«حرِّك لها حوارها تحنّ». بهذا المثل العربي بادر عمرو بن العاص، معاوية بن أبي سفيان يوم أراد استنصار أهل الشام، فأخرج لهم قميص عثمان بن عفّان، فأقبلوا إليه يبكون.

 وهذا حال مشاعر الغضب التي تجتاح الشارع الأردني بعد حادثة حرق النقيب الطيار معاذ الكساسبة على يد تنظيم «داعش»، التي منحت الأردن الرسمي «بطاقة خضراء» للقيام بتحركات عسكرية ضد التنظيم المتشدد، وقد بدأها أمس الاول، حين شن غارات على مواقع التكفيريين في سوريا، قبل ان تمتد يوم امس الى مدينة الموصل العراقية.

 ولعلّ تيار «ليست حربنا» الذي ظهر بعيد مشاركة الأردن في التحالف الدولي ضد «داعش» بدأ يتقلص شيئاً فشيئاً، فخرجت الحشود الشعبية للمطالبة بقتال التنظيم «المتشدد»، فيما صارت تيارات سياسية (إسلامية وقومية ويسارية)، بخطابها الداعي إلى الانسحاب من «التحالف الدولي» تغرّد خارج السرب، فيما خطاب اليسار الداعي الى الوقوف مع الجيش السوري في مجابهة «داعش» يكاد لا يُسمع الحشود المطالبة بالثأر بأي صورة كانت.

رغبة الثأر هذه تعبِّد الطريق أمام الأردن الرسمي، في حال أعلن قبوله المشاركة في هجوم بري ضد «داعش»، ولكن ما هي المعطيات السياسية والعسكرية المتاحة لخيار كهذا؟

منذ اللحظات الأولى، استبعد مراقبون ومحللون إمكانية مشاركة الأردن في هجوم بري، وذلك لصعوبة اتخاذ قرار دولي وإقليمي من حيث الأصل بهذا الشأن، لكن المثير أن محللين سياسيين أردنيين كتبوا مقالات تدعو الأردن للضغط على أعضاء التحالف الدولي لتنفيذ هجوم بري على «داعش»، مستعرضين آراء سياسية أميركية تعارض القرار الرسمي الأميركي الرافض للانخراط في حرب برية ضد التنظيم.

وتأتي هذه المقالات بعد ما يقارب الأسبوع على تصريحات وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هايغل، التي تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تحتاج في نهاية المطاف إلى إرسال قوات برية غير مقاتلة إلى العراق للمساعدة في صد قوات «داعش»، وبعد أيام من مطالبة قادة مجلس الشيوخ الأميركي ووزراء دفاع بإرسال قوات برية أميركية مسلحة إلى سوريا.

برغم ما سبق، يستبعد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني النائب بسام المناصير، في حديث إلى «السفير»، توفر الظرف الموضوعي المناسب لحرب برية ضد «داعش»، ويضيف إذا «كان هناك تفكير جدي بالموضوع، فسيكون الأردن ضمن منظومة عربية تشارك بهذا التحالف».

ويتعرض المناصير لفكرة يتم تداولها، تتلخص بأن تشكل جامعة الدول العربية قوة عربية على غرار «قوات الردع»، مبيناً أنه في هذه الحالة فقط سيشارك الأردن، ومستبعداً أن تكون تركيا جزءاً من أي تحالف عربي أو إسلامي ضد «داعش» لأنها «لا ترغب بإقحام نفسها في حرب برية»، على حد تعبيره.

ويحلل المتخصص بالجماعات الإسلامية مروان شحادة في حديثه إلى «السفير» تحركات الأردن الرسمي في ظل عاطفة الأردنيين الراغبة بالانتقام للكساسبة، بأن «مشاعر الغضب هذه قد تكون لحظية، وأن المسؤول الأردني لن يقوم بأي ردات فعل في هذا الظرف استناداً إلى العواطف الجياشة، إلا إذا كانت محسوبة بدقة».

وبرغم موافقته لرأي المناصير، إلا أن شحادة لا يستبعد مشاركة الأردن بعمليات نخبوية لقوات خاصة تستهدف قيادات وعناصر من الصف الأول والثاني والثالث لـ «داعش».

المقدسي.. مؤسس التيار الجهادي حراً طليقاً!

بعد إعلان «داعش» إعدام الطيار الأردني بيومين، قرر النائب العام لمحكمة أمن الدولة فسخ قرار الظن الصادر عن محكمة أمن الدولة على المشتكى عليه عصام البرقاوي الملقب بـ «أبي محمد المقدسي» بتهمة التحريض على مناهضة الحكم، وبالتالي تم منع محاكمته والإفراج عنه فوراً ما لم يكن مطلوباً لأمر آخر، وفق مصادر أمن الدولة.

وقبل أشهر فقط، تم الإفراج عن المقدسي بعد عدم ثبوت الأدلة لإدانته، إلا أنه وصف ضربات التحالف الدولي على «داعش» بالصليبية، فأعيد إلقاء القبض عليه بتهمة التحريض على مناهضة الحكم.

فهل ثمة تناقض بإطلاق سراحه تحديداً في هذا الظرف؟

لا تناقض في المسألة. فأنصار «داعش» في الأردن هم المستهدفون، أما من يخالف أيديولوجيا التنظيم ويهاجمه كما فعل أبو محمد المقدسي حال إخلاء سبيله من المعتقل أمس الأول، فقد يكون عاملاً مساعداً في حرب سياسية يقودها المقدسي بفتاويه المناهضة للتنظيم.

وقام المقدسي بهذا الدور في ظرف مشابه. فقبل أن يستيقظ الأردنيون من صدمة تفجيرات عمان في العام 2005، كان المقدسي يواجه أبا مصعب الزرقاوي عبر التصريحات التي أدت إلى انقسامات في تيار «السلفية الجهادية»، وتمكن بعدها الأردن من استثمار هذه الانقسامات في حربه على الزرقاوي. لذا، فإن كلاً من المناصير وشحادة يصفان الإفراج عن المقدسي بـ «حكم سياسي»، خصوصاً وأن الرجل (المقدسي) كان له دور كبير في مفاوضة «داعش» لإعادة الطيار الأردني.

ويشير شحادة إلى أنه قد تم «توظيف غير متفق عليه بين الأردن الرسمي والمقدسي» لتصريحات المقدسي التي أدلى بها لوسائل إعلام أردنية فور خروجه من المعتقل ووصفه لسلوك «داعش» بـ «المضلل والكاذب»، مبيناً أن هذه التصريحات ستُحدث شرخاً داخل التنظيم.

إلا أن وكيل التنظيمات الاسلامية في الأردن المحامي موسى العبداللات أصر، خلال حديثه إلى «السفير» على التأكيد أن «قرار الإفراج عن المقدسي مؤشر على أن الأردن دولة مؤسسات وقانون، فلم تتوفر الأدلة القانونية لإدانته ولم تكن كافية، فقرر النائب العام في محكمة أمن الدولة منع محاكمته».

وفي سياق رد الفعل، مددّ سلاح الجو الأردني ضرباته الجوية ضد «داعش»، لتشمل للمرة الأولى أمس، مدينة الموصل العراقية معقل زعيمه أبو بكر البغدادي.

وبعد يوم واحد من قيام عشرات المقاتلات الأردنية بضرب معاقل للتنظيم في في محافظة الرقة السورية في عملية أسفرت عن تدمير مراكز تدريب ومستودعات أسلحة وذخائر، بحسب وسائل إعلام أردنية، أعلن الجيش الأردني عن مقتل أكثر من 35 عنصراً من «داعش» في الغارات الجوية التي استهدفت مناطق الغابات والغزلاني والساحل الأيمن والأيسر لمدينة الموصل.

  • فريق ماسة
  • 2015-02-06
  • 13977
  • من الأرشيف

هل يملك الأردن مقوّمات الدخول في حرب ضد «داعش»؟

«حرِّك لها حوارها تحنّ». بهذا المثل العربي بادر عمرو بن العاص، معاوية بن أبي سفيان يوم أراد استنصار أهل الشام، فأخرج لهم قميص عثمان بن عفّان، فأقبلوا إليه يبكون.  وهذا حال مشاعر الغضب التي تجتاح الشارع الأردني بعد حادثة حرق النقيب الطيار معاذ الكساسبة على يد تنظيم «داعش»، التي منحت الأردن الرسمي «بطاقة خضراء» للقيام بتحركات عسكرية ضد التنظيم المتشدد، وقد بدأها أمس الاول، حين شن غارات على مواقع التكفيريين في سوريا، قبل ان تمتد يوم امس الى مدينة الموصل العراقية.  ولعلّ تيار «ليست حربنا» الذي ظهر بعيد مشاركة الأردن في التحالف الدولي ضد «داعش» بدأ يتقلص شيئاً فشيئاً، فخرجت الحشود الشعبية للمطالبة بقتال التنظيم «المتشدد»، فيما صارت تيارات سياسية (إسلامية وقومية ويسارية)، بخطابها الداعي إلى الانسحاب من «التحالف الدولي» تغرّد خارج السرب، فيما خطاب اليسار الداعي الى الوقوف مع الجيش السوري في مجابهة «داعش» يكاد لا يُسمع الحشود المطالبة بالثأر بأي صورة كانت. رغبة الثأر هذه تعبِّد الطريق أمام الأردن الرسمي، في حال أعلن قبوله المشاركة في هجوم بري ضد «داعش»، ولكن ما هي المعطيات السياسية والعسكرية المتاحة لخيار كهذا؟ منذ اللحظات الأولى، استبعد مراقبون ومحللون إمكانية مشاركة الأردن في هجوم بري، وذلك لصعوبة اتخاذ قرار دولي وإقليمي من حيث الأصل بهذا الشأن، لكن المثير أن محللين سياسيين أردنيين كتبوا مقالات تدعو الأردن للضغط على أعضاء التحالف الدولي لتنفيذ هجوم بري على «داعش»، مستعرضين آراء سياسية أميركية تعارض القرار الرسمي الأميركي الرافض للانخراط في حرب برية ضد التنظيم. وتأتي هذه المقالات بعد ما يقارب الأسبوع على تصريحات وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هايغل، التي تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تحتاج في نهاية المطاف إلى إرسال قوات برية غير مقاتلة إلى العراق للمساعدة في صد قوات «داعش»، وبعد أيام من مطالبة قادة مجلس الشيوخ الأميركي ووزراء دفاع بإرسال قوات برية أميركية مسلحة إلى سوريا. برغم ما سبق، يستبعد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني النائب بسام المناصير، في حديث إلى «السفير»، توفر الظرف الموضوعي المناسب لحرب برية ضد «داعش»، ويضيف إذا «كان هناك تفكير جدي بالموضوع، فسيكون الأردن ضمن منظومة عربية تشارك بهذا التحالف». ويتعرض المناصير لفكرة يتم تداولها، تتلخص بأن تشكل جامعة الدول العربية قوة عربية على غرار «قوات الردع»، مبيناً أنه في هذه الحالة فقط سيشارك الأردن، ومستبعداً أن تكون تركيا جزءاً من أي تحالف عربي أو إسلامي ضد «داعش» لأنها «لا ترغب بإقحام نفسها في حرب برية»، على حد تعبيره. ويحلل المتخصص بالجماعات الإسلامية مروان شحادة في حديثه إلى «السفير» تحركات الأردن الرسمي في ظل عاطفة الأردنيين الراغبة بالانتقام للكساسبة، بأن «مشاعر الغضب هذه قد تكون لحظية، وأن المسؤول الأردني لن يقوم بأي ردات فعل في هذا الظرف استناداً إلى العواطف الجياشة، إلا إذا كانت محسوبة بدقة». وبرغم موافقته لرأي المناصير، إلا أن شحادة لا يستبعد مشاركة الأردن بعمليات نخبوية لقوات خاصة تستهدف قيادات وعناصر من الصف الأول والثاني والثالث لـ «داعش». المقدسي.. مؤسس التيار الجهادي حراً طليقاً! بعد إعلان «داعش» إعدام الطيار الأردني بيومين، قرر النائب العام لمحكمة أمن الدولة فسخ قرار الظن الصادر عن محكمة أمن الدولة على المشتكى عليه عصام البرقاوي الملقب بـ «أبي محمد المقدسي» بتهمة التحريض على مناهضة الحكم، وبالتالي تم منع محاكمته والإفراج عنه فوراً ما لم يكن مطلوباً لأمر آخر، وفق مصادر أمن الدولة. وقبل أشهر فقط، تم الإفراج عن المقدسي بعد عدم ثبوت الأدلة لإدانته، إلا أنه وصف ضربات التحالف الدولي على «داعش» بالصليبية، فأعيد إلقاء القبض عليه بتهمة التحريض على مناهضة الحكم. فهل ثمة تناقض بإطلاق سراحه تحديداً في هذا الظرف؟ لا تناقض في المسألة. فأنصار «داعش» في الأردن هم المستهدفون، أما من يخالف أيديولوجيا التنظيم ويهاجمه كما فعل أبو محمد المقدسي حال إخلاء سبيله من المعتقل أمس الأول، فقد يكون عاملاً مساعداً في حرب سياسية يقودها المقدسي بفتاويه المناهضة للتنظيم. وقام المقدسي بهذا الدور في ظرف مشابه. فقبل أن يستيقظ الأردنيون من صدمة تفجيرات عمان في العام 2005، كان المقدسي يواجه أبا مصعب الزرقاوي عبر التصريحات التي أدت إلى انقسامات في تيار «السلفية الجهادية»، وتمكن بعدها الأردن من استثمار هذه الانقسامات في حربه على الزرقاوي. لذا، فإن كلاً من المناصير وشحادة يصفان الإفراج عن المقدسي بـ «حكم سياسي»، خصوصاً وأن الرجل (المقدسي) كان له دور كبير في مفاوضة «داعش» لإعادة الطيار الأردني. ويشير شحادة إلى أنه قد تم «توظيف غير متفق عليه بين الأردن الرسمي والمقدسي» لتصريحات المقدسي التي أدلى بها لوسائل إعلام أردنية فور خروجه من المعتقل ووصفه لسلوك «داعش» بـ «المضلل والكاذب»، مبيناً أن هذه التصريحات ستُحدث شرخاً داخل التنظيم. إلا أن وكيل التنظيمات الاسلامية في الأردن المحامي موسى العبداللات أصر، خلال حديثه إلى «السفير» على التأكيد أن «قرار الإفراج عن المقدسي مؤشر على أن الأردن دولة مؤسسات وقانون، فلم تتوفر الأدلة القانونية لإدانته ولم تكن كافية، فقرر النائب العام في محكمة أمن الدولة منع محاكمته». وفي سياق رد الفعل، مددّ سلاح الجو الأردني ضرباته الجوية ضد «داعش»، لتشمل للمرة الأولى أمس، مدينة الموصل العراقية معقل زعيمه أبو بكر البغدادي. وبعد يوم واحد من قيام عشرات المقاتلات الأردنية بضرب معاقل للتنظيم في في محافظة الرقة السورية في عملية أسفرت عن تدمير مراكز تدريب ومستودعات أسلحة وذخائر، بحسب وسائل إعلام أردنية، أعلن الجيش الأردني عن مقتل أكثر من 35 عنصراً من «داعش» في الغارات الجوية التي استهدفت مناطق الغابات والغزلاني والساحل الأيمن والأيسر لمدينة الموصل.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة