دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يكن العام المنصرم كسابقه في حلب، فالمدينة التي عانت أشهر حصار خانق فرضته الفصائل المتشددة عليها، شهدت انفراجات كبيرة، بل وحصارا معاكسا فُرض على الفصائل المقاتلة داخل المدينة،وسط تقدم كبير للجيش السوري والفصائل التي تؤازره في الريف الحلبي المفتوح على تركيا، بالإضافة إلى استعادة قلب المدينة الاقتصادي (المدينة الصناعية في الشيخ نجار)، وفك الحصار عن السجن المركزي، الذي ذاع صيته، وتناقلت وسائل إعلام معارضة أنباء كاذبة متتالية عن سقوطه بيد المسلحين.
لكن المدينة، وبرغم التقدم الكبير للجيش السوري وهو امر قد يؤدي الى تغيير المشهد العسكري بالكامل في العام الحالي، ما تزال تنزف تراثها وتاريخها (المدينة القديمة)، كما تنزف سكانها، الذين مازالوا يتساقطون شهداء على وقع استمرار الحرب.
وتفيد إحصاءات الطبابة الشرعية في حلب بأن 1163 مدنياً، بينهم 283 طفلاً (تحت 14 عاماً) و222 امرأة، قتلوا في حلب في العام 2014، وهم ممن تم تسجيلهم في الطبابة، أي سقطوا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في مدينة حلب المنقسمة إلى شطرين، غربي جنوبي تسيطر عليه الحكومة، وشمالي شرقي مازال خاضعاً لسيطرة الفصائل المتشددة.
وأشار مصدر في الطبابة الشرعية في حلب، خلال حديثه إلى «السفير»، الى انخفاض عدد الشهداء عن العام 2013، حيث سجّل مقتل 2582، معيداً الفضل في ذلك إلى تقدم الجيش السوري في محيط المدينة، وقطع طرق الإمداد عن المسلحين، ما أجبر الفصائل الموجودة داخل حلب إلى «التقنين» في استعمال القذائف المتفجرة، المتسبب الأكبر في سقوط الضحايا. وتفيد الإحصاءات أن أكثر من ثلثي الضحايا في 2014 قتلوا جراء تعرضهم لشظايا قذائف متفجرة سقطت على أحياء المدينة الغربية.
ويشدد المصدر على أن هذه الإحصاءات متعلقة بالمدنيين فقط من دون العسكريين (يتم تسجيل الشهداء من العسكريين في الطبابة الشرعية العسكرية، ولا إحصاءات دقيقة حولهم)، كما أنها تتعلق بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة فقط، حيث يصعب إجراء إحصاء في المناطق الخارجة عن سيطرتها، والتي تتنازع عدة فصائل متشددة السيطرة عليها.
ويوضح أن مدينة حلب، منذ اقتحام الفصائل المسلحة لها في آب العام 2012 وحتى نهاية عام 2014، سجلت سقوط أكثر من 4600 شهيد من المدنيين، يشكل الأطفال والنساء نسبة تفوق الـ 35 في المئة، بينهم أكثر من 1600 جثة مجهولة الهوية، إضافة إلى العثور على جثث في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة وسيطر عليها الجيش في ريف حلب الشرقي تعرضت لسرقة أعضائها.
وبالرغم من تراجع استخدام القذائف المتفجرة، التي كانت تطال أحياء عديدة غرب المدينة، واقتصر نفوذها على الأحياء القريبة من حي بني زيد الخاضع لسيطرة «جبهة النصرة»، و «لواء شهداء بدر»، إلا أن الفصائل المسلحة طورت بعض القذائف، ما زاد من حجم الدمار ورفع من عدد القتلى المدنيين مع كل استهداف، وفق مصدر ميداني، حيث سجّل في الأيام الأولى من العام الحالي مقتل 33 مواطناً، كما سجّل مقتل 12 مواطناً إثر سقوط قذيفة متفجرة قرب فرن للخبز في حي حلب الجديدة.
وفي سياق متصل، سجلت حلب عاماً اسود بالنسبة إلى درّتها الأثرية (المدينة القديمة)، حيث طالت عدة تفجيرات مباني أثرية في محيط القلعة، تسببت بدمار كبير، إثر قيام فصائل متشددة بحفر أنفاق وتفجيرها، أبرزها تدمير مبنى قيادة الشرطة الأثري في المدينة القديمة في شباط، ومبنى فندق الكارلتون الأثري في أيار، وجامع السلطانية والمدرسة الظاهرية ومبنى المحكمة الشرعية الأثري في كانون الأول، إضافة إلى استهداف القلعة عدة مرات بالقذائف المتفجرة، آخرها في شهر تشرين الثاني على يد «الجبهة الإسلامية».
وفي ريف حلب الشمالي، تعيش قريتا نبّل والزهراء عامهما الثالث تحت الحصار الشديد الذي تفرضه الفصائل المتشددة، في حين شهد العام الماضي عشرات محاولات اقتحامهما من قبل فصائل متشددة، أبرزها «جبهة النصرة»، حيث منيت الفصائل بفشل ذريع، ليبقى سكان القريتين صامدين فيهما. وتشير إحصاءات القريتين إلى أن «عدد الشهداء الذين سقطوا خلال الاشتباكات أو القذائف المتفجرة، التي يطلقها المسلحون على القريتين منذ بداية الحصار بلغ 620 قتيلا، بينهم مدنيون وعسكريون، في حين بلغ عدد المصابين 1100، إضافة إلى خطف أكثر من 120 شخصاً من سكان القريتين، بينهم نساء وأطفال.
عسكرياً، يعتبر العام 2014 عام انتصارات للجيش السوري في حلب، حيث تمكن في هذا العام من قلب الحصار الذي كانت تفرضه الفصائل على المدينة إلى حصار عكسي، ليتمكن من تشكيل طوق عسكري محكم في محيط كامل المدينة، بعد معارك انطلقت من الجنوب الشرقي، واستمرت حتى الوصول إلى أقصى الشمال المفتوح على تركيا، في حين شنت فصائل مسلحة تابعة لـ «الجبهة الإسلامية» هجوماً عكسياً على نقاط تمركز الجيش شمال المدينة مطلع العام 2015، الأمر الذي فك الحصار جزئياً عن المنطقة الشمالية، وهي «حالة مؤقتة» وفق تعبير مصدر عسكري تحدث إلى «السفير»، موضحاً أن العمليات العسكرية ستعود إلى ذروتها وستعود سيطرة الجيش بشكل كامل في محيط حلب في وقت قريب جداً.
خدماتياً، مازالت مدينة حلب تعاني من انخفاض مستوى جميع الخدمات، لترزح المدينة تحت وطأة الانقطاعات الطويلة والمتكررة لمياه الشرب، وللتيار الكهربائي، والخاضعة لمزاجية «جبهة النصرة» التي مازالت تتحكم بمرفقي المدينة، إضافة إلى النقص الكبير في الوقود، والغاز المنزلي، في مشهد لا يعكس صورة التقدم العسكري الكبير الذي شهدته عاصمة سوريا الاقتصادية في العام 2014.
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة