بينما تنتظر بلجيكا حكما بعد أكبر محاكمة في أوروبا لمتهمين بدعم الإسلاميين في سوريا يتركز الاهتمام على مجتمعات المسلمين الفقراء في منطقة تعاني بشدة من البطالة بين الشباب.

لكن بالنسبة لأب وأم في أنتويرب المدينة التي تعيش حالة تأهب منذ مذبحة شارلي إبدو في باريس ومداهمات الشرطة البلجيكية لمخابيء المتشددين ربما لا يقدم الحكم الذي سيصدر يوم الأربعاء أي تفسير للأسباب التي جعلت ابنيهما الشابين الرياضيين اللذين لا صلة لهما بالتراث الإسلامي يتركان حياة الترف ويقرران التوجه إلى الشرق الأوسط لحمل السلاح.

وأيا كان الحكم الذي سيصدر على الاثنين تقول والدة برايان دي مولدر ووالد جيجون بونتينك إن الضرر الذي تسبب فيه من جندوهما لا يمكن علاجه بما في ذلك ضياع وظائف وتخريب حياة الوالدين والأقارب.

قال ديمتري بونتينك (الصورة) إن جماعة دينية تسمى (شريعة لبلجيكا) أغرت ابنه الذي كان عمره 18 عاما بالسفر للقتال في سوريا مما وضعه في محنة وكذلك والدة جيجون المولودة في نيجيريا.

وأضاف بونتينك (41 عاما) “الطريقة التي يرعونهم بها.. الطريقة التي يقدمونهم بها.. الطريقة التي يعطونهم بها أسماء جديدة.. الطريقة التي يؤدون بها الشعائر” كل ذلك جذب الأولاد الذين يمرون بتوترات السن الصغيرة. وبالنسبة لجيجون كان السبب قصة حب فاشلة في سن المراهقة.

وتتفوق بلجيكا على الدول الأوروبية المجاورة في تقديم المقاتلين الأجانب لتنظيمات مثل الدولة الإسلامية والقاعدة إذ بلغ عدد من جندوا منها في تلك التنظيمات نحو 350 شخصا رغم أن عدد سكانها 11 مليون نسمة فقط.

وتصدرت قصة بونتينك عناوين الصحف في بلاده عندما خاطر بحياته وسافر ثلاث مرات إلى منطقة القتال. لقد نجح في إعادة ابنه إلى بلاده.

وأصبح جيجون بونتينك الذي يبلغ عمره الآن 20 عاما شاهدا رئيسيا في محاكمة قادة جماعة (شريعة لبلجيكا) بتهم الإرهاب. لكنه يواجه أيضا حكما بالسجن أربع سنوات كأحد التسعة الذين يحاكمون حضوريا من بين المتهمين في القضية وعددهم 46.

ومازال المتهمون الآخرون مثل برايان دي مولدر الذي يبلغ من العمر 21 عاما في سوريا. وربما يكونون قتلوا هناك.

تقول أوزانا رودريجيز والدة دي مولدر -وهي برازيلية- (الصورة) إنها تبكي كل يوم على ابنها الذي كان يوما شابا واعدا ولاعب كرة قدم. وتعتقد أن نادي المحترفين الذي كان يلعب له شطبه وهو في سن 17 عاما. إنه النادي الذي اقتيد ابنها منه إلى الدين ثم إلى العنف.

* احتقار “الكفار”

اعتنق برايان دي مولدر الإسلام مثل جيجون بونتينك وبسرعة صار متشددا وارتدى الجلباب وأصر على أكل اللحم الحلال وراح ينتقد والدته وشقيقاته لارتداء ملابس يراها غير مناسبة.

وذات يوم قال دي مولدر إنه يريد التطوع لعمل خيري في سوريا. تقول الأم “ناقشته قائلة إن هناك الكثير من الفرص هنا. لكنه قال لي إنه لا يريد هذه الفرص لأن الجميع هنا كفار.”

انتقلت الأم مع أسرتها الصغيرة من أنتويرب إلى الريف. لكن برايان استمر على اتصاله باصدقائه المتشددين. تقول رودريجيز “ذات صباح ذهبت إلى غرفته ولاحظت أنه غير موجود. لقد أخذوا ابني.”

مر عامان منذ ذلك الوقت. بعث برايان برسالة يقول فيها إنه في سوريا لكنه قلما يتصل بأسرته.

قال أستاذ العلوم السياسية بلال بن يعيش من جامعة جنت الذي درس تطرف الشبان البلجيكيين “يمكن أن يقع حدث في حياة الإنسان يكون نقطة تحول.” وأضاف أن هؤلاء الشبان “يجدون أنفسهم خارج النظام (العام) ويتولد لديهم اعتقاد بأن معاناتهم خطأ مجتمع.”

وتابع “يجدون السلوى في الإسلام المتشدد. هناك (في الإسلام المتشدد) أبيض وأسود وخير وشر… أنت تشعر بأنك تحررت من الشك وفجأة أصبح لك هدف.”

لكن ما يترتب على هذه التحولات لدى الأفراد يضر بالآخرين. لقد خسر ديمتري بونتينك وأوزانا رودريجيز وظيفتيهما. وتشردت والدة برايان وشقيقته (13 عاما) وصارتا تعتمدان في إيوائهما على الأصدقاء والأقارب.

 

ولا يحظى المتهمون بأي تعاطف من المواطنين الذين صدموا بالمداهمات التي استهدفت خلايا المتشددين الشهر الماضي والتي قالت الشرطة إنها أظهرت أن بعض البلجيكيين عادوا من سوريا لشن هجمات في بلادهم.

 

وقتل شخصان في تبادل لإطلاق النار بعد أسبوع من مقتل 17 في هجمات باريس التي استهدفت شارلي إبدو ومتجرا للأطعمة اليهودية. وفي الصيف قتل مسلح أربعة أشخاص في متحف يهودي ببروكسل.

 

ومن المتوقع أن يتفق قادة الاتحاد الأوروبي على تكثيف التعاون في مجال مكافحة الإرهاب في قمة ستعقد في العاصمة البلجيكية يوم الخميس. وإحدى الأولويات هي مكافحة نشر التشدد بين الشبان في الدول الأعضاء بالاتحاد.

يأمل ديمتري بونتينك أن يتيح حكم المحكمة لابنه فرصة لبدء حياة جديدة بعيدا عن بلجيكا. لكن المدعين طلبوا الحكم عليه بالسجن أربع سنوات.

وطلب المدعون الحكم على المتحدث باسم (شريعة لبلجيكا) فؤاد بلقاسم البالغ من العمر 32 سنة السجن 15 عاما. وينفي بلقاسم قيامه بتجنيد مقاتلين أجانب لسوريا.

وتأمل رودريجيز أن يعاقب القضاة من أخذوا ابنها لكنها لا تجد عزاء في ذلك. قالت وهي تجهش بالبكاء “إذا مات ابني في حادث سيارة أو برصاصة فإنني أستطيع أن أدفنه.” وأضافت “يمكن أن اقول له وداعا. لكن ابني في سوريا ماذا يمكن أن أفعل؟”

 

  • فريق ماسة
  • 2015-02-08
  • 11254
  • من الأرشيف

آباء في أوروبا يواجهون محنة بعد إغراء أبنائهم بالجهاد في سورية

بينما تنتظر بلجيكا حكما بعد أكبر محاكمة في أوروبا لمتهمين بدعم الإسلاميين في سوريا يتركز الاهتمام على مجتمعات المسلمين الفقراء في منطقة تعاني بشدة من البطالة بين الشباب. لكن بالنسبة لأب وأم في أنتويرب المدينة التي تعيش حالة تأهب منذ مذبحة شارلي إبدو في باريس ومداهمات الشرطة البلجيكية لمخابيء المتشددين ربما لا يقدم الحكم الذي سيصدر يوم الأربعاء أي تفسير للأسباب التي جعلت ابنيهما الشابين الرياضيين اللذين لا صلة لهما بالتراث الإسلامي يتركان حياة الترف ويقرران التوجه إلى الشرق الأوسط لحمل السلاح. وأيا كان الحكم الذي سيصدر على الاثنين تقول والدة برايان دي مولدر ووالد جيجون بونتينك إن الضرر الذي تسبب فيه من جندوهما لا يمكن علاجه بما في ذلك ضياع وظائف وتخريب حياة الوالدين والأقارب. قال ديمتري بونتينك (الصورة) إن جماعة دينية تسمى (شريعة لبلجيكا) أغرت ابنه الذي كان عمره 18 عاما بالسفر للقتال في سوريا مما وضعه في محنة وكذلك والدة جيجون المولودة في نيجيريا. وأضاف بونتينك (41 عاما) “الطريقة التي يرعونهم بها.. الطريقة التي يقدمونهم بها.. الطريقة التي يعطونهم بها أسماء جديدة.. الطريقة التي يؤدون بها الشعائر” كل ذلك جذب الأولاد الذين يمرون بتوترات السن الصغيرة. وبالنسبة لجيجون كان السبب قصة حب فاشلة في سن المراهقة. وتتفوق بلجيكا على الدول الأوروبية المجاورة في تقديم المقاتلين الأجانب لتنظيمات مثل الدولة الإسلامية والقاعدة إذ بلغ عدد من جندوا منها في تلك التنظيمات نحو 350 شخصا رغم أن عدد سكانها 11 مليون نسمة فقط. وتصدرت قصة بونتينك عناوين الصحف في بلاده عندما خاطر بحياته وسافر ثلاث مرات إلى منطقة القتال. لقد نجح في إعادة ابنه إلى بلاده. وأصبح جيجون بونتينك الذي يبلغ عمره الآن 20 عاما شاهدا رئيسيا في محاكمة قادة جماعة (شريعة لبلجيكا) بتهم الإرهاب. لكنه يواجه أيضا حكما بالسجن أربع سنوات كأحد التسعة الذين يحاكمون حضوريا من بين المتهمين في القضية وعددهم 46. ومازال المتهمون الآخرون مثل برايان دي مولدر الذي يبلغ من العمر 21 عاما في سوريا. وربما يكونون قتلوا هناك. تقول أوزانا رودريجيز والدة دي مولدر -وهي برازيلية- (الصورة) إنها تبكي كل يوم على ابنها الذي كان يوما شابا واعدا ولاعب كرة قدم. وتعتقد أن نادي المحترفين الذي كان يلعب له شطبه وهو في سن 17 عاما. إنه النادي الذي اقتيد ابنها منه إلى الدين ثم إلى العنف. * احتقار “الكفار” اعتنق برايان دي مولدر الإسلام مثل جيجون بونتينك وبسرعة صار متشددا وارتدى الجلباب وأصر على أكل اللحم الحلال وراح ينتقد والدته وشقيقاته لارتداء ملابس يراها غير مناسبة. وذات يوم قال دي مولدر إنه يريد التطوع لعمل خيري في سوريا. تقول الأم “ناقشته قائلة إن هناك الكثير من الفرص هنا. لكنه قال لي إنه لا يريد هذه الفرص لأن الجميع هنا كفار.” انتقلت الأم مع أسرتها الصغيرة من أنتويرب إلى الريف. لكن برايان استمر على اتصاله باصدقائه المتشددين. تقول رودريجيز “ذات صباح ذهبت إلى غرفته ولاحظت أنه غير موجود. لقد أخذوا ابني.” مر عامان منذ ذلك الوقت. بعث برايان برسالة يقول فيها إنه في سوريا لكنه قلما يتصل بأسرته. قال أستاذ العلوم السياسية بلال بن يعيش من جامعة جنت الذي درس تطرف الشبان البلجيكيين “يمكن أن يقع حدث في حياة الإنسان يكون نقطة تحول.” وأضاف أن هؤلاء الشبان “يجدون أنفسهم خارج النظام (العام) ويتولد لديهم اعتقاد بأن معاناتهم خطأ مجتمع.” وتابع “يجدون السلوى في الإسلام المتشدد. هناك (في الإسلام المتشدد) أبيض وأسود وخير وشر… أنت تشعر بأنك تحررت من الشك وفجأة أصبح لك هدف.” لكن ما يترتب على هذه التحولات لدى الأفراد يضر بالآخرين. لقد خسر ديمتري بونتينك وأوزانا رودريجيز وظيفتيهما. وتشردت والدة برايان وشقيقته (13 عاما) وصارتا تعتمدان في إيوائهما على الأصدقاء والأقارب.   ولا يحظى المتهمون بأي تعاطف من المواطنين الذين صدموا بالمداهمات التي استهدفت خلايا المتشددين الشهر الماضي والتي قالت الشرطة إنها أظهرت أن بعض البلجيكيين عادوا من سوريا لشن هجمات في بلادهم.   وقتل شخصان في تبادل لإطلاق النار بعد أسبوع من مقتل 17 في هجمات باريس التي استهدفت شارلي إبدو ومتجرا للأطعمة اليهودية. وفي الصيف قتل مسلح أربعة أشخاص في متحف يهودي ببروكسل.   ومن المتوقع أن يتفق قادة الاتحاد الأوروبي على تكثيف التعاون في مجال مكافحة الإرهاب في قمة ستعقد في العاصمة البلجيكية يوم الخميس. وإحدى الأولويات هي مكافحة نشر التشدد بين الشبان في الدول الأعضاء بالاتحاد. يأمل ديمتري بونتينك أن يتيح حكم المحكمة لابنه فرصة لبدء حياة جديدة بعيدا عن بلجيكا. لكن المدعين طلبوا الحكم عليه بالسجن أربع سنوات. وطلب المدعون الحكم على المتحدث باسم (شريعة لبلجيكا) فؤاد بلقاسم البالغ من العمر 32 سنة السجن 15 عاما. وينفي بلقاسم قيامه بتجنيد مقاتلين أجانب لسوريا. وتأمل رودريجيز أن يعاقب القضاة من أخذوا ابنها لكنها لا تجد عزاء في ذلك. قالت وهي تجهش بالبكاء “إذا مات ابني في حادث سيارة أو برصاصة فإنني أستطيع أن أدفنه.” وأضافت “يمكن أن اقول له وداعا. لكن ابني في سوريا ماذا يمكن أن أفعل؟”  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة