهابي، تتجاوز الدور الذي كان محددا له في التحالف الدولي القائم.  جرى حديث عن عشرات الضربات الجوية، ونشرت صور للملك، عبد الله الثاني، باللباس العسكري للطيارين، وقيل إنه شارك في واحدة من الغارات على مواقع «داعش»، فيما أطلق مسؤولون عسكريون ومدنيون تصريحات نارية تنذر قتلة الطيار برد مزلزل، ثم تطورت ردود الفعل ليبدأ الكلام عن «تدخل بري» لإنهاء وجود التنظيم في العراق وسوريا. تزامنت التطورات المشار إليها مع طلب الرئيس الأميركي تفويضا من الكونغرس لمقاتلة «داعش»، مصحوبا بإشارات إلى أن التدخل البري لم يعد مستبعدا، وإن كان بالاستناد إلى قوى محلية أساساً. نشر الأردن «اللواء المدرع الأربعين» (الشهير) على الحدود الأردنية ـ العراقية، ثم نفذ رئيس الأركان الأردني زيارة إلى العراق، التقى خلالها مدنيين وعسكريين عراقيين، أبلغهم أن الملك يضع إمكانات الجيش الأردني بتصرف العراق، كما تحدث عن جمع إمكانات الجيشين الأردني والعراقي لـ«قتال «داعش داخل العراق وداخل سوريا». اللافت أن الجنرال الأردني لم يأت على ذكر الجيش العربي السوري، الذي يواجه «داعش» كما يواجه تنظيمات إرهابية أخرى تتلقى دعماً أردنياً مباشراً.، لذا، إن كانت واشنطن تتجه نحو بناء نسخة جديدة من التحالف الدولي بقصد التدخل البري، يكون النظام الأردني في مرحلة تقديم أوراق الاعتماد لأداء دور رئيسي، وربما قائد لهذا التحالف «البري». وهو ما اقتضى التحشيد باستثمار دم الكساسبة محليا، والحديث المتكرر عن الغارات والضربات الجوية، والزيارة إلى العراق، وعروض التعاون المفتوحة مع جيشه، وأيضا مع قوات البيشمركة الكردية، في ظل استمرار الاندراج في سياق التصورات الأميركية اتجاه سوريا. فالنظام الأردني لا يزال يواصل، بوضوح، عمليات التدريب لمن يوصفون بالمعارضة المعتدلة، ويقيم علاقة وثيقة مع مسلحي «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» في درعا... ثم يزعم رئيس وزرائه أن «الأردن لا يتدخل في شؤون سوريا الداخلية»! يتردد أن النظام الأردني كان يخطط لتورط أكبر في الجنوب السوري، بالتنسيق مع المسلحين وكيان الاحتلال. وأن اكتشاف ما كان يجري تدبيره هو الذي سرع «عملية شهداء القنيطرة» التي ينفذها محور المقاومة في أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة، لكن عمّان تواصل العمل على دورها المطلوب في المرحلة الجديدة من الحرب الأميركية، وبكل عناصرها. وهو الدور الوظيفي المعتاد، وبامتياز! أما التطلع إلى الدور القيادي في سياق الوظيفة، فليس جديداً. لقد أصر «عبد الله الأول» على قيادة تحالف الجيوش العربية، التي قررت جامعة الدول العربية الدفع بها إلى فلسطين بعد صدور قرار التقسيم (1947). وكان له ما أراد، رغم رفض ملك مصر وغيره من الحكام العرب آنذاك. في الوقائع، أسند عبد الله القيادة الممنوحة له إلى كلوب باشا الإنكليزي، قائد جيشه. وفي الوقائع أيضا أن الجيوش، التي كان عديدها مجتمعة أقل من عدد قوات «الهاغاناة»، خاضت كل معاركها في حدود مقتضيات إنفاذ قرار التقسيم نفسه، وسط الصراخ برفضه. وفي الوقائع، أيضا وأيضا، أن جهود وتضحيات ضباط وجنود ووحدات مقاتلة ضاعت سدى، ببساطة، لأن ما قاموا به لم يكن مطلوبا. وفي المحصلة كانت النكبة، وكان ترسيخ اعتقاد عاش طويلا بأن العرب جميعا بجيوشهم مجتمعة لا قِبَل لهم بمواجهة إسرائيل. عبد الله الثاني، يريد دورا قياديا في الحرب على «داعش». من يتذكر دوره في التأسيس لكثير مما نشهده اليوم: هل تتذكرون «الهلال الشيعي»؟

المصدر : الاخبار/ نافذ أبو حسنة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة