أكد فنسان نوزي مؤلف كتاب «في سر الرؤساء» أن الرئيسين السابقين الأميركي يشرح للجزيرة مؤامرة الإطاحة  جورج بوش والفرنسي جاك شيراك عملا على الإطاحة بالنظام السوري، وأنهما كانا مهدا لذلك حتى قبل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، كاشفا أن شيراك كان مناهضا لـ«القوس الشيعي» واعتقد بضرورة وصول السنة والمسيحيين إلى السلطة في سوريا، وان اتهام حزب الله لم يرد مطلقا خلال الاتصالات التي تمت بين الرئيسين في أعقاب اغتيال الحريري.

وكان نوزي يتحدث في برنامج «الملف» عبر قناة الجزيرة، أمس، في حوار مطول أجراه معه الزميل سامي كليب في باريس. في الآتي نص الحوار:

تقول في كتابك أن شيراك عمل طويلا مع نظيره الأميركي جورج بوش على إسقاط النظام السوري، اشرح لنا ذلك؟

تعلمون أن الرئيس شيراك كان قريبا جدا من رئيس الوزراء الراحل، وكانت هذه الصداقة أحد الأسباب التي وجّهت الدبلوماسية الفرنسية آنذاك، ذلك أن الأميركيين كانوا في العراق، وشيراك وقف ضد حربِهم على العراق، ثم بحث لاحقا، عبر كل الطرق، عن وسيلة للمصالحة مع الأميركيين. وتعلمون أن الأميركيين كانوا يستهدفون النظام السوري، بذريعة انه يسمح بتسلل انتحاريين إلى الأراضي العراقية ويساعد حزب الله في لبنان ويدعم عمليات إرهابية. إذاً بالنسبة للأميركيين، كانت سوريا في صلب أهدافهم. وشيراك، الذي كان يستشير ويسمع كثيرا صديقَه رفيق الحريري، خاب أمله من النظام السوري. فهو كان قد أرسل مستشاره الدبلوماسي موريس غوردو مونتانيو في تشرين الثاني 2003 إلى دمشق، حاملا رسالة منه ومن المستشار الألماني غيرهارد شرودور والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الرسالة كانت مهمة جدا. فيها، اقترح المسؤولون الأوروبيون الثلاثة على الرئيس بشار الأسد التقدم بمبادرة حيال السلام في الشرق الأوسط. ويبدو أن سوء فهم وقع بين موريس غوردو مونتانيو والأسد في حينه. والمعروف أن الرسالة كانت محاولة فرنسية لرصد توجهات الأسد في المنطقة. لكن الرئيس السوري أجاب آنذاك أن الأميركيين يريدون رأسه، وبالتالي فهو لا يستطيع التجاوب مع أية مبادرات دبلوماسية على المستوى الدولي. وبعد هذا اللقاء الفاشل، اقتنع شيراك بأن نظام الأسد لن يحرك ساكنا. في تلك اللحظة بالضبط، تكثفت الضغوط على الرئيس السوري، وأراد شيراك تحقيق الانسحاب السوري من لبنان.

إذاً، الأسد يجب أن يرحل بالنسبة لشيراك؟

كان المطلوب في البداية الحصول على انسحاب القوات السورية من لبنان. وهذا كان طلب الحريري، صديق شيراك، ذلك أن الضغوط كانت قد تكثفت على لبنان قبل بضعة أشهر. وكان شيراك يقول إن لبنان بمثابة كعب أخيل بالنسبة لسوريا، وبالتالي فلو دفعنا القوات السورية خارج لبنان، فإن نظام الأسد سينهار من تلقاء نفسه. كان ينبغي إذا عدم قول ذلك صراحة. كان شيراك يأمل بذلك تماما كالأميركيين، يأمل بانهيار النظام السوري بعد الانسحاب من لبنان.

فهمت من كتابك انه منذ الأشهر الأولى لعام 2004، أو قبل اغتيال الحريري طلب شيراك من بوش مساعدة لبنان على التخلص من الوصاية السورية. وتقول أن سفيري البلدين جيفري فيلتمان، وفيليب لوكورتييه، بدآ منذ صيف 2004، عقد لقاءات في بيروت لهذه الغاية. إذا قرار شيراك الضغط على سوريا كان قد بدأ قبل اغتيال الحريري؟

بالفعل منذ بداية 2004، بدأ التعاون الفعلي بين الإليزيه والبيت الأبيض وتحديدا بين مستشار شيراك، غوردو مونتانيو، ومستشاري الرئيس الاميركي وخصوصا كوندليسا رايس. وتركزت المحادثات بينهما على لبنان والملف السوري اللبناني. ومنذ آذار 2004، قال شيراك للأميركيين، انه نظرا لأن بوش يريد نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط وانه اجتاح العراق لأجل ذلك، فإن المثال الأبرز الذي يمكن أن نسوقه، يكمن في حماية الديموقراطية الضعيفة في لبنان، وذلك عبر وقف الاحتلال السوري لهذا البلد. وهكذا، منذ ربيع 2004، ثم صيف 2004، بدأ العمل على صياغة القرار 1559، بين الفرنسيين والأميركيين، لتحقيق الانسحاب السوري من جهة وشجب التدخل السوري في لبنان، وبالتالي تركيع النظام السوري.

نقطة مهمة جدا تتعلق بالقرار 1559، تقول في كتابك إن «موريس غوردو مونتانيو التقى رايس، وعددا من المسؤولين الاميركيين في 19 و20 آب 2004، قبل أن يذهب إلى سردينيا، حيث يقيم الحريري. وتمت قراءة القرار 1559 بعناية على يخت رئيس الوزراء اللبناني، الذي لم يخف غضبه حيال السوريين. هل يعني ذلك أن الحريري كان شارك في القرار، وهل سجل ملاحظاته عليه؟

لا استطيع التأكيد أن الحريري صحح جزءا من القرار 1559. لكن ما يمكنني أن أؤكده، هو ما كتبته في كتابي، ومفاده أن الحريري قرأ القرار مع موريس غوردو مونتانيو. وعلى الأرجح، ناقشاه. غير أن المبادرة الأولى لهذا القرار جاءت من الفرنسيين والأميركيين. ذلك انه منذ صيف 2004 بدأ القرار يتجول بين باريس وواشنطن... وتم وضعه بالتعاون مع دبلوماسيي وسفراء البلدين، خصوصا سفيري فرنسا في بيروت وواشنطن. لم تكن هناك حاجة للحريري لصياغة القرار. لكن في المقابل، يمكنني أن أؤكد انه بعد زيارة موريس غوردو مونتانيو إلى واشنطن في 19 و20 آب، تمت قراءة القرار في المنزل الصيفي لرفيق الحريري في سردينيا.

من كتب القرار؟ هل فعلا أن فرنسا كتبته، ثم عدلته أميركا؟

انه ثمرة تعاون فرنسي أميركي. وأنا كتبت انه حتى اللحظات الأخيرة قبل 2 أيلول، يوم التوقيع على القرار، أي حتى الأيام الأخيرة من آب 2004، فإن موريس غوردو مونتانيو أكمل وضع اللمسات الأخيرة على القرار مع رايس، لا بل انه أزعجها مرات عديدة، خلال المؤتمر الجمهوري الذي سيرشح جورج بوش لولاية جديدة في تشرين الثاني 2004. كان فريق بوش في أوج الحملة الانتخابية، ومع ذلك بقي التعاون الوثيق بين غوردو مونتانيو ورايس حتى اللحظات الأخيرة لكتابة هذا القرار.

بدا واضحا أن شيراك بدأ العمل على إسقاط النظام السوري، استنادا إلى هذا القرار وقبل اغتيال الحريري. وأنت تقول في كتابك ما يلي: انه في خلال استقبال شيراك لرايس في 8 شباط 2005، قال شيراك لضيفته: يجب أن نذكر بالقرار 1559 في كل مناسبة، وان نطالب بتطبيقه، ذلك سيسمح بإضعاف المتشددين في دمشق، ويقدم الذرائع للمعتدلين بالتشكيك بقدرات والتوجهات الحالية، للنظام». و«ليس لدينا أية مصلحة بنشوء قوس شيعي في الشرق الأوسط، يمتد من إيران إلى حزب الله مرورا بالعراق وسوريا».

{ في كل محادثات شيراك مع بوش أو رايس، كان شيراك يعتقد، لا بل كان متيقناً، بأن النظام السوري سينهار بعد انسحابه من لبنان. هذه القناعة استندت فقط إلى تحليله الشخصي للنظام السوري، الذي اعتقد انه يعرفه جيدا. تلك القناعة تجعلنا نفكر بأن شيراك كان يعتقد أن تطبيق القرار 1559، سيؤدي إلى انهيار نظام الفاسد، وكان يفضل بطبيعة الحال أن ينهار النظام من تلقاء نفسه بدلا من التدخلات الخارجية. هذه كانت قناعته وأمله، ولكن ذلك لم يحصل.

كشفت في كتابك أن الرئيس المصري حسني مبارك الذي اتصل مرارا بشيراك، قدر هو الآخر أن اغتيال الحريري يحمل بصمات سورية، هل شرح مبارك لماذا يتهم سوريا؟

هذا الأمر تحديدا لم يُلحظ في الوثائق التي قرأتها، وإنما أكده لي مقربون من شيراك وخصوصا أيضا من المقربين من مبارك.

هل سمعت تعليق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على كتابك في مؤتمره الصحافي الأخير، هل وافقت على تفسيره بأن ثمة مؤامرة؟

هذا تفسير خاص بـ(السيد حسن) نصرالله. لم اكتب أي شيء من هذا في كتابي. إنما حصرت الأمر بالكشف عن الأمور التي حصلت في الإليزيه والبيت الأبيض، بشأن التعاون في السياسة الخارجية للبلدين، في ما يتعلق بسوريا ولبنان، بين 2004 و 2005. وكشفت عن المحادثات التي جرت بين الرئيسين شيراك وبوش. أنا اقصر الأمر على ذلك. ولكل شخص الحرية في تفسيره كما يروق له. لكنني لا أرى أين يمكن العثور على دلائل لأية مؤامرة كانت.

تكشف في الكتاب أن مساعد وزير الدفاع الاميركي بول ولفوويتز والسفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان أكدا على مسؤولية سوريا في الاغتيال. الغريب أن اسم حزب الله لم يذكر مطلقا. إذا الهدف كان سوريا؟

في كل الوثائق التي استطعت أن اطلع عليها، وبالطبع لم اطلع على كل شيء لأن بعض الوثائق تبقى طي السرية الكاملة لأسباب أمنية، وفي جل المحادثات بين الرئيسين الاميركي والفرنسي، لم يتم ذكر أي اتهام لحزب الله في تلك الفترة، وإنما كان الرئيسان يتحدثان بشكل خاص عن سوريا.

اللافت انك تؤكد أن بوش، الذي كان ميالا لعدم مواجهة سوريا مباشرة وإنما عبر لبنان، بقي فاغر الفاه أمام شروحات شيراك، وكأن شيراك كان أكثر اندفاعا منه لإسقاط نظام الأسد.

لدي شعور بأن المحادثات التي جرت بين شيراك وبوش في 21 شباط، أي بعد أيام قليلة على اغتيال الحريري، كشفت أن شيراك هو الذي كان يتحدث في ذلك اللقاء، وكان بوش يكتفي بالاستماع إليه. وما ذكرت في كتابي واضح، ومفاده أن شيراك راح يقدم قناعته ويشرح أفكاره ومقترحاته لبوش ويحاول أن يقنعه بسياسته، وفي نهاية القمة بين الرئيسين، يقول بوش: هذا أمر جيد جدا، ربما أنا لم أكن أرى الأمور على هذا النحو ولكن هذا ممتاز فلنعمل سويا. إن هذا اللقاء يولد لدينا الانطباع، بأن بوش كان يتبع شيراك، في مسألة اغتيال الحريري، وليس العكس.

وفق روايتك للأحداث في كتابك، تكشف أن شيراك قال في اللقاء ذاته مع بوش: «إذا حصلنا على انسحاب سوري، وفقدت سوريا سيطرتها على لبنان، فإن النظام السوري سينهار من تلقاء نفسه... وأن العلويين هم اليوم أقلية في سوريا، وأما في سوريا الغد، ستوصل الديموقراطية، السنة والمسيحيين إلى السلطة، وهذا ما سيدق مسمارا في القوس الشيعي».

حين يقول شيراك أن الأقلية العلوية قد تهزم من قبل غالبية أخرى في سوريا، فهذا ما يقوله هو، هل هذه رغبته العميقة؟ لا ادري، فأنا لا أريد أن أغالي في تفسير كلام شيراك. ولكنني اؤكد أن هذا ما قاله لبوش، الذي لم يخالفه الرأي.

تشير إلى لقاء حصل في 16 نيسان 2005، بين السفير الفرنسي في لبنان برنار ايميه، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وقبل أيام كشف نصر الله أن الفرنسيين حاولوا تقديم عروضات مغرية لحزب الله. الآن نفهم أن المطلوب كان إبعادهم عن سوريا. هل حصلت على معلومات بهذا الشأن؟

لم احصل على مضمون هذه المحادثة بين ايميه ونصر الله، ولكن ما يمكنني قوله، من خلال استنادي إلى مصادر موثوقة يتعلق بالنوايا الفرنسية آنذاك، كانت فرنسا تريد سبر آراء نصر الله، لمعرفة ما سيكون موقفه بالنسبة للخريطة السياسية اللبنانية، وهل يمكنه الابتعاد عن النظام السوري. كانت هناك رغبة فرنسية لمعرفة ما إذا كان حزب الله يستطيع الابتعاد عن أصدقائه في دمشق.

بماذا أجاب السيد نصر الله؟

من خلال التحقيق الذي قمت به والمقابلات التي أجريتها، فإن نصر الله لم يرد بالإيجاب، ولم يشأ القيام بأية مبادرات لصالح الفرنسيين أو الاميركيين.

فهمنا منك أن شيراك وخصوصا خلال لقائه برايس في تشرين الأول 2005، كان يراهن كثيرا على تقرير ديتليف ميليس، والقول أن سوريا لم تتعاون، ليزيد الضغط على دمشق. وها هو يقترح إقامة محكمة دولية. هل فبرك شيراك والأميركيون شهود الزور، هو سؤال مطروح اليوم في بيروت؟

في ما يتعلق بمبعوث الأمم المتحدة الذي كان مكلفا بتطبيق القرار 1559، الدبلوماسي تيري رود لارسن، فإن التنسيق بينه وبين الفرنسيين والأميركيين كان وثيقا جدا، وبالتالي فإنه حين زار لبنان ودمشق مرارا، كانت معلوماته تنقل بشكل طبيعي إلى الإليزيه والبيت الأبيض. أما في ما يتعلق بديتليف ميليس، فان ما يمكن قوله هو أن الهدف الأول لشيراك كان يتعلق بضرورة القيام بكل شيء، لإنشاء المحكمة الخاصة باغتيال الحريري، والاتجاه نحو قضاء دولي وإخراج القضية من القضاء اللبناني، خشية أن يتعرض هذا الأخير للضغوط. إذاً، مباشرة بعد اغتيال الحريري واللقاء الشهير بين شيراك وبوش في 21 شباط 2005، كانت الأولوية بالنسبة لشيراك هي القيام بتحقيق دولي وإنشاء المحكمة الدولية لاحقا. وما اعرفه بالنسبة للتحقيق هو انه، في كل مرحلة كان يتم إعلام شيراك بالتفاصيل، وكان الرئيس الفرنسي راغبا باستخدام تقارير لارسـن وميليس دبلوماسيا وسياسيا.

رغم كل هذه الاتصالات بين بوش وشيراك، نفهم أن بوش لم يكن يحب شيراك؟

الأمور بين الرئيسين كان قد بدأت بشكل سيء. فمنذ انتخاب بوش رئيسا للولايات المتحدة في أواخر 2000، ذهب شيراك مباشرة للقائه في واشنطن وكان اللقاء سيئا، ذلك أن شيراك كان يعتبر بوش مجرد ابن ابيه، وبالتالي ينظر إليه كصبي صغير. وبالنسبة لبوش، الذي كانت علاقته مع والده حساسة، فإن الإشارة إلى هذه الأمر من قبل شيراك كانت تزعجه جدا. وكان ينظر إلى شيراك كحكيم عجوز ويستاء من الدروس التي يتلقاها منه كأستاذ مدرسة. بوش لم يكن يحب ذلك، وصار يعتبر شيراك منتميا إلى عصر آخر. هذا التنافر الشخصي أخذ أبعادا سياسية ودبلوماسية كبيرة الأهمية لاحقا مع حرب العراق.

شيراك غادر السلطة، وبوش أيضا، وأما الأسد فقد واجه وصمد، وحين أتى نيكولا ساركوزي إلى الإليزيه انفتح على دمشق، ما السر في ذلك؟

شيراك في نهاية الأمر أخطا. فهو كان يعتقد أن انسحاب القوات السورية من لبنان سيؤدي إلى انهيار نظام الأسد. وهذا لم يحصل. وبعد التأكد من خطأ خياره، جاء ساركوزي، الذي لم يكن يحمل القناعات نفسها بشأن العراق أو السياسة الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط خصوصاً، وقرر القطيعة الدبلوماسية مع سياسة شيراك، التي كانت قد أصبحت معادية جدا لسوريا، فتصالح مع سوريا، مقتنعا بأن دورها مهم جدا في الشرق الأوسط.

ألم يكن هدف ساركوزي أيضا إبعاد سوريا عن إيران؟

بالنسبة لساركوزي، كان الأمر يتعلق بفتح آفاق دبلوماسية جديدة. تارة تراه يبحث مع الإيرانيين الملف النووي، وتارة يعيد فتح الأبواب مع سوريا. وبما انه قريب من إسرائيل، وهو لا يخفي ذلك، فقد فكر بسلام تفاوضي في الشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن تأتي سياسة جديدة مع كل رئيس جديد وهذا ما حصل مثلا مع الرئيس الأميركي باراك اوباما فور انتخابه.

  • فريق ماسة
  • 2010-11-26
  • 12889
  • من الأرشيف

مؤلف كتاب «في سر الرؤساء» يشرح للجزيرة مؤامرة الإطاحة بالنظام السوري

أكد فنسان نوزي مؤلف كتاب «في سر الرؤساء» أن الرئيسين السابقين الأميركي يشرح للجزيرة مؤامرة الإطاحة  جورج بوش والفرنسي جاك شيراك عملا على الإطاحة بالنظام السوري، وأنهما كانا مهدا لذلك حتى قبل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، كاشفا أن شيراك كان مناهضا لـ«القوس الشيعي» واعتقد بضرورة وصول السنة والمسيحيين إلى السلطة في سوريا، وان اتهام حزب الله لم يرد مطلقا خلال الاتصالات التي تمت بين الرئيسين في أعقاب اغتيال الحريري. وكان نوزي يتحدث في برنامج «الملف» عبر قناة الجزيرة، أمس، في حوار مطول أجراه معه الزميل سامي كليب في باريس. في الآتي نص الحوار: تقول في كتابك أن شيراك عمل طويلا مع نظيره الأميركي جورج بوش على إسقاط النظام السوري، اشرح لنا ذلك؟ تعلمون أن الرئيس شيراك كان قريبا جدا من رئيس الوزراء الراحل، وكانت هذه الصداقة أحد الأسباب التي وجّهت الدبلوماسية الفرنسية آنذاك، ذلك أن الأميركيين كانوا في العراق، وشيراك وقف ضد حربِهم على العراق، ثم بحث لاحقا، عبر كل الطرق، عن وسيلة للمصالحة مع الأميركيين. وتعلمون أن الأميركيين كانوا يستهدفون النظام السوري، بذريعة انه يسمح بتسلل انتحاريين إلى الأراضي العراقية ويساعد حزب الله في لبنان ويدعم عمليات إرهابية. إذاً بالنسبة للأميركيين، كانت سوريا في صلب أهدافهم. وشيراك، الذي كان يستشير ويسمع كثيرا صديقَه رفيق الحريري، خاب أمله من النظام السوري. فهو كان قد أرسل مستشاره الدبلوماسي موريس غوردو مونتانيو في تشرين الثاني 2003 إلى دمشق، حاملا رسالة منه ومن المستشار الألماني غيرهارد شرودور والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الرسالة كانت مهمة جدا. فيها، اقترح المسؤولون الأوروبيون الثلاثة على الرئيس بشار الأسد التقدم بمبادرة حيال السلام في الشرق الأوسط. ويبدو أن سوء فهم وقع بين موريس غوردو مونتانيو والأسد في حينه. والمعروف أن الرسالة كانت محاولة فرنسية لرصد توجهات الأسد في المنطقة. لكن الرئيس السوري أجاب آنذاك أن الأميركيين يريدون رأسه، وبالتالي فهو لا يستطيع التجاوب مع أية مبادرات دبلوماسية على المستوى الدولي. وبعد هذا اللقاء الفاشل، اقتنع شيراك بأن نظام الأسد لن يحرك ساكنا. في تلك اللحظة بالضبط، تكثفت الضغوط على الرئيس السوري، وأراد شيراك تحقيق الانسحاب السوري من لبنان. إذاً، الأسد يجب أن يرحل بالنسبة لشيراك؟ كان المطلوب في البداية الحصول على انسحاب القوات السورية من لبنان. وهذا كان طلب الحريري، صديق شيراك، ذلك أن الضغوط كانت قد تكثفت على لبنان قبل بضعة أشهر. وكان شيراك يقول إن لبنان بمثابة كعب أخيل بالنسبة لسوريا، وبالتالي فلو دفعنا القوات السورية خارج لبنان، فإن نظام الأسد سينهار من تلقاء نفسه. كان ينبغي إذا عدم قول ذلك صراحة. كان شيراك يأمل بذلك تماما كالأميركيين، يأمل بانهيار النظام السوري بعد الانسحاب من لبنان. فهمت من كتابك انه منذ الأشهر الأولى لعام 2004، أو قبل اغتيال الحريري طلب شيراك من بوش مساعدة لبنان على التخلص من الوصاية السورية. وتقول أن سفيري البلدين جيفري فيلتمان، وفيليب لوكورتييه، بدآ منذ صيف 2004، عقد لقاءات في بيروت لهذه الغاية. إذا قرار شيراك الضغط على سوريا كان قد بدأ قبل اغتيال الحريري؟ بالفعل منذ بداية 2004، بدأ التعاون الفعلي بين الإليزيه والبيت الأبيض وتحديدا بين مستشار شيراك، غوردو مونتانيو، ومستشاري الرئيس الاميركي وخصوصا كوندليسا رايس. وتركزت المحادثات بينهما على لبنان والملف السوري اللبناني. ومنذ آذار 2004، قال شيراك للأميركيين، انه نظرا لأن بوش يريد نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط وانه اجتاح العراق لأجل ذلك، فإن المثال الأبرز الذي يمكن أن نسوقه، يكمن في حماية الديموقراطية الضعيفة في لبنان، وذلك عبر وقف الاحتلال السوري لهذا البلد. وهكذا، منذ ربيع 2004، ثم صيف 2004، بدأ العمل على صياغة القرار 1559، بين الفرنسيين والأميركيين، لتحقيق الانسحاب السوري من جهة وشجب التدخل السوري في لبنان، وبالتالي تركيع النظام السوري. نقطة مهمة جدا تتعلق بالقرار 1559، تقول في كتابك إن «موريس غوردو مونتانيو التقى رايس، وعددا من المسؤولين الاميركيين في 19 و20 آب 2004، قبل أن يذهب إلى سردينيا، حيث يقيم الحريري. وتمت قراءة القرار 1559 بعناية على يخت رئيس الوزراء اللبناني، الذي لم يخف غضبه حيال السوريين. هل يعني ذلك أن الحريري كان شارك في القرار، وهل سجل ملاحظاته عليه؟ لا استطيع التأكيد أن الحريري صحح جزءا من القرار 1559. لكن ما يمكنني أن أؤكده، هو ما كتبته في كتابي، ومفاده أن الحريري قرأ القرار مع موريس غوردو مونتانيو. وعلى الأرجح، ناقشاه. غير أن المبادرة الأولى لهذا القرار جاءت من الفرنسيين والأميركيين. ذلك انه منذ صيف 2004 بدأ القرار يتجول بين باريس وواشنطن... وتم وضعه بالتعاون مع دبلوماسيي وسفراء البلدين، خصوصا سفيري فرنسا في بيروت وواشنطن. لم تكن هناك حاجة للحريري لصياغة القرار. لكن في المقابل، يمكنني أن أؤكد انه بعد زيارة موريس غوردو مونتانيو إلى واشنطن في 19 و20 آب، تمت قراءة القرار في المنزل الصيفي لرفيق الحريري في سردينيا. من كتب القرار؟ هل فعلا أن فرنسا كتبته، ثم عدلته أميركا؟ انه ثمرة تعاون فرنسي أميركي. وأنا كتبت انه حتى اللحظات الأخيرة قبل 2 أيلول، يوم التوقيع على القرار، أي حتى الأيام الأخيرة من آب 2004، فإن موريس غوردو مونتانيو أكمل وضع اللمسات الأخيرة على القرار مع رايس، لا بل انه أزعجها مرات عديدة، خلال المؤتمر الجمهوري الذي سيرشح جورج بوش لولاية جديدة في تشرين الثاني 2004. كان فريق بوش في أوج الحملة الانتخابية، ومع ذلك بقي التعاون الوثيق بين غوردو مونتانيو ورايس حتى اللحظات الأخيرة لكتابة هذا القرار. بدا واضحا أن شيراك بدأ العمل على إسقاط النظام السوري، استنادا إلى هذا القرار وقبل اغتيال الحريري. وأنت تقول في كتابك ما يلي: انه في خلال استقبال شيراك لرايس في 8 شباط 2005، قال شيراك لضيفته: يجب أن نذكر بالقرار 1559 في كل مناسبة، وان نطالب بتطبيقه، ذلك سيسمح بإضعاف المتشددين في دمشق، ويقدم الذرائع للمعتدلين بالتشكيك بقدرات والتوجهات الحالية، للنظام». و«ليس لدينا أية مصلحة بنشوء قوس شيعي في الشرق الأوسط، يمتد من إيران إلى حزب الله مرورا بالعراق وسوريا». { في كل محادثات شيراك مع بوش أو رايس، كان شيراك يعتقد، لا بل كان متيقناً، بأن النظام السوري سينهار بعد انسحابه من لبنان. هذه القناعة استندت فقط إلى تحليله الشخصي للنظام السوري، الذي اعتقد انه يعرفه جيدا. تلك القناعة تجعلنا نفكر بأن شيراك كان يعتقد أن تطبيق القرار 1559، سيؤدي إلى انهيار نظام الفاسد، وكان يفضل بطبيعة الحال أن ينهار النظام من تلقاء نفسه بدلا من التدخلات الخارجية. هذه كانت قناعته وأمله، ولكن ذلك لم يحصل. كشفت في كتابك أن الرئيس المصري حسني مبارك الذي اتصل مرارا بشيراك، قدر هو الآخر أن اغتيال الحريري يحمل بصمات سورية، هل شرح مبارك لماذا يتهم سوريا؟ هذا الأمر تحديدا لم يُلحظ في الوثائق التي قرأتها، وإنما أكده لي مقربون من شيراك وخصوصا أيضا من المقربين من مبارك. هل سمعت تعليق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على كتابك في مؤتمره الصحافي الأخير، هل وافقت على تفسيره بأن ثمة مؤامرة؟ هذا تفسير خاص بـ(السيد حسن) نصرالله. لم اكتب أي شيء من هذا في كتابي. إنما حصرت الأمر بالكشف عن الأمور التي حصلت في الإليزيه والبيت الأبيض، بشأن التعاون في السياسة الخارجية للبلدين، في ما يتعلق بسوريا ولبنان، بين 2004 و 2005. وكشفت عن المحادثات التي جرت بين الرئيسين شيراك وبوش. أنا اقصر الأمر على ذلك. ولكل شخص الحرية في تفسيره كما يروق له. لكنني لا أرى أين يمكن العثور على دلائل لأية مؤامرة كانت. تكشف في الكتاب أن مساعد وزير الدفاع الاميركي بول ولفوويتز والسفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان أكدا على مسؤولية سوريا في الاغتيال. الغريب أن اسم حزب الله لم يذكر مطلقا. إذا الهدف كان سوريا؟ في كل الوثائق التي استطعت أن اطلع عليها، وبالطبع لم اطلع على كل شيء لأن بعض الوثائق تبقى طي السرية الكاملة لأسباب أمنية، وفي جل المحادثات بين الرئيسين الاميركي والفرنسي، لم يتم ذكر أي اتهام لحزب الله في تلك الفترة، وإنما كان الرئيسان يتحدثان بشكل خاص عن سوريا. اللافت انك تؤكد أن بوش، الذي كان ميالا لعدم مواجهة سوريا مباشرة وإنما عبر لبنان، بقي فاغر الفاه أمام شروحات شيراك، وكأن شيراك كان أكثر اندفاعا منه لإسقاط نظام الأسد. لدي شعور بأن المحادثات التي جرت بين شيراك وبوش في 21 شباط، أي بعد أيام قليلة على اغتيال الحريري، كشفت أن شيراك هو الذي كان يتحدث في ذلك اللقاء، وكان بوش يكتفي بالاستماع إليه. وما ذكرت في كتابي واضح، ومفاده أن شيراك راح يقدم قناعته ويشرح أفكاره ومقترحاته لبوش ويحاول أن يقنعه بسياسته، وفي نهاية القمة بين الرئيسين، يقول بوش: هذا أمر جيد جدا، ربما أنا لم أكن أرى الأمور على هذا النحو ولكن هذا ممتاز فلنعمل سويا. إن هذا اللقاء يولد لدينا الانطباع، بأن بوش كان يتبع شيراك، في مسألة اغتيال الحريري، وليس العكس. وفق روايتك للأحداث في كتابك، تكشف أن شيراك قال في اللقاء ذاته مع بوش: «إذا حصلنا على انسحاب سوري، وفقدت سوريا سيطرتها على لبنان، فإن النظام السوري سينهار من تلقاء نفسه... وأن العلويين هم اليوم أقلية في سوريا، وأما في سوريا الغد، ستوصل الديموقراطية، السنة والمسيحيين إلى السلطة، وهذا ما سيدق مسمارا في القوس الشيعي». حين يقول شيراك أن الأقلية العلوية قد تهزم من قبل غالبية أخرى في سوريا، فهذا ما يقوله هو، هل هذه رغبته العميقة؟ لا ادري، فأنا لا أريد أن أغالي في تفسير كلام شيراك. ولكنني اؤكد أن هذا ما قاله لبوش، الذي لم يخالفه الرأي. تشير إلى لقاء حصل في 16 نيسان 2005، بين السفير الفرنسي في لبنان برنار ايميه، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وقبل أيام كشف نصر الله أن الفرنسيين حاولوا تقديم عروضات مغرية لحزب الله. الآن نفهم أن المطلوب كان إبعادهم عن سوريا. هل حصلت على معلومات بهذا الشأن؟ لم احصل على مضمون هذه المحادثة بين ايميه ونصر الله، ولكن ما يمكنني قوله، من خلال استنادي إلى مصادر موثوقة يتعلق بالنوايا الفرنسية آنذاك، كانت فرنسا تريد سبر آراء نصر الله، لمعرفة ما سيكون موقفه بالنسبة للخريطة السياسية اللبنانية، وهل يمكنه الابتعاد عن النظام السوري. كانت هناك رغبة فرنسية لمعرفة ما إذا كان حزب الله يستطيع الابتعاد عن أصدقائه في دمشق. بماذا أجاب السيد نصر الله؟ من خلال التحقيق الذي قمت به والمقابلات التي أجريتها، فإن نصر الله لم يرد بالإيجاب، ولم يشأ القيام بأية مبادرات لصالح الفرنسيين أو الاميركيين. فهمنا منك أن شيراك وخصوصا خلال لقائه برايس في تشرين الأول 2005، كان يراهن كثيرا على تقرير ديتليف ميليس، والقول أن سوريا لم تتعاون، ليزيد الضغط على دمشق. وها هو يقترح إقامة محكمة دولية. هل فبرك شيراك والأميركيون شهود الزور، هو سؤال مطروح اليوم في بيروت؟ في ما يتعلق بمبعوث الأمم المتحدة الذي كان مكلفا بتطبيق القرار 1559، الدبلوماسي تيري رود لارسن، فإن التنسيق بينه وبين الفرنسيين والأميركيين كان وثيقا جدا، وبالتالي فإنه حين زار لبنان ودمشق مرارا، كانت معلوماته تنقل بشكل طبيعي إلى الإليزيه والبيت الأبيض. أما في ما يتعلق بديتليف ميليس، فان ما يمكن قوله هو أن الهدف الأول لشيراك كان يتعلق بضرورة القيام بكل شيء، لإنشاء المحكمة الخاصة باغتيال الحريري، والاتجاه نحو قضاء دولي وإخراج القضية من القضاء اللبناني، خشية أن يتعرض هذا الأخير للضغوط. إذاً، مباشرة بعد اغتيال الحريري واللقاء الشهير بين شيراك وبوش في 21 شباط 2005، كانت الأولوية بالنسبة لشيراك هي القيام بتحقيق دولي وإنشاء المحكمة الدولية لاحقا. وما اعرفه بالنسبة للتحقيق هو انه، في كل مرحلة كان يتم إعلام شيراك بالتفاصيل، وكان الرئيس الفرنسي راغبا باستخدام تقارير لارسـن وميليس دبلوماسيا وسياسيا. رغم كل هذه الاتصالات بين بوش وشيراك، نفهم أن بوش لم يكن يحب شيراك؟ الأمور بين الرئيسين كان قد بدأت بشكل سيء. فمنذ انتخاب بوش رئيسا للولايات المتحدة في أواخر 2000، ذهب شيراك مباشرة للقائه في واشنطن وكان اللقاء سيئا، ذلك أن شيراك كان يعتبر بوش مجرد ابن ابيه، وبالتالي ينظر إليه كصبي صغير. وبالنسبة لبوش، الذي كانت علاقته مع والده حساسة، فإن الإشارة إلى هذه الأمر من قبل شيراك كانت تزعجه جدا. وكان ينظر إلى شيراك كحكيم عجوز ويستاء من الدروس التي يتلقاها منه كأستاذ مدرسة. بوش لم يكن يحب ذلك، وصار يعتبر شيراك منتميا إلى عصر آخر. هذا التنافر الشخصي أخذ أبعادا سياسية ودبلوماسية كبيرة الأهمية لاحقا مع حرب العراق. شيراك غادر السلطة، وبوش أيضا، وأما الأسد فقد واجه وصمد، وحين أتى نيكولا ساركوزي إلى الإليزيه انفتح على دمشق، ما السر في ذلك؟ شيراك في نهاية الأمر أخطا. فهو كان يعتقد أن انسحاب القوات السورية من لبنان سيؤدي إلى انهيار نظام الأسد. وهذا لم يحصل. وبعد التأكد من خطأ خياره، جاء ساركوزي، الذي لم يكن يحمل القناعات نفسها بشأن العراق أو السياسة الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط خصوصاً، وقرر القطيعة الدبلوماسية مع سياسة شيراك، التي كانت قد أصبحت معادية جدا لسوريا، فتصالح مع سوريا، مقتنعا بأن دورها مهم جدا في الشرق الأوسط. ألم يكن هدف ساركوزي أيضا إبعاد سوريا عن إيران؟ بالنسبة لساركوزي، كان الأمر يتعلق بفتح آفاق دبلوماسية جديدة. تارة تراه يبحث مع الإيرانيين الملف النووي، وتارة يعيد فتح الأبواب مع سوريا. وبما انه قريب من إسرائيل، وهو لا يخفي ذلك، فقد فكر بسلام تفاوضي في الشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن تأتي سياسة جديدة مع كل رئيس جديد وهذا ما حصل مثلا مع الرئيس الأميركي باراك اوباما فور انتخابه.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة